بطلان حكم التحكيم لتناقض أسبابه
أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء
حدد قانون التحكيم اليمني نطاق رقابة القضاء على أحكام التحكيم في المادة (53)، تكون محكمة الاستئناف عند نظرها لدعوى بطلان حكم التحكيم محكمة قانون يقتصر دورها على التحقق من وجود أو عدم وجود حالات البطلان المقررة في المادة (53) تحكيم، وتبعاً لذلك فإن القضاء يراقب التناقض الذي يقع في أسباب حكم التحكيم إذا كان هذا التناقض مؤثرا في منطوق حكم التحكيم، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/1/2011م في الطعن رقم (42911)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن مناعي الطاعن وجيهة، ذلك أنه بالبناء على ما سبق تجد الدائرة: أن رقابة القضاء على أحكام التحكيم تحددت وفقاً لما ورد بقانون التحكيم وأن دعوى البطلان تتركز على ما هو محدد بالمادة (53) تحكيم، وقد لاحظت الدائرة أن حكم التحكيم قد جزم في منطوقه بثبوت الشراكة بين الطاعن والمطعون ضده في المحل للأدلة المقدمة من الطاعن غير أنه قد ورد في بعض أسباب حكم التحكيم بعض التناقض بشان نسب الشراكة في المحل، وقد استند الحكم الاستئنافي إلى هذا التناقض في إبطال حكم التحكيم، والحال أن العبرة بمنطوق حكم التحكيم، وعليه تقرر الدائرة نقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه إلى الشعبة التجارية الثانية لإعادة النظر وبحث مدى تأثير التعارض بين أسباب حكم التحكيم على منطوق الحكم)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: تناقض أسباب الحكم يبطل الحكم وفقاً لقانون المرافعات اليمني
نصت الفقرة (3) من المادة (231) مرافعات على أن (-أ- يجب أن تكون الاحكام مسببة وألا تتناقض الأسباب مع بعضها أو من المنطوق وإلا كانت باطلة).
فقد صرح هذا النص بأن تناقض أسباب الحكم مع بعضها أو تناقضها مع المنطوق يبطل الحكم.
بيد أن الفقه القانوني يذهب إلى أن تناقض بعض أسباب الحكم لا يبطل الحكم إذا كانت أسباب الحكم الاخرى غير المتناقضة كافية وحدها لحمل الحكم. (نظرية الحكم، إستاذنا المرحوم الاستاذ الدكتور احمد أبو الوفاء، دار الكتب القانونية القاهرة ٢٠٠٦م، صـ١٧٤) و (التحكيم الإختياري والإجباري، لأستاذنا المرحوم الأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفاء، منشأة المعارف الإسكندرية 1984م، صـ307).
الوجه الثاني: التناقض بين أسباب حكم التحكيم ومنطوقه وفقاً لقانون التحكيم اليمني
اشترطت المادة (48) تحكيم أن يشتمل حكم التحكيم على أسباب الحكم وأوجبت ذلك، بيد أن قانون التحكيم لم يتعرض لتناقض أسباب حكم التحكيم، ومع ذلك فقد نصت المادة (32) تحكيم في نهايتها على أنه يجب على لجنة التحكيم أن تتقيد في إجراءات التحكيم بعدم الإخلال بأحكام قانون المرافعات التي تعتبر من النظام العام، بيد أن هذا النص قد ورد في الباب المخصص لإجراءات التحكيم وليس ضمن النصوص التي نظمت حكم التحكيم.
الوجه الثالث: تناقض أسباب حكم التحكيم حالة من حالات بطلان حكم التحكيم
بإعتبار أن تسبيب الحكم من اهم ضمانات الحكم العادل الذي يقنع الخصوم والجمهور بعدالة الحكم وصحته، ولان تسبيب الحكم لايحقق مراميه الا اذا سلمت أسباب الحكم من التناقض فيما بينها وفيما بينها وبين منطوق الحكم، ومن هذا المنطلق فقد جعل قانون التحكيم اليمني عدم تسبيب الحكم من ضمن حالات بطلان حكم التحكيم، فقد نصت المادة (53) تحكيم على أنه: (مع مراعاة أحكام هذا القانون لا يجوز طلب إبطال حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: -1- إذا لم يوجد إتفاق تحكيم أو انتهت مدته أو كان باطلاً وفقاً للقانون -ب- إذا كان أحد أطراف التحكيم فاقد الأهلية -ج- إذا كانت الإجراءات غير صحيحة -د- إذا تجاوزت لجنة التحكيم صلاحياتها -هـ- إذا تم تشكيل لجنة التحكيم بصورة مخالفة لإتفاق التحكيم -و- إذا لم يكن حكم التحكيم مسبباً -ز- إذا خالف حكم التحكيم أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام..).
ومن خلال مطالعة حالات بطلان التحكيم المذكورة في النص القانوني السابق يظهر أن عدم تسبيب حكم التحكيم من ضمن تلك الحالات، ومؤدى ذلك أن حكم التحكيم إذا لم يكن مسبباً فيحق لأيٍ من أطراف الحكم أن يتقدم بدعوى بطلان حكم التحكيم أمام محكمة الاستئناف لهذا السبب .
ومن المعروف أن تناقض أسباب الحكم يؤدي إلى تهاترها وسقوطها ولذلك فان تناقض أسباب الحكم وتهاترتها يسقط أسباب الحكم، فيصير الحكم غير مسببا، أي يصير الحكم عديم الأسباب إلا إذا بقت هناك أسباب لم تتناقض وكانت هذه الأسباب غير المتناقضة تكفي وحدها لحمل الحكم.
وعلى هذا الأساس فإن تناقض أسباب حكم التحكيم يندرج ضمن عدم تسبيب الحكم أي من ضمن حالات بطلان حكم التحكيم. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ237)، والله اعلم.
