سقوط خيار العيب في المبيع
تقوم أحكام الفقه الإسلامي على موازنة دقيقة بين إستقرار المعاملات في المجتمع المسلم وبين حماية حقوق ومصالح المتعاقدين في وقت واحد، لذلك قررت الشريعة الإسلامية الخيارات في عقود المعاوضات حماية لإرادة المتعاقدين ولكنها حددت شروط وضوابط ومواعيد لإستعمال المتعاقدين للخيارات المقررة في عقود المعاوضات، ومن ذلك خيار العيب الذي يجعل للمشتري الحق في رد المبيع وإسترداد الثمن كله أو إسترداد فارق النقص في ثمن المبيع إذا وجد المبيع بعد قبضه معيبا، وقد سلك القانون المدني اليمني مسلك الفقه الاسلامي في تنظيمه لخيار العيب. فخيار العيب ليس مؤبدا ، فهو يسقط إذا تراخى المشتري عن إستعمال خيار العيب بأن استلم المشتري المبيع ولم يقم بفحصه وظل عنده لمدة كان سيتمكن خلالها من فحص المبيع وإكتشاف العيب إلا أنه لم يفعل ذلك واقصى ذلك سنة من تاريخ إستلام المشتري للمبيع، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2011م في الطعن رقم (43339)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبشأن نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه عدم تعويله على وجود غش في المبيع لم يدركه الطاعن إلا بعد إنزال البضاعة وفحصها وصهرها، فالدائرة: تجد أن هذا النعي مردود عليه: بان البيع كان بالعينة وكان الطاعن قد تسلم تلك العينة وقرر بعد عدة أيام أنها معدن صافٍ وقبل الطاعن شراء البضاعة على أساس تلك العينة، مع أنه كان بإمكانه التحقق من حالتها بمجرد إستلامه لها ، فالطاعن ذو تجربة لأنه تاجر يتعامل في هذا الصنف من المعادن ويقوم بصهرها في المصنع التابع له، فالمقرر فقهاءً وقضاءً أن المشتري مسئول عن التحقق من حالة المبيع بمجرد أن يتمكن من ذلك وفقاً للمألوف في التعامل، فإن أهمل في فحص الشيء فأنه يعد قابلاً للمبيع بحالته ويسقط ضمان العيب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية خيار العيب في عقد البيع وشروطه:
خيار العيب في عقد البيع هو: حق المشتري في فسخ العقد ورد المبيع إلى البائع وإسترداد ثمنه أو قيام البائع بدفع الفارق المترتب على وجود العيب في المبيع، وفي هذا المعنى نصت المادة (242) من القانون المدني اليمني على أن: (خيار العيب هو ما وجب لظهور شيء في المعقود عليه ينقص القيمة أو يفوت غرض العاقد) ، وفي هذا السياق نصت المادة (244) مدنى على أن: (حكم خيار العيب رد المتعاقد عليه وإسترداد مقابله أو إمساك المتعاقد عليه وإسترداد مقابل ما نقص من قيمته مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد الآتية).
وقد عرفت محكمة النقض المصرية العيب بأنه” العيب الذي تترتب عليه دعوى ضمان العيوب الخفية وهو الآفة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للبيع “.
فالعيب الموجب للضمان هو العيب الذي يترتب على وجوده نقص قيمة المبيع أو جعل المبيع غير صالح لاستعماله فيما أعد له.
ومن الأمثلة على العيب الموجب لخيار العيب تسوس الخشب أو وجود كسر في موتور السيارة وعدم صلاحية العقار للسكن...الخ.
وخيار العيب يشمل جميع البيوع سواء كان محلها عقاراً أو منقولاً شيئاً مادياً أو غير مادي ومن الأمثلة على ضمان العيب في البيوع الواردة على أشياء غير مادية فيما لو ورد البيع على متجر وتبين أن سمعته سيئة.
