علم الشاهد اليقيني بالمشهود به | عبدالمؤمن شجاع الدين
حتى تقبل شهادة الشاهد يجب أن يكون الشاهد علماً بالواقعة المشهود عليها علماً يقينياً حتى تطمئن المحكمة إلى شهادته، فإذا خالط الشهادة الشك اوالاحتمال أو التردد ، فلايتم الاعتماد عليها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/10/2011م في الطعن رقم (46699)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبرجوع الدائرة إلى الشهادات المؤداة أمام المحكمة التجارية الابتدائية : فقد تبين للدائرة: أن الطعن في محله، ذلك أن الشاهد المذكور شهد أنه: لا يعلم بالضبط مقدار الأحجار ثم قال: من عشرين إلى ثلاثين زفة، فيفهم من شهادته أنها ليست مبنية عن علمه اليقيني القطعي في تحديد قدر الأحجار بل هي أقرب إلى الظن والإحتمال، والمطلوب كشرط فيما يدلي به الشاهد أن تكون الشهادة مبنية على العلم القطعي للشاهد : (على مثل الشمس فاشهد وإلا فدع) ، ولذلك فإن شهادة الشاهد إذا كانت غير دقيقة فلا تطمئن إليها المحكمة، كما لا تصلح شهادته بأن تكمل بيمين المدعي، لإفتقار تلك الشهادة إلى شرط من شروط صحتها وهو العلم القطعي بما أدلى به، ومن ثم فان ما قضت به الشعبة التجارية على الطاعن بشأن مقدار الأحجار التي بذمة الطاعن محل نظر، مما يتعين قبول الطعن في هذه الجزئية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: علم الشاهد اليقيني بالمشهود به في قانون الإثبات اليمني:
اشترط القانون أن يكون الشاهد عالماً بالواقعة أو الشيء المشهود به، وفي هذا المعنى نصت المادة (27) إثبات على أنه: (يشترط في الشاهد ما يلي: -ز- أن يكون عالماً بالمشهود به ذاكراً له وقت الأداء).
وعلم الشاهد لا يتحقق إلا إذا شاهد الشاهد المشهود به بنفسه أو سمعه بنفسه، ولم يكتف النص القانوني السابق بمجرد علم الشاهد بالمشهود به ، وإنما اشترط أيضا أن يظل علم الشاهد محفوظاً في ذاكرة الشاهد من لحظة مشاهدته للواقعة أو المشهود به حتى وقت الإدلاء بشهادته أمام القضاء أو المحكم، ولذلك فقد اشترط الفقه الاسلامي في الشاهد ان يكون حافظا ضابطا لايخلط في شهادته، فلايكون الشاهد معروفا بالنسيان أو السهو اوالخلط، لأن ذلك يسرب الشك والريبة إلى شهادته ، فلاتكون شهادته متيقنة . (الوجيزفي شهادة الشهود في الشريعة والقانون ، د، يوسف دلاندة ، دار الكتب القانونية القاهرة ٢٠٠٤م، صـ٩١).
الوجه الثاني: معنى علم الشاهد اليقيني بالمشهود به:
العلم اليقيني: هو العلم الذي لا يحتمل الخطأ او الشك، والعلم هو الصورة الحاصلة في الذهن عن الاشياء يشاهدها الشخص ، ويطلق العلم تارة ويراد به اليقين فقط، ويطلق تارة أخرى ويراد به ما يتداول بالتصور واليقين.
ويجب أن يكون الشاهد قد شاهد الواقعة وتأكد منها بصفة مؤكدة خالية من الشك والاحتمال، فيكون علم الشاهد بالواقعة علما يقينيا مستمد من مشاهدته أو سماعه المباشر، وليس مجرد ظن أو تخمين، فالشهادة يجب ان يكون مستندها أقوى أسباب العلم وهي المشاهدة والعلم اليقيني.
وقد روى عن إبن عباس رضي الله عنهما انه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشهادة فقال: هل ترى الشمس؟ قال: نعم؛ قال: على مثلها فأشهد أو دع) ، فيجب أن يكون الشاهد متأكدا على وجه اليقين مما يقوله في شهادته ، فمن شروط الشاهد في الفقه الإسلامي أن يعلم بالمشهود به علم اليقين. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص١١٠).
الوجه الثالث: الدفع بإنتفاء علم الشاهد اليقيني:
سبق القول بان علم الشاهد بما يشهد به يجب أن يكون يقينياً ، وأن يكون الشاهد متأكداً من أقواله التي يدلي بها في شهادته، وبما أن علم الشاهد شرط في الشاهد على النحو السابق بيانه، فأن يحق للمشهود عليه ان يدفع شهادة الشاهد إذا لم يجزم الشاهد في شهادته أو ظهر من اقوال الشاهد التردد والاحتمال والشك.
الوجه الرابع: أقوال الشاهد التي تتنافى مع علم الشاهد اليقيني:
عند قيام الشاهد بالإدلاء بشهادته قد ترد في أقواله كلمات أو جمل يظهر منها أو تدل على عدم علمه العلم اليقيني بما يشهد به، كأن يقول الشاهد: أظن أن المبلغ المدفوع كذا، أو: أعتقد (باللهجة اليمينة) أن المبلغ المدفوع كذا، أو: اظن أن عدد الطلقات التي اطلقها المتهم ثلاث طلقات تقريباً، أو يتردد الشاهد في شهادتين بين أمرين، فمثلاً: الحكم محل تعليقنا أعتبر الشاهد لم يعلم بالمشهود به علماً يقيناً عندما قال الشاهد في شهادته أن مقدار الحجارة كان عشرين زفة أو ثلاثين زفة، فقد تردد قول الشاهد بين الرقمين، فقول الشاهد حينما لا يكون جازماً في المشهود به فأن ذلك يدل على ان الشاهد ليس عالماً بالمشهود به علماً يقينياً، مثل أن يقول الشاهد: كان دفع المبلغ يوم الأحد أو الإثنين.
الوجه الخامس: علم الشاهد اليقيني مع تناقض أقواله:
لاريب أن تناقض شهادة الشاهد ذاتها تدل على عدم العلم اليقيني للشاهد ، لأن تناقض أقوال الشاهد يدل على عدم علمه بحقيقة الواقعة التي يشهد عليها، بيد أن تناقض شهادة الشاهد مع شهادات غيره من الشهود لا يبطلها ولا يدل على عدم علمه اليقيني بالمشهود به إذا كانت شهادته مختلفة من حيث ألفاظها مع شهادات غيره ولكنها متفقة معها في المعنى، وكذا إذا كانت شهادة الشاهد مختلفة مع غيرها في زمان ومكان الإقرار الذي يحتمل التعدد، وكذلك الحال إذا كانت شهادة الشاهد مختلفة مع غيرها في مقدار المشهود به، وكذلك تكون شهادة الشاهد صحيحة وإن كانت مختلفة مع غيرها في صفة المشهود به ، حسبما ورد في المادة (49) من قانون الإثبات اليمني. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، صـ١١٥)، والله اعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.