اليمين الحاسمة تسقط الأدلة المناقضة

اليمين الحاسمة تسقط الأدلة المناقضة

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في اليمن بتاريخ 2003/11/12م في الطعن رقم (120) لسنة 1422هـ الذي جاء في أسبابه أن (الطاعن نعى على حكم الشعبة التجارية بأنه استند إلى اليمين الحاسمة الصادرة من المطعون ضده مع وجود أدلة قاطعة تدل على كذب تلك اليمين، وأنه كان يتوجب على الحكم العمل بموجب تلك الأدلة بما فيها البينة القانونية القاطعة حسبما ورد في عريضة الطعن بالنقض المرفوعة من الطاعن، وترى الدائرة التجارية أن هذا النعي ليس في محله لا ن الطاعن بطلبه اليمين أمام محكمة الإستئناف قد أسقط حججه بطلبه اليمين الحاسمة من المطعون ضده فلا يجوز لمن طلب اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه الحلف ، إضافة إلى أن ما جاء في المادة (142) إثبات التي نصت على أنه تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ، وعليه وبعد المداولة من قبل الدائرة التجارية وعملا بالمواد (214) مرافعات و 139 و 140 و 142 إثبات تقرر الدائرة رفض الطعن وتأييد حكم الشعبة التجارية الإستئنافية لما عللته واستندت إليه) ، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا:

قرر الحكم محل تعليقنا أن طلب اليمين الحاسمة يسقط الأدلة التي تخالفها ولو كانت يقينية واستند الحكم في ذلك إلى روح المادة (139) إثبات التي نصت على أن ( للمدعي أن يوجه اليمين الحاسمة إلى المدعى عليه وللمدعى عليه أن يردها على المدعي ولا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه الحلف فهذا النص تناول اليمين الحاسمة ومفهوم اليمين الحاسمة في الفقه والقانون والقضاء أنها تحسم النزاع وأنها كافية وحدها لحسم النزاع بصفة نهائية، فالمقصود بها الإعتماد عليها وحدها في حسم النزاع ولذلك نصت المادة (142) إثبات على أنه (تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ولا يجوز طلب إثبات الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه على أنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق المبينة في قانون المرافعات)، ومن خلال استقراء هذا النص القانوني نجد أنه صرح بعدم جواز إثبات كذب اليمين وهذا يعني بمفهوم النص أن طالب اليمين الحاسمة قد تنازل عن الأدلة على كذب اليمين الحاسمة ، وذلك يعني أيضا أن طلب الخصم اليمين الحاسمة يسقط الأدلة المناهضة لليمين الحاسمة وعلى هذا الأساس فإن الحكم محل تعليقنا موافق للقانون.

الوجه الثاني: إضطراب النص القانوني الذي قرر عدم جواز إثبات كذب اليمين:

في الوجه السابق ذكرنا نص المادة (142) إثبات التي منعت إثبات كذب اليمين وفي والوقت ذاته أجازت الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة، وأجازت أيضاً إثبات كذب اليمين بحكم قضائي وهذا اضطراب في نص المادة (142) إثبات ولذلك من المناسب إعادة سرد مضمون المادة (142) للوقوف على حقيقة الإضطراب فيها، حيث نصت على أنه ( تكفي اليمين الحاسمة لإثبات تخلص المدعى عليه من الدعوى ولا يجوز طلب إثبات الدعوى بالبينة بعدها كما لا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها خصمه على أنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم قضائي كان للخصم الذي أصابه الضرر منها ان يطالب خصمه بالتعويض دون إخلال بما يكون له من حق الطعن على الحكم الذي صدر ضده بالطرق المبينة في قانون المرافعات ومن خلال استقراء هذا النص نجد إنه قد قرر عدم جواز إثبات الدعوى بالأدلة بعد حسمها باليمين الحاسمة وعدم جواز إثبات كذب اليمين الحاسمة بعد أدائها ، ولكن هذا النص أجاز إثبات كذب اليمين بحكم قضائي وأجاز الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة، وأجاز رفع دعوى التعويض من الضرر المترتب على اليمين الحاسمة، وبيان اضطراب هذا النص كما يأتي:
1- قررت المادة (142) إثبات الحق في الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة، وهذا تناقض في النص إضافة إلى أن ذلك ينافي فكرة اليمين الحاسمة للنزاع التي تقطع النزاع وتحسمه بحكم بات علما بأن قضاء المحكمة العليا في اليمن قد استقر على عدم جواز الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة، فضلا عن أن هذا الأ مر يمنح الخصوم وسيلة لإطالة إجراءات التقاضي خلافا للتوجهات و المساعي الهادفة إلى تطوير وتجاوز معوقاته ومن اخطرها إطالة إجراءات التقاضي.
2- بعد أن قررت المادة (142) السابق ذكرها عدم جواز إثبات كذب اليمين الحاسمة عادت المادة المشار إليها فقررت جواز إثبات كذب اليمين الحاسمة بحكم قضائي، ومفهوم إثبات كذب اليمين الحاسمة أنه يجوز للخصم المتضرر من اليمين الحاسمة أن يرفع دعوى مدعياً فيها كذب اليمين الحاسمة وأن يقدم الأدلة بكذب اليمين حتى يصدر له الحكم بكذبها، وهذه الدعوى ستكون أيضاً وسيلة لإطالة إجراءات التقاضي وتعقيدها.
3- أجازت المادة السابق ذكرها للخصم المتضرر من اليمين الحاسمة أن يطلب التعويض، وهذا أيضا يقتضي قيامه برفع دعوى أخرى يستند فيها إلى الحكم الصادر بثبوت كذب اليمين، وهذا تعطيل صريح للآثار المترتبة على اليمين الحاسمة والإلتفاف عليها لا سيما وأن اليمين الحاسمة سندها ومرتكزها تراضي الخصوم عليها وقبولهم بها لحسم النزاع بصفة نهائية، فبدلا من أن يحترم النص القانوني إرادة الخصوم في حسم النزاع فقد قام بإيجاد ذيول ودعا و كثيرة لفتح نزاعات أخرى.
ولذلك نوصي مخلصين بتعديل المادة (142) وتضمينها عبارة : أنه لا يجوز الطعن في الحكم المبني على اليمين الحاسمة إلا إذا كانت اليمين الحاسمة قد جاءت في صيغتها أو الواقعة المقسم عليها بـ اليمين خلافا لما أراد المستحلف أو طالب اليمين.

الوجه الثالث: السند الشرعي للحكم محل تعليقنا:

اختلف الفقهاء بشأن جواز إثبات الدعوى بالأدلة أو البيانات بعد حسمها باليمين، وللفقهاء في هذه المسألة قولان:
الأول: عدم جواز اثبات الدعوى بعد حسمها باليمين، والذين قالوا بأن البينة لا تقبل بعد اليمين هم الظاهرية وابن أبي ليلى وأبو عبيد وهو قول بعض علماء الزيدية ، وقد رجحه الشوكاني، وقد أخذ الحكم محل تعليقنا بهذا القول.
الثاني: جواز اثبات الدعوى بالبينة ولو قد تم حسمها باليمين وسندهم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : (البينة الصادقة أولى من اليمين الفاجرة) ، والفقهاء الذين ذهبوا إلى أن البينة تقبل بعد اليمين هم الشافعية والحنابلة، ومن وجهة نظرنا أن خلاف الفقهاء على النحو المتقدم متعلق باليمين العادية وليس الحاسمة، والله اعلم.
✍🏼 أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء.