محاضر جلسات المحكمة الإبتدائية عند الإستئناف
مبدأ الأثر الناقل للإستئناف يعني أن الإستئناف يعيد طرح النزاع الذي كان منظوراً أمام محكمة أول درجة، وذلك أمام محكمة الإستئناف، وفي حدود ما فصل فيه الحكم الاستئنافي وفي حدود ما ورد في عريضة الإستئناف، ومن مقتضيات الأثر الناقل للإستئناف بحسب هذا المفهوم أنه ينبغي على محكمة الإستئناف ان ترجع إلى محاضر جلسات المحاكمة لدى المحكمة الابتدائية للتأكد من سلامة وقانونية تلك الإجراءات، فلا ينبغي أن يقتصر دور محكمة الإستئناف على إعتناق أسباب الحكم الابتدائي وجعلها أسباباً للحكم الإستئنافي، لأن محكمة الإستئناف وإن كانت محكمة موضوع ، فإن ذلك لا يعفيها من التأكد من سلامة الإجراءات التي قامت بها المحكمة الابتدائية ومدى قانونيتها طالما أن المستأنف قد أثارها في إستئنافه، فلا يكفي إعتناق الحكم الإستئنافي لأسباب الحكم الابتدائي، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 9/2/2011م في الطعن رقم (43592)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد لاحظت الدائرة أن الشعبة أكتفت في حيثيات حكمها بالتعليق على الحكم الابتدائي وإيراد بعض حيثياته بهدف تبنيه دون الرجوع إلى ما دار في محاضر جلسات المحكمة الابتدائية ، في حين أن الأثر الناقل للإستئناف يظهر وظيفة محكمة الاستئناف في مرحلة الاستئناف في إعادة طرح النزاع من الناحيتين الموضوعية والقانونية، ومؤدى ذلك نقل الدعوى إلى المحكمة الاستئنافية بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم الابتدائي بالنسبة لما رفع عنه الإستئناف وفي حدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى ان الإستئناف يعيد طرح النزاع أمام محكمة الإستئناف:
معنى ذلك أن الاستئناف المرفوع امام محكمة الاستئناف المقبول شكلاً يجعل محكمة الاستئناف ملزمة بموجب المادة (288) من قانون المرافعات اليمني بنظر النزاع الذي كان منظوراً أمام محكمة أول درجة وذلك في حدود ما ورد في عريضة الاستئناف وفي حدود ما حكم به الحكم الابتدائي ، اذ يعيد الإستئناف طرح النزاع من الناحيتين الموضوعية والقانونية ، عملاً بالأثر الناقل للاستئناف المقرر في المادة (288) مرافعات التي نصت على أن: (يطرح الاستئناف القضية المحكوم فيها امام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في الواقع والقانون مع مراعاة الأحكام الآتية: -أ- لا تنظر محكمة الاستئناف إلا ما رفع عنه الاستئناف فقط -ب- يجب على محكمة الاستئناف آلا تنظر إلا في الوجوه والحالات التي رفع عنها الاستئناف فقط وفي حدود ما فصلت فيه محكمة الدرجة الأولى من تلك الوجوه والحالات...).
الوجه الثاني: محاضر جلسات المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية الوسيلة القانونية الوحيدة لإثبات إجراءات نظر القضية امامها:
ذكرنا في الوجه السابق أن الاستئناف يعيد طرح النزاع أمام محكمة الاستئناف، ومعنى ذلك أنه ينبغي على محكمة الاستئناف أن تستعرض إجراءات نظر محكمة أول درجة للقضية في حدود ما ورد في الاستئناف، وفي حدود ما فصل فيه الحكم الابتدائي.
ومن المعروف أن إجراءات نظر محكمة أول درجة للقضية مثبتة في محاضر جلسات المحاكمة أمام المحكمة الابتدائية، فمحاضر جلسات المحاكمة هي الوسيلة القانونية الوحيدة التي حددها قانون المرافعات لإثبات إجراءات المحاكمة وضبطها، فالمحاضر هي المرآة الصادقة والامينة التي تظهر إجراءات نظر القضية من قبل المحكمة الابتدائية.
وفي هذا الِشأن نصت المادة (158) مرافعات على أنه: (يجب أن يحضر في الجلسة (وجميع الإجراءات المتعلقة بالإثبات) كاتب يحرر المحضر ويوقعه مع رئيس الجلسة فإن غاب الكاتب كان لرئيس المحكمة ندب غيره).
ووفقاً للقانون يتضمن محضر جلسة المحاكمة إثبات حضور القاضي والكاتب والخصوم والشهود والخبراء ووكلاء الخصوم، كما يتضمن المحضر إثبات أقوال هؤلاء والمرافعات الكتابية المقدمة منهم، ولذلك فإن محاضر الجلسات ترصد كل إجراءات المحاكمة أي إجراءات نظر المحكمة الابتدائية للقضية، ووفقاً للقانون فإن محضر الجلسة محرر رسمي له حجيته القانونية. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الطعن بالاستئناف ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ٧٣).
الوجه الثالث: أهمية رجوع محكمة الاستئناف إلى محاضر جلسات المحكمة الابتدائية:
في الوجه السابق ذكرنا أن محاضر الجلسات هي الوسيلة القانونية الوحيدة لإثبات وضبط إجراءات نظر للقضية المطعون فيها بالإستئناف، وذكرنا أيضا ان الإستئناف يعيد طرح النزاع امام محكمة الإستئناف من الناحيتين الموضوعية والقانونية. حسبما ورد في المادة (٢٨٨) مرافعات.
ولذلك فإن محكمة الاستئناف ملزمة قانوناً بالرجوع إلى محاضر جلسات المحكمة الابتدائية المتعلقة بالمطاعن المثارة في عريضة الإستئناف للتحقق من مدى صحة ما ورد في الإستئناف.
ومن جانب آخر فإن محكمة الاستئناف وإن كانت محكمة موضوع متقيدة بالنزاع الذي أعاد طرحه المستأنف أمام محكمة الاستئناف غير ان محكمة الإستئناف ملزمة أيضاً بالرجوع إلى محاضر جلسات المحكمة الابتدائية كافة للتحقق من قانونية الإجراءات التي اتبعتها محكمة أول درجة، لأن محكمة الاستئناف محكمة طعن ينبغي عليها أن تتحقق من قانونية إجراءات المحاكمة في الدرجة الادنى والتحقق من عدم وجود مخالفات للقانون أو إجراءات مخالفة للقانون تتعلق بالنظام العام.
إذ ينبغي على محكمة الاستئناف أن تتصدى للمخالفت للقانون والاجراءات المخالفة للقانون من تلقاء ذاتها حتى لو لم يثرها الخصوم، سيما أن المادة (٢٨٨) مرافعات قد صرحت بان إعادة طرح القضية أمام محكمة الإستئناف يعني إعادة طرحها من الناحيتين الموضوعية والقانونية. وهذا الأمر يستدعي من محكمة الاستئناف أن تدرس كافة أوراق القضية واهمها محاضر جلسات المحاكمة في المرحلة الابتدائية. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ331)، والله اعلم.
✍🏼 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.