التعارض المسقط للشهادات

التعارض المسقط للشهادات

يحدث كثيراً التعارض في الشهادات عند الادلاء بها امام القضاء ، وهذا التعارض ليس على شاكلة واحدة ، فهناك تعارض تام وهناك تعارض جزئي ، كما أن هناك اختلاف في الشهادات وليس تعارض كما ان هناك اختلاف بين الشهود في الالفاظ واتفاق في المعنى ، وهذه المسائل وغيرها تحتاج الى بيان ، كما أننا نحتاج الى معرفة موقف القضاء وتطبيقاته في هذا الشأن ، ومن الأحكام التي تناولت هذه المسألة الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بـ المحكمة العليا باليمن في جلستها المنعقدة بتاريخ 2007/3/11م في الطعن المدني (26817) لسنة 1427هـ وخلاصة أسباب هذا الحكم أنه (بعد الاطلاع على الطعن بالنقض والرد عليه وعلى الحكم المطعون فيه فقد وجدت الدائرة أن الحكم المطعون فيه لم يقم بالمناقشة والترجيح بين شهادة العدلين المختارين من قبل الطرفين اللذين شهدا على وجود طريق فاصل وبين شهادة الشاهدين اللذين أحضرهما المدعى عليه اللذين شهدا بعدم وجود تلك الطريق ، فالشهادتان تعارضتا و معلوم شرعا أن الشاهدتين اذا تعارضتا تساقطتا ما لم يوجد مرجح لأحدهما ، ومع ذلك فقد قضى الحكم المطعون فيه بشهادة العدلين المختارين ولم يشر الحكم الى المرجحالشهادة العدلين مما يتعين نقض الحكم المطعون فيه واعادته الى المحكمة التي اصدرته للحكم في القضية مجدداً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:

الوجه الأول: التعارض بين الشهادات وحكمه

التعارض بين الشهادات هو التضاد بينها حيث يذهب احد الشهود الى اثبات الشيء في حين يذهب الشاهد الآخر الى نفي ذلك الشيء كما حدث في القضية التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا حيث افاد العدلان المختاران بان هناك طريق فاصلة بين ارض المدعي وارض المدعى عليه في حين افاد الشاهدان اللذان احضرهما المدعى عليه بعدم وجود تلك الطريق ، ففي هذه الحالة هناك تعارض تام بين الشهادتين يتعذر الجمع والتوفيق بينهما ومع ذلك فقد قضى الحكم الاستئنافي المنقوض بناءً على شهادة العدلين دون ان يذكر الحكم الاستئنافي وجه الترجيح ودون ان يناقش ذلك ، ولهذا فقد قرر الحكم محل تعليقنا ان عدم ذكر سند الترجيح بين الشهادات المتعارضة ومناقشة هذه المسألة يبطل الأحكام وهذه قاعدة قضائية قررها الحكم محل تعليقنا ، وهذا التقرير سديد لأن هناك مرجحات عند التعارض كان ينبغي على الحكم المنقوض الرجوع اليها لاجراء الترجيح، ومن ذلك قاعدة المثبت مقدم على النافي لان مع المثبت زيادة علم وان كانت هذه القاعدة محل خلاف من حيث الاخذ بها وان كان قانون الاثبات اليمني لم ينص عليها ومع ذلك فان الحكم المنقوض كان بوسعه ان يأخذ بهذه القاعدة باعتبارها من المرجحات طالما وهو قد أخذ بشهادة المثبتين لوجود طريق تفصل بين أملاك المدعي والمدعى عليه، كما كان بوسع الحكم الاستئنافي المنقوض ان يذكر في اسبابه سند ترجيح شهادة العدلين المختارين من قبل المدعي والمدعى عليه باعتبارهما خبيرين عدلين مختارين من الطرفين بخ لاف الشاهدين اللذين احضرهما المدعى عليه ، الا ان الحكم لم يناقش هذه المسألة في أسبابه مما استوجب أن يقضي حكم المحكمة العليا محل تعليقنا بنقض ذلك الحكم ، والتعارض في الشهادات قد يكون كليا على النحو السابق بيانه كما قد يكون التعارض في بعض المسائل فقط فعندئذ لايتم اسقاط الا المسائل التي تعارضت بشأنها الشهادات دون تلك التي توافقت عليها . علما بأن محكمة النقض المصرية لا تبسط رقابتها على هذه المسألة ولا تشترط أن يذكر حكم محكمة الموضوع سند الترجيح بين اقوال الشهود حيث قضت محكمة النقض المصرية بأنه اذا كان البين ان الحكم بعد ان استعرض اقوال الشهود اثباتاً ونفياً ووازن بين اقوالهم وانتهى الى ترجيح اقوال شهود احد الطرفين بأسباب سائغة من شأنها أن تؤدي الى النتيجة التي انتهى اليها حكم محكمة الموضوع فذلك لا يخضع لرقابة محكمة النقض ، علما بأن قانون الاثبات اليمني لم يتناول حكم تعارض الشهادات الا بالنسبة لشهادات الجرح والتعديل.

الوجه الثاني: اختلاف الشهادات وحكمه

اختلاف الشهادات يقع في صور متعددة ، وقد صرج قانون الاثبات اليمني بأن اختلاف الشهادات لا يبطل الشهادات حسبما ورد في المادة (49) التي نصت على انه لا تبطل الشهادة في الاحوال وبالشروط الآتية – 1 – اختلا ف الشاهدين في الالفاظ اذا اتفقا في المعنى -2 -اختلاف الشاهدين في زمان ومكان الاقرار والانشاء اذا احتمل التعدد -٣- اختلاف الشاهدين في مقدار المشهود به ويصح منه ما اتفقا عليه معنى ويستثنى من ذلك مقدار عوض العقد اذا كان العقد مجحوداً فيبطل الشهادة اختلاف الشاهدين فيه - 4 – اختلاف الشاهدين في صفة المشهود به وتكمل شهادة من طا بقت شهادته. والله أعلم.