معنى قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤديه
اليد التي يتم وضعها على المال ثلاث: الأولى: يد مالك المال وهي اليد الأصلية، واليد الثانية: يد الأمانة: وهي اليد التي ينتقل إليها المال من المالك بسبب مشروع ولا تضمن إلا بالتعدي أو التقصير، واليد الثالثة: اليد المستولية أو اليد الضامنة، وهي اليد التي تستولى على المال من مالكه رغمًا عنه أو تحتفظ به رغمًا عن مالكه، وهي تضمن المال في كل الأحوال، والكلام عن الأيادي الثلاث مترابط عند الفقهاء.
وعلى هذا الأساس فإن المقصود الأصلي باليد في قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤديه هي يد الضمان أو اليد المستولية، ومعنى ذلك قيام الشخص بالاستيلاء على المال من مالكه أو الاحتفاظ بالمال رغمًا عن مالكه.
فالمقصود باليد في هذه القاعدة الجليلة هي يد الضمان وليس يد الأمانة، وقاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤديه مستفادة من الحديث النبوي الشريف (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).
ومعنى هذه القاعدة أن الشخص الذي يستولي على مال أو حق غيره يكون ضامنا له ومسؤولاً عنه حتى يقوم برده إلى صاحبه ، فالمراد باليد في هذه القاعدة هو اليد المستولية أو الضامنة التي تستولي على مال الغير او تحتفظ به بطريقة غير مشروعة ، فلايقصد بذلك اليد المؤتمنة.
ومن مقتضيات تطبيق هذه القاعدة أنه يجب على المدعي على المستولي على المال أو الحق أن يثبت واقعة الاستيلاء أو الإحتفاظ بالحق من غير وجه شرعي، وبالمقابل فانه يجب على المستولي على حق غيره أن يثبت إعادة ذلك المال للإفلات من المسئولية، أو الضمان ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-3-2011م في الطعن رقم (44069)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن القاعدة: أن على اليد ما أخذت حتى تؤديه، ومؤدى ذلك أنه كان على الشعبة أولاً أن تلزم المطعون ضده بإثبات تسليمه لمواد البناء المدعى بها الى الطاعن ، وذلك قبل أن تقضي بإلزام هذا الأخير بتسليمها للمطعون ضده بحسب ما ورد في حكمها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: مصدر قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤديه:
مصدر هذه القاعدة حديث نبوي شريف وهو الحديث الذي رواه الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: ” على اليد ما أخذت حتى تؤديه“وفي رواية “حتى تؤدي،وفي رواية ثالثة حتى ترد.
وقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده واصحاب السنن إلا النسائي، زاد أبو داود والترمذي: قال قتادة: ثم نسي الحسن فقال: هو أمينك لا ضمانم عليه، وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وتعقبه صاحب الإلمام فقال: وليس كما قال ، وإنما هو على شرط الترمذي كما فعل.
ولم تعرف هذه القاعدة بهذا اللفظ إلا عند الفقهاء المتأخرين، وقد اعتبر البعض هذا الحديث دليلا لقاعدة أخرى وهي قاعدة “لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي“، كما ذكر ذلك الزحيلي ثم علق فقال: هذا الحديث اعتبره الندوي قاعدة كلية في كتابه جمهرة القواعد الفقهية، وقد ذكر ذلك أيضا علي النايف في كتابه: المفصل في شرح آية (لا إكراه في الدين)”، وممن عده قاعدة أيضا البورنو في كتابيه: ” الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية” “والموسوعة”
وقد تحدث شراح كتب السنن عن درجة صحة الحديث، وحكوا خلاف العلماء في سماع الحسن من سمرة، فقال صاحب التحفة: هذا حديث حسن أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم، وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور، ووقع في بعض النسخ: هذا حديث صحيح..
وقال شارح سنن أبي داود: وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه هو من طريق الحسن بن أبي الحسن البصري، والمعروف عند العلماء أن في رواية الحسن عن سمرة ثلاثة أقوال ولكن المشهور أن الثابت من رواية الحسن عن سمرة هو حديث العقيقة؛ لأنه هو الذي صرح فيه بالسماع، أما غيره فإن الأصل أنه مدلس، ولا يقبل إلا ما صرح فيه بالسماع، والذي ثبت تصريحه بالسماع فيه هو حديث العقيقة، وغير هذا مما رواه الحسن عن سمرة يكون من قبيل غير الثابت؛ لأنه روي بالعنعنة وليس سماعه ثابتا إلا في حديث العقيقة وحده، واستدل بالحديث صاحب جامع الأصول وقال محققه: والحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
والمختار ان الحديث صحيح له أصل ويشهد لمعناه الحديث الذي قبله والذي بعده فالحديث الذي قبله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار قصعة فضاعت، فضمنها لهم (والحديث الذي بعده حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: ” العارية مؤداة، والزعيم غارم، والدين مقضيّ (وقال البخاري: قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن اثبت مقدم على من نفى . والبحث عن سند الحديث وأنّه صحيح أو ضعيف لا وجه له ، لأنّه بعد هذا الاشتهار بين الفقهاء وقبولهم له والعمل به فيكون موثوق الصدور ، الذي هو موضوع الحجّية ، بل لا يبعد أن يكون من مقطوع الصدور.(الإلمام بأحاديث الأحكام (ومعه حاشية شمس الدين بن عبد الهادي) لتقي الدين بن دقيق العيد، تحقيق محمد خلوف العبد الله طبعة دار النوادر سوريا الطبعة الأولى 1434 هـ / 2013 م،، ٣/٣٢١).
الوجه الثاني: معاني ألفاظ قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤديه:
وردت هذه القاعدة بلفظ: ” على اليد ما أخذت حتى تؤديه” وفي رواية “حتى تؤدي” وأخرى “حتى ترد ، وبيان معاني الالفاظ الواردة في هذه القاعدة كماياتي:
1- معنى لفظ اليد: واليد لها معان متعددة، قال ابْنُ الأَعرابي: اليد النعمة، واليد القوة، واليد القدرة، واليد الملك، واليد السلطان، واليد الطاعة، واليد الجماعة، وأسقط اي ندم، واليد الأكل، يقال: ضع يدك أي: كل، واليد الندم، ومنه يقال: سقط في يده إذا ندم، وأسقط أي: ندم، واليد الغِياث، واليد منع الظلم، واليد الاستسلام، واليد الكفالة في الرهن؛ ويقال للمعاتب: هذه يدي لك. ومن أمثالهم: ليد ما أخذت؛ المعنى من أخذ شيئا فهو له. وقولهم: يدي لك رهن بكذا اي : ضمنت ذلك وكَفَلت به
ومعنى: “على اليد” معنى ذلك الإلزام والوجوب أي انه يجب إلزام الشخص برد مال الغير أو الحق الذي اخذه.