الوجه الثاني: شروط العيب الموجب للخيار:
نصت المادة (245) مدني يمني على انه (يشترط في العيب المسوغ للرد ماياتي : -١- أن يكون العيب قديماً بان يكون وجوده في المعقود عليه سابقا على العقد.-٢-أن يكون العيب خافياً بأن يكون العاقد قد كتمه عن المتعاقد معه أو يكون العيب مما لا يظهر عند الفحص مالم يكن من العيوب التي لا يطلع عليها إلا بتغيير في ذات المبيع ذاته إلا بشرط أو عرف يخالف ذلك.-٣- أن يكون العيب مما يفوت غرض العاقد من المعقود عليه او ينقص من قيمته).
ويمكن الاشارة الى شروط العيب الموجب لخيار العيب كما ياتي:
الشرط الأول – أن يكون العيب خفياً:ويكون خفياً إذا لم يكن ظاهرا، أو لم يكن باستطاعة المشتري أن يتبينه بنفسه وقت البيع لو أنه فحصا المبيع بعناية الرجل العادي.
والمعيار الذي وضعه القانون معيار موضوعي لا شخصي، فلا يعتد بقدرة المشتري نفسه على تبين العيب بل بقدرة الرجل العادي مع ملاحظة أن بعض الأشياء يقتضي فحصها الاستعانة بأهل الخبرة كالاستعانة بمهندس معماري لأخذ مشورته قبل شراء منزل معين أو الاستعانة بمهندس ميكانيكي لفحص السيارة ، وفي مثل هذه الحالة لا يعتبر العيب خفياً الا إذا كان المهندس المعماري العادي او الميكانيكي لا يستطيع تبين العيب.
فإذا كان العيب ظاهراً أي كان في مقدور المشتري أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع وقت العقد بعناية الرجل العادي فلا يضمنه البائع ولو كان المشتري لم يتبينه لإهماله في فحص المبيع أو لنقص خبرته عن مستوى الرجل العادي.
ومع هذا يضمن البائع العيب، الذي يستطيع المشتري أن يتبينه بنفسه لو فحص المبيع وقت العقد بعناية الرجل العادي، وذلك في حالتين: الحالة الأولى هي التي يثبت فيها المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب الذي جعله لا يفحص المبيع اطمئناناً الى تأكيدات البائع، والحالة الثانية هي التي يثبت فيها المشتري أن البائع قد تعمد اخفاء العيب، لأنه بذلك يكون قد ارتكب غشاً أي ارتكب خطأ يستغرق خطأ المشتري في عدم فحص المبيع بعناية الرجل العادي ، وبذلك يكون القانون قد حرم البائع من الاستفادة من غشه رغم اهمال المشتري في فحص المبيع.
الشرط الثاني – أن يكون العيب قديماً: فلا يضمن البائع العيب الا إذا كان قديما، ويقصد بالقدم هنا أن يكون العيب موجوداً في المبيع وقت التسليم. ويكفي أن يكون العيب موجودا في المبيع وقت التسليم، ولو لم يكن موجودا وقت العقد. أما إذا نشأ العيب بعد التسليم فإن البائع لا يضمنه. وإذا ثبت أن العيب كان موجودا في المبيع قبل تسليمه، الا أن نتائجه لم تستفحل الا بعد ذلك كان البائع ضامناً له. فيكفي إذن وجود أصل العيب وقت التسليم.
وقد نصت المادة (٢٤٦) مدني يمني على انه (يعتبر العيب في حكم القديم إذا حدث بعد العقد وقبل القبض فيما يبقى على ضمان العاقد لحين تسلمه).
