الإدلاء بالشهادة في غياب المشهود عليه - عبدالمؤمن شجاع الدين

الإدلاء بالشهادة في غياب المشهود عليه

أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء

اشترطت الفقرة (1) من المادة (41) من قانون الإثبات اليمني أن لا يتم الإدلاء بالشهادة إلا بحضور الخصم المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه، وفي هذا المعنى نصت المادة (41) إثبات على أنه: (يشترط في الشهادة ما يأتي: -1- أن تكون في مجلس القضاء في حضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه)، وتطبيقاً لهذا النص، يحق للمحكمة ان تقوم بالتنصيب عن الخصم إذا لم يحضر هو أو محاميه جلسة الإستماع إلى شهادة الشاهد، ومفهوم الغائب لاينطبق على المشهود عليه عند غالبية الفقه والقضاء الا عند غياب المشهود عليه وقيام المحكمة بالتنصيب عنه .

 أما إذا حضر وكيل المشهود عليه أو محاميه جلسة الإستماع للشهادة بالوكالة عن المشهود عليه فان المشهود عليه في هذه الحالة يكون في حكم الحاضر، حسبما ورد في النص السابق ذكره ، وحسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 19/3/2011م في الطعن رقم (43954)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (وحيث طلب المستأنف بعد عودة القضية إلى الشعبة إعادة سماع شهادة الشاهد ، لأن المستأنف لم يكن حاضرا عند إدلاء الشاهد بشهادته ولم تستجب الشعبة لذلك الطلب، لأن الشهادة تمت بحضور محامي مناب من قبل محامي المستأنف)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الإستئنافي اقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (أما السبب الثاني من أسباب الطعن فقد نعى فيه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون في قضائه بتأييد الحكم الابتدائي موضحاً أنه أوكل الدفاع عنه أمام المحكمة الابتدائية لمحاميه السابق الذي قدم دفعاً بعدم صفة المدعي في تقديم دعواه ثم امتنع المحامي عن الحضور ولم يتابع الطاعن إجراءات سير الدعوى في المرحلة الابتدائية ومن ذلك الرد على الدعوى، والدائرة: تجد أن هذا النعي مردود بأنه سبق إثارته من قبل الطاعن في عريضة إستئنافه للحكم الابتدائي، وقد فصلت فيه الشعبة برفضه لأسباب المذكورة في أسباب الحكم المطعون فيه، فليس في ذلك أية مخالفة للقانون، لأن المحكمة الابتدائية حددت لمحامي الطاعن جلسة للرد على الدعوى كفرصة أخيرة إلا أنه لم يحضرها ، ولذلك اعتبرت المحكمة الطاعن منكراً للدعوى، وبناءً على ذلك قدم المدعي المطعون ضده أدلة دعواه في جلسة تالية في مواجهة المحامي الحاضر عن الطاعن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: حضور المشهود عليه عند أداء الشاهد للشهادة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني:

اشترط الفقه الإسلامي ان يتم أداء الشهادة بحضور الخصم المشهود عليه نفسه او حضور الوكيل المعين من قبل الخصم أو في مواجهة منصوب ينصبه القاضي عن المشهود عليه للاستماع للشهادة إذا تعذر حضور المشهود عليه أو حضور وكيله.

وقد أخذ قانون الإثبات اليمني بما توصل إليه الفقه الإسلامي ، فقد نصت المادة (41) من القانون المشار إليه على أنه: (يشترط في الشهادة ما يأتي: -1- أن تكون في مجلس القضاء في حضور المشهود عليه أو وكيله أو المنصوب عنه).

الوجه الثاني: الحكمة من اشتراط حضور المشهود عليه عند الشهادة:

تتلخص الحكمة من ذلك فيما يأتي:

1- الشهادة من أهم الأدلة التي يستند إليها القاضي في قضائه على المشهود عليه ، ولذلك فإن مبدأ المواجهة يستدعي أن تتم مواجهة المشهود عليه بالشهادة عليه ، فتتم الشهادة في مواجهته حتى يتمكن المشهود عليه من إبداء أوجه دفاعه في مواجهة هذه الشهادة.

 فمبدأ المواجهة من أهم مبادئ المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى أنه ضمانة من اهم ضمانتها، علاوة على ان مواجهة المشهود عليه بالشهادة عليه من أهم أوجه الدفاع ، حتى يتمكن المشهود عليه من إبداء أوجه دفاعه في مواجهة شهادة الشاهد عليه.

2- حضور المشهود عليه عند إدلاء الشاهد بشهادته يمكن المشهود عليه من توجيه الأسئلة إلى الشاهد ومناقشة الشاهد بشأن الشهادة التي ادلى بها وتوجيه الأسئلة إليه بشأن المسائل التي يذكرها الشاهد في شهادته.