٢ ـــ معنى لفظ الأخذ المذكور في القاعدة : الأخذ خلاف العطاء وهو أيضا التناول، أخذت الشيء آخذه أخذا تناولته، وأخذه يأخذه أخذا، والإخذ بالكسر الاسم، وإذا أمرت قلت: خذ وأصله أؤخذ؛ إلا أنهم استثقلوا الهمزتين فحذفوهما تخفيفا، وكذلك القول في الأمر من أكل وأمر وأشباه ذلك، ويقال: خذ الخطام وخذ بالخطام بمعنى، والتأخاذ تَفعال من الأخذ،
٣ ـــ معنى لفظ أدى المذكور في القاعدة: أدى الشيء قام به، والدين قضاه، والصلاة قام بها لوقتها، والشهادة أداها، وإليه الشيء أوصله إليه، قال ابن منظور: أدى فلان ما عليه أداء وتأدية وتأدى إليه الخبر أي انتهى، ويقال: استأداه مالا إذا صادره واستخرج منه.
٤ــ معنى لفظ رد الوارد في القاعدة:
رده عن وجهه يرده ردا ومردا: صرفه، ورد عليه الشيء إذا لم يقبله، وكذلك إذا خطأه. وتقول: رده إلى منزله ورد إليه جوابا أي : رجع. والمردودة المطلقة، والمردود : الرد، وهو مصدر مثل المحلوف والمعقول.
وشيء رد أي: رديء. وفي لسانه رد أي: حبسه. وفي وجهه ردة أي: قبح مع شيء من الجمال. وردده ترديدا وتَردادا فتردد. ورجل مردّد: حائر بائر. والارتداد: الرجوع، ومنه المرتد، والردة بالكسر اسم منه أي الارتداد.
والرِّدة: امتلاء الضرع من اللبن قبل النتاج. قال: وتقول منه: أردَّتِ الشاة وغيرها فهي مٌرِد، إذا أضرعت. وجاء فلان مٌرِدَّ الوجه أي: غضبانَ. ورجل مٌرد أي: شبِق. وبحر مٌرد أي: كثير الموج.( الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية لأبي نصر اسماعيل بن حماد الجوهري ت393ه تحقيق احمد عبد الغفور عطار ط دار العلم للملايين بيروت الطبعة الرابعة 1407ه/1987م، مادة اد ومادة رد).
الوجه الثالث: المعنى العام لقاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد:
بما أن القاعدة هي لفظ الحديث، فمعنى القاعدة هم معنى الحديث. قال الشوكاني رحمه الله: وفي الحديث دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخذته يده من مال غيره بإعارة أو إجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه، وقال محمد صدقي البورنو في معنى الحديث: إن من أخذ شيئا بغير حق كان ضامنا له، ولاتبرأ ذمته حتى يرده. والمراد باليد هنا صاحبها من إطلاق البعض وإرادة الكل، وعبر باليد؛ لأنها بها يتم الأخذ والعطاء، ونستنتج من كلام الشوكاني والبورنو لفظين مهمين هما:
ـــ الرد للأشياء إذا بقيت سليمة والضمان عند الإتلاف كما سنرى.
ـــ وضع اليد على الشيء من أسباب الضمان عند الفقهاء.
ففي المذهب المالكي أن أسباب الضمان ثلاثة:
أحدها: العدوان كالقتل والإحراق وهدم الدور وأكل الأطعمة وغيرها من أسباب تلف الأموال.
ثانيها: التسبب للإتلاف كحفر بئر في طريق حيوان يحفرها غير مالكها .
ثالثها: وضع اليد التي ليست بمؤتمنة.
وهي نفس الأسباب عند الحنفية إلا أن التسبب عندهم لا يوجب الضمان إلا إذا كان مصحوبا بالتعمد، وهو ما اعتمدته مجلة الأحكام العدلية المستمدة من المذهب الحنفي، ونصت عليها المادة 73منها بقوله: “المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد.
أما عند الشافعية فأسباب الضمان أربعة:
ــ أولها: الضمان باليد، كالغصب والأيدي الضامنة من غير غصب.
ـــ ثانيها: الضمان بالمباشرة، وهي إيجاد علة الهلاك كالذبح والإحراق.
ــ ثالثها: الضمان بالتسبب، وهو إيجاد علة المباشرة كالإكراه على القتل.
ـــ رابعها: الضمان بالشرط، وهو إيجاد ما يتوقف عليه الإتلاف وليس بمباشرة ولا تسبب، كالممسك مع المباشر أو المتسبب.
أما عند الحنابلة فهي ثلاثة:
ـــ أولها: الضمان بالعقد، كعقد البيع يضمن به.
ـــ ثانيها: الضمان باليد، كاستيلاء الغاصب والسارق وغيرهما.
ـــ ثالثها : الضمان بالإتلاف في الأنفس والأموال.
ويتضح من هذه الأسباب التي ذكرها الفقهاء أن وضع اليد على الحق أو المال سبب للضمان عند جميع الفقهاء، وبالتالي يمكن أن نستنتج أن هذه القاعدة من القواعد المتفق عليها؛ لأنني بحثت فلم أجد من نص على خلاف ذلك. (القواعد الكلية والضوابط الفقهية ليوسف بن الحسن بن عبد الهادي الدمشقي ت 909هـ تحقيق جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري الناشر دار البشائر الإسلامية بيروت الطبعة الأولى. سنة النشر 1415هـ /1994م،ص٢٣٤).
الوجه الرابع: تطبيقات قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في الفقه الإسلامي:
لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة في أبواب مختلفة من كتب الفقه: في باب السرقة والغصب والعارية واللقطة والإيجار وغيرها من ابواب الفقه، نكتفي بالاشارة اليها بإيجاز كما ياتي:
أولا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في السرقة:
السرقة هي: أخذ مال الغير خفية من غير أن يؤتمن عليه ، والسارق ضامن وملزم برد المال المسروق ، سواء بقي المسروق أو تلف، فعلى السارق ضمان قيمته إن كان تالفا.
لكن هل يضمن السارق السرقة مع القطع؟ قال في المبسوط: وإذا قطع السارق ردت السرقة إلى صاحبها؛ لأن المسروق منه واجد عين ماله، ومن وجد عين ماله فهو أحق به فإن لم يقدر عليها فلا ضمان على السارق عندنا، وقال الشافعي رحمه الله: هو ضامن لقيمتها، وقال مالك: إن كان السارق صاحب مال يؤمر بأداء الضمان في الحال، وإن لم يكن له شيء فلاضمان عليه في الحال ولا بعد ذلك.
أما قانون الجرائم والعقوبات اليمني فلم يتعرض لهذه المسالة ، وبإعتبار رد المسروق من المسائل المدنية فان إجراء الحد أو تعزير السارق لايحول دون إلزامه برد المسروق.(التشريع الجنائي الاسلامي، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٢م، ص٨٩).
ثانيا: تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤديه في الغصب والتعدي:
الغصب هو: أخذ مال الغير قهرا تعديا بلا حرابة، وأما التعدي فهو: التصرف في الشيء بغير إذن ربه دون قصد تملكه، وقصد التملك هو الفرق بينه وبين الغصب.
