الإجمال في تقرير الخبرة الفنية
تستعين المحكمة بالخبير في المسائل الفنية الدقيقة التي يدق على المحكمة فهمها والإحاطة بها حتى يقوم الخبير بحسب خبرته ببيان الرأي الفني في تلك المسألة وبيان دقائقها وجلاء غموضها حتى تكون المحكمة على بينة من تفسير وبيان وشرح الخبير للمسألة الفنية التي ندبته المحكمة لإبداء الراي فيها.
فإذا كان تقرير الخبير مجملاً مكتفياً ببيان نتيجة الخبرة دون بيان وشرح للنتيجة التي توصل إليها وكيفية وصوله إلى تلك النتيجة، فعندئذٍ يجب على المحكمة إستدعاء الخبير وإستفصاله لبيان وشرح الراي الفني الذي توصل اليه وكيفية وصول الخبير الى ذلك الراي ، فإن لم تقم المحكمة بذلك واعتمدت النتيجة المجملة فإن حكمها يكون معيباً، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-12-2010م في الطعن رقم (42737)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبمناقشة الدائرة لهذا السبب تجد أنه وجيه جزئياً، ذلك أنه يتبين أن الشعبة التجارية قد ايدت حكم المحكمة الابتدائية التي بنت حكمها على تقرير الخبيرين والذي كان مجملاً وغير مفصل، فقد كان على الشعبة إستدعاء الخبيرين لمناقشتهما حول تقريرهما ومرفقاته إن وجدت ومعرفة ما لدى الأطراف من ملاحظات حول التقرير للوصول إلى حساب قيمة الأعمال المنجزة من واقع ما ورد في عقد المقاولة...)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى المسألة الفنية التي يستعين بالخبير لبيان الرأي الفني فيها:
وفقاً لأحكام الخبرة المقررة في المادة (165) وما بعدها من قانون الإثبات اليمني يظهر أن المسألة الفنية التي يستعين القاضي بالخبير لفحصها ودراستها وبيان الراي الفني فيها هي مسألة يدق على القاضي فهمها والإحاطة بها لأنها مسألة تخصصية تحتاج إلى خبير متخصص فيها من أهل الخبرة والاختصاص يقوم بدراسة المسألة من كافة جوانبها المختلفة وجمع المعلومات والبيانات عنها والإستماع إلى أقوال وإفادات الجهات المختصة واطراف النزاع بشانها، وبعد ذلك يقوم الخبير العدل بتقديم نتائج خبرته في المسألة الفنية ، وذلك عن طريق تقرير فني يتضمن الإجراءات التي قام بها الخبير والطرق والأساليب التي اتبعها في أداء مهمته والراي الفني الذي توصل اليه، ويقوم الخبير بتقديم ذلك التقرير إلى القاضي الذي قام بتعيينه.
الوجه الثاني: مكونات تقرير الخبير المعين من المحكمة:
وفقاً للنصوص القانونية المنظمة للخبرة في قانون الإثبات اليمني فإن تقرير الخبير يتكون من ثلاثة اقسام رئيسة:
القسم الأول: مقدمة التقرير: وتتضمن عنوان التقرير وتاريخه وأطراف القضية واسم القضية واسم القاضي المرفوع إليه التقرير ورقم قرار القاضي بتعيين الخبير. وتاريخه .
القسم الثاني: الاجراءات التي قام بها الخبير: ويقوم الخبير في هذا القسم بعرض الإجراءات التي قام بها أثناء تنفيذه للمهمة المناطة به، وهذا القسم من التقرير هو الذي يشغل الجزء الأكبر من تقرير الخبير.
القسم الثالث والأخير: الراي الفني للخبير: ويتضمن الرأي الفني أو النتائج التي توصل إليها الخبير من خلال دراسته للمسألة الفنية ، وهذا القسم هو الأهم من التقرير وهو بيت القصيد من التقرير ، وهذا القسم يشغل الجزء الأقل من التقرير لكنه يجب أن تكون النتائج التي خلص إليها الخبير واضحة ومتسقة مع الإجراءات التي قام بها الخبير، فلا تكون هذه النتائج مجملة أو غامضة لا يستطيع القاضي فهم طريقة وصول الخبير إلى هذه النتائج ، لأن الغرض من إستعانة القاضي بالخبير ان يقدم الخبير نتائج تزيل الغموض الذي كان يحيط بالمسألة الفنية قبل ندب الخبير لفحصها أو دراستها. (مهارات التعامل مع تقرير الخبير ، وليد عثمان، الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم ، ص٩).
