وقت اعتبار شروط الشاهد
من الإشكاليات العملية الواقعية تحديد وقت اعتبار شروط الشاهد، لأن الشهادة في الشريعة والقانون من أهم وسائل الإثبات، ولذلك يهتم الخصوم بجرح أو تعديل الشهود وكثيراً ما يعتمد الخصوم في جرحهم للشهود أو تعديلهم على وقائع وأفعال قام بها الشهود في أوقات سابقة على تحمل الشهادة أو أداء الشهادة بمراحل طويلة، فمثلاً نجد كثيراً من الخصوم يحضروا شهود لتعديل الشاهد الأصلي بأنه كان يصلي معه في أثناء الدراسة خارج الوطن قبل عشرين سنة من أداء الشهادة كما قد حصل أن قام شاهد جرح بجرحشاهد آخر بالقول أنه كان يتعمد الإفطار في شهر رمضان عندما كان يعملان في عزبة بالسعودية قبل خمس عشرة سنة، ومثل هذا كثير يحصل أمام المحاكم في اليمن، وقد كان هذا هو الباعث على التعليق على الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2007/4/19م في الطعن التجاري رقم (21099) لسنة 1428هـ وخلاصة أسباب هذا الحكم أن الدائرة بعد الرجوع إلى الأوراق تجد أن ما نعى به الطاعن في السبب الأول من الطعن هو مخالفة الحكم الاستئنافي لنصوص وأحكام المواد 27 و 28 من قانون الإثبات حيث لم يأخذ الحكم بشهادات الشهود معللاً ذلك بأن الشهود كانوا يعملوا لدى الطاعن وأنهم قد ارتكبوا أفعال قادحة تقدح بشهاداتهم، والدائرة تجد أن هذا النعي سديد فلا يوجد في ملف القضية ما يثبت أن الشاهدين كانا يعملا لدى الطاعن سواء عند التحمل للشهادة أو الأدلاء بها إضافة إلى أن شهادات القدح في الشاهدين قديمة وسابقة على وقت التحمل والأداء بوقت طويل، ولذلك فأن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف المادتين 27 و 28 من قانون الإثبات إذا العبرة في توفر الشروط اللازم توفرها في الشاهد والواردة في المادة (27) إثبات هي بحالة الشاهد حين أداء الشهادة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم محل تعليقنا
قضى الحكم محل تعليقنا بأن العبرة في تحقق شروط الشاهد بما فيها عدالة الشاهد هي وقت قيام الشاهد بالإدلاء بشهادته وليس قبل ذلك الوقت، وسند الحكم في ذلك هو المادة (28) إثبات التي نصت على أن العبرة في تحقق الشروط اللازم توفرها في الشاهد هي بحالته حين أداء الشهادة أي أن القاضي حينما يقرر أن الشاهد عدلاً ينبغي أن ينظر إلى حال الشاهد حين إدلائه بالشهادة من حيث الصلاح وأداء الشعائر الإسلامية الظاهرة التي يستدل منها على عدالته كان يشهد الشاهد المعدل بأن الشاهد الأصلي يقوم بإداء فرائض الصلاة في جامع كذا وقد شاهده المعدل وهو يؤدي الصلاة يوم كذا أي في تاريخ قريب وكذلك الحال بالنسبة للصيام والحج، ولذلك من المهم للغاية أن يسأل الشاهد المعدل عن حال الشاهد الأصلي في أثناء أداء الشهادة فيسأل الشاهد المعدل عن الوقت الذي شاهد فيه الشاهد الأصلي يؤدي الشعائر فلا تكون الشهادة تعديلا إذا كانت المشاهدة للصلاة قبل سنة لأن الصلاة فريضة يومية تتغير أحوال المصلين في أدائها أما الصيام والحج فلا حرج من القول بأن المشاهدة كانت قبل سنة أو سنوات، وكذلك الحال بالنسبة لقوادح الشهادة التي يدلى بها