مطابقة المحرر على أصله من قبل القنصلية خارج اليمن
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون –
جامعة صنعاء
https://t.me/AbdmomenShjaaAldeen
وفقاً للمادة (46) من قانون التوثيق اليمني فإن القنصليات اليمنية خارج اليمن تقوم مقام اقلام التوثيق داخل اليمن ، فالقنصليات تتولى خارج اليمن تحرير المحررات المتعلقة بالمواطنين اليمنيين خارج اليمن وتوثيق تلك المحررات.
وتحرير وتوثيق المحررات من قبل القنصلية يعني أن
الموظف المختص في القنصلية يقوم بالتحقق والتأكد من شخصيات وصفات أطراف المحرر
المطلوب تحريره أو توثيقه ، وكذا التحقق والتوثق من توفر أركان وشروط التصرف
الوارد في المحرر.
والخلاصة ان القنصلية اليمنية خارج اليمن تباشر
الصلاحيات المخوّلة لقلم التوثيق داخل اليمن وفقا للمادة (46) من قانون التوثيق .
بيد أن قلم التوثيق والقنصلية لا يختصا
بالمطابقة بين أصل المحرر وصورته الا إذا كان اصل المحرر صادر منهما ،وتبعا لذلك لا
يحق لهما القيام بمطابقة المحررات غير الصادرة عنهما إلا إذا كان الغرض من المطابقة قاصر على إستكمال الاجراءات لدى القنصلية أو قلم التوثيق، وعندئذ تكون حجية الصورة التي
تمت مطابقتها قاصرة على القنصلية أو قلم التوثيق ، وعلى هذا الأساس إذا قامت
القنصلية بالمطابقة بين صورة محرر وأصله
الذي لم يصدر من القنصلية أو
السفارة التي تتبعها القنصلية فلا تكتسب صورة المحرر المطابق من القنصلية حجية
المحرر المطابق المقررة في قانون الإثبات اليمني، فلاتعد هذه العملية مطابقة ، حسبما
قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ
26/2/2014م في الطعن رقم (53856)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (واما
الجدل الذي اثارته الطاعنة تعييباً منها لموقف المحكمة الاستئنافية من مستندات
الطاعنة وبصفة خاصة صورة التنازل المنسوب صدوره من المطعون ضدها، حيث تمسكت
الطاعنة بسلامة صورة ذلك المحرر وإصرارها على ان تلك الصورة مطابقة لأصلها ولها حجيتها
القانونية بإعتبارها معمدة من القنصلية اليمنية في مدينة ..... بدولة.....،
والدائرة: تجد أن صورة محرر التنازل محل النزاع قد عجزت الطاعنة عن تقديم اصله
مصرة على إعتقادها بان الصورة كافية في الإثبات كونها مختومة بختم القنصلية
اليمنية في مدينة.....، ومن ثم فإن هذه الدائرة تجد: أنه من الصعوبة بمكان القبول
بحجية هذه الصورة في غياب أصلها ، لإن مطابقتها من قبل القنصلية لا يغني عن أصلها ،
فضلاً عن أنه من المقرر أن الصورة الفوتوغرافية للمحرر لا تعدو أن تكون مبدأ ثبوت
بالكتابة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية المطابقة بين أصل المحرر وصورته:
مطابقة صورة المحرر على اصله تعني : إحضار اصل المحرر والتحقق من انه اصل ثم المقارنة التامة بين الأصل وصورته ، للتأكد بما لا يدع مجالاً
للشك أن صورة المحرر مطابقة تماما لأصل المحرر وأنه لا فرق أو إختلاف بينهما، وتتم المطابقة عن طريق المقارنة بين
بيانات المحرر في الأصل والصورة وكل ماهو مدون فيها.
وعند
التحقق من ان صورة المحرر مطابقة تماما لأصلها يقوم المختص بكتابة الإفادة المتضمنة
ان المطابقة قد تمت من قبله، وتتضمن هذه الافادة عبارة المطابقة : أنه من خلال
المشاهدة والمقارنة الدقيقة بين أصل المحرر وصورته فقد ثبت أن الصورة مطابقة لأصلها
أو كتابة عبارة: شوهد الاصل أو عبارة : صورة
مطابقة لاصلها أو عبارة : صورة طبق الاصل ، ويتم تذييل هذه العبارة بتوقيع
الموظف المختص الذي قام بالمطابقة ويتم ختم عبارة المطابقة بختم الجهة التي يتبعها الموظف الذي قام بالمطابقة،
وذلك على صورة المحرر التي تمت مطابقتها على اصلها.
