الطبيعة القانونية للشراكة في الصيدلية

الطبيعة القانونية للشراكة في الصيدلية

أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

الشراكة في الأموال من ضمن المعاملات المالية التي نظمها الفقه الإسلامي وقانون الشركات بالنسبة للشركات التجارية النظامية ، وكذلك نظم القانون المدني الشركة العرفية.
 وهذا التنظيم ينطبق على الشراكة في الصيدليات ، لان الصيدلية عبارة عن متجر وفقا للقانون التجاري اليمني، وعند إختلاف الشركاء في الصيدلية فانه يجب دراسة وتشخيص العلاقة بين الشركاء لمعرفة نوع الشراكة ، وذلك في ضوء دفاتر وسجلات وحسابات الصيدلية والمذكرات المتبادلة بين الشركاء والعلاقات القائمة فيما الصيدلية والجهات المختصة والجهات الموردة للادوية الى الصيدلية ،لغرض تكييف الشراكة فيها، وبيان نوع الشراكة التي قامت بين الشركاء في الصيدلية .
غير أنه في كل الأحوال يجب على الشريك الذي يتولى إدارة وتشغيل الصيدلية أن يمسك السجلات والحسابات النظامية ،ويجب عليه ان يمكن الشريك الاخر من الاطلاع على حسابات وسجلات الصيدلية، ويتم تحديد حقوق وواجبات الشركاء في الصيدلية في ضوء تلك الحسابات والسجلات وكذا في ضوء الإتفاق المبرم بين الشركاء ، كما ينبغي أن يقم الشريك المدير بتمكين المحكمة من دفاتر وسجلات وحسابات الصيدلية، فان لم ذلك ، فيتم تحديد حقوق وواجبات الشركات على اساس الصيدليات المماثلة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-3-2010م في الطعن رقم (43473)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وحيث أن الشعبة لم تطمئن لتقرير المحاسب فقد قامت بتكليف محاسب آخر لتدقيق حسابات الصيدلية الذي واجه الصعوبات ذاتها التي واجهها المحاسب السابق، لأن متولي الصيدلية لم يقم بموافاته بالسجلات والدفاتر المحاسبية للصيدلية، ولذلك فقد سلك المحاسب الاخير في إعداد تقريره إلى الأخذ بالبند الثامن من عقد الإتفاق المبرم فيما بين الطرفين ، وهو إحتساب الأرباح على أساس الصيدلية المماثلة، وقد اعتمدت الشعبة على ذلك التقرير في قضائها وقضت للشريك في الصيدلية بالمبلغ الذي توصل إليه الخبير المحاسب القانوني، والمعلوم أن المطعون ضده متولي الصيدلية هو أمين فيما تولاه غير أنه لم يلتزم بإبراز السجلات والمستندات خلال مدة الشراكة في الصيدلية)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: الوضعية القانونية والواقعية للصيدلية:

اشترط قانون مزاولة المهن الطبية والصيدلانية وكذا قانون الدواء والصيدلية اشترطا لفتح الصيدلية أن يصدر ترخيص بفتحها لصيدلي، ولا يجوز له أن يكون مالكاً أو شريكاً في أكثر من صيدليتين، ولا يمنح ترخيص فتح الصيدلية إلا بعد التأكد من توفر الشروط الفنية والصحية اللازمة، ومن هذا الجانب فإن الصيدلية منشأة صحية تخضع لإشراف ورقابة الهيئة العليا للأدوية.
ومن جانب آخر فإن الصيدلية وفقاً للقانون التجاري تعد محلاً تجارياً أو متجر، فتنطبق على الصيدلية أحكام المحل التجاري أو المتجر المقررة في القانون التجاري.
 فالصيدلية وإن كانت تهدف إلى توفير خدمة الدواء إلا أنها تهدف أيضا إلى تحقيق ربح، ولذلك فهي مشروع تجاري تنطبق عليه أحكام المتجر، ولذلك يصح أن تكون الصيدلية محلا للشراكة .