الشرط الثالث:أن يكون العيب مؤثرا: والعيب المؤثر هو الذي يؤدي الى نقص في قيمة المبيع أو نقص في منفعته بحسب الغاية المقصودة مستفادة مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة الشيء أو الغرض الذي أعد له، وهناك فارق بين النقص في القيمة وبين النقص في المنفعة. فالنقص في القيمة يمكن التعرف عليه عن طريق تحديد قيمة المبيع في السوق ، أما النقض في المنفعة فإنه يتحدد على أساس الغرض الذي يهدف المشتري الى استخدام المبيع فيه ، وبغض النظر عن قيمة المبيع في السوق، وعلى ذلك فإن الغاية المقصودة من المبيع تستخلص مما هو مبين في العقد، أو من طبيعة الشي، أو من الغرض الذي أعد له، ولم ينص المقنن اليمني إلا على النقص في قيمة المبيع حسبما ورد في النص القانوني السابق.
ولا يضمن البائع العيب الا إذا كان على قدر من الجسامة والأهمية، وتقدير جسامة العيب أمر متروك لقاضي الموضوع يفصل فيه بحسب المعايير السابقة، ولا يضمن البائع عيباً جرى العارف على التسامح فيه، حسبما هو مقرر في المادة (٢٤٩) مدني يمني التي نصت على انه (لإعتداد بالعيب اليسير الذي جرى العرف على التسامح به).
الشرط الرابع – أن يكون العيب غير معلوم للمشتري: وقد نصت المادة (248) من القانون المدني اليمني على أنه: (إذا كان المتعاقد قد قبل العيب بعد العقد أو علم به وسكت عنه ولم يخبر به العاقد الآخر في مدة معقولة سقط حقه في الخيار به، ويعتبر العاقد عالماً بالعيب إذا كان مما يظهر عند الفحص المعتاد وتسلم الشيء دون أن يخبر بالعيب على الفور، أما إذا كان العيب مما يحتاج ظهوره إلى فحص غير معتاد فلا يسقط حق الخيار به إلا بمضي مدة يمكن فيها الفحص غايتها سنة من تاريخ القبض وأن كان العيب مما لا يظهره الفحص أصلاً فلا يسقط الخيار به مطلقاً).
وفي السياق ذاته نصت المادة 491 مدني مصري على أنه (لا يضمن البائع عيباً كان المشتري يعرفه وقت البيع أو كان يستطيع أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب أو أنه قد تعمد إخفاؤه غشاً منه) .
ولذلك لايكفي أن يكون العيب خفياً، بل يجب فوق ذلك أن يكون المشتري غير عالم به وقت العقد، فلو أن المشتري كان يعلم بالعيب رغم خفائه فإن البائع لا يكون ضامنا له ، لأن إقدام المشتري على الشراء رغم علمه بالعيب يدل على أنه رضي بالشيء على ما هو عليه عند التعاقد وأدخله في حسابه عند تقدير الثمن.
كما أن البائع لا يضمن حقاً ينقص من إنتفاع المشتري بالمبيع إذا كان قد أبان للمشتري وقت التعاقد أو كان هذا الحق ارتفاقا ظاهراً أو ناشئاً عن قيد قانوني على الملكية.
الوجه الثالث: حالات سقوط خيار العيب في عقد البيع:
نصت المادة (248) مدني يمني على أنه: (إذا كان المتعاقد قد قبل العيب بعد العقد أو علم به وسكت عنه ولم يخبر به العاقد الآخر في مدة معقولة سقط حقه في الخيار به، ويعتبر العاقد عالماً بالعيب إذا كان مما يظهر عند الفحص المعتاد وتسلم الشيء دون أن يخبر بالعيب على الفور، أما إذا كان العيب مما يحتاج ظهوره إلى فحص غير معتاد فلا يسقط حق الخيار به إلا بمضي مدة يمكن فيها الفحص غايتها سنة من تاريخ القبض وأن كان العيب مما لا يظهره الفحص أصلاً فلا يسقط الخيار به مطلقاً).
