حكم التعقيب على الرد على الاستئناف
من أسباب تراكم القضايا في المحاكم وتعثرها كثرة المذكرات المقدمة من الخصوم، التي ابتكر لها الخصوم في اليمن مسميات عدة، فهناك عريضة إستئناف ومذكرة الرد على الإستئناف ثم مذكرة تعقيب على الرد وبعد ذلك التعقيب على التعقيب والرد على الرد...إلخ، ويترتب على ذلك تضخم ملفات القضايا التي ترهق القضاة والخصوم والعدالة.
صحيح أن محكمة الإستئناف محكمة موضوع يعاد طرح النزاع امامها لكن المادة (288) مرافعات حددت نطاق الخصومة الاستئنافية بدقة متناهية مما يجعلها تختلف عن خصومة اول درجة.
وعلى هذا الاساس يجب على الخصوم في الخصومة الاستئنافية التقيد بحدود ما فصل فيه الحكم الاستئنافي وحدود أسباب الاستئناف المرفوع من الطاعن، ومؤدى ذلك أن المستأنف حينما يقوم بإعداد عريضة الإستئناف يجب عليه أن يستفرغ فيها كل أسباب الإستئناف أو المطاعن التي يرى أنها قد شابت الحكم الابتدائي ، كما ينبغي على المستانف حينئذ أن يقوم بتضمين عريضة الاستئناف كافة الأسانيد والأدلة القانونية والواقعية التي تدل على صحة أسباب الإستئناف والوقائع المذكورة في عريضة الإستئناف ،وينبغي عليه ايضا أن يقوم بإرفاق حافظة المستندات المؤيدة لما ورد في عريضة الإستئناف، فبعدئذٍ يكون المستأنف قد حدد بنفسه نطاق الإستئناف مسترشداً بما ورد في المادة (288) مرافعات.
وبعد ذلك يقوم المستأنف ضده بالرد على عريضة الإستئناف وتضمين مذكرة الرد كافة الوقائع والأسانيد والأدلة التي تدل على صحة ماورد في مذكرة رده
وبعدئذٍ تقوم شعبة الإستئناف بدراسة عريضة الإستئناف ومذكرة الرد عليها ثم تقوم الشعبة بالإستماع إلى أية إيضاحات من قبل المستأنف أو السماح له بتقديم أدلته الجديدة، ثم تستمع المحكمة ايضا إلى إيضاحات المستأنف ضده ، وبعدها تقوم الشعبة بحجز القضية للحكم.
فمحكمة الإستئناف ليست ملزمة بالإنتظار لتعقيب المستأنف على مذكرة رد المستأنف ضده طالما أن القضية صالحة للحكم فيها، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/2/2011م في الطعن رقم (44647)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه البطلان لمخالفة القانون ، لأن الشعبة حجزت القضية للحكم فيها في الجلسة الثانية التي قدم فيها المستأنف ضده رده على عريضة الإستئناف دون أن تمكن المستأنف آنذاك من تقديم تعقيبه على رد المستأنف ضده، والدائرة: تجد أن هذا النعي مردود عليه بالثابت في محضر جلسة الإستئناف التي قام فيها المستأنف ضده بتسليم رده على الإستئناف حيث قامت الشعبة بتسليم محامي المستأنف صورة من ذلك الرد ، وتم فيها حجز القضية للحكم، ولم يتبين أن المحامي الحاضر عن الطاعن قد طلب التأجيل لتقديم أية أدلة أو دفوع حتى يصدق قوله بان المحكمة عطلت أوجه الدفاع، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة في حجز القضية للحكم في نفس الجلسة طالما انها قد رأت من جانبها ان ما قدمه الطرفان كافياً لجعل القضية صالحة للحكم فيها، ومن ناحية أخرى فان القواعد المقررة للطعن بالاستئناف لا توجب على محكمة الاستئناف منح المستأنف فرصة للتعقيب على الرد على الاستئناف فذلك شأنه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نطاق الاستئناف وفقاً للمادة (288) مرافعات:
حددت المادة (288) من قانون المرافعات اليمني حددت نطاق الاستئناف بدقة حيث صرحت بان الاستئناف يعيد طرح النزاع امام محكمة الاستئناف ولكن في حدود ما فصل فيه الحكم الإبتدائي المطعون فيه ، وفي حدود أسباب الاستئناف الواردة في عريضة الاستئناف ، واجازت المادة المشار إليها للخصوم تقديم أدلة او دفوع جديدة أمام محكمة الاستئناف.