وتطبيقا لهذه القاعدة فان الغاصب يضمن العين المغصوبة، وفي هذه الحالة يجب إلزامه برد المغصوب عينا إذا كان سليما لرفع الضرر عن المالك، فإذا ذهبت عينه يجبر الضرر برد مثله إن كان مثليا وقيمته إن كان قيميا، سواء كان ذهاب العين حقيقة كالطعام إذا أكله الغاصب، أو حكميا إذا كان شاة فذبحها وطبخها، أو حنطة فطحنها، قال صلى الله عليه وسلم: “(لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها (.
فالغاصب يضمنها ولو تلفت بغير سببه، ولو تلفت ساعة الغصب أو وقت الغصب، يقول القرافي: موت الحيوان وانهدام الدار وقت أو فورالغصب أو بعده يضمنه الغاصب، بقيمته يوم الغصب وفيه قاعدة أصولية وهي: أن ترتب الحكم على الوصف يدل على عليه ذلك الوصف لذلك الحكم، وقوله عليه السلام: “على اليد ما أخذت حتى ترده” فيه لفظ على الدال على اللزوم والوجوب، وقد رتبه صلى الله عليه وسلم على وصف الأخذ فيكون وضع اليد للأخذ سبب الضمان، ولنا قاعدة أخرى أصولية فقهية وهي: أن الأصل ترتب المسببات على أسبابها من غير تراخ فيترتب الضمان حين وضع اليد فلذلك ضمنا بوضع اليد وأوجبنا القيمة حينئذ.
ويضمن الغاصب الغلة المتولدة من الشيء المغصوب إذا كانت على هيأته وصورته كنسل الحيوان وهذا مذهب الشافعي بخلاف مالك، والسبب في هذا الاختلاف أن من جعل المغصوب مضمونا على الغاصب بالقيمة يوم الغصب جعل ما حدث فيه من نماء أو نقصان؛ كأنه حدث في ملك صحيح، فأوجب له الغلة ولم يوجب عليه في النقصان شيئا سواء أكان من سببه، أو كان من عند الله تعالى، وهو قياس أبي حنيفة، ومن جعله مضمونا على الغاصب بقيمته في كل أوان كانت يده عليه آخذه بأرفع القيم، وأوجب عليه رد الغلة وضمان النقصان.
ثالثا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في العارية:
العارية هي: تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض، أو : مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض، وهي من أعمال البر التي ندب إليها الإسلام ورغب فيها ، فمن استعار شيئا ــ سيارة أو دابة أو كتابا أو غير ذلك ـــ فعليه رده إلى صاحبه الذي استعاره منه ولا تبرأ ذمته إلا برده.
وقد وقع خلاف بين الفقهاء في كونها مضمونة أو أمانة، قال أبو حنيفة: إنها ليست مضمونة، وقيل: إنها مضمونة وهو قول الشافعي وأشهب وأحد قولي مالك، ومنهم من قال: يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه، ولا فيما قامت البينة على تلفه، وهو مذهب مالك المشهور.
وسبب الخلاف تعارض الآثار في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: “بل عارية مضمونة مؤداة” وفي بعضها “بل عارية مؤداة وروي عنه أنه قال: (“ليس على المستعير ضمان) ،فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه، ومن أخذ بحديث صفوان ألزمه الضمان، ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه، فحمل بعضهم الضمان على ما يغاب عليه، والحديث الآخرعلى ما لا يغاب عليه.
وهناك سبب آخر للاختلاف، وهو: الاختلاف في المقدر في قوله صلى الله عليه سلم: “على اليد ما أخذت” فيتوقف فهم المراد منه على مقدر، وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية، فيكون معنى الحديث: على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت، ولا يصح هاهنا تقدير التأدية؛ لأنه قد جعل قوله: “حى تؤديه” غاية لها، والشيء لا يكون غاية لنفسه، وأما الضمان والحفظ فكل منهما صالح للتقدير، ولا يقدران معا؛ لما تقرر من أن المقتضى لا عموم له، فمن قدر الضمان أوجبه على المستعير، ومن قدر الحفظ أوجبه عليه، ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر.( قاعدة على اليد ما أخذت، محمد عبد الجليل العروسي، مجلة العلوم الإنسانية جامعة إبن الطفيل المغرب،ص ٢٣).
رابعا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في العارية على اللقطة:
اللقطة هي: كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه. وكثيرا ما تطلق اللقطة على غير الحيوان، أما الحيوان فيقال له: ضالة.
واختلف الفقهاء في حكم الالتقاط، فقد قال بعضهم انه ليس بواجب وهو مستحب، وقيل: مكروه، ويجب إن كان بين قوم مأمونين، وقيل: يستحب إن وثق الملتقط بأمانة نفسه ويكره إن خاف خيانة نفسه، ويحرم إن علم خيانة نفسه.
فإذا التقط الملتقط اللقطة ونيته معقودة على انه يلتقطها لنفسه، كان غاصبا ضامنا حتى يؤديها لصاحبها، وهذا مبني على أنه لا يجوز التصرف في مال غيره بغير إذن منه أو ولاية.
أما إذا التقطها ليعرف بها ويشهرها، ففي هذه الحالة ينشر نبأها في مجتمع الناس بكل وسيلة في الأسواق وغيرها من الأماكن، حيث يظن أن ربها هناك وتبقى وديعة عنده لا يضمنها إلا إذاهلكت بالتعدي.
ومدة التعريف باللقطة تختلف باختلاف أنواع الملتقط، فإذا كان يسيرا جدا كالتمرة فلا يعرف، ولواجده أن يأكله أو يتصدق به، وإذا كان يسيرا ينتفع به ويمكن أن يطلبه صاحبه، فيجب أن يعرف اتفاقا، واختلف في قدره فقيل: سنة كالذي له بال، وقيل: أياما، وأما الكثير الذي له بال فيجب تعريفه سنة باتفاق، وإن كان مما لا يبقى بيد الملتقط كالطعام الرطب أو يخشى عليه التلف كالشاة في مفازة، فيجوز لمن وجدها أن يأكلها غنيا أو فقيرا أو يتصدق بها واختلف في ضمانه، فقيل: يضمنه، أكله أو تصدق به، وقيل: لا يضمن فيهما وقيل: يضمنه إن أكله لا إن تصدق به، وإن كان مما لا يخشى عليه التلف ويبقى بيد ملتقطه كالإبل فلا تؤخذ وإن أخذت عرف بها.
خامسا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في العارية على الرهن:
الرهن هو: جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين، بحيث يمكن أخذ الدين، أو أخذ بعضه من تلك العين.
يجب على المرتهن رد الرهن إلى صاحبه، أما إذا هلك الرهن عند المرتهن هل يضمن أم لا؟ فيه خلاف، فقال جماعة من الفقهاء: الرهن أمانة وهو من المرتهن والقول قوله مع يمينه أنه ما فرط فيه، وهو قول الشافعي وأحمد، وقالت جماعة من الفقهاء: الرهن من المرتهن ومصيبته منه، وبه قال أبو حنيفة وجمهور الكوفيين، والذين قالوا بالضمان انقسموا على قسمين:
القسم الأول : ذهب إلى أن الرهن مضمون بالأقل من قيمته أو قيمة الدين، وبه قال أبو حنيفة.