شاهد الجرح فيجب أن لا تكون متقادمة بحيث يمكن القول أو التقدير بأن المشهود عليه قد أقلع عنها أو تركها أو تاب، فلا يقبل الجرح للشاهد بأنه كان يشرب الخمرة قبل سنة أو ثلاث أو أكثر فخلال هذه المدة يحتمل أن يكون المشهود عليه قد أقلع عن تعاطي الخمرة وكذلك بالنسبة لقوادح العدالة الأخرى ، ومثل العدالة شرط أن لا يجر الشاهد لنفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا الذي يدخل فيه عدم قبول شهادة العامل لرب العمل، فالعبرة في ذلك هو وقت أداء الشهادة فإذا كان العامل قد ترك العمل لدى رب العمل فشهادته مقبولة لأن مضنة جر المنفعة أو دفع الضرر قد انتفت عنه فلا تأثير لهذا الجرح على الشاهد في هذه الحالة لأنه قد ترك العمل حسبما أشار الحكم محل تعليقنا فالعبرة بوقت أداء الشهادة ولو كان الشاهد عند تحمله الشهادة ما زال يعمل لدى رب العمل حيث قد زال عنه أي تأثير على شهادته حين أدائها طالما وهو لم يعد يعمل لدى رب العمل، إلا أن الأمانة العلمية تقتضي القول بأن بعض الفقهاء في الشريعة الإسلامية يذهبوا إلى اشتراط تحقق شروط الشهادة عند تحمل الشاهد للشهادة بما في ذلك شرط العدالة وشرط عدم جر المنفعة أو دفع المضرة، فلا يكفي عند هؤلاء الفقهاء توفر شروط الشاهد عند أدائه الشهادة.
الوجه الثاني: المدة المقررة لاعتبار الشروط في الشاهد
قرر الحكم محل تعليقنا أن العبرة في توفر الشروط في الشاهد هو وقت أدائه للشهادة على النحو السابق بيانه في الوجه الأول، وذكرنا أن ذلك لا يعني وقت أداء الشهادة بمعناه الضيق أي وقت مثول الشاهد للإدلاء بشهادته أمام القاضي وإنما المقصود بالوقت هنا ينصرف إلى ما قبل أداء الشهادة بوقت مناسب فهناك من رجال القانون من يذهب إلى تحديد هذه المدة بأنها تتحدد قبل أداء الشهادة على أساس المدة اللازمة لرد الاعتبار فإذا كان الشاهد قد ارتكب جريمة تخل بعدالته فيكون عدلاً إذا انقضت المدة المحددة قانوناً لرد اعتباره فإذا كان الفعل المخل بالعدالة هو السرقة مثلاً فيكون مجروح العدالة حتى يُرد إليه اعتباره وهكذا في بقية قوادح العدالة.
الوجه الثالث: خطورة تخليد قوادح العدالة
ذكرنا في مقدمة التعليق أن الخصوم يسلكون في جرح الشهود مسلكاً يخالف الشريعة والقانون من غير وعي، فمن غير المقبول شرعاً التشهير بأشخاص قاموا بإداء الشهادة كواجب شرعي وقانوني وأخلاقي بذكر أفعال قادحة في أوقات سابقة وقد أقلعوا عنها ونسوها ونساها المجتمع، لأن هذا يخالف الشريعة الإسلامية التي قررت أن الأمة كلها عرضة للخطأ وأن باب التوبة مفتوح أمام من أرتكب فعلاً قادحاً وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم أن خير الخطائين التوابين، كما أن هذا المسلك يخالف القانون الذي قرر قواعد التقادم ورد الاعتبار بالنسبة لكل جريمة، ولذلك نجد عبارة ما لم يرد عليه اعتباره) عندما يتناول القانون أهلية الأشخاص في كثير من الوظائف والأعمال كما أن الفهم المغلوط لجرحالشهود بذكر أفعالهم القادحة القديمة من أهم أسباب عزوف الشهود في اليمن عن تحمل الشهادة أو الإدلاء بها، والله أعلم.