إثبات سن الطفل المتهم في القانون اليمني

مقدمة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه أما بعد:

فهذه دراسة بعنوان (إثبات سن الطفل في القانون اليمني) وهذا الموضوع واسع ومتشعب ولذلك فسوف نتجه في تناولنا لهذا الموضوع إلى مدى مسئولية الطفل جزائياً في القانون اليمني وكيفية تحديد السن ووسائله، وسيكون تبويب هذا الموضوع على النحو الآتي:

المبحث الأول: مدى المسئولية الجزائية للطفل في الفقه الاسلامي.

المبحث الثاني: مدى المسئولية الجزائية للطفل في القانون اليمني ويشتمل هذا المبحث على المطالب الآتية:

المطلب الأول: تعريف المسئولية الجزائية في القانون اليمني.

المطلب الثاني: تعريف الطفل ومدى مسئوليته الجزائية في القانون اليمني.

المبحث الثالث: وسائل تحديد وإثبات سن الطفل في القانون اليمني ويشتمل هذا المبحث على المطالب الآتية:

المطلب الأول: إثبات السن عن طريق شهادة الميلاد.

المطلب الثاني: إثبات السن عن طريق البطاقة الشخصية والعائلية.

المطلب الثالث: إثبات السن عن طريق جواز السفر.

المطلب الرابع: إثبات السن عن طريق الشهادات الدراسية.

المطلب الخامس: إثبات السن عن طريق شهادة الشهود.

المطلب السادس: إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة (التقارير الطبية).

المطلب السابع: إثبات السن عن طريق علامات البلوغ.

نتائج البحث: وتتضمن النتائج التي توصل إليها الباحث.

توصيات البحث: وتتضمن التوصيات التي خلص إليها الباحث.

مراجع البحث: وتتضمن المصادر والمراجع التي رجع إليها الباحث.


المبحث الأول: مدى مسئولية الطفل في الفقه الاسلامي

لا بد أن نذكر أولا ما يتعلق بالأهلية حتى تتضح لنا مدى المسؤولية الجنائية للطفل، فقد ذكر الفقهاء المراحل التي يمر بها الإنسان منذ تخلقه جنيناً حتى وفاته، وما يثبت له أو عليه من أحكام شرعية، فالأهلية هي الصلاحية، وهي نوعان: أهلية الوجوب، وأهلية الأداء.

فأهلية الوجوب هي: صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، وشرط ثبوتها للإ نسان الحياة.

وأهلية الأداء هي: صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً. وشرطها الأ ساس التمييز، فإذا كان الإنسان مميزا اعتد الشرع بأقواله وأفعاله في الجملة.

وجعل الفقهاء حياة الإنسان بالنسبة للأهلية خمس مراحل أساسية، وهي:

(1) مرحلة ما قبل الولادة، أي حين يكون جنينا في بطن أمه.

(2) مرحلة الطفولة والصغر، أي بعد انفصاله عن أمه، وقبل بلوغه سن التمييز.

(3) مرحلة التمييز، أي من حين بلوغه سن التمييز إلى البلوغ.

(4) مرحلة البلوغ، أي بعد انتقاله من سن الصغر إلى سن الكبر.

(5) مرحلة الرشد، أي اكتمال العقل.

وكل مرحلة من هذه المراحل الخمس لها أحكام خاصة تتعلق بها، ولا يتسع المقام للحديث عنها، ولكن نذكر فقط ما يتعلق بمرحلتي الطفولة والتمييز كما يلي:

المرحلة الثانية: تبدأ مرحلة الطفولة من حين انفصال الجنين عن أمه حيا، وتمتد إلى سن التمييز، وهو سن السابعة من العمر على وجه التقريب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ....) رواه أحمد وأبو داود والدارقطني والحاكم و البيهقي، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 266/1 ففي هذه المرحلة تثبت للمولود الذمة الكاملة، فيصير أهلا للوجوب له وعليه، وفي ذلك تفاصيل مذكورة في كتب الفقه.

وأما مرحلة التمييز وتبدأ ببلوغ الصبي سبع سنين، وهو سن التمييز كما حدده جمهور الفقهاء ، وتنتهي بالبلوغ، فتشمل المراهق وهو الذي قارب البلوغ.

ففي هذه المرحلة يصبح عند الصبي مقدار من الإدراك والوعي يسمح له بمباشرة بعض التصرفات، فتثبت له أهلية الأداء القاصرة؛ لأن نموه البدني والعقلي لم يكتملا بعد، وبعد اكتمالهما تثبت له أهلية الأداء الكاملة؛ لأن أهلية الأداء الكاملة لا تثبت إلا باكتمال النمو البدني والنمو العقلي، فمن لم يكتمل نموه البدني والعقلي معا، أو لم يكتمل فيه نمو أحدهما فأهلية الأداء فيه تكون قاصرة.

وللتمييز أثره في التصرفات، فالتصرفات التي يباشرها الصبي المميز، إما أن تكون في حقوق الله تعالى، وفي هذه الحالة إما أن تكون تلك الحقوق عبادات وعقائد، أو حقوقاً مالية، أو عقوبات، وإما أن تكون تلك التصرفات في حقوق العباد، وهي إما مالية أو غير مالية.