القسم الثاني: قال: الرهن مضمون بقيمته قلت أو كثرت، وأنه إن فضل للراهن شيء فوق دينه أخذه من المرتهن، وبه قال الأمام علي وعطاء، وفرق مالك بين ما لا يغاب عليه مثل الحيوان فهو مؤتمن، وبين ما يغاب عليه فهو ضامن .(قاعدة على اليد ما أخذت، محمد عبد الجليل العروسي، مجلة العلوم الإنسانية جامعة إبن الطفيل المغرب،ص ٢٦).
خامسا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في إخراج الصيد من الحرم:
إذا أخرج محرم أوحلال صيدا من الحرم فإنه يؤمر برده على الحرم؛ لأنه كان بالحرم آمنا صيدا، وقد أزال ذلك الأمن عنه بإخراجه فعليه إعادة أمنه بأن يرده إلى الحرم فيرسله فيه، وهذا لأن كل فعل هو متعد في فعله فعليه نسخ ذلك الفعل، قال صلى الله عليه وسلم: “على اليد ما أخذت حتى ترد” ونسخ فعله بأن يعيده كما كان.
قال فإن أرسله في الحل فعليه جزاؤه؛ لأنه ما أعاده آمنا كما كان، فإن الأمن كان ثابتا بسبب الحرم، فما لم يصل إلى الحرم لا يعود إليه ذلك الأمن، ولا يخرج الجاني عن عهدة فعله بمنزلة الغاصب إذا رده على غير المغصوب منه إلا أن يحيط العلم بأنه وصل إلى الحرم سالما فحينئذ يبرأ عن جزائه كما إذا وصل المغصوب إلى يد المغصوب منه.
سادسا : تطبيق قاعدة على اليد ما أخذت حتى ترد في بقاءالمستاجر أو الاجير في العين بعد إنتهاء او الاجارة : فقد اتفق الفقهاء على ان بقاء المستأجر أو الاجير في العين رغم مطالبة المؤجر بإخلاء العين يكون غصبا، لان من غير رضاء المالك.
سابعا: من تطبيقات هذه القاعدة :انه من أخذ بدل صلح ثم اعترف قابضه بعد الصلح أنه لا حق له فيه، وجب عليه رد ما أخذ.
ثامنا: من تطبيقات قاعدة على اليد ما اخذت حتى ترد: انه لو دفع إنسان مالا على ظن أنه مدين به ثم تبين له خطؤه فعلى الآخذ الرد.
تاسعا: أي حبس للمال أو الحق في اليد من غير حق ولو كانت اليد قبل ذلك يد امانة. (قاعدة على اليد ما أخذت، محمد عبد الجليل العروسي، مجلة العلوم الإنسانية جامعة إبن الطفيل المغرب، ص٢٦).
الوجه الخامس: الاستثناءات التي ترد على قاعدة: على اليد ما أخذت:
ترد على هذه القاعدة استثناءات عدة منها:
أولا: الوديعة:
الوديعة هي: توكيل شخص في مجرد حفظ المال، وقد اتفق الفقهاء على أن الوديعة أمانة لا مضمونة؛ لأن الوديع مؤتمن، والمؤتمن لا ضمان عليه؛ لقوله صلى لله عليه وسلم: ” لا ضمان على مؤتمن، لأن الشأن والعادة فيمن يأتمنه الناس على أموالهم وودائعهم أن يحافظ عليها، فإن ضاعت فلا يضمنها لعدم تفريطه، فإن ثبت تفريطه فإنه يضمن لحديث القاعدة المتقدم، وروي عن أنس رضي الله عنه “أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمنه وديعة كانت معه فسرقت أو ضاعت منه، وفسر ذلك بأنه ضمنها بتفريطه فيها، وهكذا في كل ما يتلفه الإنسان عمدا وتفريطا وبتسبب منه فانه يضمنه.
اما إذا حبس الوديع المال من غير حق رغم مطالبة المالك بحقه فان الوديع يكون ضامنا لانه بمثابة غاصب في هذه الحالة.
ثانيا:الإجارة:
الإجارة: تمليك منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض كتبعيضها ،وقيل: هي عقد على المنافع بعوض.
ووضع اليد عند مالك في الإجارة ليست ضامنة، فهو عنده على الأمانة كالقرض والوديعة والمساقاة، وأيدي الأوصياء على أموال الأيتام والحكام على ذلك، ووضع اليد على أموال الغائبين والمجانين، فهذه لا ضمان فيها.
وخرج من الإجارة صورتان قالوا بالضمان فيهما:
الأولى: الأجير الذي يؤثر بصنعته في الأعيان، كالخياط والصباغ والقصار؛ لأن الشفعة إذا تغيرت بصنعتها لا يعرفها ربها إذا وجدها قد بيعت في الأسواق، فكان الأصلح للناس تضمين الأجراء في ذلك، وهو من باب الاستحسان، ولم يره الشافعي، بل طرد قاعدة الأمانة في الإجارة.
الثانية: الأجير على حمل الطعام الذي تتشوف النفوس إلى تناوله، كالفواكه والأشربة والأطعمة المطبوخة، والشافعي طرد ما قاله في الإجارة، فلم يقل بالضمان في شيء أصلا من هذا الباب.
وهناك من أضاف صورة أخرى وهو تضمين الأجير المشترك استحسانا مع أن الدليل يقتضي أنه مؤتمن.
اما إذا رفض الاجير أو المستاجر إخلاء العين فقد سبق القول لأنه غاصب ضامن.
ثالثا : نعد من مستثنيات القاعدة: الأشياء المحرمة كالخمر وآلة اللهو وآلة الخمر إذا لم ينتفع بها في غيره، وكتب السحر والتنجيم. (قاعدة على اليد ما أخذت، د.محمد عبد الجليل العروسي، مجلة العلوم الإنسانية جامعة إبن الطفيل المغرب، ص ٢٨).
الوجه السادس: يد المالك ويد الضمان ويد الأمانة:
يد مالك المال هي اليد الاصلية التي توضع على المال ، وقد ينتقل المال من مالكه بسبب مشروع فتكون اليد التي ينتقل إليها المال يد امانة ، وقد ينتقل المال من مالكه بسبب غير مشروع فتكون اليد التي ينتقل إليها المال يد ضمان .
فيد الضمان: هي اليد المستولية كيد الغاصب التي تستولي على الملك ظلماً وعدواناً أو حتى يد الحائز الذي حاز الشيء ظلماً بقصد تملكه أو لمصلحة نفسه أو الإستيلاء على مال الغير بغير إذن مالكه، ويطلق على يد الضمان أيضاً اليد المستولية، وخلاصة القول: أن يد الضمان هي: كل يد لا تستند إلى إذن شرعي من الشارع أو من المالك وكذلك كل يد لا تستند إلى ولاية شرعية ودل الدليل على ضمان حائزها وكل يد ترتبت عن يد معتدية من غير أن تستند إلى ولاية شرعية، وقد تكون يد الضمان ليست يد مستولية أو غاصبة مثل يد المستعير لأنها مضمونة لقول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لصفوان بن أمية (بل عارية مضمونة).
