حجية التوكيل للمحامي الصادر من القنصلية اليمنية في الخارج
وفقاً لقانون التوثيق اليمني وقانون الإثبات اليمني فإن المحررات التي يتم توثيقها لدى أقلام التوثيق داخل اليمن تكون محررات رسمية لها حجيتها على هذا الأساس، ومن جانب اخر فقد أناط قانون التوثيق بالقنصليات اليمنية خارج اليمن القيام بمهام أقلام التوثيق بالنسبة للمواطنين اليمنيين خارج اليمن، وتبعاً لذلك فإن المحررات التي يتم تحريرها بنظر القنصليات اليمنية خارج اليمن تكون محررات رسمية كما لو انها صادرة من اقلام التوثيق داخل اليمن، وهذا الأمر ينطبق على التوكيل بالخصومة أو التوكيل للمحامي الذي يتم تحريره وتوتيقه من قبل القنصلية اليمنية خارج اليمن، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-12-2010م في الطعن رقم (42456)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار اليه: (فقد نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه قد استند إلى الوكالة الصادرة من المطعون ضدهم مع أنها ليست معمدة من جهة رسمية في السعودية اواليمن...إلخ، والدائرة: تجد أن ما ذكره الطاعن في هذا السبب في غير محله، لأن العريضة مقدمة من وكيل الورثة فلا يلزم أن يوقع الورثة جميعاً على العريضة، فقد وقع عليها المحامي الذي قام بتوكيله وكيل الورثة بموجب الوكالة الصادرة له من الورثة والمحررة بالقنصلية اليمنية بجدة المؤرخة.... ، وهي جهة رسمية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: إنشاء المحررات وتوثيقها خارج اليمن وفقاً لقانون التوثيق اليمني:
إنشاء او تحرير وتوثيق المحررات الخاصة بالمواطنين اليمنيين خارج اليمن محصور في القنصلية اليمنية التي يوجد اليمني في نطاقها ، وفي هذا الشان نصت المادة (46) من قانون التوثيق اليمني على أن: (-1- تتولى قنصليات الجمهورية مهام تحرير وتوثيق المحررات المتعلقة بمواطني الجمهورية في الخارج وفقاً لأحكام هذا القانون ولائحته –ب- تحصيل الرسوم وفقاً للإجراءات المحددة في القوانين النافذة).
ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق نستنتج أن النص السابق منح القنصليات اليمنية صلاحيات قلم التوثيق داخل اليمن المقررة في قانون التوثيق.
ومن المعلوم أن قلم التوثيق داخل اليمن يقوم بتحرير كافة العقود والتصرفات ،كما يقوم أيضاً بتوثيقها، أي أن قلم التوثيق يجمع بين التحرير والتوثيق للمحررات ، ومعنى تحرير أو إنشاء العقود والتصرفات هو كتابتها بعد تحقق الكاتب من توفر أركان وشروط العقد أو التصرف والتحقق من شخصية الشخص الطرف في التصرف، والتحقق من صفته العقدية التي تخوله الحق في إبرام العقد او التصرف.
اما معنى توثيق العقد أو التصرف فمعناه أن المختص في قلم التوثيق يتوثق أو يتحقق من رضا واهلية اطراف المحرر وصفاتهم وشخصياتهم ومدى توفر أركان وشروط العقد او التصرف ثم يقوم المختص بالتوقيع على المحرر وختمه .
فقلم التوثيق داخل اليمن يجمع بين تحرير المحرر وتوثيقه بخلاف الامين الشرعي الذي يقتصر عمله على تحرير المحرر فقط.
وبما أن قانون التوثيق اليمني قد اناط بالقنصلية اليمنية القيام بمهام قلم التوثيق بالنسبة للمواطنين اليمنيين خارج اليمن ، لذلك فان القنصلية في هذا الشان تجمع بين تحرير العقد أو التصرف وبين توثيقه في وقت واحد.
إذ تتولى القنصلية صياغة أو تحرير العقود والتصرفات المختلفة بعد أن تتحقق من شخصيات وصفات أطراف المحرر وتتحقق أيضاً قبل تحرير المحرر من توفر الأركان والشروط الشرعية للتصرف المطلوب تحريره، وبعد أن يقوم المختص بالقنصلية بتحرير المحررات تقوم الإدارة المختصة بالقنصلية بالتحقق من صفات وشخصيات أطراف المحرر، وبعد ذلك يتم وضع ختم القنصلية للتدليل على أن المحرر قد تم تحريره وتوثيقه بنظر القنصلية، ووفقاً للنص السابق فإن ختم القنصلية على المحرر مثل ختم قلم التوثيق.