هناك حالات يسقط فيها خيار العيب، فيكون البيع لازما،وهذه الحالات هي:
الحالة الأولى: سقوط خيار العيب بسبب هلاك المبيع:
يسقط خيار العيب بهلاك المبيع لفوات محل الرد، فإن هلك المبيع وهو في يد البائع، انفسخ البيع ولا يرجع البائع على المشتري بشيء من الثمن لأنه بحمل تبعة الهلاك قبل القبض ، وإن هلك المبيع وهو في يد المشتري فهلاكه عليه لأنه قد قبضه، ولكنه يرجع على البائع بنقصان الثمن بسبب العيب .
الحالة الثانية: سقوط خيار العيب بسبب نقصان المبيع:
إذا نقص المبيع قبل القبض، وكان النقصان بغير فعل المشتري أو فعل أجنبي، أي بفعل البائع أو بفعل المبيع أو بأفة سماوية، فيكون للمشتري الخيار، إن شاء أخذ المبيع وطرح قدر النقصان، وإن شاء ترك، كما إذا لم يجد بالمبيع عيبا. ذلك أن له الخيار في الرد حتى لو لم يكن بالمبيع عيب، فلا يحتاج إلى خيار آخر. وإن كان النقصان بفعل المشتري، كان للمشتري أن يرضى المبيع بالعيب ولا يرجع بشيء، وإن شاء رجع بنقصان العيب على البائع ولكن للبائع في هذه الحالة أن يأخذ المبيع فيسفط جميع الثمن، وإن كان النقصان بفعل أجنبي، فالمشتري بالخيار، إن شاء رضي بالمبيع بجميع الثمن واتبع الجاني بالأرش، وإن شاء ترك ويسقط عنه جميع الثمن واتبع البائع الجاني بالأرش، كما إذا لم يجد المشتري بالمبيع عيبا.
وإذا نقص المبيع بعد القبض وهو في يد المشتري ، أيا كان سبب النقص ثم وجد المشتري به عيبا ، لم يكن له أن يرده بالعيب. ذلك أن شرط الرد أن يكون المردود عند الرد على الصفة التي كان عليها عند القبض، ولم يوجد لأن المبيع خرج عن ملك البائع معيبا بعيب واحد فلايعود على ملكه معيبا بعيبين، العيب القديم والنقصان، وهو إذا كان بضمن العيب القديم، فإنه لا يضمن النقصان لأنه حدث بعد القبض والمبيع في يد المشتري فانعدم شرط الرد، وللمشتري أن يرجع بنقصان الثمن للعيب، إلا إذا رضي البائع بأخذ المبيع ورد كل الثمن.
الحالة الثالثة: سقوط خيار العيب بسبب زيادة المبيع أو بسبب تغيُّرُ المَبيعِ عندَ المُشْتري:
وفي هذا المعنى نصت المادة (٢٥٠) مدني يمني على انه ( لارد مع الزيادة المتصلة غير المتولدة كصقل السيف وغزل الشعر ، أما إذا الزيادة متصلة متولدة كالسمن والكبر فله الرد ، ولا مع الزيادة المنفصلة المتولدة بعد القبض ويرجع مقابل النقصان)، وفي هذا السياق نصت المادة (٢٥٥) مدني يمني على أن (فوائد المردود بالعيب التي لا تعتبر كجزء منه من يوم القبض الى يوم الرد لاترد ولارجوع له بما انفقه على الشئ في خلال هذه المدة والفوائد التي تعتبر كجزء من الشئ ترد واذا كان الشئ مما لافائدة له فيرجع عند الرد بما انفقه عليه من وقت القبض الى يوم الرد).