الوجه الثاني: مطابقة المحررات الرسمية:
وفقا لقانون الإثبات وقانون التوثيق فان المحرر
الرسمي هو الذي يتولى تحريره الموظف العام
المختص ، ويصدر عن الجهة الرسمية المختصة ، وكذا المحررات التي يتم تحريرها أو
توثيقها من قبل اقلام التوثيق والقنصليات
المختصة.
وبناء على ذلك فان مطابقة المحرر الرسمي تتم من
قبل الجهة التي صدر عنها المحرر المطلوب
مطابقته، وفي هذا المعنى نصت المادة (101) من قانون الإثبات اليمني على انه :( إذا
كان أصل المحرر الرسمي موجودا فإن صورته الرسمية خطية كانت أو
فوتوغرافية تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل، وتعتبر الصورة الرسمية مطابقة للأصل ما لم ينازع
في ذلك أحد الطرفين ، وفي هذه الحالة تراجع الصور على الأصل).
ولكي
تكون لصورة المحرر الرسمي حجية اصلها فانه
يجب أن يوقع عليها الموظف المختص بمايفيد مطابقتها وأن تختم بالختم الرسمي للجهة التي
أصدرتها وأن يبين فيها أنها مطابقة للأصل.
وفي
هذا المعنى نصت المادة(102) إثبات على انه
:(إذا لم يوجد أصل المحرر الرسمي كانت الصورة الرسمية المعمدة المصرح فيها بأنها
مطابقة للأصل بحجة على الوجه الآتي:-
-ا-تكون للصورة الأصلية المصدقة(المعمدة)
المنقولة من الأصل مباشرة والمقابلة عليه تنفيذية كانت أو غير تنفيذية حكم أصلها
متى ما كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك في مطابقتها للأصل.
-ب-يكون للصورة الرسمية
المصدقة(المعمدة) المنقولة من الصورة الأصلية الحجية ذاتها ولكن يجوز في هذه
الحالة لكل من الطرفين أن يطلب مراجعتها على الصورة الأصلية التي أخذت منها.
-ج- ما يؤخذ من صور رسمية للصورة المأخوذة من
الصور الأصلية فلا يعتد به إلا لمجرد الا ستئناس تبعا للظروف).
والجدير
بالذكر ان قانون الإثبات لم يتعرض إلا لمطابقة المحرر الرسمي وسكت القانون عن
مطابقة المحررات العرفية ، وهي تلك المحررات التي يتم تحريرها خارج نطاق اقلام
التوثيق والقنصليات أو تلك التي لاتتم المصادقة عليها من قبل اقلام التوثيق والقنصليات.
ويظهر
مما تقدم ان مطابقة المحررات الرسمية تكون من قبل الجهات الرسمية المختصة التي صدر
عنها المحرر، ومؤدى ذلك انه يحق للقنصلية ان
تقوم بمطابقة المحررات الصادرة عنها أو
التي سبق لها أن قامت بتوثيقها، وكذلك الحال بالنسبة لقلم التوثيق.
الوجه الثالث: مطابقة المحررات المقدمة من الخصوم أمام المحكمة عند النزاع:
عند
نظر المحكمة للنزاع يقوم الخصوم بالاستدلال بالمستندات او المحررات الرسمية والعرفية، وحتى لاتتعرض
إصول هذه المحررات للضياع أو العبث فان المحكمة التي تنظر النزاع تقوم بالمطابقة
بين اصول المحررات وصورها وإعادة الاصول لصاحبها.
وفي
هذا المعنى نصت الفقرة (ب)من المادة (104) من قانون المرافعات اليمني على إنه (على المدعي عند تقديم عريضة دعواه ان
يؤدي عنها الرسم المقرر وان يوقع هو أو
وكيله على صور المستندات بعدد المدعى عليهم ، وذلك لمطابقتها على الاصول)، أي أن
المدعي حينما يقوم بالتوقيع على صور المحررات التي يستدل بها فان ذلك يدل على نسبة
تلك الصور لمن قدمها وإثبات انه هو الذي قدمها، ويدل ذلك أيضا على أن الغرض من
تقديم الخصم لصور للمحررات هو مطابقتها
على اصولها وإستعادته للاصول والإستدلال بصور
المحررات بعد مطابقتها.