فالمشهود عليه كان طرفاً في الواقعة التي يشهد عليها الشاهد، فعن طريق حضور المشهود عليه يتمكن من تصحيح بعض أقوال الشاهد وإستفصاله عن بعض المسائل التي لم يذكرها الشاهد في شهادته.

3- حضور المشهود عليه يوفر الظرف المناسب لصدق الشهادة، لأن الشاهد في حضور المشهود عليه يتحرج من قول غير الحق.

4- حضور المشهود عليه عند الإدلاء بالشهادة عليه يوفر للقاضي البيانات والمعلومات اللازمة عن الشاهد وشهادته التي تجعل القاضي يحسن التقدير للشاهد والشهادة ويضع الشهادة في موضعها الصحيح.

ومن هذا المنطلق فإن من الأفضل حضور المشهود عليه نفسه عند الإدلاء بالشهادة عليه، ومع ذلك فأن الفقه الإسلامي والقانون اليمني قد اجازا الإستماع إلى شهادة الشاهد في غياب المشهود عليه لعذر كسفر أو مرض أو خوف أو عجز طالما أن وكيله حاضر عند الإدلاء بالشهادة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة الجزء الأول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ117).

الوجه الثالث: الحكمة من جواز السماع لشهادة الشاهد في غياب المشهود عليه إذا كان وكيله حاضرا أو قامت المحكمة بالتنصيب عن المشهود عليه:

ذكرنا في الوجه الأول أن الفقه الإسلامي وقانون الإثبات اليمني قد اجازا الإستماع إلى شهادة الشاهد في غياب المشهود عليه طالما ان وكيل المشهود عليه حاضراً عند الإستماع إلى الشهادة، وكذا يجوز أيضاً الإستماع إلى الشهادة وإن لم يكن للمشهود عليه وكيل إذا قام القاضي بتنصيب منصوبا يقوم مقام المشهود عليه في الاستماع للشهادة، وقد أتجه الفقه الإسلامي والقانون اليمني إلى هذه الوجهة حتى لا يتخذ المشهود عليه غيابه وليجة لتعطيل إثبات دعوى المدعي، وحتى لا تكون تلك الوليجة سبباً في إطالة إجراءات التقاضي.

الوجه الرابع: سماع الشهادة في غياب المشهود عليه وحضور محاميه بالوكالة عن المشهود عليه:

كان النقاش في القضية التي تناولها الحكم محل تعليقنا بشأن هذه المسألة، فقد طلب الطاعن إلزام الشاهد بالحضور أمام محكمة الاستئناف لإعادة أداء الشهادة التي سبق له أداءها أمام المحكمة الابتدائية بغياب المشهود عليه وبحضور محاميه، إلا ان الحكم محل تعليقنا قضى برفض هذا الطلب ، لأن الفقه والقانون قد اجازا سماع الشهادة ولو كان المشهود عليه غائباً طالما ان وكيله حاضر وقت الإدلاء بالشهادة سيما ان الطاعن كان قد قام بتوكيل محامي ماهر يمثل الطاعن خير تمثيل ، وقد أبلى المحامي بلاءً حسناً في مواجهة تلك الشهادة ودافع عن الطاعن على أكمل وجه، إضافة إلى أن الواقعة المشهود عليها كانت بسيطة وهي التوقيع على محضر نهائي بين الطاعن والمطعون ضده.

فحضور المحامي بالوكلة عن المشهود عليه في هذه الحالة ربما انه كان أفضل من حضور المشهود عليه نفسه، فضلاً عن أن محكمة الموضوع كانت قد أدركت أن الطاعن كان يسعى من طلب إعادة الشهادة إطالة إجراءات التقاضي.

الوجه الخامس: الإدلاء بالشهادة في غياب المشهود عليه وحضور وكيله:

سبق القول أن الفقه والقانون قد اجازا سماع الشهادة ولو كان المشهود عليه غائباً طالما ان وكيله حاضر وقت الإدلاء بالشهادة ، لان الوكيل يقوم مقام الاصيل في القانون والفقه والقضاء ، ولذلك فان وكيل المشهود عليه يملك الاعتراض على إدلاء الشاهد بالشهادة قبل ادائها ، كما يملك الوكيل مناقشة الشاهد عند إدلائه بالشهادة عن طريق توجيه الاسئلة الى الشاهد ، ويملك الوكيل ان يجرح في الشاهد وشهادته بعد ادائها، فوكيل المشهود عليه يقوم مقامه في هذه الحالة، ولذلك فان حضور الوكيل كحضور الاصيل وهو المشهود عليه، وعلى هذا الاساس فان المشهود عليه يكون حاضرا وليس غائبا في هذه الحالة.

الوجه السادس: الإدلاء بالشهادة في غياب المشهود عليه إذا تم تنصيب عنه:

ذكرنا فيما سبق أن القانون قد اجاز للمحكمة ان تستمع للشهادة في غياب المشهود عليه حتى لو لم يكن وكيل المشهود عليه حاضرا إذا قامت المحكمة بتنصيب منصوب عن المشهود عليه يتم الإستماع للشهادة في مواجهته حتى لايتخذ المشهود عليه غيابه وليجة لتعطيل نظر دعوى خصمه او إطالة إجراءات نظرها .