في هذه الحالة هناك مسالتان: المسألةُ الأُولى: تغيُّرُ المَبيعِ بتَحوُّلِه إلى عَينٍ أُخرى لا يَجوزُ تَملُّكُها : فإذا تغيَّرَ المَبيعُ بتَحوُّلِه إلى عَينٍ أُخرى لا يَجوزُ تَملُّكُها، فليْس للمُشتري حقُّ الرَّدِّ ، لكنْ له الأرْشُ ، نصَّ على ذلك الحنَفيَّةُ والشَّافعيَّةُ ؛ وذلك لأنَّ رَدَّ المَبيعِ بعْدَ عدَمِ جَوازِ تَملُّكِه يكونُ عقْدَ مُعاوَضةٍ على ما لا يَجوزُ تَملُّكُه، وهو غيرُ جائزٍ، المسألةُ الثَّانيةُ: تغيُّرُ المَبيعِ بالزِّيادةِذ والزيادة قد تكون متصلة أو منفصلة
١- تغيُّرُ المَبيعِ بالزِّيادةِ المتَّصِلةِ : الزِّيادةُ المتَّصلةُ في المَبيعِ لا تَمنَعُ الرَّدَّ بالعَيبِ وتُرَدُّ مع الأصلِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابِلةِ ؛ وذلك لعدَمِ إمكانِ إفرادِها، ولأنَّ المِلْكَ قدْ تَجدَّدَ بالفسْخِ، فكانت الزِّيادةُ المتَّصلةُ فيه تابعةً للأصلِ كالعقْدِ
٢- تغيُّرُ المَبيعِ بالزِّيادةِ المنْفصِلةِ
أ- الزِّيادةُ إذا كانت مِن غيْرِ عَينِ المَبيعِ
الزِّيادةُ المنْفصِلةُ غيرُ المتولِّدةِ مِن المَبيعِ لا تَمنَعُ الرَّدَّ بالعَيبِ، كالغَلَّةِ والكسْبِ، وهي للمُشتري، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنَفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابِلةِ ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك ؛ وذلك لأنَّه فسْخٌ، والفسخُ لا تَمنَعُ منه الزِّيادةُ المنْفصِلةُ، كالرَّدِّ بالعَيبِ
ب- الزِّيادةُ المنْفصِلةُ إذا كانت مِن عَينِ المَبيعِ
الزِّيادةُ المنْفصِلةُ إذا كانت مِن عَينِ المَبيعِ لا تَمنَعُ الرَّدَّ بالعَيبِ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ : المالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابِلةِ وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ مُقتضى العَيبِ جَوازُ الرَّدِّ
ثانيًا: لأنَّ الفسْخَ لا يَتناوَلُ إلَّا ما تَناوَلَه العقدُ، ولم يَتناوَلِ العقدُ الزَّوائدَ، بلِ استَفادها المُشْتري بمِلْكٍ، فلا يَتناوَلُها حُكمُ الفسْخِ كما لا يَتناوَلُها حُكمُ البيعِ إذا حَدَثَت عندَ البائعِ
المسالة الثانية: تغيُّرُ المَبيعِ بالنَّقصِ
1- حلْبُ المُصرَّاةِ ليْس مانعًا لرَدِّها
إذا اشْتَرى بَهيمةَ الأنعامِ، فحلَبَها، فتَبيَّن أنَّها مُصرَّاةٌ، فلا يُعتَبرُ حلْبُها مانعًا مِن رَدِّها، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابِلةِ ، وقَولُ أبي يُوسُفَ وزُفَرَ مِن الحنَفيَّةِ ، ودَّليلُهم مِن السُّنَّةِ:عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ولا تُصَرُّوا الإبلَ والغنَمَ، فمَن ابتاعَها بعْدَ ذلك فهو بخَيرِ النَّظرينِ بعْدَ أنْ يَحلُبَها؛ فإنْ رَضِيَها أمْسَكَها، وإنْ سَخِطَها ردَّها وصاعًا مِن تمْر) ، ووجه الدَّلالةِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خيَّرَه بيْن الرَّدِّ والإمساكِ
2- العُيوبُ الَّتي تكونُ في جَوفِ المَبيعِ
إذا نقَصَ المَبيعُ بكَسرِ ما مأْكولُه في جَوفِه -كالبِطِّيخِ والبَيضِ والجَوزِ ونحْوِ ذلك - فإنَّ للمُشتري أنْ يَرجِعَ على البائعِ بالثَّمنِ كلِّه إذا وَجَده فاسدًا كلَّه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الشَّافعيَّةِ والحنَفيَّةِ والزيدية والحنابِلةِ ؛ لأنَّ العقدَ فاسدٌ مِن أصلِه؛ لكونِه وَقَع على ما لا نفْعَ فيه.
