طلب المحامي العمل بتقرير الخبير

طلب المحامي العمل بتقرير الخبير

حددت المادتان (119 و 120) من قانون المرافعات اليمني صلاحيات المحامي عندما يقوم بتمثيل موكله والترافع بالوكالة عنه، ومنعت المادة (120) مرافعات المحامي من رد الخبير العدل إلا بموجب توكيل خاص من موكله، فقد حصرت المادة (120) الأعمال التي لا يجوز للمحامي القيام بها إلا بموجب توكيل خاص وليس من بينها قبول المحامي بنتائج أعمال الخبير العدل وكذا طلب المحامي من المحكمة العمل بتقرير الخبير ، لإن ذلك بمثابة قبول بنتائج أعمال الخبير، ويكون هذا القبول ملزماً للخصم الذي قام بتوكيل المحامي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-1-2011م في الطعن رقم (41859)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما ما جاء في الطعن تحت هذا السبب بالقول: أن الشعبة لم ترد على مناقشة الطاعنة لتقرير الخبير فإن الطاعنة لم توضح ماهية تلك المناقشة، أضف إلى ذلك أن محامي الطاعنة بعد تقديم الخبير المرجح لتقريره امام المحكمة الابتدائية افاد في جلسة..... بأنه يطلب من المحكمة العمل بما جاء بتقرير الخبير المختار من موكلته ، مما يستوجب رفض ما جاء في هذا السبب من أسباب الطعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية: 

الوجه الاول: صلاحيات المحامي العامة بموجب المادة (119) مرافعات والمادة (٥) محاماة:

نصت المادة (119) من قانون المرافعات اليمني على أن: (التوكيل بالخصومة يخول الوكيل سلطة القيام بالأعمال والإجراءات اللازمة لرفع الدعوى ومتابعتها والدفاع فيها وإتخاذ الإجراءات التحفظية إلى أن يصدر الحكم في موضوعها في درجة التقاضي الموكل فيها، وعليه إبلاغ موكله بمنطوق الحكم بمجرد صدوره وذلك بغير إخلال بما يوجب القانون فيه توكيلاً خاصاً). 

وعند إمعان النظر والتدقيق في إختصاصات المحامي الواردة في النص السابق يظهر انه قد تم النص عليها في عبارات عامة مجملة مثل الإجراءات اللازمة ومتابعة القضية والدفاع فيها وإتخاذ الإجراءات التحفظية، فكل عمل من هذه الأعمال العامة المجملة تتفرع منه أعمال عدة. 

ولذلك فان هذا النص العام قد اطلق صلاحيات المحامي في إتخاذ ما يراه لازماً لمصلحة الخصم الذي قام بتوكيله، فالمحامي له السلطة التقديرية في تقرير مايراه لا زما لمصلحة موكله فيما يقدمه أو يقوله في مرافعاته الكتابية والشفوية بالوكالة عن الخصم الذي قام بتوكيله وإلا لما كانت هناك فائدة لتوكيل المحامي، لأن الخصم عندما يقوم بتوكيل المحامي فأنه قد قدر أن المحامي هو الأعرف بالجوانب القانونية والواقعية والمهنية التي تخدم مصلحة الخصم في القضية وفقاً لقانون المرافعات وقانون المحاماة. 

كذلك وردت إختصاصات المحامي العامة في قانون المحاماة بعبارت مجملة وعامة وبطريقة مماثلة للإختصاصات العامة للمحامي المقررة في المادة (119) مرافعات السابق ذكرها، فقد نصت المادة (5) من قانون المحاماة اليمني على أن: (تحقق المحاماة أهدافها وتؤدى رسالتها عن طريق الإنابة بالوكالة عن الأشخاص الطبيعيين والإعتباريين للإدعاء بالحقوق والدفاع عنها لدى كافة المحاكم والنيابة العامة ودوائر الشرطة والتحقيق واللجان القضائية والإدارية وكافة الجهات القانونية والجهات الأخرى التي تباشر تحقيقاً في أي شيء محل نزاع...). 

ويستمد المحامي صلاحياته العامة من النصين القانونيين السابق ذكرهما، وكذا يستمد المحامي صلاحياته العامة بموجب التوكيل العام الصادر له من قبل الخصم الذي قام بتوكيله،وكذا تتحدد الصلاحيات العامة للمحامي وفقا لاصول وقواعد مهنة المحاماة ومعيار المحامي الحريص.