أما يد الأمانة: فهي اليد التي خلفت يد المالك في حيازة الشيء وتصرفت فيه بسبب شرعي أي بموجب ولاية شرعية في تلك الحيازة ولم يدل دليل على ضمان صاحبها.
وصاحب يد الضمان يضمن المال الذي حازه ، فإذا اتلف المال فإن صاحب يد الضمان يضمن، أما يد الأمانة فلا ضمان فيها.
الوجه السابع: معنى يد الضمان:
تعددت اقوال الفقهاء في معنى يد الضمان ، فهناك من ذهب إلى انها : اليد التي تخلف يد المالك عدوانا وظلما، وذهب اخرون الى القول انها يد الحائز الذي حاز الشيء ظلما بقصد تملكه أو لمصلحة نفسه أو استيلاء الشخص على مال الغير بدون إذن من مالكه، أو القول ان يد الضمان ما وضعت على مال الغير عدوانا كيد الغاصب أو اليد المستولية على مال الغير بغير إذنه.
وهناك من يعرفها بانها: كل يد لا تستند إلى إذن شرعي من الشارع أو من المالك، وكذلك كل يد تستند إلى ولاية شرعية ودل دليل على ضمان صاحبها، وكل يد ترتبت على يد معتدية من غير استناد إلى ولاية شرعية، أو استندت إلى ذلك ولكن كان وضعها لمصلحة صاحبها خاصة.
وفائدة هذا التعريف زيادته على ما تقدم أن ما دل الدليل على ضمان صاحبها يكون مضمونا كالعارية فقد روى أبو داود عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعار منه أدرعا يوم حنين فقال أغصب يا محمد؟ فقال" لا بل عارية مضمونة .
الوجه الثامن: معنى يد الأمانة:
وردت عدة اقوال في معنى يد الامانة كما ياتي:
أ -هي اليد التي تخلف يد المالك من غير تتعدى..
ب: سيطرة الشخص على مال الغير بإذن من مالكه أو الشارع على سبيل الامانة.
ج: هي اليد التي تكون عن ولاية شرعية، لم تكن لمصلحة صاحبها خاصة.
د: هي اليد التي تكون عن ولاية شرعية ولم يدل دليل على ضمان صاحبها..
وقال ابن العربي في تعريف الأمانات: "اختلف الناس في الأمانات، فقال قوم: هي كل ما أخذته بإذن صاحبه. وقال آخرون: هي ما أخذته بإذن صاحبه لمنفعته. قال: والصحيح أن كليهما أمانة. ومعنى الأمانة: أنها أمنت من الإفساد.
ويمكن تلخيص ما تقدم بأن نقول إن يد الأمانة هي: اليد التي خلفت يد المالك في حيازة ملكه، وتصرفت فيه عن ولاية شرعية في تلك الحيازة، ولم يدل دليل على ضمان صاحبها.
الوجه التاسع: دلالة يد الضمان ويد الامانة:
تدل اليد بقسميها على أمرين:
الأول: التملك. وقد اعتبروها في جواز الشراء منه وإن لم يثبت أنها ملكه، ورجحوا بها عند تعارض البينتين. ، قال الماوردي: "ولو قامت بينة على أنه باعه هذه العين ولم يقولوا هي ملكه حكم بصحة العقد، ولا يحكم له بالملك لأنه قد يبع ما لا يملك ويكون له فيها يد.
ومعنى هذا: أن اليد سواء كانت يد ضمان أو يد امانة تدل دلالة ظاهرية على التملك لا حقيقية، وبها يحكم بصحة العقد ولا يحكم بالتملك لأنه قد يتبين له فيما بعد أنه اشترى منه ما لا يملكه.
وعند الحنفية: أن اليد والتصرف لا يدلان على الملك إلا عند ثبوت أصل الملك في تلك العين، فيكونان دالين على تعيين صاحب اليد، والتصرف رخصة، ومثاله: لا يشهد لمن في يده صغير يتصرف فيه تصرف الملاك أنه عبده لأن الأصل الحرية .
والثاني: القبض أي قبض المبيع قال الكاساني الحنفي: "الأصل في القبض هو الأخذ بالبراجم، لأنه القبض حقيقة إلا أنه فيما لا يحتمل الأخذ بالبراجم أقيم النقل مقامه فيما يحتمل النقل، وفيما لا يحتمل النقل أقيمت التخلية مقامه، فاليد دليل على القبض حقيقة، وقد تكون مجازا فيما لا يحتمل الأخذ باليد لذا فإن مسمى اليد يطلق ويراد به ماياتي:
1- يد ملك: وهي اليد المستولية على الشيء بسبب من أسباب كسب الملكية، وهي العقد، والخلافة بالإرث، وإحراز الشيء المباح.
2- يد ضمان. و يد أمانة. والنوعان الأخيران من أنواع اليد، هما محل التعليق.
الوجه العاشر: أقسام يد الضمان:
تنقسم يد الضمان إلى الاقسام الاتية:
1- اليد غير المأذونة: ويراد بها اليد العادِيَة، وهي ما وضعت على مال الغير عدوانا كيد الغاصب الآثم، والغصب هو أخذ مال متقوم محترم مملوك للغير بطريق التعدي وتقدير الغاصب بكونه آثما في غصبه لبيان أن الغصب على ضربين: أحدهما: لا يتعلق به إثم، هو ما وقع عن جهل كمن اتلف مال غيره وهو يظن أنه ملكه. والثاني: يتعلق به الإثم، وهو ما يأخذه على وجه التعدي فإنه يأثم بأخذه وإمساكه .
وسواء كانت اليد غير المأذونة عادية آثمة أو مخطئة غير آثمة فإنها تضمن ، لأن الضمان تعويض عما حصل من الضرر بسبب تفويت يد المالك عن ملكه، فلا يراعى القصد في ذلك ما دامت اليد غير مأذونة.
2- اليد المأذونة، ولكنها تضمن وإن كان بغير تفريط، وذلك كيد البائع، فإنه إذا تلف المبيع قبل قبضه من قبل المشتري ضمن البائع، وإن كانت يده مأذونة في الحيازة لحين القبض.
قال الكاساني: "إذ المبيع في يد البائع مضمون بأحد الضمانين، وهو الثمن، ألا ترى لو هلك في يده سقط الثمن عن المشتري؟"([34]). لأن اجتماع اليدين في محل واحد في زمان واحد محال([35]).
3- اليد المأذونة بالانتفاع فقط، وحصل منها تلف للعين، أي اليد المأذونة بالانتفاع بمنفعة العين كالعارية.
قال الزركشي: "أما القروض والعواري فإنما صارت مضمونة وإن سمح بها صاحبها وأذن فيها لأن الآخذ أخذه لمنفعة نفسه بغير عوض، والشيء الذي أبيح له هو المنفعة، فلم يرتفع ضمان العين من أجل إباحة المنفعة. " وهذا مذهب الشافعية.