ووفقاً للمادة (24) توثيق فأنه يجب على المختص بالقنصلية قبل القيام بتحرير المحرر يجب عليه أن يرجع إلى القوانين ذات الصلة بالمحرر المطلوب تحريره، فمثلاً إذا كان المحرر وكالة فأنه ينبغي على المختص بالقنصلية أن يرجع إلى أحكام الوكالة المنظمة في القانون المدني وإذا كان التوكيل بالخصومة فأنه ينبغي عليه الرجوع إلى أحكام التوكيل بالخصومة المقرر في قانون المرافعات وإذا كان المحرر بيعاً فأنه ينبغي عليه الرجوع إلى أحكام البيع المقررة في القانون المدني وإذا كان المحرر وصية فأنه ينبغي على المختص الرجوع إلى أحكام الوصية المقررة في قانون الاحوال الشخصية اليمني وهكذا في بقية العقود والتصرفات، وفي هذا المعنى نصت المادة (24) من قانون التوثيق على أنه: (ويجب عند تحرير العقود والمحررات الأخرى وكافة التصرفات القانونية مراعاة أحكام القوانين النافذة المتعلقة بها).
ويظهر من سياق المادة (24) توثيق السابق ذكرها أنه يحق للقنصلية أن تقوم بتحرير وتوثيق كافة العقود والتصرفات التي يحق لقلم التوثيق داخل اليمن القيام بها وذلك بالنسبة للمواطنين اليمنيين في الخارج حسبما ورد في النص السابق، ولا تكون القنصلية متقيدة بالمواطنين اليمنيين العاملين أو المقيمين بصفة دائمة في الدولة التي بها مقر القنصلية بل تختص القنصلية بتحرير وتوثيق المحررات الخاصة بكل يمني يصادف وجوده في تلك الدولة كالمسافرين للعلاج أو السياحة بل ولو كان عمله في دولة أخرى أو في نطاق قنصلية أخرى.
كما يجب على القنصلية عند تحرير المحرر أن تتقيد بالإجراءات المقررة في المادة (25) توثيق التي نصت على أنه (يشترط في تحرير أو توثيق المحرر ما يلي: -1- أن لا يكون مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية والقوانين النافذة -2- أن يكون مدوناً باللغة العربية وإذا كان مكتوباً بلغة أجنبية وجب أن يكون مترجماً إلى العربية بواسطة مترجم معتمد -3- أن يكون بخط واضح بدون شطب أو إضافة أو حشر في متن المحرر إلا إذا اشير في الهامش إلى سببه أو تصحيحه مع توقيع من قام بتحرير الوثيقة وذوي العلاقة إن كانت الإضافة أو نحوها جوهرية)،.
كما لا يجوز لكاتب المحرر في القنصلية أن يحرر المحررات الخاصة به أو بأقاربه وفقا لقانون التوثيق. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التوثيق، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، صـ113).
الوجه الثاني: حجية المحررات التي يتم تحريرها وتوثيقها من قبل القنصلية:
سبق القول: أن قانون التوثيق اليمني قد منح القنصلية صلاحيات قلم التوثيق، ومن المعلوم أن المحررات الموثقة من قبل قلم التوثيق تكون محررات رسمية وفقاً للمادة (31) من قانون التوثيق اليمني التي نصت على أن (تكون للمحررات الموثقة من قبل الموثق حجية المحررات الرسمية مالم يثبت تزويرها أو بطلانها بالطرق القانونية، أما المحررات الناقلة للملكية العقارية والرهن العقاري فلا تكتسب هذه الحجية إلا بين طرفيها فقط، أما حجيتها أمام الكافة فلا تكون إلا بعد تسجيلها في السجل العقاري).
وبموجب هذا النص فإن المحررات المحررة من قبل القنصلية تكون لها حجية المحررات الرسمية المقررة في قانون الإثبات ، ومعنى ذلك أن هذه المحررات تكون محررات رسمية حسبما قضى الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: المصادقة على المستند المحرر من قبل القنصلية:
كان جانب من النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن المصادقة على الوكالة المحررة من قبل القنصلية ، فقد ذكر الطاعن في عريضة طعنه انه لم تتم المصادقة على الوكالة من قبل السلطات المختصة في الدولة الأجنبية أو اليمن.
والجهة المختصة بالمصادقة على المحررات المحررة من قبل القنصليات اليمنية في الخارج هي وزارة الخارجية في اليمن التي تصادق فقط على صحة ختم وتوقيع القنصلية اليمنية بالخارج، فتتم هذه المصادقة دون أن تقوم وزارة الخارجية بدراسة مضمون المحرر بل أن المصادقة تتضمن النص صراحة على أن الوزارة تصادق على صحة توقيع وختم القنصلية فقط دون أن تتحمل الخارجية أدنى مسئولية عن مضمون المحرر أو ما ورد في المحرر.
وبناءً على ذلك فإن المصادقة على المحرر تختلف عن توثيق المحرر فهي عبارة عن تصديق على صحة الختم والتوقيع الوارد في المحرر وانه صحيح النسبة للقنصلية، ولذلك فإن المصادقة على المحرر الصادر عن القنصلية تقتصر على المصادقة على صحة ختم القنصلية. (مهارات الصياغة القانونية – مهارات صياغة المحررات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2016م، صـ43)، والله اعلم.