الوجه الثاني: الوضعية القانونية للشراكة في الصيدلية:

وفقاً للمادة (19) من القانون التجاري اليمني فإن كل من يؤسس محل للتجارة فهو تاجر، ومن هذه الناحية فإن الصيدلية تخضع لأحكام القانون التجاري ،لأنها مشروع تجاري أو متجر، وعلى هذا الأساس فإن الشراكة في الصيدلية تخضع لأحكام قانون الشركات اليمني .

الوجه الثالث: صيغ الشراكة في الصيدلية:

 شكل الشراكة في الصيدلية يختلف بإختلاف حجم نشاط الصيدلية وما إذا كانت مكونة من سلسلة صيدليات وكذا يختلف شكل الصيدلية بإختلاف الشركاء فيها وما إذا كان جميعهم من الصيادلة أم أن بعضهم من الصيادلة وبعضهم ليسوا كذلك، وكذا يختلف شكل الشراكة في الصيدلية بإختلاف نوع مساهمة الشريك في الصيدلية هل هي بالمال أم بالعمل، وقد تكون الشراكة في الصيدلية مكتوبة أو غير مكتوبة.
وبناءً على ما تقدم فإن الشراكة في الصيدلية يجوز أن تتخذ أي شكل من أشكال الشركات الواردة في قانون الشركات عدا شراكة ، لأنها ترتبط بصفقة أو صفقات، فيجوز أن تتخذ الشراكة في الصيدلية شكل الشركة التضامنية حينما يكون اسم الصيدلية مشتقاً من اسماء الشركاء فيها ويكون الشركاء مسئولون عنها بالتضامن في كافة اموالهم الاخرى .
وقد تتخذ الصيدلية اوالصيدليات شكل شركة التوصية ، حينما يقوم أحد الشركاء بتقديم المال في حين تكون الصيدلية باسم صاحب الترخيص، وقد تتخذ الشراكة في الصيدلية شكل شركة المضاربة ، حينما تكون الصيدلية مملوكة لأحد الشركاء في حين ان شراكة الشريك الاخر تقتصر على مشاركته على تقديم رأس مال الصيدلية وهكذا في بقية أشكال الشركات المقررة في قانون الشركات مثل الشركة المحدودة وغيرها.
 كما قد تتخذ الشراكة في الصيدلية شكل الشركة العرفية المقررة في القانون المدني ، حينما يكون ترخيص الصيدلية باسم احد الشركاء ويقوم الشركاء الاخرين بتقديم المال، وبالاضافة إلى ذلك يقوم جميع الشركاء بالعمل في الصيدلية، ولاتتخذ الصيدلية أي شكل من أشكال الشركات النظامية المقررة في قانون الشركات.

الوجه الرابع: التكييف القانوني للشراكة في الصيدلية:

