لا يلزم حضور الساعي مجلس البيع | عبدالمؤمن شجاع الدين
إذا قام الساعي بالفعل ببذله مساعيه للتوفيق بين البائع والمشتري بناءً على طلبهما أو أحدهما، وأفلحت مساعيه في تحقيق النتيجة وهو إبرام الصفقة أو عقد البيع بناءً على مساعيه ، ففي هذه الحالة فإن الساعي يستحق اجره او مقابل المساعي التي بذلها حتى لو تم إبرام الصفقة أو عملية البيع والشراء في غياب الساعي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-4-2011م في الطعن رقم (44041)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن ما عللت به المحكمة الابتدائية والشعبة التجارية في هذا الشأن قد وافق صحيح القانون، حيث أن المطعون ضده بنى دفاعه على شهادة الشهود الذين شهدوا بان المطعون ضده قد قام بالسعي في العمارة المبيعة لـ..... ، مما يدل على أنه كان للمطعون ضده دور في التوفيق بين طرفي عقد البيع، فإنعقاد البيع بعد ذلك في غياب المطعون ضده لا يبطل جهده في التوفيق بين الطرفين ، ولا يسقط حقه في الحصول على مقابل ما قام به من جهد في التوفيق بين الطرفين لإتمام البيع وإنعقاد البيع بعد ذلك، ولذلك فإن نعي الطاعن غير مقبول)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الساعي طرف في عقد ملزم وهو عقد السمسرة (السعاية):
من المعروف أن عقد السمسرة (السعاية) هو عقد تجاري وعمل تجاري وفقاً للقانون التجاري اليمني، وقد عرّفت المادة (326) تجاري السمسرة بأنها: (السمسرة: عقد يتعهد بموجبه السمسار (الساعي) لشخص بالبحث عن طرف ثانٍ لإبرام عقد معين مقابل أجر).
وبناءً على هذا النص فإن السمسرة (السعاية) عقد يتعهد بموجبه (الساعي) أو السمسار للبائع أو للمشتري بالبحث له عن طرف ثانٍ لإبرام عقد البيع والتوسط فيما بينه وبين الطرف الثاني لإبرام العقد أو الصفقة مقابل أجر يدفعه الشخص الذي تعاقد مع الساعي.
فالسمسرة عقد يلتزم به طرف يدعي بالسمسار أو الساعي بأن يرشد الطرف الآخر ويدله إلى شخص آخر لإبرام عقد اوصفقة ما أو أن يكون الساعي وسيطاً له في مفاوضات التعاقد مع طرف اخر وذلك مقابل أجر يتم دفعه للساعي.
والسمسرة عقد يتعهد بموجبه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثان لابرام عقد معين والتوسط لابرامه في مقابل أجر، ويقتصر عمل السمسار على التقريب بين شخصين لابرام الصفقة دون أن يكون وكيلا او طرفا في العقد فهو لا يمثل أحد المتعاقدين في إبرام العقد بوصفه طرفا في العقد .
فعقد السمسرة يكون بين طرفين فأكثر، فالطرف الاول هو البائع أو المشتري ، إذ يطلب البائع أو المشتري من الطرف الثاني وهو (الساعي) ويسمى السمسار يطلب منه أن يرشده ويدله أو يتوسط له في إبرام عقد أو صفقة ، فالساعي يكون وسيطاً بين طرفين للتوفيق بينهما لإبرام صفقة أو تصرف قانوني والتوفيق بين وجهات نظر المتعاقدين المتضاربة مقابل أتعاب تتناسب مع الجهد والوقت المبذول من السمسار.
والسمسار: شخص مكلف من قبل طرف أو أطراف العقد لآجل التوسط بينهم أو للتوسط أمام طرف ثانٍ لإتمام صفقة أو تسهيل عقد أو إبرام الصفقات التجارية بين أشخاص لا تربطهم علاقة سابقة ، فالساعي أو السمسار يتولى إرشاد من تعاقد معه إلى صفقة ، فيكون الساعي وسيطاً في مفاوضات بين الشخص الذي طلب منه ذلك وبين الطرف الاخر لتقريب وجهات النظر بينهما للوصول إلى إبرام العقد أو الصفقة ، فينشأ للساعي بشكل صريح أو ضمني الحق في أن يقبض أجراً نظير العمل الذي قام به عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة على يديه دون أن يتحمل الساعي أي أثر ناتج عن هذا العقد.
وبما أن السمسرة عقد يتعهد بمقتضاه السمسار لشخص بالبحث عن طرف ثاني لإبرام عقد معين والتوسط في إبرام العقد، فالسمسار ليس وكيلا أو نائبا، فهو لا يفاوض ولا يبرم العقد بصفته وكيلا أو نائبا، فيقتصر جهد الساعي على مجرد البحث لإيجاد طرف آخر او إقناع الطرف الاخر بإجراء البيع أو إبرام العقد، ووفقا لأحكام القانون التجاري فأن السمسرة عمل تجاري أيا كان محلها.