قال ابن قدامة: "إذا انتفع بها وردها على صفتها فلا شيء عليه لأن المنافع مأذون في إتلافها فلا يجب عوضها، وإن تلف شيء من أجزائها التي لا تذهب بالاستعمال فعليه ضمانها لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه كالمغصوب". وهذا مذهب الحنابلة.
ومذهب الشافعية والحنابلة هذا يبين أن اليد المؤتمنة وإن كانت مأذونة بالانتفاع كالعارية إلا أنها تضمن إذا حصل تلف لغير ما هو مأذون بإتلافه سواء تعدى أو لا.
وذهب الحنفية: أن الوديعة أمانة لا يضمنها من غير تعد وأما المالكية: فيروى عنهم الوجهان المذكوران، قال ابن العربي: وأما مالك: فعسر الأمر في الضبط وأفلت في الربط
4- اليد المؤتمنة إذا تعدت، كيد الوديع والشريك والوكيل والمقارض إذا تعدت أو جحدت أو قصرت في الحفظ. . الخ فيما يعد إخلالا بالأمانة.
ومن خلال ما تقدم يتبين أن سبب ضمان اليد هو الحيلولة بين المالك وملكه بغير سبب مشروع. وأن اليد الضامنة هي يد مبطلة مفوتة، أي فوتت المنفعة على المالك. قال أبو حنيفة رحمه الله: "إن سبب الضمان إخراج المحل من أن يكون منتفعا به في حق المالك.
وضمان اليد في مقابلة فوات يد المالك، والملك باق على حاله لأنه لم يجر ناقل عن ملكه، والفائت هو اليد والتصرف، فيكون الضمان في مقابلة ما فات، ومتى كانت تخلف يد المالك فلا شيء عليه إلا أن يتعدى، فالمستأجر مثلا: لا سبيل له إلى الانتفاع بالعين إلا بأن يخلف المالك في اليد، فلا يضمن إلا بالتعدي (قاعدة على اليد ما أخذت، د.محمد عبد الجليل العروسي، مجلة العلوم الإنسانية جامعة إبن الطفيل المغرب، ص ٢٢).
الوجه الحادي عشر: أقسام يد الأمانة:
تنقسم يد الأمانة الى قسمين رئيسين:
القسم الأول: اليد المأذونة من قبل المالك، وهي ما أذن المالك أو من قام مقامه في الاستيلاء عليها على نحو الائتمان، أو هي المال المأذون في الاستيلاء عليه من قبل المالك أو من قام مقامه مع الاحتفاظ بملكه له كالوديعة والشركة والوكالة والمضاربة وعبّر عنها المالكية بالأمانة وهي اليد التي تخلف يد المالك في الاستيلاء والتصرف، ومثل إذن المالك إذن من له حق الإذن من ولي أو وصي أو وكيل أو متول.
وصاحب الرهن - الذي يضع يده على الشيء المرهون - يده يد أمانة، وذلك لأن الوثيقة في العقد بأن يكون أحق من الغرماء، والمنافع للمالك، فلا ضمان عليه إذا هلك المرهون.
والعلة في ذلك: أنه لم يخلف يد المالك في الانتفاع ، لأن الهدف من الرهن أن يحافظ على ماله، وأن يكون أحق من الغرماء، في حال تعذر الأداء، وليس الانتفاع والاستيلاء.
ومتى كانت اليد تخلف يد المالك فلا شيء عليه إلا أن يتعدى، ومثاله المستأجر في عدم ضمان العين المستأجرة إذا لم يتعد ، لأن المالك يأخذ العوض على المنفعة، ولا سبيل للمستأجر إلى الانتفاع إلا بأن يخلف المالك في اليد، فلا يضمن إلا بالتعدي.
من خلال ما تقدم يتبين أن اليد التي تخلف يد المالك، بإذن منه في التصرف والاستيلاء هي اليد المؤتمنة التي لا ضمان عليها.
وينقسم الاذن إلى قسمين:
الأول: الإذن الصريح. وهذا معروف بأن يصرح له بتصرف معين.
والثاني: الإذن دلالة، وذلك كما لو مرضت الشاة مع الراعي المستأجر في المرعى، مرضا لا ترجى حياتها معه، فذبحها فإنه لا يضمنها، لأن ذلك مأذون فيه دلالة، ومن قول مالك: في الراعي يأتي بالشاة مذبوحة، ويزعم أنها وقعت للموت فذبحها، أن القول قوله، لأنه مؤتمن عليها، وكل شيء يصنعه الراعي مما يجوز له فعله فلا ضمان عليه لأنه مأذون بذلك دلالة.
ونصت المادة (772) من مجلة الأحكام العدلية على الآتي: الإذن دلالة كالإذن صراحة.
القسم الثاني: اليد المأذونة من قبل الشارع، وعبّر عنها بعضهم بالأمانة الشرعية، وهي ما أذن الشارع لا المالك في الاستيلاء عليها على نحو الائتمان، وذلك كأيدي الأوصياء على أموال اليتامى والحكام على ذلك، وأموال الغائبين والمجانين، فجميع ذلك لا ضمان فيه لأن الأيدي مؤتمنة. (يد الضمان ويد الأمانة بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي، الدكتور حارث محمد العيسى/ جامعة آل البيت، الاردن ، الدكتور أحمد غالب الخطيب/ مفتي محافظة المفرق الاردن ،ص٦).
الوجه الثاني عشر: حكم يد الضمان:
1- ديانة: الأصل في يد الضمان أنها يد ٌ آثمة عادية ولكن قد تكون مخطئة غير متعمدة، فلا إثم عليها ، لأن الإثم مرفوع بالخطأ والنسيان.
2- قضاء: أن واضع اليد على الشيء يضمنه إذا عجز عن رده لصاحبه بفعله أو بفعل غيره أو بآفة سماوية، أي أنه يجب عليه ضمان المثل أو القيمة بالتلف والإتلاف في كل الأحوال، وقابض المضمون يكون مسئولا عن المقبوض تجاه الغير إذا هلك عنده ولو لم يتعد.
والأدلة على ضمان اليد الآتي:
1- من الكتاب قول الله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة/188.ووجه الاستدلال: أن عدم تضمين اليد العادية أكل لأموال الناس بالباطل.
2- ومن السنة ما رواه الترمذي من طريق الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) ،فالحديث دليل على وجوب رد ما قبضه المرء وهو ملك لغيره، ولا يبرأ إلا بمصيره إلى مالكه أو من يقوم مقامه، لقوله: (حتى تؤديه)، ولا تتحقق التأدية إلا بذلك، وهو عام في الغصب والوديعة والعارية، قال الصنعاني: "كثيرا ما يستدلون بقوله (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) على التضمين، ولا دلالة فيه صريحا، فإن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى تؤدي"، ونوقش قول الصنعاني بما يلي: بأنه ليس على اليد الأمينة أن تؤدي ما أخذت ما دامت أمينة - لا كما قال الصنعاني- نعم إذا طولب بالأمانة فعليها أن تؤدي، فإن لم تؤد أو تلفت الأمانة بتعد أن تفريط لم تعد آنذاك يد أمانة، فينطبق عليها (على اليد ما أخذت) وتكون عندئذ ضامنة.