3- أنْ يكونَ نقْصُ المَبيعِ بسَببِ استخدامِ المُشْتري
ليْس للمُشتري حقُّ الرَّدِّ بالعَيبِ إذا نقَصَ المَبيعُ بسَببِ استخدامِه، فإنْ كان في المَبيعِ عَيبٌ قَديمٌ لا يَعلَمُه، فله أرْشُ العَيبِ القديمِ، وهو مَذهَبُ الحنَفيَّةِ والشَّافعيَّةِ ،ورِوايةٌ عندَ الحنابِلةِ وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ بالرَّدِّ إضرارًا بالبائعِ؛ لأنَّه خرَجَ عن مِلكِه سالمًا عن العَيبِ الثَّاني، ولا بُدَّ مِن دفْعِ الضَّررِ عنْهما، فتَعيَّن الرُّجوعُ بالنُّقصانِ، إلَّا أنْ يَرْضى البائعُ بأخْذِه
ثانيًا: لأنَّه أخَذَه بعَيبٍ، فلا يَرُدُّه بعَيْبينِ، والضَّررُ لا يُزالُ بالضَّررِ
فإن حدثت الزيادة قبل القبض، فإن كانت متصلة متولدة من الأصل (كالكبر والسمن)، فإنها لا تمنع الرد بالعيب، لأن هذه الزيادة تابعة للأصل فكانت في حكم المبيع ذاته، وما كان تابعا في العقد يكون تابعا في الفسخ، وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الأصل (كالصبغ في الثوب والبناء على الأرض) فإنها تمنع الرد بالعيب، لأن هذه الزيادة ليست تابعة بل هي أصل بذاتها، فتعذر رد المبيع، إذ لا يمكن رده بدون الزيادة لتعذر الفصل، ولا يمكن رده مع الزيادة لأنها ليست تابعة في العقد ، فلا تكون تابعة في الفسخ، ويكون للمشتري الرجوع بنقصان الثمن. وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل (كالولد والثمر واللبن)، فإنها لا تمنع الرد بالعيب، فإن شاء المشتري ردهما جميعا، وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن، وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الأصل (كالغلة والكسب)، فإنها لا تمنع الرد بالعيب، لأن هذه الزيادة ليست بمبيعه وإنما هي مملوكة بملك الأصل، فبالرد يفسخ العقد في الأصل وتبقى الزيادة مملوكة للمشتري بغير ثمن عند أبي حنيفة لكنها لا تطيب له، لأنها وإن حدثت على ملكه إلا أنها ربح ما لم يضمن، وعند أبي يوسف ومحمد تكون الزيادة للبائع لكنها لا تطيب له.
وإن حدثت الزيادة بعد القبض ، فإن كانت متصلة متولدة من الأصل، فإنها لا تمنع الرد بالعيب إن رضي المشتري بردها مع الأصل التي هي تابعة له، وإن أبي المشتري الرد وأراد الرجوع بنقصان الثمن كله له ذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند محمد ليس للمشتري أن يرجع بنقصان الثمن على البائع إذا أراد البائع استرداد المبيع معيبة ورد الثمن كله. وإن كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الأصل، فإنها لا تمنع الرد بالعيب، ويرجع المشتري على البائع بنقصان الثمن، وإن كانت الزيادة منفصلة متولدة من الأصل، فإنها تمنع الرد بالعيب. ويرجع المشتري بنقصان الثمن، لأن الزيادة حصلت في ضمان المشتري، فإن ردها مع الأصل كانت للبائع ربح ما لم يضمن، وإن استبقاها ورد الأصل فإنها تبقى في يده بلا ثمن وهذا تفسير الربا، وهذا بخلاف هذه الزيادة قبل القبض، فإنها تحصل في ضمان البائع، فجاز ردها مع الأصل إلى البائع لحصولها في ضمانه ، ومن ثم جاز الرد بالعيب كما قدمنا. وإن كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الأصل، فإنها لا تمنع الرد بالعيب ، ويرد الأصل على البائع، والزيادة للمشتري طيبة له لأنها حصلت في ضمانه.(فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة ، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢١م، ص٢٣٨).