الوجه الرابع :مطابقة المحررات من قبل الجهات التي لم تصدر عنها تلك المحررات:
تشترط
كثير من الجهات من الافراد المتعاملين معها ان يرفقوا بطلباتهم المحررات اللازمة
التي تثبت شخصياتهم وصفاتهم وصحة طلباتهم، ويجب أن تكون المحررات المقدمة أصولا وليس صورا ، لأن قانون
الاثبات اشار الى ان الحجية تكون للاصول وليس الصور ، وعلى هذا الاساس فان الفرد
يرفق بالاصول صورها حتى تتم مطابقتها ، فتقوم الجهة بمطابقة الصور على اصولها بغرض
إستكمال المعاملة في الجهة.
الوجه الخامس: الغرض من مطابقة صور المحررات على أصولها ، وحجية الصور المطابقة:
يختلف
الغرض من المطابقة ،فيكون الغرض من المطابقة عند النزاع امام المحكمة هو إستعادة
الاصول والإستدلال بالصور بعد مطابقتها على الادعاءات أو نفيها، كي تحكم المحكمة إستنادا
الى الصور المطابقة ، وتكون للصور المطابقة حجية إصولها إذا استند الحكم عليها وصار
الحكم نهائيا أو باتا فان الحكم يصبغ على الصور المطابقة الحجية التامة طالما ان
الحكم قد اكد صحة الصور المطابقة واستند إليها في قضائه.
وقد
يكون الغرض من المطابقة هو الحصول على صورة مطابقة تقوم مقام اصلها وتغني عن الاصل عند ابرازها ، وتكون حجية الصورة
المطابقة كذلك إذا كانت المطابقة قد تمت من قبل الجهة التي اصدرت اصل المحرر أو
قامت بتوثيقه.
وقد
يكون الغرض من المطابقة هو إستكمال إجراء معين أو معاملة معينة لدى جهة عامة أو
خاصة ، حيث تقوم هذه الجهة بمطابقة الصور على الاصول بغرض إستكمال المعاملة ، مع
أن هذه المحررات صادرة من جهة اخرى ، وهذه الصور المطابقة تكون حجيتها قاصرة اعلى
المعاملة أو الاجراء الذي تمت المطابقة لاجله.
الوجه السادس: إنشاء المحررات المتعلقة باليمنين وتوثيقها خارج اليمن من قبل القنصليات وفقاً لقانون التوثيق اليمني:
إنشاء او تحرير وتوثيق المحررات المتعلقة بالمواطنين
اليمنيين خارج اليمن محصور في القنصلية اليمنية التي يوجد اليمني في نطاقها ، وفي
هذا الشان نصت المادة (46) من قانون التوثيق اليمني على أن: (-1- تتولى قنصليات
الجمهورية مهام تحرير وتوثيق المحررات المتعلقة بمواطني الجمهورية في الخارج وفقاً
لأحكام هذا القانون ولائحته –ب- تحصيل الرسوم وفقاً للإجراءات المحددة في القوانين
النافذة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق نستنتج أن
النص السابق منح القنصليات اليمنية خارج اليمن صلاحيات قلم التوثيق داخل اليمن المقررة
في قانون التوثيق.
ومن
المعلوم أن قلم التوثيق داخل اليمن يقوم بتحرير وإنشاء كافة العقود والتصرفات ،كما يقوم أيضاً بتوثيقها، أي أن قلم التوثيق
يجمع بين التحرير والتوثيق للمحررات ، ومعنى تحرير أو إنشاء العقود والتصرفات هو
كتابتها بعد تحقق الكاتب من توفر أركان وشروط العقد أو التصرف والتحقق من شخصية
الشخص الطرف في التصرف، والتحقق من صفته العقدية التي تخوله الحق في إبرام العقد
او التصرف.
اما معنى توثيق
العقد أو التصرف فمعناه أن المختص في قلم التوثيق او القنصلية يتوثق أو
يتحقق من رضا واهلية اطراف المحرر وصفاتهم وشخصياتهم ومدى توفر أركان وشروط العقد
او التصرف ثم يقوم المختص بالتوقيع على المحرر وختمه بختم قلم التوثيق او القنصلية.
