قسمة المستفاد من الشركة العرفية

قسمة المستفاد من الشركة العرفية

نتيجة قلة الوعي الشرعي والقانوني بالمعاملات في اليمن تقع نزاعات كثيرة لعدم معرفة الجوانب الشرعية والقانونية للمعاملات، ومن ذلك النزاع بشأن الأموال المكتسبة أو المستفادة من عائدات الشركة العرفية أو شركة الواقع أو الشركة الفعلية التي تتسم أعمالها بالعشوائية كونها شركات غير نظامية، ولذلك فقد وضع القانون المدني عدة معايير يتم إعتمادها عند قسمة عائدات الشركة العرفية وهذه المعايير ذاتها هي الواجبة التطبيق عن قسمة الاموال المكتسبة التي يتم اكتسابها من العائدات المشتركة إذا لم تتم قسمة العائدات بين الشركاء وبدلا من ذلك تم إستعمالها في إكتساب اموال إضافية، ومن المعايير المعتمدة في قسمة عائدات الشركة العرفية وكذا قسمة الاموال المكتسبة من عائدات الشركة العرفية من هذه المعايير: معيار العمل بموجب ماسبق التراضي عليه قوليا أو فعليا بين الشركاء ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-1-2011م في الطعن رقم (42909)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ولما كانت إتفاقية الشراكة المذكورة تتضمن عبارة بأن ما يتم إكتسابه مستقبلاً من أموال ومعمورات تكون مشتركة بينهما نصفين لكل طرف نصف، فذلك يدل على إشتراك الطرفين في محطة..... التي تدل القرائن على أن إنشائها قد كان من عائدات الشراكة وأن إدعاء الطاعن بانها ليست من أموال الشراكة هو إدعاء بخلاف الثابت إتفاقاً ووقائعاً، ولعدم إقامة الطاعن الدليل على إدعائه بان المحطة من ماله الخاص ، لذلك فإن ما توصل إليه الحكم المطعون فيه من شراكة الطرفين في المحطة وتوابعها موافق للشرع والقانون وله أصل في الاوراق)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الآتية:

الوجه الاول: مفهوم الشركة والشركاء في شركة الواقع أو الشركة العرفية أو المؤسسة الفردية:

هذه الشركات غير نظامية لا يتم إنشاؤها وفقاً لأحكام الشركات النظامية التي نظمها قانون الشركات اليمني، وإنما تنشأ هذه الشركات بين أقارب أو ورثة أو أصدقاء، وغالباً ماتكون نظم وحسابات هذه الشركات غيرمنضبطة أو غير كافية فتحدث الخلافات بين الشركاء فيها.
أما الشركاء في هذه الشركات فقد يكونوا ورثة في قسمة شائعة لم تتم قسمتها وإنما قام الورثة بإدارتها شائعة وإكتساب الأموال من عائداتها، كما قد يكونوا الشركاء في هذه الشركات اقارب أو أصدقاء أو جيران اشتركوا في مشروع معين وقاموا بإكتساب الأموال من عائداته، كما قد يكون بعض الشركاء قد شارك بعمله إضافة إلى ماله وبعضهم ساهم بعمله وسعيه أو وجاهته، وقد يكون بعضهم قد استلم عائدات نصيبه ولم يتم إستثمارها ضمن عائدات الشركاء الآخرين في إكتساب اموال إضافية الى الشركة الأصلية، وغالباً ما تكون مشاركة الشركاء في هذه الشركات غير متساوية سواءً من حيث المال أو العمل.
وقد يكون الشركاء المساهمون بأعمالهم يتقاضوا أجوراً نظير عملهم وقد لا يتقاضوا ذلك، كما أن الشركاء قد يقتصر نشاطهم على الشركة أو الشراكة ، وقد تكون لكلٍ منهم أعمال أو أنشطة أخرى غير اعمال الشركة العرفية.
وقد تقتصر مشاركة بعضهم على المال أو العمل أو العكس، وقد يكون لبعضهم وجاهة وقبول ولا يكون لغيره وجاهة.
وقد يكون الجميع على إطلاع تام بأعمال الشركة وعائداتها والأموال المكتسبة من عائداتها وقد لا يكون الأمر كذلك، وقد تكون الأموال المكتسبة باسم الشركة أو الشركاء وقد لاتكون كذلك ،كما قد يكون بين الشركاء إتفاق على تحديد نصيب كلٍ شريك من عائدات الاموال أو الأموال المكتسبة، وقد لا يكون هناك إتفاق.
وكل هذه المسائل السابقة مجتمعة تؤثر في قسمة الأموال المكتسبة من عائدات الشركة.

