إجابة المدعى عليه الخاصة بكل واقعة
من ضمن أسباب إطالة إجراءات القضايا في اليمن أن المدعي يسوق في مرافعاته الكتابية والشفهية وقائع كثيرة مجملة غامضة من غير بيان اوتفصيل ، ولذلك تكون إجابة المدعى عليه على تلك الوقائع أيضا مجملة وغامضة ،وعندئذ يتعذر على القاضي الإحاطة بوقائع النزاع حتى يتمكن من تطبيق النص القانوني على تلك الوقائع تطبيقا صحيحا، ولمعالجة هذا الخلل الاجرائي فانه ينبغي على القاضي ممارسة دوره الايجابي في إدارة الدعوى لحسن سير العدالة ، وفي هذا الشان يجب على القاضي إستجواب الخصوم بشأن الادعاءات المجملة وكذا الردود المجملة عليها للوقوف على بيانات وقائع النزاع وتفاصيلها كي يستطيع القاضي تطبيق النصوص القانونية على الوقائع تطبيقا سليما ، ولهذه الغاية فقد اشترطت المادة (166) من قانون المرافعات اليمني اشترطت على القاضي أن يستجوب الخصم لبيان الوقائع المجملة التي آثارها الخصم في مرافعاته حتى تتمكن المحكمة من الإحاطة بوقائع النزاع ووالتحقق من مدى صحتها، وعند إستجواب المحكمة للخصم يجب على الخصم أن يجب على كل واقعة من وقائع الدعوى إجابة خاصة بها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-6-2011م في الطعن رقم (45184)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ولما كان الحكم الابتدائي وأوراق القضية قد خلت من إستجواب الخصم بشأن سندي المديونية ، فقد كان من اللازم على محكمة الإستئناف بإعتبارها محكمة موضوع أن تعالج عيوب الحكم الابتدائي في هذا الجانب إعمالاً منها للقاعدة الذهبية الواردة في المادة (166) مرافعات، فعن طريق هذا الدور الإيجابي للمحكمة تستطيع تحديد وصف الدين محل النزاع والرد على دفاع الطاعن وفقاً للقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى الإجابة الخاصة للخصم عن الواقعة:
ضمن أسباب الحكم محل تعليقنا أشار إلى المادة (166) مرافعات، وقد نصت هذه المادة على أنه (في الجلسة المحددة لنظر الدعوى تقبل المحكمة من الخصوم المستندات التي لم يسبق لهم تقديمها مرفقة بعريضة الدعوى والجواب عنها، وتملئ ما فيها على خصومهم ، وإذا كانت الدعوى مستوفية شروط صحتها يسأل القاضي المدعى عليه الجواب عنها، ويجيب على كل وقائعها إجابة خاصة بها مبيناً صراحة ما ينكره وما يقر به من غير إبهام، وتحدد المحكمة ما أقر به الخصم وما أنكره وتكلف المدعي إثبات ما أنكره المدعى عليه وتسمع أدلته وشهوده).
ومن خلال مطالعة النص القانوني السابق يظهر أنه يجب على المدعى عليه ان يجب على كل واقعة من الوقائع الواردة في الدعوى إجابة خاصة بكل واقعة على حدة إجابة خاصة بها مفصلة صريحة مبينا فيها مايقر به من تلك الواقعة وماينكره فيها وان يذكر الادلة على ماينكره .
فلا تجدي الإجابة العامة أو الغامضة أو المجملة ، واذا كانت الواقعة التي ادعى بها المدعي مجملة وعامة وغامضة فانه يجب على القاضي أن يستجوب المدعي لسؤاله عن الجوانب الغامضة أو المجملة في حتى تكون واضحة فيتمكن المدعى عليه من الاجابة عليها إجابة خاصة بها واضحة وصريحة ، فإن لم تكن إجابته كذلك فانه يجب على القاضي أن يكلف المدعى عليه بالإجابة على كل واقعة إجابة خاصة بها إجابة تفصيلية لا لبس فيها ولا غموض.
فمعنى الإجابة الخاصة على كل واقعة من وقائع الدعوى أنه يجب على المدعى عليه أن يبين موقفه ووجهة نظره بشأن كل واقعة ساقها المدعي في عريضة دعواه على وجه التفصيل وبطريقة مرتبة مفهومة وواضحة ،وينبغي على المدعى عليه عليه أن يذكر في سياق إجابته الأدلة التي تؤيد إجابته.
وعلى هذا الأساس فإن الإجابة العامة على وقائع الدعوى بصيغة واحدة عامة لا فائدة منها ، كأن يقول المدعى عليه في سياق إجابته عن وقائع الدعوى : الدعوى غير صحيحة أو أنها مجرد أكاذيب أو أنها كيدية وغيرها من المصطلحات العامة المجملة الواردة في مرافعات الخصوم في اليمن، وإنما يجب أن تكون إجابة المدعى عليه على كل واقعة من وقائع الدعوى إجابة خاصة بكل واقعة من وقائع الدعوى على حدة حتى يستبين القاضي حقيقة النزاع ويظهر له صاحب الحق. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الدعاوى والطلبات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ244).
