أثر فسخ العقد على الحقوق المترتبة عليه

أثر فسخ العقد على الحقوق المترتبة عليه

معنى الفسخ في الفقه الإسلامي والقانون هو نقض العقد أو إزالته أو حله العقد أو رفعه، أي أن الفسخ نقض للعقد من أساسه، ومؤدى ذلك: رد المتعاقدين إلى الحالة السابقة التي كانوا عليها قبل إبرام العقد المفسوخ.

غير أن العقد قبل نقضه أو فسخه تترتب عليه اثناء سريانه حقوق الغير فلايؤثر عليها فسخ العقد، وكذا قد يستحيل او يتعذر التراد على طرف من اطراف العقد فيستحيل أو يتعذر عليه رد حقوق الطرف الاخر كما كانت قبل إبرام العقد المفسوخ أي التراد الى الحالة السابقة قبل إبرام العقد المفسوخ ففي هذه الحالة يستحق الطرف الذي تعذر رد حقه يستحق التعويض المساوي لحقه الذي تعذر رده ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25-12-2010م في الطعن رقم (42255)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالدائرة: تجد أن نعي الطاعن وجيه جزئياً ، ذلك أن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم إستحقاق الطاعن لقيمة المعدات حسبما كان ينص عليه العقد المفسوخ لعدم إكتمال المدة المحددة لإنفساخ العقد لا يعني إهدار أجرة الإستخدام للمعدات قبل فسخ العقد، إذ كان يجب على الشعبة التي ألغت الحكم الابتدائي الذي كان يقضي بإلزام المطعون ضده بدفع قيمة المعدات، فعندئذٍ كان يجب على الشعبة أن تحكم للطاعن بأجرة إستخدام معداته قبل الفسخ وكذا تكاليف صيانة المعدات)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الفسخ والإنفساخ والتفاسخ في العقد:

كان العقد في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا كان العقد قد تضمن بندا ينص على انه اذا لم يسدد الطرف الاخر قيمة المعدات في التاريخ المحدد فان العقد يعد مفسوخا من تلقاء ذاته ، وهذا الأمر يستدعي التفرقة بين فسخ العقد وإنفساخه والتفاسخ.

ويكمن الفرق بين هذه المصطلحات الثلاثة يكمن الفرق في أساس إنهاء العقد، فالفسخ يتم بطلب أحد أطراف العقد بسبب إخلال الطرف الآخر بإلتزامه ، ويتم هذا الفسخ بموجب حكم قضائي إذا رفض الطرف الآخر الفسخ.

أما الإنفساخ فيقع تلقائياً بقوة القانون عند إستحالة تنفيذ العقد لسبب أجنبي لا يد للمتعاقد فيه أو بحكم الشرع إذا كان العقد مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية كما لوكان محل العقد شيئا غير مشروع كالخمر.

في حين أن التفاسخ (التقايل) هو إتفاق إرادي بين أطراف العقد على التحلل منه وإلغائه، ويطلق عليه الفسخ الإتفاقي. (فسخ عقد الزواج، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٠٦م،ص ٨٩).

الوجه الثاني: الإتفاق المسبق على إعتبار العقد مفسوخاً:

كان العقد الذي تناوله الحكم محل تعليقنا قد ورد ضمن بنوده على أنه إذا لم يقم المطعون ضده بتنفيذ إلتزامه بدفع قيمة المعدات في الوقت المحدد في العقد فإن العقد يعد مفسوخاً ويستعيد الطاعن معداته، وهذا البند أو الشرط في العقد يعد من قبيل الإتفاق المسبق بين الطاعن والمطعون ضده على إعتبار العقد مفسوخاً إذا لم يقم المطعون ضده بسداد قيمة المعدات في التاريخ المحدد في العقد.

والإتفاق المسبق بين المتعاقدين على فسخ العقد هو عبارة عن شرط أو بند يتم النص عليه في العقد، وينص هذا الشرط على أن العقد يعد مفسوخا تلقائياً عند عدم وفاء أحد أطراف العقد بإلتزاماته أو إلتزامه في الوقت المحدد في العقد من دون حاجة الى أي إجراء أو حكم قضائي.

ومع ذلك فإن غالبية القوانين العربية بما فيها القانون اليمني تشترط أن يقوم المتعاقد بإخطار الطرف الآخر بالوفاء بالتزامه قبل إعتبار العقد مفسوخاً مثل المادة (222) من القانون المدني اليمني والمادة (158) من القانون المصري والمادة (184) من القانون القطري.

وفي هذا الشأن نصت المادة (222) من القانون المدني اليمني على أنه: (يجوز الإتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه ودون حاجة إلى حكم قضائي، ولكن هذا الإتفاق لا يعفي من اختار الفسخ من الإعذار للطرف الآخر إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه، ويجب على القاضي إذا ترافعا إليه أن يحكم بالفسخ إذا تحققت شروطه).

 فقد ورد ضمن هذا النص أنه يجوز للمتعاقدين الإتفاق المسبق على إعتبار العقد مفسوخاً من غير حاجة إلى إخطار إلى الطرف الآخر ومن غير حاجة إلى حكم قضائي حسبما ورد في النص السابق. (نظرية فسخ العقود في الفقه الإسلامي، د. سمادي محمد نعيم، دار النفائس عمان الاردن 2006م، صـ155).

الوجه الثالث: تأثير إعتبار العقد مفسوخاً على الحقوق التي ترتبت على العقد قبل تطبيق شرط الفسخ:

نصت المادة (222) من القانون المدني اليمني على أنه: (يجوز الإتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بمجرد عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه ودون حاجة إلى حكم قضائي، ولكن هذا الإتفاق لا يعفي من اختار الفسخ من الإعذار للطرف الآخر إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه، ويجب على القاضي إذا ترافعا إليه أن يحكم بالفسخ إذا تحققت شروطه).

من خلال مطالعة النص القانوني السابق يظهر أنه لم يتعرض لهذه المسألة، لكن النصوص القانونية الأخرى المتعلقة بفسخ العقد في القانون المدني اليمني قد صرحت بأنه عند فسخ العقد تعود حقوق وإلتزامات المتعاقدين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وعندئذٍ يتم تطبيق مفهوم التراد ، وهو رد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام العقد ، ومعنى ذلك أنه يجب على كل متعاقد رد ما استفادة من العقد فإن تعذر أو استحال ذلك فيجب أن يقوم المتعاقد الذي تعذر عليه الرد أن يقوم بتعويض الطرف الآخر بقدر المبالغ أو الحقوق التي تعذر عليه ردها.

 وفي هذا المعنى نصت المادة (١١٩) من القانون المدني اليمني على انه: (يجوز فسخ العقد بخيار من الخيارات أو بسبب من الاسباب الموجبة للفسخ ، ويترتب على الفسخ إعادة العاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا أستحال ذلك جاز الحكم بتعويض من غرم).

 ولذلك فقد لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بان فسخ العقد لا يعني مصادرة حق الطاعن في أجرة إستعمال المطعون ضده لمعدات الطاعن قبل تطبيق الحكم بتطبيق شرط إعتبار العقد مفسوخاً ،وكذا قصة الحكم بتكاليف صيانة المعدات التي كان يستعملها المطعون ضده قبل فسخ العقد.

كما انه من المقرر في الفقه الاسلامي والقانون أن فسخ العقد لا يؤثر على حقوق الغير أي غير المتعاقدين التي اكتسبوها بموجب العقد المفسوخ . (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل العقود، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ118) ، والله أعلم.