 الوجه الثاني: مفهوم الاموال المكتسبة من عائدات الشركة العرفية:

بشان الأموال المكتسبة من عائدات الشركة العرفية تسود في اليمن ثلاث مصطلحات مرادفة لبعضها؛ هي: مصطلح المكتسب ومصطلح المستفاد ومصطلح المستطلع، وكل هذه المصطلحات تعني الأموال التي يتم شراؤها من عائدات أو حاصلات أو أرباح الشركة العرفية التي قد تكون (الكرمة) أو المال الأصلي الذي ساهم به الشركاء وقد يضعف إليها سعي وجهد بعض الشركاء أو وجاهتهم، وقد تتحقق العائدات من الكرمة بالاضافة إلى سعي أو جهد أو عمل الشركاء او بعضهم .
والأموال المكتسبة قد تكون منقولات كالمعدات والأجهزة والبضاعة وقد تكون عقارات، وقد تكون سندات واسهم في شركات نظامية، وقد تكون معادن ثمينة كالذهب والفضة وقد تكون اسلحة، وقد يتولى شراء هذه الأموال أحد الشركاء أو بعضهم أو جميعهم ، وقد يكون الشراء باسم أحد الشركاء كما قد يكون باسم الشركاء جميعاً او الشركة.

الوجه الثالث: كيفية الفصل بين الأموال الأصلية (الكرمة) والأموال المكتسبة:

ما يسمى في اليمن بالكرمة: هو أصل رأس مال الشركة الأصلي الذي يساهم به الشركاء في بداية الشركة ، والغالب أن المال الأصلي أو الكرمة لا يثير خلافات وإشكاليات بين الشركاء كالمال المكتسب، ومع ذلك فقد تقع في بعض الحالات إشكاليات بشأن إثبات أموال الكرمة ذاتها من حيث مصدرها ومقدار مساهمة كل شريك فيها ، ويقع الخلاف بشأن مقدار مساهمة الشركاء في الكرمة أو رأس مال الشركة بمناسبة الخلاف بشان نصيب كل شريك من العائدات التي يتم إستعمالها في تمويل شراء الأموال المكتسبة.
وإذا حدث خلاف بشأن مصادر أموال الكرمة أو مقدار نصيب السعي أو الجهد أو الوجاهة في الشركة العرفية فإن كل شريك ملزم بإثبات المال الذي شارك به في الكرمة أو في غيره كالوجاهة والسعي.
والفصل بين أموال الكرمة أو رأس مال الشركة الأصلي وبين الاموال المكتسبة من الكرمة أو من الشركة بصفة عامة له أهمية بالغة لمعرفة الأموال المكتسبة من عائدات الكرمة أو السعي أو الوجاهة ومقدار نصيب كل شريك فيها.
فإذا لم تكن هناك إتفاقيات أو وثائق إستلام تحدد مساهمات الشركاء في أموال الكرمة فيتم إثبات ذلك عن طريق وسائل الإثبات المختلفة كالإقرار والشهادة...إلخ. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ201).

الوجه الرابع: الأصل أن الأموال المكتسبة من عائدات (الكرمة):

قضى الحكم محل تعليقنا بأن الأصل أن الأموال المكتسبة في الشركة العرفية هي من عائدات أصل مال الشركة (الكرمة) ،وأن على من يدعي خلاف ذلك أن يثبت، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بأن الطاعن قد عجز عن إثبات أن المال المكتسب بعد دخوله في الشركة مع اخيه ليس من عائدات الشركة العرفية.
والحكم محل تعليقنا قد وافق المادة (661) من القانون المدني اليمني التي نصت على أن (الشركة العرفية: هي الخلطة في الأموال والتكافؤ في الأعمال على أن يعمل شخصان أو أكثر بحسب ما يحسنه، فيكفي كلٍ منهم الآخر، ويكون المستفاد مشتركاً بينهم جميعاً وما يلزم أحدهم يكون عليهم جميعاً)، فقد صرح هذا النص في الفقرة الأخيرة منه بأن الأموال المستفادة من أصل رأس مال الشركة العرفية تكون مشتركة بين الشركاء جميعاً.