ويتضمن عقد السعاية حقوق وإلتزامات وواجبات الطرفين المتعاقدين، ووفقاً للقانون المدني والقانون التجاري فإن عقد السمسرة عقد ملزم لطرفيه (الساعي والبائع أو المشتري) ، فيجب عليهما الوفاء بإلتزاماتهما المقررة في عقد السمسرة أو السعاية بإعتبار العقد شريعة المتعاقدين، فيجب عليهما إحترام إلتزاماتهما العقدية والوفاء بها بما في ذلك دفع اجرة الساعي أو السمسار.
وقد يكون عقد السعاية أو السمسرة مكتوباً وهو الأفضل ، وقد يكون غير مكتوباً مثلما كان الحال في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، وإذا كان عقد السعاية شفهيا فبالإمكان إثباته عن طريق وسائل الإثبات المختلفة كالشهادة والإقرار وغيرهما. (عقد السمسرة بين الواقع والقانون، غادة غالب، رسالة ماجستير جامعة النجاح فلسطين ٢٠٠٨، ص13).
الوجه الثاني: الحاجة الى الساعي او السمسار:
تظهر الحاجة للساعي أو السمسار ، لأن مصالح اطراف عقد البيع أو الصفقة متعارضة، فالمشتري يريد شراء الشئ باقل ثمن، في حين يريد البائع ان يبيع ماله باعلى ثمن ،فعندئذ يلجا البائع أو المشتري أو كلاهما يلجا الى الساعي بإعتباره صاحب الخبرة في الشئ محل البيع ، إذ تتوفر لدى الساعي المعلومات والبيانات اللازمة عن محل البيع أو الصفقة وكذا الثمن العادل للمبيع ، ويتم اللجوء الى الساعي لان الساعي يتمتع بصفات الصدق والأمانة والعدالة والحياد والاستقلالية عن طرفي الصفقة أو عقد البيع.
ولذلك فان اطراف العقد أو الصفقة أو احدهم يلجاء الى الساعي للتوفيق بينهم وتقريب وجهات نظرهم.(فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢١م، ص١٧٥).
الوجه الثالث: إلتزامات الساعي العقدية:
من المعروف أن محل عقد السمسرة (السعاية) يشمل العمل الذي يقوم به السمسار (الساعي) والمقابل الذي يتقاضاه الساعي نظير قيامه بالسعي أو السمسرة.، إذ يتم في عقد السعاية تحديد العمل او الأعمال التي يلتزم الساعي بالقيام بها وكذا تحديد أتعاب الساعي أو السمسار وذلك في عقد السمسرة أو السعاية، وعندئذٍ يجب على الطرفين المتعاقدين تنفيذ إلتزاماتهما العقدية.
فمحل عقد السمسرة هو العمل الذي يقوم به السمسار والأجرة التي المتفق عليها التي يستحقها السمسار أو الساعي مقابل قيامه بالسعاية أو قيامه بأعمال السمسرة ، وبما أن محل عقد السعاية او السمسرة هو العمل الذي يقوم به الساعي ،لذلك يتحدد العمل الذي يقوم به الساعي او السمسار بموجب عقد السمسرة أو السعاية .
ويتحدد إلتزام الساعي في قيامه بالبحث عن مشتري أو بائع للأرض أو العقار أو المال ، وقد يحدد البائع أو المشتري للسمسار الثمن الذي يريده، وقد يطلب البائع أو المشتري من السمسار ليس البحث فقط عن مشتري وإنما التوسط فيما بينه وبين المشتري، وبناءً على ذلك فأن نطاق إلتزام السمسار (الساعي) يتحدد بحدود العمل الذي طلبه منه البائع أو المشتري القيام به .
ويمكن تلخيص الأعمال التي يقوم بها الساعي او السمسار فيما يأتي :
1- قيام الساعي بإرشاد البائع أو المشتري الذي تعاقد مع الساعي او يدله على صفقة رابحة وتقديم خبرته والمعلومات والبيانات التي تسهم في إبرام العقد او الصفقة.
2- التوسط بين البائع والمشتري في المفاوضات تمهيدا لإبرام العقد ومحاولة إقناع الأطراف والتوصل لحلول وسطية مرضية وتقريب وجهات نظر المتعاقدين.
3- تنفيذ الساعي أو السمسار لالتزاماته بانجاز المهمة في المدة المحددة إن وجدت، وإن لم تحدد المدة فيكون له إنجازها في وقت غير محدد شريطة ألا يتضرر المتعاقدون من ذلك .
4- البحث عن المتعاقد الآخر بقصد التعاقد مع المتعاقد الذي طلب من الساعي التوسط.
5- يلتزم السمسار بأداء ما تم تكليفه به بنفسه، فلا يحق له أن ينيب غيره دون موافقة العميل.
6- ضمان عدم تضارب المصالح وبقاء السمسار مستقلاً عن طرفي الصفقة.
7- تقديم الساعي حساب كامل بكافة المصروفات والنفقات المبذولة في سبيل تحقيق الساعي لما تم تكليفه به.
8- الإلتزام بالأمانة والصدق والحياد والاستقلالية وقول الحق والاهتمام بعمله وعدم التقصير.