الوجه الثالث: مظاهر الإجمال في تقرير الخبير:
لاشك أن الغرض من ندب المحكمة للخبير العدل هو الدراسة والبحث والفحص في المسألة الفنية الغامضة الدقيقة حتى تتمكن المحكمة من الإحاطة بها وفهمها ، فإذا كان تقرير الخبير مجملاً أو غامضا فأنه لا يحقق المقصود من الإستعانة بأعمال الخبرة، وهناك مظاهر للإجمال في تقرير الخبير، من اهمها :
١-إستعمال المصطلحات الفنية التخصصية: فقد تتضمن نتائج تقرير الخبرة مصطلحات فنية من غير شرح لها، فهناك مصطلحات في الطب الشرعي وهناك مصطلحات في المحاسبة وهناك مصطلحات في الهندسة ، فإستعمال هذه المصطلحات من غير شرح لها يؤدي الى الاجمال ، لان كل العلوم الفنية لها مصطلحات فنية تخصصية في مجال الخبرة لايفهم دقائقها إلا اصحاب ذلك التخصص، وهذه المصطلحات الدقيقة ليست معلومة لدى القاضي بحسب تخصصه.
٢- الإيجاز المخل في عرض نتائج التقرير: ويقع ذلك عندما يقوم الخبير بعرض نتائج التقرير بصورة موجزة غاية في الإيجاز، فعندئذ تكون نتائج التقرير غامضة ومجملة .
٣- عدم الترابط بين نتائج التقرير مع بقية اجزاء تقرير الخبير: ويؤدي ذلك الى الغموض والإجمال في نتائج الخبرة بسبب عدم فهم القاضي أو المطالع للتقرير لكيفية توصل الخبير إلى تلك النتائج ، إذا لم يتضمن التقرير تفسير أو إيضاح في هذا الشأن. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الاول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ١٥٨).
الوجه الرابع: إزالة أوجه الغموض والإجمال في تقرير الخبير العدل:
حددت المادة (173) إثبات وسيلة إزالة الإجمال والغموض في تقرير الخبير، إذ يتم ذلك بالوسائل الاتية:
الوسيلة الأولى: وهي قيام المحكمة ذاتها بإستدعاء الخبير لمناقشته بشأن المسائل الغامضة أو المبهمة أو المجملة الواردة في تقريره ، وتوجيه الاسئلة إلى الخبير وتدوين إجاباته في محضر جلسة المحاكمة ، حتى ترجع المحكمة إليها عند تسبيب حكمها.
الوسيلة الثانية: تمكين المحكمة للخصوم بمناقشة الخبير في جلسة المحاكمة وسؤاله عن المسائل الغامضة المجملة الواردة في تقريره ، وكذا تدوين إفادات الخبير في محضر جلسة المحاكمة حتى تستطيع المحكمة الإستناد إلى تلك الإفادات في قضائها.
الوسيلة الثالثة: تمكين المحكمة للخصوم من إبداء ملاحظاتهم على ماورد في تقرير الخبير ، فمن خلال ذلك سيتعرض الخصوم إلى إيضاح بعض الاجمال والغموض في تقرير الخبير ، بل ان بعض ملاحظات الخصوم مفيدة للمحكمة في بيان اوجه الغموض في التقرير.
وبعد قيام المحكمة بهذه الوسائل فإذا وجدت المحكمة أن إفادات الخبير غير كافية في جلاء الغموض أو الإجمال في تقرير الخبير فإن المحكمة تكلف الخبير بإستيفاء مهمته لبيان أوجه الغموض والاجمال أو تقوم المحكمة بتكليف خبير آخر للقيام بالمهمة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ312)، والله اعلم.
✍🏼 أ.د/ عبد المؤمن شجاع الدين
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون – جامعة صنعاء.