فقلم
التوثيق داخل اليمن يجمع بين تحرير المحرر وتوثيقه بخلاف الامين الشرعي
الذي يقتصر عمله على تحرير المحرر فقط.
وبما أن
قانون التوثيق اليمني قد اناط بالقنصلية اليمنية
القيام بمهام قلم التوثيق بالنسبة للمحررات المتعلقة بالمواطنين اليمنيين
خارج اليمن ، لذلك فان القنصلية في هذا
الشان تجمع بين تحرير العقد أو التصرف
وبين توثيقه في وقت واحد.
إذ تتولى
القنصلية صياغة أو تحرير او كتابة العقود والتصرفات المختلفة بعد أن يتحقق الموظف
المختص من شخصيات وصفات أطراف المحرر ، ويتحقق أيضاً قبل تحرير المحرر من توفر
الأركان والشروط الشرعية والقانونية للتصرف المطلوب تحريره، وبعد أن يقوم المختص
بالقنصلية بتحرير المحررات (وهذا هو إنشاء المحرر أو تحرير المحرر) ، وبعد إنشاء
المحرر تقوم الإدارة المختصة بالقنصلية (أي موظف
اخر غير الذي قام بكتابة المحرر) يقوم هذا الموظف كرة اخرى بالتحقق من صفات
وشخصيات أطراف المحرر، وبعد ذلك يتم وضع ختم القنصلية (وهذه العملية هي عملية توثيق المحرر) ، وتتم كتابة
المحرر بالورق الرسمي للقنصلية كما يتم ختم المحرر بختم القنصلية ، للتدليل على أن المحرر قد تم تحريره
وتوثيقه بنظر القنصلية، ووفقاً للنص
القانوني السابق فإن ختم القنصلية على
المحرر مثل ختم قلم التوثيق.
ووفقاً للمادة (24) توثيق الاتي ذكرها فأنه يجب
على المختص بالقنصلية قبل القيام بتحرير المحرر يجب عليه أن يرجع إلى القوانين ذات
الصلة بالمحرر المطلوب تحريره، فمثلاً إذا كان المحرر وكالة فأنه ينبغي على المختص
بالقنصلية أن يرجع إلى أحكام الوكالة المنظمة في القانون المدني وإذا كان التوكيل
بالخصومة فأنه ينبغي عليه الرجوع إلى أحكام التوكيل بالخصومة المقررة في قانون
المرافعات وإذا كان المحرر بيعاً فأنه ينبغي عليه الرجوع إلى أحكام البيع المقررة
في القانون المدني وإذا كان المحرر وصية فأنه ينبغي على المختص الرجوع إلى أحكام
الوصية المقررة في قانون الاحوال الشخصية اليمني وهكذا في بقية العقود والتصرفات،
وفي هذا المعنى نصت المادة (24) من قانون التوثيق على أنه: (ويجب عند تحرير العقود
والمحررات الأخرى وكافة التصرفات القانونية مراعاة أحكام القوانين النافذة
المتعلقة بها).
ويظهر من سياق المادة (24) توثيق السابق ذكرها
أنه يحق للقنصلية أن تقوم بتحرير وتوثيق كافة العقود والتصرفات التي يحق لقلم
التوثيق داخل اليمن القيام بها وذلك بالنسبة للمواطنين اليمنيين في الخارج ، حسبما
ورد في النص السابق، ولا تكون القنصلية متقيدة بالمواطنين اليمنيين العاملين أو
المقيمين بصفة دائمة في الدولة التي بها مقر القنصلية بل تختص القنصلية بتحرير وتوثيق المحررات الخاصة بكل
يمني يصادف وجوده في تلك الدولة كالمسافرين للعلاج أو السياحة بل حتى لو كان عمله في دولة أخرى أو في نطاق قنصلية
أخرى.
كما يجب على القنصلية عند تحرير المحرر أن تتقيد
بالإجراءات المقررة في المادة (25) توثيق التي نصت على أنه : (يشترط في تحرير أو
توثيق المحرر ما يلي: -1- أن لا يكون مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين
النافذة -2- أن يكون مدوناً باللغة العربية وإذا كان مكتوباً بلغة أجنبية وجب أن
يكون مترجماً إلى العربية بواسطة مترجم معتمد -3- أن يكون بخط واضح بدون شطب أو
إضافة أو حشر في متن المحرر إلا إذا اشير في الهامش إلى سببه أو تصحيحه مع توقيع
من قام بتحرير الوثيقة وذوي العلاقة إن كانت الإضافة أو نحوها جوهرية)،.