وأجيب على ذلك: بأن الحديث عام - فهو كما قال الصنعاني - يشمل من كانت يده يد أمانة، ومن كانت يده يد ضمان، والفقهاء يستدلون به في باب الغصب كما يستدلون به في باب الوديعة، وتقدير الحديث أن ما أخذ الإنسان فهو في ذمته حتى يؤديه سواء كان غصبا أو وديعة إلا أنه في الغصب آثم بالحيازة، وفي الوديعة غير آثم في الحيازة مع تعلقها في ذمته. فالأمانة مصدر سمي به الشيء الذي في الذمة.
والحديث السابق يفيد أمرين:
أ- الضمان لمن كانت يده يد ضمان، ووجوب أداء الشيء أو مثله أو قيمته إذا تعذر أداء الشيء ذاته.
ب- الاحتياط فيمن كانت يده يد أمانة، وأنها لا تبرأ أمام الله عز وجل، وأمام القضاء إلا بالتأدية ببراءة الذمة، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) النساء/58.ووجه الاستدلال: قال ابن العربي: "لو فرضناها نزلت في سبب فهي عامة بقولها، شاملة بنظمها لكل أمانة وهي أعداد كثيرة أمهاتها في الأحكام: الوديعة واللقطة والرهن والإجارة والعارية.
وقال القرطبي: "والآية عامة في جميع الناس، تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات، وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع. قال: وهذا إجماع، قال: وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار.
وذهب الحنفية والمالكية إلى القول بأن الأمانة إذا تلفت لم يلزم المؤتمن غرمها لأنه مصدق، وكذلك العارية إذا تلفت من غير تعد لأنه لم يأخذها على الضمان، فإذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها.
وأما الشافعية والحنابلة فهم على أن العارية مضمونة على كل حال لأن المباح هو المنافع كما تقدم.
ومن الأدلة على عموم الحديث أيضا قوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة/283، ووجه الدلالة كما قال القرطبي: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً) شرط ٌ ربط به وصية الذي عليه الحق بالأداء، وترك المطل، يعني: إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق وثقة فليؤد له ما عليه ائتمن". وقوله (فليؤد): أمر معناه الوجوب بقرينة الإجماع على وجوب أداء الديون، وثبوت حكم الحاكم به، وجبره الغرماء عليه، بقرينة الأحاديث الصحاح في تحريم مال الغير.
قال ابن العربي: "وأما الوديعة فلا يلزم أداؤها حتى تطلب، وأما اللقطة فحكمها التعريف سنة في مظان الاجتماعات، وحيث ترجى الإجابة لها، وأما الرهن فلا يلزم فيه أداء حتى يؤدي إليه دينه، وأما الإجارة والعارية إذا انقضى عمله فيها يلزمه ردها إلى صاحبها قبل أن يطلبها.
ومن هنا يتبين أن الحديث يدل على ضمان كل ما دخل تحت اليد من المقبوضات، لا فرق بين قبضه بالعدوان كالغصب والسرقة، أو بالسوم ِ والعقد الفاسد أو بالائتمان، إلا إذا ورد دليل مقيد لذلك الإطلاق أو مخصص للعموم مثل عدم ضمان الأمانة بلا تعد أو تفريط فحينئذ يخرج عن العموم ويبقى ما عداه مشمولا بالقاعدة.
3- الإجماع على ضمان الغاصب، والمقبوض بالعقد الفاسد، وهما من أظهر أفراد ضمان اليد.
قال السيوطي في ضمان اليد: "منها ما هو ضمان يد قطعا كالعواري والمغصوب.
4- ومن المعقول: أن من أخذ مال غيره بغير حق أو أخذه بعنوان البدلية والمعاوضة ثم ظهرت المعاملة باطلة، أنه ملزم برده، وعند تعذره لا يذهب المأخوذ هدرا.( يد الضمان ويد الأمانة بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي، الدكتور حارث محمد العيسى/ جامعة آل البيت، الاردن ، الدكتور أحمد غالب الخطيب/ مفتي محافظة المفرق الاردن، ص٧).
الوجه الثالث عشر: حكم يد الأمانة:
1- ديانة: الأصل فيها أنها يد مؤتمنة مأذونة خالية عن الإثم والعدوان ولكنها إذا تعدت أو قصرت في الحفظ فهي آثمة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون/8، ووجه الاستدلال: قال القرطبي: "وغاية ذلك حفظها والقيام بها، وقد تقدمت الأدلة على وجوب حفظ الأمانة في بيان عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).
2- قضاء: لا ضمان عليها إلا بالتعدي والتقصير ، وقد نصت المادة (768) من مجلة الأحكام العدلية أن: الأمانة غير مضمونة، فإذا هلكت أو ضاعت بلا صنع الأمين ولا تقصير منه لا يلزمه الضمان.
والتعدي: هو أمر وجودي يتجاوز به الأمين عن الحد المأذون فيه مثل أن يتصرف في الوديعة أو يعيرها.
والتفريط: هو التقصير في الحفظ بأن يترك أمرا يوجب تلف المال أو نقصا فيه، كمن يهمل حفظ الأمانة في المكان المناسب للحفظ، والتعدي والتفريط مستفادان من الأدلة والموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان.
فقد نصت المادة (604) من المجلة: لو تلف المأجور بتقصير المستأجر في أمر المحافظة أو طرأ نقصان، يلزم الضمان.
والعلة: "لأنه لما كان المأجور أمانة في يد المستأجر كان قبضه إياه بحكم الإجارة دليلا على تعهده، والتزامه بالمحافظة عليه، فتقصيره بأمر المحافظة، يوجب الضمان عليه.
والأدلة على عدم ضمان من كانت يده يد أمانة ما يأتي:
1- قوله تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) التوبة/91، فقوله: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ) قال ابن العربي: هذا عموم ممهد في الشريعة، أصل في رفع العقاب والعتاب عن كل محسن، فإذا صال فحل على رجل فقتله الرجل في دفعه عن نفسه فلا ضمان عليه عندنا، لأنه محسن في عمله فلا سبيل عليه، وكذلك القول غي مسائل الشريعة كلها، ووجه الاستدلال بهذه الآية في عدم ضمان اليد الأمينة: أن كلمة سبيل نكرة في سياق النفي، فهي تعم، فجعل الضمان في عهدة الأمين وهو محسن سبيل منفي بالآية، فإن الأمين من غير تعد أو تفريط محسن إلى المالك، فإذا هلك المال وهو على هذه الحال من الإحسان فلا سبيل إلى تضمينه.
2- روى البخاري من طريق نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَسْأَلُهُ. وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَاكَ، أَوْ أَرْسَلَ، فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَيُعْجِبُنِى أَنَّهَا أَمَةٌ، وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ)، وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت، أو شيئا يفسد ذبح أو أصلح ما يخاف عليه الفساد.