الحالة الرابعة: سقوط خيار العيب بسبب إسقا ط المشتري للخيار:
ويسقط خيار العيب بإسقاط المشتري له صراحة أو ما هو في معنى الصريح، نحو أن يقول المشتري أسقطت الخيار أو أبطلته أو ألتزمت بالبيع أو أوجبته وما يجري هذا المجرى ، لأن خبار العيب حقه فله أن ينزل عنه، وكإسقاط الخيار إبراء المشتري البائع من العيب ، لأن الإبراء إسقاط وله ولاية الإسقاط ، والخبار حقه والمحل قابل للسقوط.
الحالة الخامسة: سقوط خيار العيب بسبب رضاء المشتري بالعيب بعد العلم به:
وقد اشارت الى ذلك المادة (٢٤٥) مدني يمني السابق ذكرنا ،فيسقط خيار العيب برضاء المشتري بالعيب بعد أن علم به، لأن حق الرد إنما هو لفوات السلامة المشروطة دلالة في العقد، فإذا رضي المشتري بالعبب بعد العلم به ، فذلك يدل على أن المشتري قد نزل عن هذا الشرط أو أنه لم يشترطه ابتداء.
والرضاء قد يكون صريحا، كان يقول المشتري رضيت بالعيب أو أجزت هذا البيع وما يجري هذا المجري، وقد يكون الرضاء دلالة أو ضمنا، كأن يصدر من المشتري بعد العلم بالعيب فعل بدل على الرضاء به، كما إذا كان المبيع ثوبا فصبغه أو قطعه أو أرضا فبنى عليها أو حنطة فطحنها أو لحمة فشواها.
ويعتبر تصرف المشتري في المبيع بعد العلم بالعيب رضاء بالعيب دلالة ، فإذا باع المبيع أو وهبه وسلمه أو أوقفه اونذره ، كان في الإقدام على هذه التصرفات مع العلم بالعيب دليل على الرضاء بالعيب.
هل استخدامُ المشتري المَبيعِ للحاجةِ يَمنَعُ الرَّدّ ويسقط خيار العيبَ؟
إذا استَخدَمَ المُشْتري المَبيعَ للحاجةِ فإنَّه لا يَمنَعُ الرَّدَّ إذا وُجِدَ فيه عَيبٌ، مثل إستعمال المشتري للهاتف الجوال للحاجة وهو مَذهَبُ المالكيَّةِ ، ودلَّ عليه كَلامُ الشَّافعيَّةِ ، وقَولُ بعضِ الزيدية وبعض الحنَفيَّةِ ، ورِوايةٌ مُخرَّجةٌ عن أحمدَ ، واختارهُ ابنُ حَزمٍ ،وذلك للآتي:
١- قياسًا على ما إذا حَمَلَ على الدَّابَّةِ عَلَفَها
٢- لأنَّ استعمالَهُ له مع حاجتِه إليه لا يدُلُّ على الرِّضا بالعَيبِ .
هل يُسقِطُ حقَّ الرَّدِّ بقيام المشتري بتَجرِبةُ المَبيعِ بعْدَ العلمِ بالعَيبِ ؟
إذا جرَّب المُشْتري المَبيعَ بعْدَ العلمِ بالعَيبِ لا يَسقُطُ حَقُّه في الرَّدِّ، وهو مَذهَبُ الحنابِلة ، وذلك للآتي:
١- أنَّ تَجرِبةَ المَبيعِ بعْدَ العلمِ بالعَيبِ لا يُعَدُّ رِضًا به
٢- لأنَّه قدْ يَحتاجُ أنْ يَعلَمَ قدْرَ المَبيعِ وصِفتَه، ونحْوَ ذلك؛ لِيَختارَ هل يُمسِكُه أويَرُدُّه . الموسوعة الفقهية الكويتية ، ممتنع رد المبيع، المجلد العاشرص٢٦٥).