الوجه الخامس: معايير قسمة المستفاد أو الأموال المكتسبة من عائدات الشركة العرفية:

سبق القول في الوجه السابق أن المستفاد من أصل رأس مال الشركة العرفية يكون مشتركاً بين الشركاء جميعاً، وقد حدد القانون المدني اليمني معايير لقسمة الأموال المكتسبة وكذلك أشار الحكم محل تعليقنا إلى أحد هذه المعايير، ونلخص هذه المعايير على النحو الآتي:
المعيار الأول: العمل بموجب الإتفاق المسبق بين الشركاء على كيفية قسمة الأموال المستفادة من أصل رأس مال الشركة العرفية، وقد ورد هذا المعيار في بداية المادة (662) مدني، وفي هذا الشأن نصت المادة في بدايتها على أنه: (إذا كان بين الشركاء تراضي قولي أو فعلي طبق ما تراضوا عليه...).
 فهذا المعيار هو المعيار الاول الذي يجب تطبيقه أولاً قبل البحث في المعايير الأخرى، لان الشراكة عمادها الرضا والتراضي ،فقد صرح النص السابق أن التراضي بين الشركاء على قسمة المستفاد هو الواجب التطبيق.
 والتراضي بين الشركاء قد يكون قولياً أي شفهياً وقد يكون هذا التراضي كتابياً وهو اضبط مثلما كان في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا، كما قد يكون التراضي فعلياً أي أن الشركاء قد سبق لهم أن اعتادوا على طريقة معينة لقسمة المستفاد بينهم.
المعيار الثاني: قسمة المستفاد بحسب عرف الجهة أو عرف المهنة: وقد ورد هذا المعيار أيضا في المادة (662) مدني التي نصت على أنه: (إذا كان بين الشركاء تراضي قولي أو فعلي طبق ما تراضوا عليه ، وإذا لم يوجد تراضي بين الشركاء طبق العرف الخاص بالجهة) .
فالعرف الخاص بالمنطقة التي تعمل فيها الشركة العرفية أو المهنة التي تعمل في اطارها هذا المعيار القانوني هو المعيار الثاني من حيث الترتيب ، إذ يجب الرجوع إليه إذا لم يكن هناك إتفاق قولي اوفعلي بين الشركاء حسبما ورد في النص القانوني السابق، فيتم الرجوع إلى العارفين بعرف المنطقة أو المهنة، وغالباً مايتم الرجوع إلى الشركات المماثلة في المنطقة أو في الحرفة لمعرفة كيفية قسمة المستفاد من الشركة العرفية.
المعيار الثالث: فصل عائدات (الكرمة) عن عائدات عمل أو سعي الشركاء: وبعد الفصل فيها تتم قسمة عائدات (الكرمة) بحسب حصص الشركاء في الكرمة وإذا كانت الكرمة ملك أحدهم فأنه يستأثر وحده بعائدات الكرمة ، وإذا كانت لبعضهم فإن عائدات الكرمة يتم قسمتها بينهم فقط ، واذا كانت الكرمة ملك لجميع الشركاء فتتم قسمة عائداتها او المستفاد منها بحسب حصص أو نسب شراكة الشركاء في الكرمة.
أما قسمة عائدات العمل (السعي) فتتم قسمته بين الشركاء بالتساوي إذا كان الشركاء جميعهم يقوموا بالسعي والعمل لحساب الشركة ، على ان يتم إعطاء الوجيه من الشركاء ذي الوجاهة الذي له قبول في المعاملة في السوق أو بين زبائن الشركة تعطى له زيادة من عائدات السعي (العمل) بقدر العائد الذي حققته الشركاء من وجهاته ،وكذلك الحال بالنسبة للشريك الذي له زيادة سعي فأنه يعطى زيادة من عائدات السعي بقدر العائد الذي حققته الشركة من سعيه، وفي هذا المعنى نصت المادة (٦٦٣) مدني على أنه (إذا كان لشركاء كرمة (مال) قدمها الشركاء أو بعضهم للسعي فيها قسم الناتج بين الكرمة وسعي الشركاء كلٍ بحسب تأثيره في المستفاد، ويقسم نصيب الكرمة من الكسب بين من قدموها أو ورثوها من الشركاء كلٍ بنسبة حصته فيها، ويقسم الناتج من السعي بين الشركاء جميعاً على الرؤوس سواءً كان ناتجاً من سعيهم في الكرمة أو في غيرها ويعطى من كان لسعيه أو وجاهته تأثير في الكسب زيادة بقدر ما تقدم به كسبه).
واذا لم تتم قسمة عائادات الشركة العرفية وتسليمها للشركاء اولا باول حسبما سبق بيانه وبدلا من ذلك تم توجيه العائدات لإكتساب الأموال فتتم قسمة الاموال المكتسبة بحسب المعايير التي سبق شرحها ،لان إكتساب الاموال من عائدات الشركة العرفية يعد إشراكا للشركاء في الأموال المستفادة بحسب حصصهم في العائدات.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الأول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ382)، والله اعلم.
✍🏼 أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.