ومؤدى ذلك أن محكمة الاستئناف محكمة موضوع ولكن في الحدود المقررة في المادة المشار إليها ومنها التقيد بحدود مافصل فيه الحكم الإبتدائي وفي حدود أسباب الإستئناف الواردة في عريضة الإستئناف، مما يجعل خصومة الإستئناف تختلف عن الخصومة امام محكمة أول درجة.
وهذا المفهوم ينبغي أن يكون حاضراً في ذهن الخصم المستأنف عند إعداده عريضة الإستئناف حيث يجب عليه أن يضمن عريضة الاستئناف كافة المطاعن التي يقدر أنها شابت الحكم الابتدائي وان يذكر في عريضة الاستئناف كافة الأدلة والأسانيد التي تدل على وجود هذه المطاعن، فالمستانف متقيد بحدود أسباب الإستئناف.
ومن ناحية أخرى فان المستأنف ضده متقيد بحدود ما ورد في عريضة الاستئناف التي يرد عليها إلا إذا أراد للمستانف ضده أن يقدم ما يسمى بالاستئناف الفرعي، فالمستأنف ضده عند إعداده مذكرة رده على عريضة الإستئناف يجب عليه أن يتقيد بالرد على ما ورد في عريضة الاستئناف ، ويقوم بتضمين مذكرة الرد كل ما يود قوله في الرد على الاستئناف ،وينبغي عليه ايضا ان يقوم بتضمين مذكرة رده كافة الأسانيد والأدلة التي تدل على صحة ما ورد في مذكرة رده حتى يتبين القاضي من مطالعته لعريضة الاستئناف ومذكرة الرد عليها يستبين من خلال ذلك ما إذا كانت القضية صالحة للحكم ، وأثناء ذلك يستبين القاضي أيضا حقيقة الاستئناف ومدى صحته حتى يحكم القاضي في القضية في ضوء ذلك.
الوجه الثاني: الأصل أن تعقيب المستأنف على مذكرة رد المستأنف ضده غير واجب:
أشار الحكم محل تعليقنا بأن قواعد الطعن المقررة في قانون المرافعات لم تنص على ضرورة قيام المستأنف بالتعقيب على مذكرة المستأنف ضده، وبالفعل لم يرد ضمن أحكام الطعن في قانون المرافعات اليمني أي نص أو إشارة إلى وجوب تقديم المستائف مذكرة تعقيب على مذكرة رد المستأنف ضده، لأنه من الواجب على المستأنف ان يكون قد ذكر في عريضة إستئنافه كل ما يراه بشان الحكم الابتدائي الذي قام بإستئنافه وان المستانف قد اورد ضمن عريضة إستئنافه كافة أسباب الإستئناف والأدلة والأسانيد المؤيدة لها ، فعلى هذا الاساس فان مذكرة الرد على الاستئناف ليست إستئنافاً مقابلا أو فرعياً حتى يرد عليها المستأنف الأصلي او يعقب عليها.
الوجه الثالث: كثرة المذكرات أمام محكمة الاستئناف سبب من أهم أسباب إطالة إجراءات التقاضي امام محاكم الاستئناف:
في الدول الحديثة العهد بالمرافعات فان متوسط الفصل في القضايا في محكمة الاستئناف هو: أسبوعان وحدها الأقصى عشرون يوماً مثل نظام المرافعات السعودي!!!؟.
أما عندنا فالتعقيبات والردود سيما المطولة تستهلك وقت وجهد القضاة والخصوم معاً ، وبسبب ذلك تطول الإجراءات وتتعثر القضايا في محاكم الإستئناف.
الوجه الرابع: متى يلزم تعقيب المستانف على مذكرة الرد على عريضة الإستئناف:
من المعروف أن غالبية القضايا الاستئنافية تصير واضحة بعد إجراءات التقاضي في المرحلة الإبتدائية، ولذلك فان الاصل انه تكفي في غالب القضايا عريضة الاستئناف ومذكرة الرد عليها ، ولا يلزم تعقيب المستانف على مذكرة الرد على الإستئناف .
بيد انه في بعض الأحوال يكون تعقيب المستانف على رد المستانف ضده لازم ، وذلك في الحالة التي يذكر فيها المستانف ضده في مذكرة رده أدلة أو وقائع جديدة تفند ما ورد في عريضة الاستئناف ، ففي هذه الحالة يلزم تمكين المستأنف من التعقيب على الأدلة الجديدة وأوجه الدفاع الجديدة التي أثارها المستأنف ضده في رده، بإعتبار ذلك من اهم اوجه الدفاع في مواجهة الادلة واوجه الدفاع الجديدة. التي اثارها المستانف ضده في مذكرة رده . (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الاستئناف، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٧٥ )، والله اعلم.
أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.