شهادة الخصم على خصمه

شهادة الخصم على خصمه

قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة) ، والمقصود بذي الظنة أي المتهم في شهادته ، لانه يسخر شهادته لجلب النفع لنفسه أو لدفع الضرر عنه .

 اما ذو الحنة المذكور في الحديث النبوي الشريف فالمقصود به الشاهد الحقود ذو العداوة المعروف بحقده وعدم تسامحه، لأن ذا الحنة او العداوة يتعمد إلحاق الاذي بمن يعاديه أو يخاصمه أو يحقد عليه حتى بعد إنتهاء الخصومة.

 ومصطلح (ذي الحنة أو العداوة) في الفقه الاسلامي اعم من مصطلح (الخصومة) الذي أخذ به قانون الإثبات اليمني، فالخصومة تعني وجود نزاع قائم بالفعل بين الشاهد والمشهود عليه ،ومازال هذا النزاع منظورا امام القضاء أو التحكيم ولم يتم حسمه بعد، في حين ان مصطلح ذي الحنة يتناول الشاهد الحقود الذي لاينسى خصوماته مع الغير ولايتسامح بشانها سواء كانت الخصومة مازالت قائمة أو تم حسمها، فمصطلح العدو ذي الحنة في الفقه الاسلامي منضبط.

 قد أشترط قانون الاثبات اليمني في الشاهد في المادة (27) إثبات (-هـ- أن لا يكون خصماً للمشهود عليه)، والمقصود بالخصومة فيما بين الشاهد والمشهود عليه أن تكون هناك خصومة قائمة بالفعل بين الشاهد والمشهود عليه وقت أداء الشاهد للشهادة ، اما إذا كانت الخصومة قد تم الفصل فيها بحكم فان الشهادة تكون مقبولة في القانون ولو كان النفور والكراهية مازالت قائمة بين الطرفين سيما اذا كانت الخصومة قد انتهت بحكم صادر من القضاء أو التحكيم ، لأن بعض المحكوم عليهم لاتطيب نفسه ولاتصفو نفسه للمحكوم له بخلاف الخصومة التي تنتهي بالصلح.

وقد فضل قانون الاثبات اليمني أن يستعمل مصطلح (الخصومة) بدلا من المصطلح الفقهي (ذي الحنة او العداوة)، لان الخصومة القائمة بين الشاهد والمشهود عليه أمام القضاء أو التحكيم سهلة الإثبات بخلاف العدواة التي تكون ساكنة في القلوب .

 وقد اشترط قانون الاثبات اليمني ان تكون الخصومة بين الشاهد والمشهود عليه قائمة بالفعل وقت أداء الشهادة ، وفي هذا الشان نصت المادة (28) إثبات على أن: (العبرة في تحقق الشروط اللازم توافرها في الشاهد هي بحالته حين أداء الشهادة وتراعى الأحكام المبينة في المواد التالية).

وفي كل الأحوال فانه يجب على المشهود عليه عند إعتراضه على شهادة الشاهد الخصم يجب عليه إثبات وجود خصومة فيما بينه وبين الشاهد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22/2/2011م في الطعن رقم (43371)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما ما جاء في حيثيات حكم الشعبة ان بين آل.... والمشهود عليه خصومة، فلم توضح الشعبة نوع تلك الخصومة وتاريخها والمحكمة المنظورة امامها والحكم الصادر فيها، فضلاً عن أن ذلك مردود بوقائع النزاع إذ سلم المطعون ضده الشاحنة للمدعي إبتداءً وهو من آل....)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: معنى الخصومة التي تجعل الشاهد خصماً للمشهود عليه:

معنى الخصومة في القانون اليمني هو وجود نزاع أو خلاف قائم بالفعل فيما بين الشاهد والمشهود عليه، ويكون هذا النزاع منظورا امام المحكمة أو النيابة المختصة أو محكم أو هيئة تحكيم أو منظور أمام لجنة ذات طابع قضائي ، فينبغي أن تكون الخصومة بين الشاهد والمشهود عليه قائمة بالفعل ولم يتم حسمها بحكمٍ باتٍ أو نهائي أو صلح، فهذا هو المفهوم القانوني للخصومة في القانون اليمني.