كما لا
يجوز لكاتب المحرر في القنصلية أن يحرر المحررات الخاصة به أو بأقاربه وفقا لقانون التوثيق. (التعليق على أحكام
المحكمة العليا في مسائل التوثيق والامناء الشرعيين، مكتبة الصادق جولة جامعة
صنعاء الجديدة 2023م، صـ113).
الوجه السابع: مدى إختصاص القنصلية اليمنية بتوثيق المحرر الذي يكون احد طرفيه يمني والاخر أجنبي:
في حالات كثيرة يتم ابرام عقود وتصرفات خارج
اليمن بين يمني وغير يمني ، في حين ان المادة (46) من قانون التوثيق اليمني
قد نصت على أن: (-1- تتولى قنصليات الجمهورية
مهام تحرير وتوثيق المحررات المتعلقة بمواطني الجمهورية في الخارج وفقاً لأحكام
هذا القانون ولائحته –ب- تحصيل الرسوم وفقاً للإجراءات المحددة في القوانين
النافذة).
ومن إستقراء هذا النص القانوني يظهر أن عبارة:( مهام
تحرير وتوثيق المحررات المتعلقة بمواطني الجمهورية في الخارج) يظهر أن هذه العبارة
عامة تشمل كل المحررات التي يتم تحريرها خارج
اليمن طالما انها تعلقت بمواطن يمني ، لان التصرف أو العقد الذي احد طرفيه
يمني والاخر اجنبي يتعلق بيمني خارج اليمن
، وبناء على ذلك يجوز للقنصلية ان تحرر أو توثق المحرر الذي يكون احد طرفيه يمني .
(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التوثيق والامناء الشرعيين، مكتبة
الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، ص93)،.
الوجه الثامن: حجية المحررات التي يتم تحريرها وتوثيقها من قبل القنصلية:
سبق القول: أن قانون التوثيق اليمني قد منح
القنصلية صلاحيات قلم التوثيق، ومن
المعلوم أن المحررات الموثقة من قبل قلم التوثيق تكون محررات رسمية وفقاً للمادة
(31) من قانون التوثيق اليمني التي نصت على أن (تكون للمحررات الموثقة من قبل
الموثق حجية المحررات الرسمية مالم يثبت تزويرها أو بطلانها بالطرق القانونية، أما
المحررات الناقلة للملكية العقارية والرهن العقاري فلا تكتسب هذه الحجية إلا بين
طرفيها فقط، أما حجيتها أمام الكافة فلا تكون إلا بعد تسجيلها في السجل العقاري).
وبموجب هذا النص فإن المحررات المحررة أو الموثقة من قبل القنصلية تكون لها حجية المحررات الرسمية المقررة في قانون الإثبات ، ومعنى ذلك أن هذه المحررات تكون محررات رسمية.
الوجه التاسع: المصادقة على المحرر من قبل القنصلية:
المصادقة هي عبارة عن شهادة بصحة التوقيع والختم الموجود على المحرر وانهما صحيحا النسبة الى الجهة المختصة التي
اصدرت المحرر ، وعلى هذا الاساس فان المصادقة
لاتفيد صحة وسلامة ماورد في المحرر.
وتتولى السفارة اليمنية خارج اليمن المصادقة على المحررات الصادرة من
الدولة التي توجد بها السفارة التي تمثل اليمن في تلك الدولة والتي يتم الاحتجاج او الاستدلال بها في اليمن، وعند
الاحتجاج بالمحرر الصادر من الدولة
الاجنبية والمصادق عليه من السفارة اليمنية في تلك الدولة فانه ينبغي
المصادقة عليه مرة اخرى من وزارة الخارجية داخل اليمن التي تصادق على توقيع وختم السفارة اليمنية.
وكذلك الحال
بالنسبة للمحررات المحررة أو الموثقة من القنصلية فانه يجب المصادقة عليها
أيضا من قبل وزارة الخارجية داخل اليمن التي
تصادق على توقيع وختم القنصلية.