الوجه الثاني: هل يعد عدم رد المدعى عليه على بعض وقائع الدعوى قبولاً بها:
بينت ذلك المادة (167) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه: (إذا اعترف المدعى عليه أو أنكر أو سكت واثبت المدعي ما انكره أو لم يثبته وطلب يمين المدعى عليه ونكل عنها قضى للمدعي، وإن عجز المدعي عن إثبات دعواه اعتبر عاجزاً أو لم يطلب يمين المدعى عليه أو طلبها وحلفها حكم برفض الدعوى).
ويفهم مما ورد في النص السابق أن سكوت المدعى عليه عن الرد عن واقعة معينة من وقائع الدعوى يفهم من ذلك أن السكوت في هذه الحالة لا يعد قبولاً من المدعى عليه بتلك الواقعة التي سكت عن الرد عليها، فلا يملك القاضي الحكم على المدعى عليه في الواقعة التي سكت عن الإجابة عليها لمجرد سكوته عن الإجابة عليها ، وإنما يحق للمدعي أن يقوم بإثبات الواقعة التي سكت عنها المدعى عليه، لأن المدعى هو الذي يجب عليه أن يثبت صحة الوقائع التي ساقها في دعواه بما فيها الواقعة التي سكت المدعى عليه عن الإجابة عليها ، فإذا أفلح المدعي في إثبات كل وقائع الدعوى حكم له القاضي بكل طلباته ، وان افلح في إثبات بعض تلك الوقائع حكم له القاضي بطلباته المتصلة بالوقائع التي اثبتها المدعي.
وكذلك الحال بالنسبة للواقعة التي سكت المدعى عليه عن الإجابة عليها فان القاضي لايحكم المدعي لمجرد سكوت المدعى عليه عن الإجابة عليها وانما على أساس الأدلة المقدمة من المدعي لإثبات الواقعة المسكوت عنها وليس على مجرد سكوت المدعى عليه عن الرد على تلك الواقعة.
أما إذا عجز المدعي عن إثبات الواقعة المسكوت عنها مع تمسك المدعي بها فإن القاضي لا يحكم للمدعي بسبب سكوت المدعى عليه.
الوجه الثالث: الوقائع التي يذكرها المدعي في دعواه فيسكت المدعى عليه عن الرد عنها ولا يصر عليها المدعي حتى قفل باب المرافعة:
إذا ذكر المدعي في دعواه عدة وقائع فقام المدعى عليه بالرد على بعضها رداً خاصاً مفصلاً بشأن كل واقعة على حدة على النحو السابق بيانه، بيد أن المدعى عليه سكت أو تجاهل بعض وقائع الدعوى فلم يرد عليها، وبعد ذلك لم يقم المدعي بإثارة تلك الوقائع التي سكت المدعى عليه عن الرد عليها ،فلم يقم المدعي بعد ذلك بإثباتها بل أنه لم يصر عليها بعد ذلك ولم يرددها على مسامع المحكمة أو يقرع سمع المحكمة بها حتى قفلت المحكمة باب المرافعة، فهذه الوقائع التي سكت المدعى عليه عن الرد عليها وتجاهلها بعد ذلك المدعي فلم يثبتها ولم يصر عليها ، ففي هذه الحالة فإن المحكمة غير ملزمة بالفصل في هذه الواقعة التي تجاهلها الخصوم جميعاً ولم يصروا عليها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحكم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، ًصـ267).
الوجه الرابع: الحكم على اساس الإجابة العامة على الواقعة غير الواضحة يبطل الحكم:
كان النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن هذه المسألة فقد كانت واقعة معينة من وقائع الدعوى محل خلاف بين المدعي والمدعى عليه، فقد كان محل الواقعة سندي المديونية، وقد كانت هذه الواقعة غامضة ومجملة في دعوى المدعي ، ولذلك رد المدعى عليه رد عليها رداً مجملاً غامضاً، وإزاء هذا الغموض والإجمال في هذه الواقعة فقد كان من الواجب على القاضي في المحكمة الإبتدائية أن يستجوب الخصوم وفقاً لقانون الإثبات اليمني ويناقشتهم بشانها ويستفصلهم بشأن أوجه الغموض والإجمال التي شابت تلك الواقعة حتى يستطيع القاضي الإحاطة بالواقعة محل الخلاف فيطبق القاضي على الواقعة الحكم القانوني الصحيح، فاذا لم تقم المحكمة الإبتدائية بذلك فانه كان ينبغي على محكمة الإستئناف حينما يعاد طرح النزاع أمامها ان تستدرك ذلك القصور باعتبارها محكمة موضوع.
فالحكم يجب أن يكون على واقعة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، فإذا كانت الواقعة مشوبة بالغموض فإن الحكم الذي يصدر فيها يكون باطلاً ، لأنه يكون مبنيا على الظن والتخمين. (نظرية الدعوى في أصول المحاكمات المدنية، د. إلياس أبو عيد، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2010م، صـ296)، والله أعلم.
✍🏼 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.