قال ابن المُنَيّر "ليس غرض البخاري بحديث الباب الكلام في تحليل الذبيحة أو تحريمها، إنما غرضه إسقاط الضمان عن الراعي أو الوكيل.
ونقل ابن حجر: بأن التي ذبحت كانت ملكًا لصاحب الشاة وقال: ليس في الخبر أنه أراد تضمينها، والذي يطهر أنه أراد رفع الحرج عمن فعل ذلك، وهو أعم من التضمين؛ واستدل به -أي الحديث- على تصديق المؤتمن على ما اؤتمن عليه ما لم يظهر دليل الخيانة، وعلى أن الوكيل إذا أنزى على إناث الماشية فحلاً بغير إذن المالك؛ حيث يحتاج إلى ذلك فهلكت؛ أنه لا ضمان عليه.
3- روى البخاري من طريق أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبة نفسه أحد المتصدقين) .
والبخاري رحمه الله وضع هذا الحديث في باب الإجارة للدلالة على أن من استؤجر على شيء فهو أمين فيه، وليس عليه في ذمته شيء من ضمان إن فسد أو تلف إلا إن كان ذلك بتفريط منه.
4- روى الدارقطني من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضمان على مؤتمن) ، وهذا الحديث نص قاعدة فقهية .
5- القواعد الفقهية التي ترفع الضمان عن الأمين مثل:
أ- (لا ضمان على مؤتمن).
ب- (الجواز الشرعي ينافي الضمان) ،فالجواز الشرعي هو كون الأمر مباحا فعلا كان أو تركا ينافي الضمان لما حصل بذلك الأمر الجائز من التلف، لكن بشرط أن لا يكون ذلك الأمر الجائز مقيداً بشرط السلامة، وأن لا يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه، وذلك لأن الضمان يستدعي سبق التعدي والجواز الشرعي يأبى وجوده فتنافيا.
ج- (لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير إلا بإذنه) فإنه إذا تصرف بإذنه جاز، ولا يضمن ما لم يتعد حدود الإذن، مثل الراعي، فإنه مأذون.
6- عدم وجود سبب لضمان الأمين، لأن يده تخلف يد المالك وتشبهها، فإذا تلف ما في يده بعد إذن المالك بغير تعديه فكأنما تلف بيد المالك، فلا ضمان عليه. (يد الضمان ويد الأمانة بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي، الدكتور حارث محمد العيسى/ جامعة آل البيت، الاردن ، الدكتور أحمد غالب الخطيب/ مفتي محافظة المفرق الاردن ،ص٨).
الوجه الرابع عشر: هل تثبت يد الضمان مع ثبوت يد المالك؟:
في ذلك وجهان:
الأول: ثبوت يد الضمان، ومثاله: لو أتلف مالا في يد مالكه ضمنه، الثاني: عدم ثبوت يد الضمان مع ثبوت يد المالك، ومثاله: لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت لا يضمنها وكذلك لو عمل الصانع الشيء للمالك في وجوده فتلف بغير تعد من الصانع، لا يضمن لأن الأصل فيه أنه أمين، ضمّن من باب السياسة الشرعية خوفا من الخيانة، ولا خيانة.
الوجه الخامس عشر: الإتلاف والتلف عند يد الضمان ويد الأمانة:
الإتلاف يقع بفعل الشخص الذي يكون المال تحت يده اما التلف فلايقع نتيجة فعل الحائز للمال ، ومن المعروف أن يد الأمانة تضمن بالإتلاف لأن الإتلاف تعد. ويد الضمان تضمن على كل حال لأنها متعدية بمجرد الحيازة.
اما التلف بسبب الأجنبي فانه إذا هلك الشيء بسبب أجنبي لا يد للحائز فيه، يضمن إذا كانت يده يد ضمان، ولا يضمن إذا كانت يده يد أمانة، لأن السبب أجنبي تلف لا إتلاف.
الوجه السادس عشر: الفرق بين ضمان وضمان العقد:
ضمان العقد هو المضمون بما يقابله من العوض الذي اتفقا عليه إذ جعل مقابله شرعا كالمبيع في يد البائع، فإنه مضمون بالثمن لو تلف لا بالبدل من المثل أو القيمة .
أما ضمان اليد فهو ما يضمن عند التلف بالبدل من مثل أو قيمة.
الوجه السابع عشر: تغير صفة اليد من الضمان إلى الأمانة أو العكس:
أولاً: تتغير اليد من الضمان إلى الأمانة في الحالات الآتية:
1. إذا أجاز المالك. ومثاله: في الغصب، فإنه إذا لحقته إجازة المالك وكانت العين المغصوبة قائمة، فإنها بالإجازة تنقلب أمانة، فالإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة.
2. الإبراء: إذا أبرأ المالك صاحب اليد الضامنة أصبحت بد الضامن يد أمانة : ومثاله: كما لو غصب من داره شيئا ثم رده إلى الدار فإن قال المودع أبراتك من الضمان أو أذنت لك في حفظها ففيه وجهان: أحدهما يبرأ من الضمان وهو ظاهر النص لأن الضمان يجب لحقه فسقط بإسقاطه.
3. الشرط: (مختلف فيه): ومثالها أن يشرط عدم الضمان في العارية: قال أبو الخطاب أومأ إليه أحمد وهو قول قتادة والعنبري: لأنه لو أذن في إتلافها (العارية) لم يجب ضمانها، فكذلك إذا أسقط عنه ضمانها.
4. سقوط الدين: إذا سقط الدين عن المرتهن تصبح يد المرتهن يد أمانة عند الحنفية، ومثاله: قال الكاساني: "حتى لو سقط الدين من غير عوض، ثم هلك الرهن في يد المرتهن هلك أمانة وعلى هذا يخرج ما إذا أبرأ المرتهن الراهن عن الدين، ثم هلك الرهن في يد المرتهن أنه يهلك بغير شيء، ولا ضمان على المرتهن فيه إذا لم يوجد منه منع الرهن من الراهن عند طلبه استحسانا.
5. تغير صفة اليد: كما لو جعل المالك سلعته المغصوبة رهناً عند المالك، أو أجره إياها انقلبت يده من يد ضمان إلى يد أمانة.
ثانياً: تغير اليد من الأمانة إلى الضمان في حالات كثيرة نذكر بعضها على سبيل المثال:
1. التعدي: تتحول يد الأمانة إلى يد ضامنة إذا تعدت على الأمانة؛ ومن ذلك: استعمال الوديعة أو إنكارها.
2. التقصير (التفريط): إذا قصر الأمين في حفظ الأمانة أصبحت مضمونة في حقه، ومثالها: عدم حفظ الوديعة في حرز مثله، إعادة اللقطة إلى مكانها الذي وجدها فيه .
(يد الضمان ويد الأمانة بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي، الدكتور حارث محمد العيسى/ جامعة آل البيت، الاردن ، الدكتور أحمد غالب الخطيب/ مفتي محافظة المفرق الاردن ،ص١٢)، والله اعلم.