بيد ان مصادقة
وزارة الخارجية على المحررات المحررة من قبل القنصليات اليمنية في الخارج تقتصر فقط على صحة ختم وتوقيع القنصلية اليمنية
بالخارج، فتتم هذه المصادقة من غيرأن تقوم وزارة
الخارجية بدراسة مضمون المحرر بل أن المصادقة تتضمن النص صراحة على أن
الوزارة تصادق فقط على صحة توقيع وختم
القنصلية فقط دون أن تتحمل الخارجية أدنى مسئولية عن مضمون المحرر أو ما ورد في
المحرر.
وبناءً على ذلك فإن المصادقة على المحرر تختلف عن
توثيق المحرر فهي عبارة عن تصديق على صحة الختم والتوقيع الوارد في المحرر وانه
صحيح النسبة للقنصلية، ولذلك فإن المصادقة على المحرر الصادر عن القنصلية تقتصر
على المصادقة على صحة ختم القنصلية.
ومن جانب اخر
فان القنصلية يدورها قد تقوم بالمصادقة على المحررات الصادرة من الجهات
المختصة في المدينة أو الدولة التي يوجد فيها مقر القنصلية سيما المصادقة على مصادقة الجهة المختصة في تلك
الدولة على بعض العقود والتصرفات كعقود الوكالات التجارية للوكيل اليمني للشركة
الاجنبية أو خطاب تعيين الوكيل التجاري
اليمني للشركة الاجنبية، وعندئذ تكون حجية مصادقة القنصلية قاصرة على الشهادة بصحة توقيع وختم الجهة التي اصدرت
المحرر دون ان تعني هذه المصادقة صحة ماورد في المحرر ، ومن هذا المنطلق فان
المصادقة تختلف عن التوثيق ، فمجرد المصادقة لاتجعل المحرر رسميا بخلاف التوثيق الذي يجعل المحرر رسميا حسبما سبق بيانه (مهارات
الصياغة القانونية – مهارات صياغة المحررات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة
الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2016م، صـ43).
الوجه العاشر: معنى مبدأ ثبوت بالكتابة:
قضى
الحكم محل تعليقنا بان صورة المحرر التي لم تتم مطابقتها باصلها وفقا للقانون
فانها تكون مجرد مبدأ ثبوت بالكتابة ، وهذا يستدعي الاشارة الى مبدأ ثبوت بالكتابة
وتطبيقه في القانون اليمني.
فمبدأ الثبوت بالكتابة هو: عبارة عن كتابة صادرة
ممن يراد الإثبات ضده، ولاتكون دليلاً كاملاً وإنما دليل قريب الإحتمال .(مبدأ
الثبوت بالكتابة، سهير أمين، ص76).
وعرَّف قانون الإثبات المصري مبدأ ثبوت بالكتابة
في المادة (62) التي نصت على أنه (يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما كان يجب إثباته
بالكتابة إذا وجد مبدأ الثبوت بالكتابة، وكل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها
أن يجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال تعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة).
ومبدأ ثبوت بالكتابة يعني ان المستند أو المحرر
لم تتوفر فيه الشروط القانونية اللازمة
لاعتباره دليلا كاملا ، كما لو كان المحرر
غير موقع من الشخص المدعى صدور المحرر منه
او كان المحرر غير مشهودا عليه او كان خط
الكاتب غير معروفا أو كان المحرر صورة وليس اصلا.
ومبدأ ثبوت بالكتابة يستدعي تقوية القرينة
الاحتمالية التي يفيدها المحرر ناقص
الحجية ،كما ان مبدا ثبوت كتابة يجيز اثبات المسائل التي اشترط القانون اثباتها
بالكتابة يجيز إثباتها عن طريق اليمين أو الشهادة في كل ما كان يجب إثباته أصلاً بالكتابة وفقا
للقانون .
ويتم
العمل بمبدأ ثبوت بالكتابة في العقود الشكلية التي تكون الكتابة شرطاً من شروط
إنعقادها كعقد البيع العقاري أو بيع السيارات وغيرها. ويقوم مبدأ ثبوت كتابة على
ثلاثة أركان؛ الركن الأول: وجود محرر مكتوب صادر من الخصم يكون من شأنه أن يجعل
الحق المدعى به قريب الإحتمال، والمقصود بالكتابة هنا الكتابة على الورق أو الهاتف
أو الإنترنت أو الإيميل.