9- تقديم النصيحة لطرفى العقد، فمع ان السمسار في الأصل يستأجره احد أطراف العقد او يلجأ له الطرفان فكلاهما يبرم معه عقد سمسرة، ومع هذا وذاك فان الساعي ليس وكيلا عن أي من الطرفين وانما وسيطا محايدا ومستقلا ، ولذلك يجب على الساعي ولو لم يكن مكلفا إلا من أحد طرفي العقد أن يعرض الصفقة على الطرفين وان يبين لهما جميع الظروف والبيانات والخبرات التي يعلمها عن الصفقة المزمع عقدها بصدق وحياد.
وعلى السمسار تنفيذ أعمال السمسرة بنفسه دون إنابة غيره لوجود اعتبار شخصي في تكليفه بهذه المهمة ،فإذا أناب السمسار غيره عنه دون إذن من الأصيل يكون السمسار مسئولا عن أعمال هذا الغير كأنها صدرت منه شخصيا، اما اذا ٱذن الأصيل للسمسار بإنابة غيره ففي هذه الحالة يكون السمسار مسئولا عن خطائه في اختيار هذا الغير.
الوجه الرابع: أجرة الساعي او السمسار :
يتم تحديد اجرة الساعي او السمسار في عقد السمسرة ، بإعتبار الأجرة هي المقابل الذي يتقاضاه الساعي مقابل سعيه أو عمله.
واذا لم يتم تحديد اجرة الساعي في عقد السعاية او السمسرة فيتم الرجوع الى القانون ، بيد أن غالبية القوانين العربية لاتحدد اجرة السمسار، وإنما تنص على أنه يتم تحديد الأجرة في عقد السمسرة ذاته ، فإن لم يتم تحديدها في عقد السمسرة فيقوم القضاء بتقديرها في ضوء الجهد الذي بذله السمسار والوقت الذي صرفه في سبيل إنجاز المهمة وفي ضوء العرف السائد المستقر.
وفي هذا المعنى نصت المادة (327) من القانون التجاري اليمني على أنه (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الاتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف، فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به)، وكذا أشار القانون المدني في المادة (٨٥٥) إلى اجرة السمسرة أو السعاية فقد نصت تلك المادة على ان (أجرة الدلال أن باع العين بنفسه وبإذن صاحبها على البائع، ويعتبر العرف أن سعى بين البائع والمشتري وباع المالك بنفسه).
ولا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلي إبرام العقد، ويستحق السمسار الأجر بمجرد إبرام العقد طالما قد تحققت الغاية من العقد، اما إذا كان العقد معلقا علي شرط واقف فلا يستحق السمسار الأجرة الا اذا تحقق الشرط حسبما ورد في المادة(328) تجاري التي نصت على أنه( لا يستحق السمسار أجره إلا إذا أدت وساطته إلى إبرام العقد ولو لم ينفذ كله أو بعضه وإذا كان العقد معلقاً على شرط واقف لم يستحق السمسار أجره إلا إذا تحقق الشرط).
و يتم في عقد السمسرة تحديد الطرف الذي يدفع اجرة السمسار، فإذا لم يتضمن عقد السمسرة ذلك فإن الطرف الذي يجب عليه دفع الأجرة هو الطرف الذي قام بتكليف السمسار بحسب ماورد في المادة (329)تجاري التي نصت على أنه( إذا كان السمسار مفوضاً من طرفي العقد، استحق أجراً من كل منهما ويكون كل من العاقدين مسئولاً تجاه السمسار بغير تضامن بينهما عن دفع الأجر المستحق عليه ولو اتفقا على أن يتحمل أحدهما جميع نفقات السمسرة).
فإذا قام الساعي بتنفيذ التزاماته فانه يستحق اجره بإعتبار الاجر مقابل العمل.
الوجه الخامس: لا يلزم حضور الساعي مجلس إنعقاد البيع أو إبرام الصفقة التي توسط فيها:
إذا قام الساعي بأداء إلتزاماته العقدية السابق ذكرها فأنه يستحق أجرته سواءً حضر الساعي مجلس إنعقاد عقد البيع أو الصفقة أو لم يحضر طالما ان إبرام عقد البيع أو إبرام الصفقة قد تم بناءً على الجهود والمساعي التي بذلها الساعي قبل ابرام العقد، وطالما أنه قد تمت تسوية كافة نقاط الخلاف التي كانت قائمة بين البائع والمشتري بنظر الساعي ولم يبق الا كتابة العقد والتوقيع عليه فعندئذ لايلزم حضور الساعي مجلس تحرير العقد والتوقيع عليه.
اما اذا كانت نقاط الخلاف بين البائع والمشتري لم يتم حسمها إلا ساعة التوقيع على العقد فان تمام العقد والصفقة لم تتم بسعي وجهد الساعي ،
لان النص القانوني قد صرح ان الساعي لايستحق السعاية إلا إذا ادت سعايته الى ابرام العقد أو الصفقة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل العقود ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٤م، صـ٢٠١)، والله أعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.