الوجه الثاني: الأعمال التي لا يجوز للمحامي أن يقوم بها إلا بموجب توكيل خاص:

حددت هذه الأعمال المادة (120) مرافعات التي نصت على أنه: (لا يصح لغير الوكيل المفوض بتفويض خاص الإقرار بالحق المدعى به أو التنازل عنه أو الصلح أو التحكيم فيه أو قبول اليمين أو توجيهها أو ردها أو التنازل عن الخصومة أو عن الحكم أو عن الطعن فيه أو عن التأمينات مع بقاء الدين أو الإدعاء بالتزوير أو رد القاضي من نظر الدعوى أو مخاصمة أو رد العدل أو الخبير أو أداء الحق المدعى به أو عرضه على الخصم عرضاً فعلياً أو قبول الأداء أو العرض من الخصم أو أي تصرف ينص في القانون على وجوب توكيل خاص).

 فهذا النص قد حدد الأعمال التي لا يجوز للمحامي القيام بها إلا إذا كان لديه توكيل خاص من الخصم، ولم يذكر النص من بين هذه الاعمال طلب المحامي من المحكمة العمل بموجب تقرير الخبير أو ما توصل إليه الخبير.

الوجه الثالث: هل يكون التوكيل العام في وثيقة، والتوكيل الخاص في وثيقة أخرى مستقلة:

من خلال ماتقدم في الوجهين السابقين ظهرت الأعمال التي لايجوز للمحامي القيام بها إلا بموجب توكيل خاص وماعدا ذلك من الأعمال يكون من الأعمال العامة التي يجوز للمحامي القيام حتى لو لم يتم ذكرها في وثيقة التوكيل.

وهناك اتجاهان بشان إفراد التوكيل الخاص بوثيقة مستقلة وقت الحاجة الى التوكيل الخاص ،فهناك من يذهب الى انه لايلزم ان يكون التوكيل الخاص في وثيقة مستقلة، وانه يمكن إدراج الاعمال التي تحتاج إلى توكيل خاص ضمن التوكيل العام بعبارات صريحة تصرح بانه يحق للمحامي مباشرتها من غير ان يرجع الى موكله، فالعبرة بالاعمال المنصوص عليها في التوكيل وليس باسم التوكيل ، في حين يذهب اتجاه قوي الى ان التوكيل الخاص ينبغي أن يصدر وقت الاحتياج له كطلب اليمن أو ردها... الخ، وانه ينبغي ان يكون التوكيل الخاص في وثيقة مستقلة تصدر وقت الاحتياج للتوكيل الخاص ، ونحن نذهب إلى إختيار الراي الأخير. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل المحاماة الجزء الأول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ175).

الوجه الرابع: مناقشة الخصم لتقرير الخبير، وما إذا كانت المناقشة جائزة للمحامي بالوكالة عن الخصم الذي وكله بموجب التوكيل العام:

نصت المادة (173) إثبات على أنه: (للمحكمة بأن تأخذ بتقرير الخبراء أو الخبير الذي تطمئن إليه مع بيان الأسباب إذا خالف التقرير الذي أخذت به تقريراً آخر، ولها أن تستمع إلى مناقشات الخصوم في شأن التقارير المقدمة وملاحظاتهم عليها ، وأن تكلف الخبير أو الخبراء مرة أخرى لإستكمالها أو تصحيحها إذا لزم الأمر أو ترفض طلبات الخصوم). 

فقد أجاز هذا النص للمحكمة أن تمكن الخصوم من إبداء ملاحظاتهم على تقارير الخبراء وأن يناقشوا ما ورد في التقارير أمام المحكمة بحضور الخبراء العدول، وقد ذكرنا أن المادة (120) مرافعات السابق ذكرها لم تذكر مناقشة الخبراء أو إبداء الملاحظات على تقارير الخبراء ضمن الأعمال التي يشترط فيها حصول المحامي على توكيل خاص بذلك. 

وعلى هذا الأساس فأنه يحق للمحامي أن يبدي الملاحظات بالوكالة عن خصمه وأن يناقش ما ورد في تقارير الخبراء بموجب التوكيل العام الصادر له من موكله. (دروس في المحاماة ، د. نجلاء فليح، دار وائل ٢٠١٢م ، ص١٣٩).

الوجه الخامس: مدى جواز طلب المحامي من المحكمة العمل بموجب ما توصل إليه الخبير: 

كانت هذه المسألة محل النقاش في الحكم محل تعليقنا، لان طلب المحامي من المحكمة العمل بما توصل إليه الخبير تدل بمفهومها على القبول بما توصل إليه الخبير، ولم يرد في النصوص القانونية ما يوجب على المحامي الحصول على توكيل خاص من الخصم الذي قام بتوكيله.

 بيد أن الأمانة المهنية للمحامي والآثار المترتبة على القبول بما توصل إليه الخبير تستلزم أن يرجع المحامي الأمين الحريص على حقوق موكله أن يرجع إلى موكله لمعرفة موقفه من النتائج التي توصل إليها الخبير. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ320)، والله أعلم.