الحالة السادسة: سقوط خيار العيب بسبب تصرف المشتري في المبيع قبل العلم بالعيب:
نصت المادة (٢٥٢) مدني يمني على أنه (اذا تصرف من له الخيار في الشئ ثم علم بعيب قديم فيه فان كان قد خرج من ملكه فلاخيار له ، ويعود له الخيار اذا عاد إلى ملكه بغير تصرف منه أو رد اليه بحكم).
فإذا تصرف المشتري في المبيع بأن أخرجه عن ملكه، حتى قبل علمه بالعيب، سقط خياره لتعذر رد المبيع إلى البائع بعد التصرف فيه، فإذا باع المشتري المبيع أو وهبه أو تصدق به وهو غير عالم بالعيب، سقط خياره، ولكن لو فسخ تصرفه، ورد إليه المبيع بخبار شرط أو بخيار رؤية مثلا، عاد حق خيار العيب للمشتري، وجاز له رد المبيع للبائع.
الحالة السابعة: سقوط خيار العيب بسبب تَلَفُ المبيع عندَ المُشْتري:
ليْس للمُشتري حقُّ الرَّدِّ بالعَيبِ إذا تَلِفَت السِّلعةُ المَعيبةُ قبْلَ ردِّها على البائعِ، وله الأرْشُ ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ: الحنَفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والزيدية والحنابِلةِ ؛ وذلك لأنَّه بتَلَفِ المَبيعِ يَفُوتُ مَحلُّ الرَّدِّ، وقد نصت المادة (٢٥٧) مدني يمني على انه (يتلف المردود بالعيب بمجرد الرد على من رد عليه حاضرا وان لم يقبضه بالفعل ، وان اختلفا في ثبوت العيب يتلف على من رد عليه بمجرد ثبوت العيب الموجب وان لم يحكم به ان كان العاقد المردود عليه حاضرا ومن يوم الحكم به مطلقا)
الحالة الثامنة: سقوط خيار العيب بسبب زَوالُ العَيبِ عندَ المُشْتري:
يَمنَعُ مِن الرَّدِّ زَوالُ العَيبِ قبْلَ المطالَبةِ بالفسْخِ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الاربعة: الحنَفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، والحنابِلةِ؛ وذلك لأنَّ الموجِبَ للخيارِ قدْ زال، والعقدُ قائمٌ، فيَزولُ الخِيارُ ويمتنع الرد. (الموسوعة الفقهية الكويتية ، المجلد العاشرص٢٦٧).
الوجه الرابع: مدة رد المبيع بعد إكتشاف العيب:
تختلف هذه المدة ففي الفقه الإسلامي تكون هذه المدة ثلاثة أيام من تاريخ إكتشاف العيب أو العلم به، وفي القانون المدني اليمني مدة اقصاها سنة من تاريخ قبض المشتري للسلعة أو المبيع وفقا للمادة (٢٤٨) مدني، وفي القانون الاردني ستة أشهر من تاريخ تسليم المبيع وفقاً للمادة (521) من القانون المدني، وفي القانون القطري سنة من وقت تسليم المبيع مالم يقبل البائع بالضمان لمدة أطول وفقاً للمادة (462) من القانون القطري.
وفي القانون العراقي ستة أشهر والقانون اللبناني سنة وفي نظام المعاملات السعودي مائة وثمانون يوماً من تاريخ تسليم المبيع مالم يلتزم البائع بالضمان لمدة أطول. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل العقود، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص١٧٥).