ومع ذلك فقد أجاز الفقه والقانون للمشهود عليه في هذه الحالة الجرح في الشاهد بعد الإدلاء بالشهادة حتى صدور الحكم ،وإضافة الى ذلك فقد أجاز القانون اليمني للمشهود عليه الغائب الجرح في الشاهد حتى بعد صدور الحكم، وفي هذا المعنى نصت المادة (54) إثبات على أنه: (لا يقبل جرح الشاهد بعد الحكم بشهادته إلا في الأحوال الآتية: -1- أن يكون المحكوم عليه غائباً -2- خائفاً أو مسجوناً أو مريضاً لا يستطيع الوصول إلى القاضي -3- القاصر إن أهمل وليه الجرح -4- إستعجال الحاكم بالحكم قبل تمام النزاع، ويترتب على قبول الجرح في هذه الأحوال إعادة النظر في الحكم).

ومن خلال مطالعة النص القانوني يظهر الآتي:

1- مفهوم الغائب في النص القانوني السابق يثير جدلاً واسعاً في أوساط الفقه في اليمن ، فهناك من يذهب إلى ان المقصود بالغائب في هذا النص هو الخصم الذي لم يحضر بنفسه ولم يحضر وكيله عند الإدلاء بالشهادة ، وان وصف الغائب في النص القانوني السابق لاينطبق الا المشهود عليه الذي لم يحضر بنفسه ولم يكن له وكيل حتى قامت المحكمة بالتنصيب عنه.

 في حين يذهب فريق إلى ان المقصود بالغائب في المادة (54) هو المشهود عليه الغائب حقيقة الذي لم يكن حاضرا بنفسه عند إدلاء الشاهد بالشهادة حتى لو كان وكيله حاضرا أو قامت المحكمة بالتنصيب عنه، وقد كان الطاعن متمسكا بهذا القول بيد ان الحكم محل تعليقنا لم ياخذ بالراي الذي تمسك به الطاعن وبدلا من ذلك أخذ بالقول الأول حسبما سبق بيانه، ونحن نختار القول الاول الذي أخذ به الحكم محل تعليقنا.

2- صرح نص المادة (54) إثبات السابق ذكره صرح في بدايته بأنه (لا يقبل جرح الشاهد بعد الحكم بشهادته...)، ودلالة المفهوم في هذا النص تدل على أنه يجوز للمشهود عليه أن يجرح الشاهد الذي شهد عليه في غيبته، وذلك قبل أن تنطق المحكمة بالحكم في القضية، ولو لم يكن المشهود عليه غائباً، أما بعد صدور الحكم فلا يجوز الجرح في الشاهد إلا في الأحوال المحددة في فقرات ذلك النص السابق ذكره بما فيها المشهود عليه الغائب.

الوجه السابع: إشكالية التنصيب عن الخصوم في اليمن: وتوصيتنا للجهات المختصة:

صرحت المادة (41) إثبات بان الشهادة في غياب المشهود عليه جائزة إذا قامت المحكمة بالتنصيب عن المشهود عليه من يقوم بالإستماع إلى الشهادة ، وهناك نصوص كثيرة أخرى في قانون الإثبات وفي قانون المرافعات وقانون الأحوال الشخصية وقانون الإجراءات الجزائية اجازت التنصيب عن الخصوم في كل إجراءات التقاضي تقريباً، ولا حرج ولا تثريب في ذلك، لان الباعث على التنصيب هو حُسن سير العدالة وضمان سير إجراءات التقاضي، ولكن العيب في دور المنصوب أو المنصب باللهجة الشائعة لعدم تنظيم وترشيد دوره، ويمكن تلخيص عيوب التنصيب التي ينبغي معالجتها ، كما يأتي:

1- الدور الصوري للمنصوب، فمن المعروف أن دوره في اليمن يقتصر على إنكار الدعوى حتى يتمكن المدعي الحاضر من إثبات دعواه، أو ان يتمسك المنصوب بحق من تم تنصيبه عنه...الخ، فصار التنصيب في غالبه غير ذي جدوى بسبب عدم تنظيمه وترشيده.

2- ينص القانون على أن المنصوب يتقاضى أتعابه من الغائب الذي تم تنصيبه عنه، وقد لا يحضر الغائب في اغلب الحالات، فتلزم المحكمة خصم الغائب بدفع أتعاب المنصوب، فتكون شبهة الرشوة في هذه الأتعاب التي يدفعها غريم الغائب.

3- تتم إجراءات التنصيب لمن اتفق حضوره أو مشاهدته في قاعة المحكمة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة الجزء الأول ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص١٨٧)، والله اعلم.