معنى التكييف هو معرفة التسمية القانونية الصحيحة للشراكة في الصيدلية حتى يتم تطبيق النصوص القانونية تطبيقاً صحيحاً.
فالتكييف هو الوسيلة القانونية السليمة لمعرفة نوع الشراكة في الصيدلية ، وذلك بغرض تحديد المسئوليات والصلاحيات وتحديد الحقوق والإلتزامات الناشئة عن الشراكة في الصيدلية وغيرها من المحلات التجارية، سيما عند عدم وجود عقد أو وجود عقد تنقصه بعض البنود.
ويتم الإعتماد في تكييف الشراكة في الصيدلية على عدة مصادر؛ من أهمها:
1- عقد الشراكة المكتوب أو الشفهي: فقد يتم الإتفاق بين الشركاء في الصيدلية شفاهة أو كتابة، وفي الحالتين فإن بنود الإتفاق أو شروطه هي المصدر الأساسي في تكييف نوع الشراكة القائمة بين الشركاء وتحديد الحقوق والإلتزامات.
2- طريقة التعامل بين الشركاء في الصيدلية بعد الإتفاق: فالتعامل بين الشركاء يتم غالبا بعد الإتفاق، ولذلك فأنه يكشف طبيعة ونوع الشراكة القائمة، والمقصود بالتعامل بين الشركاء هو الإتصالات أو المذكرات المتبادلة بين الشركاء بشأن الصيدلية وطريقة تمويل مشتريات الصيدلية وطريقة توزيع أرباح الصيدلية والنسبة التي يتم تحديدها لكل شريك.
3- سجلات ودفاتر وحسابات الصيدلية: وقد أشار إلى هذا المصدر الحكم محل تعليقنا ، لأن حسابات ودفاتر الصيدلية تتضمن إثبات المبالغ الواردة من الشركاء والمنصرفة لهم، فسجلات ودفاتر الصيدلية وحساباتها تظهر نوع العلاقة القائمة بين الشركاء وكيفية تقسيم أرباح الصيدلية فيما بينهم، ولذلك فهي من المصادر المهمة في تكييف الشراكة في الصيدلية ، حسبما أشار الحكم محل تعليقنا.
4- العلاقات القائمة بين الصيدلية والغير: أي علاقة الصيدلية مع غير الشركاء، والمقصود بذلك هو المذكرات والمراسلات المتبادلة فيما بين الصيدلية والجهات المختصة كالمخاطبات والمراسلات فيما بين الصيدلية والجهات الحكومية المختصة أو الشركات والمحلات الموردة للأدوية إلى الصيدلية.
5- الترخيص للشركة: فهو يحدد مالك الترخيص وما إذا كان هو المتولي لإدارة الصيدلية، وما إذا كان صاحب الترخيص شريك بالترخيص أو مجرد مؤجر للترخيص.
6- عقد إيجار مقر الصيدلية: وهو يظهر الشريك الذي قام بإعداد مقر الصيدلية.
فالمصادر السابقة مفيدة للغاية في تكييف نوع الشراكة القائمة بين الشركاء في الصيدلية إضافة إلى أنها مفيدة للغاية في تحديد نسبة أو حصة كل شريك في الصيدلية والربح المستحق لكل شريك.
والمصادر السابقة ليست في مرتبة واحدة من حيث دلالتها، فالإتفاق بين الشركاء هو المصدر الأساسي للتكييف، فلا يتم اللجوء إلى المصادر الأخرى إلا عند عدم وجود بند أو نص في عقد الإتفاق أو عند الإختلاف في تفسير البند والبنود التي وقع الإختلاف بشأن تفسيرها ، وتأتي بعد الإتفاق في المرتبة سجلات وحسابات الصيدلية إذا كانت نظامية ومنتظمة، لأنها تبين التطبيق العملي للشراكة حسبما أشار الحكم محل تعليقنا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص١٧٥).

الوجه الخامس: تقدير مصاريف وعائدات الصيدلية على أساس الصيدلية المماثلة:

كان محل النقاش والجدال في الحكم محل تعليقنا بشان هذه المسالة، وقد انتهى الحكم محل تعليقنا إلى القضاء بإعتماد معيار الصيدلية المماثلة ، لأن الشريك الذي كان يدير الصيدلية قد رفض مراراً تمكين الخبير المعين من المحكمة تمكينه من مراجعة سجلات وحسابات الصيدلية للوقوف على عائدات ومصروفات الصيدلية، إضافة إلى أن عقد الشراكة فيما بين الطرفين قد نص في أحد بنوده على أنه إذا امتنع الشريك الذي يدير الصيدلية عن موافاة الشريك الآخر بحسابات الصيدلية فيتم تقدير المصروفات والعائدات على أساس الصيدليات المماثلة.
 والمقصود بالصيدليات المماثلة هي المماثلة للصيدلية محل الخلاف في الموقع والمكان والأصناف التي تبيعها وعدد العاملين بها وفترات العمل فيها والشركات ومحلات الجملة الموردة للصيدلية. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ366)، والله اعلم.