وعلى هذا الاساس فان الخصومة إذا كان قد تم الفصل فيها بحكم قضاء أو تحكيم فان شهادة الخصم تكون مقبولة ، ولو كانت حالة النفور والكراهية مازالت قائمة بين الطرفين سيما اذا كانت الخصومة قد انتهت بحكم صادر من القضاء أو التحكيم ، لأن المحكوم عليه في هذه الحالة لاتطيب نفسه ولاتصفو نفسه للمحكوم له بخلاف الخصومة التي تنتهي بالصلح.

 فالحكم يورث الضغائن والاحقاد ، وقد ورد في الاثر (ردوا الخصوم عن القضاء فانه يورث الضغائن)، ومع ذلك فقد اغفل قانون الإثبات اليمني هذه المسألة.

الوجه الثاني: ذو الحنة (العدوالحقود) في الشريعة الاسلامية:

 في هذا الشان ثبت قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة) – وهذا الحديث صحيح على شرط مسلم (المستدرك على الصحيحين، وقد هذا الحديث بروايات عدة كلها تضمنت جملة (ذي الحنة) .

وقد ذهب الفقهاء الى شرح كلمة (ذي الحنة) المذكور في الحديث بانه الشاهد العدو الحقود الذي لاينسى خصوماته مع غيره ولايتساهل بشانها ، وذو الحنة لا تقبل شهادته ولو كانت الخصومة قد تم حسمها بحكم.

كما ان معنى ذي الحنة في اللغة العربية هو الحقود الذي لاينسى خصوماته مع الغير ولايتسامح بشانها سواء كانت الخصومة مازالت قائمة أو تم حسمها.

فقد استعمل الفقه الاسلامي مصطلح (ذي الحنة أو العداوة) وهو مصطلح اكثر عمومية وضبطا من مصطلح ( الخصومة) الذي أستعمله القانون اليمني، لان الخصومة من ضمن أسباب (العداوة) ولكنها ليست السبب الوحيد للعداوة ، فالعداوة في مفهومها الفقهي أعم من الخصومة، فالحنة والعداوة هي شعور الشاهد الحقود بكراهيته للمشهود عليه ونفوره منه وفرحه بما يسوء المشهود عليه، وللحنة أو العداوة أسباب عدة مثل الخصومة السابقة أو الحسد أو الحقد ،وقد تقع الحنة من غير سبب.

الوجه الثالث: الخصومة التي تجعل الشاهد خصماً للمشهود عليه هي الخصومة الشخصية بين شخصين وليس بين قبيلتين أو عشيرتين:

وفقا للمادة (٢٧) إثبات يمني فان نطاق الخصومة المانعة للشهادة قاصر على الشاهد بشخصه والمشهود عليه بشخصه، حسبما هو ظاهر في الفقرة (هـ) من المادة (27) إثبات التي نصت على : (-هـ- أن لا يكون خصماً للمشهود عليه)،ومعنى ذلك الخصومة القائمة فيما بين الشخصين الشاهد والمشهود، ومؤدى ذلك ان الخصومة إذا كانت بين الشاهد وأقارب المشهود عليه أو عشيرته أو قبيلته ،فإن هذا الشرط لا ينطبق عليها حسبما ورد في النص القانوني السابق ذكره.

الوجه الرابع: الفرق بين الخصومة والعداوة كمانع للشهادة:

سبق القول أن قانون الاثبات اليمني استعمل مصطلح (الخصومة) كمانع للشاهد من الادلاء بشهادته على المشهود عليه ، وذكرنا أن معنى الخصومة هو وجود نزاع او خلاف قائم بالفعل فيما بين الطرفين الشاهد والمشهود عليه قائم أمام القضاء أو محكم أو هيئة تحكيم، لان هذا هو مفهوم الخصومة في القانون.

ومن وجهة نظرنا فان مفهوم الخصومة المذكورة في النص القانوني السابق يتسع ليشمل الخلاف الذي يقع بين الشاهد والمشهود عليه الذي لم يتم رفعه إلى القضاء أو المحكم أو النيابة.