ولذلك لا بد من صرف لفظ الكتابة إلى أوسع معانيه،
فلفظ الكتابة يشمل كل محرر على الإطلاق دون قيد أو شرط ، فكل ورقة مهما كان شكلها
أو الغرض منها تصلح لأن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا استوفت بقية شروطها، وعلى هذا
الأساس فإن السندات العرفية غير الموقع عليها والتأشيرات المدونة في هامش الأوراق
تصلح لأن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة، ويندرج ضمن مبدأ ثبوت بالكتابة صور المستندات،
إذ أنها مجرد قرينة تفيد إحتمال صحتها وصحة ما ورد فيها ،حسبما قضى الحكم محل
تعليقنا. (مبدأ الثبوت بالكتابة، سهير أمين، ص79).
الوجه الحادي عشر: مبدأ ثبوت بالكتابة في القانون اليمني:
ذكرنا في الوجه السابق ان مبدأ ثبوت بالكتابة يعني
أن المستند أو المحرر لايكون الا مجرد قرينة احتمالية على صحة الحق المدعى به أو
المطلوب نفيه ، أي أن المحرر في هذه
الحالة لا يصلح لأن يكون دليلاً كاملاً يقوم عليه الحكم ولكنه يكون دليلا ناقصا يحتاج
الى إكماله من الخصم الذي تمسك به.
ويعني
مبدأ ثبوت كتابة أيضا أنه إذا اشترط القانون إثبات شئ عن طريق الكتابة وتخلف
في الكتابة شرط من شروط حجيتها الكاملة
فانه يجوز في هذه الحالة إثبات الشئ
بطريقة اثبات أخرى غير الكتابة كالشهادة.
وعلى هذا الأساس فإن قانون الإثبات اليمني
والقانون التجاري اليمني قد نصا على حالات عدة يكون فيها المحرر أو المستند أو
الورقة دليلاً كاملاً لإثبات الحق المدعى به وحجة كاملة ، فإذا تخلف أي شرط من
شروط هذه الادلة فانه يكون مبدا ثبوت بالكتابة ، كذلك الحال إذا اشترط القانون
شكلا لإثبات التصرف كالكتابة في التصرفات العقارية.
فمثلاً
المحررات الرسمية حجة بما جاء فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته ، حسبما
هو مقرر في المادة (100) إثبات، كذلك يكون المحرر العرفي الموقع من الخصم حجة عليه
وعلى وارثه أو خلفه، حسبما هو مقرر في المادة (104) إثبات، أيضاً يعد المحرر
العرفي المكتوب بخط الغير والمشهود عليه يعد حجة على الخصم ولو لم يقم بالتوقيع
عليه ، حسبما هو مقرر في المادة (106) إثبات، وكذا تكون للرسائل الموقع عليها من
الخصم حجية المحرر العرفي الموقع عليه من قبله ، حسبما ورد في المادة (111) إثبات.
كما ان دفاتر التاجر تكون حجة لصاحبها حسب الشروط
المقررة في المادة (38) من القانون التجاري اليمني، وكذا تعد دفاتر التاجر
الإلزامية حجة على صاحبها حسبما هو مقرر في القانون التجاري.
وبناءً على ذلك فإن المحرر او المستند في هذه الحالات يكون دليلاً كاملاً وليس ناقصاً أو قرينة إحتمالية ، ولذلك لا مجال للقول بتطبيق مبدأ ثبوت بالكتابة في هذه الأحوال، بيد انه إذا تخلف أي شروط من شروط هذه الادلة الكتابية فعندئذ يكون الدليل ناقصا يجوز إكماله أو تتميمه كذلك الحال إذا اشترط القانون إثبات تصرف معين بالكتابة مثل التصرفات التي يكون محلها العقار فاذا كانت وثيقة إثبات التصرف ناقصة فانه يجوز إثباتها بالشهادة ،وبحسب المفهوم المتقدم لمبدأ ثبوت بالكتابة فان صورة المحرر الذي لم تتم مطابقته على اصله أو تمت مطابقته على نحو مخالف للقانون مثل مطابقة القنصلية للمحرر في غير الاحوال التي يجوز لها ذلك ، فان صورة المحرر في هذه الحالة تكون مبدا ثبوت بالكتابة اي قرينة إحتمالية لاتصلح أن تكون دليلا كاملا يقوم عليه الحكم ، مثلما قضى الحكم محل تعليقنا (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل المحررات الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025، ص249)، والله اعلم.