أما الفقه الاسلامي فقد ذكرنا انه استعمل مصطلح (ذا الحنة او العداوة) وهو مصطلح اكثر عمومية من مصطلح ( الخصومة)، لان الخصومة من ضمن أسباب ( الحنة او العداوة) ولكن الخصومة ليست السبب الوحيد للحنة أو العداوة ، فالعداوة في مفهومها الفقهي أعم من الخصومة، فالعداوة هي شعور الشاهد بكراهية المشهود عليه ونفوره منه وفرحه بما يسوء المشهود عليه، وللعداوة أسباب مثل الخصومة السابقة أو الحسد أو الحقد وقد تكون بغير سبب.

والخصومة يسهل إثباتها لأنها ظاهرة، اما العداوة فأنها كما سبق عبارة عن شعور داخل الشاهد ، وقد كان هذا الامر هو مبرر المقنن اليمني في إستعماله لمصطلح (الخصومة) وعدوله عن المصطلح الفقهي ( الحنة او العداوة).

إلا ان المقنن اليمني قد تنكب الطريق في هذه المسألة، لانه من الممكن إثبات حنة أو عداوة الشاهد ، وذلك عن طريق الاقوال والأفعال التي تصدر من الشاهد التي تظهر منها حنته وحقده وعداوته للمشهود عليه.

الوجه الخامس: العبرة بوجود الخصومة المانعة للشهادة وقت أداء الشاهد للشهادة على المشهود عليه:

نصت المادة (28) إثبات على أن: (العبرة في تحقق الشروط اللازم توافرها في الشاهد هي بحالته حين أداء الشهادة وتراعى الأحكام المبينة في المواد التالية).

ووفقا لهذا النص فان العبرة بوجود الخصومة يكون بوقت إدلاء الشاهد بالشهادة، فلا تقبل شهادة الشاهد إذا كانت الخصومة قائمة فيما بينه وبين المشهود عليه وقت أداء الشاهد لشهادته.

وتطبيقاً لذلك فإن الخصومة التي كانت قائمة بين الشاهد والمشهود عليه والتي قد انتهت وتم حسمها عن طريق الصلح أو التحكيم أو القضاء ، فانها لاتكون سببا لمنع شهادة الشاهد لإنتهاء الخصومة ، وهذا الأمر صحيح بالنسبة لانتهاء الخصومة بالصلح ،بيد ان إنتهاء الخصومة بحكم قضاء او تحكيم يورث الاحقاد والضغائن عند بعض الخصوم، فالخصومة بعد إنتهائها بحكم قد تتحول إلى حنة وعداوة عند بعض الخصوم ، ومع ذلك فان القانون يقبل شهادة الشاهد في هذه الحالة طالما ان الخصومة قد انتهت بحكم !!!!؟.

 اما في الشريعة الاسلامية فإن شهادة الشاهد ذي الحنة أو الحقود لاتكون مقبولة في هذه الحالة للعداوة والحنة اذا كان الشاهد من ذوي الحنة اي الحقد ، لأن الخصومات السابقة تتحول عند بعض الناس إلى أحقاد وإحن ، فقد وقفت على قضايا كثيرة كان بعضهم يحقد ويعادي زملاء دراسته وطفولته لوقائع وأحداث حدثت بينهم أثناء طفولتهم بعد مضي عقود من الزمن على احداث طفولتهم.

 ولذلك فقد ذهب الفقهاء الى أن المقصود بذي الحنة الشاهد الحقود ، وهي الكلمة الواردة في قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم :(لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة) – والحديث صحيح عن شرط مسلم (المستدرك على الصحيحين، فقد ذهب الفقهاء الى ان المقصود كلمة (ذي الحنة) المذكورة في الحديث هو الشاهد العدو الحقود ، فلا تقبل شهادته ولو كانت الخصومة قد تم حسمها بحكم، لأن الخصومة تنتهي عند بعض الناس إلى حقد عياذاً بالله.

 ولذلك فقد وردت كلمة (ذو الحنة) في كل روايات الحديث النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم ، وذو الحنة في كل لهجات العرب هوالحقود.

فمجرد العدواة والخلاف لايكون في الشريعة الاسلامية سببا لمنع الشهادة إلا إذا كان الشاهد معروفا بين الناس بالحقد والضغينة وعدم التسامح في تعامله ومعاملاته مع غيره. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م ، ص١٦٥) ،والله اعلم.

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.