وسوف نتقصر في الكلام على حقوق العباد لضيق المقام، فحقوق العباد المالية كضمان المتلفات وأجرة الأجير ونحو ذلك فإنها تجب في مال الصبي, وأما ما كان منها عقوبة ك القصاص، فإنه لا يجب عليه عند جمهور الفقهاء؛ لأن فعل الصبي لا يوصف بالتقصير، فلا يصلح سببا للعقوبة لقصور معنى الجناية في فعله، ولكن تجب في فعله الدية؛ لأنها وجبت لعصمة المحل، والصبا لا ينفي عصمة المحل؛ ولأن المقصود من وجوبها المال (أنظر الموسوعة الفقهية الكويتية 151/7 فما بعدها بتصرف).

إذا تقرر هذا فنعود إلى أصل المسألة وهو حكم جناية الطفل على نفس أو إتلاف عضو كقلع العين أو قطع اليد أو نحو ذلك، فقد قرر جمهور الفقهاء أن الطفل مميزاً كان أو غير مميز إذا قتل شخصا أو أتلف عضوا فإنه لا يعاقب على فعله ولو كان متعمدا ، لأنه ليس له قصد صحيح، ولكن تجب في فعله الدية، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي : لا خلاف بين أهل العلم في أنه لا قصاص على صبي ولا مجنون، وكذلك كل زائل العقل بسبب يُعذر فيه، مثل النائم والمغمى عليه ونحوهما، والأصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلا ثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق)، ولأن القصاص عقوبة مغلظة فلم تجب على الصبي وزائل العقل وكذلك الحال بالنسبة للحدود، ولا ن الطفل ليس له قصد، فهو كالقاتل خطأ المغني 358/9 وقد قرر جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة أن عمد الصبي يجري مجرى الخطأ في وجوب الدية على العاقلة ولا قصاص فيه، وقد وردت آثار عن بعض السلف تدل على ذلك فمنها ما ذكره البيهقي في سنه ، باب ما روي في عمد الصبي، ثم روى عن عمر رضي الله قوله: عمد الصبي وخطؤه سواء، ومثله عن علي رضي الله عنه عمد المجنون والصبي خطأ سنن البيهقي 61/8.

ومنها ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن الزهري قال: مضت السنة أن عمد الصبي خطأ وعن قتادة قال : عمد الصبي خطأ. وقال سفيان الثوري : لا تقام الحدود إلا على من بلغ الحلم جاءت به الأحاديث. مصنف عبد الرزاق 474/9 وروى ابن أبي شيبة في باب جناية الصبي العمد والخطأ، عن الحسن أنه قال في الصبي و المجنون: خطؤهما وعمدهما سواء على عاقلتهما، ثم روى عن علي بن ماجدة قال قاتلت غلا ما فجدعت أنقه، فأتي بي إلى أبي بكر فقاسني فلم يجد في قصاصا - لأنه كان صبيا فجعل على عاقلتي الدية، ثم روى عن إبراهيم النخعي قال : عمد الصبي وخطؤه سواء مصنف ابن أبي شيبة 406/5.

وقال الحافظ ابن عبد البر على هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد في قتل الصبي عمدا أو خطأ، أنه كله خطأ تحمل منه العاقلة ما تحمل من خطأ الكبير... وقول مالك إن ذلك على عاقلة الصبي، لأن عمده خطأ، والسنة أن تحمل العاقلة دية الخطأ الاستذكار 51/8.

وقال الأستروشني الحنفي: عمد الصبي والمجنون خطأ، وفيه الدية على العاقلة، والمعتوه ك المجنون أحكام الصغار ص 328. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي : وعمد الصبي و المجنون خطأ تحمله العاقلة ... ولأنه لا يتحقق منهما كمال القصد فتحمله العاقلة كشبه العمد، ولأنه قتل لا يوجب القصاص لأجل العذر فأشبه الخطأ وشبه العمد، وبهذا فارق ما ذكروه ويبطل ما ذكروه بشبه العمد 503/9 المغني.

وقال ابن الهمام الحنفي : وعمد الصبي والمجنون خطأ، وفيه الدية على العاقلة فتح القدير .418/23 وقال أبو إسحاق الشيرازي : ولا يجب - القصاص على صبي ولا مجنون لقوله صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق المهذب 353/3 ، والحديث المذكور رواه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجة وغيرهم، وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/2.

وبناء على ما سبق فإن الصبي إذا قتل أو قلع عيناً فتلزم الدية على عاقلته، ولا يجوز أن يقال إنه صبي غير مكلف، فلا يتحمل تبعة أفعاله، لأنه من المقرر عند العلماء ألزوم الدية على جنايته وكذا ضمان ما أتلف من مال، لإن ذلك من باب خطاب الوضع وليس من باب خطاب التكليف، إذ بينهما فرق واضح، قال الشوكاني أقول قد تقرر أن جناية الصبي و المجنون مضمونة من مالهما لأن ذلك من أحكام الوضع لا من أحكام التكليف، السيل الجرار .422/4

وهناك فروق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي، منها أن الحكم التكليفي لا يوصف به إلا فعل المكلف، وهو البالغ العاقل، أما الحكم الوضعي فلا يختلف باختلاف الفاعل، فمن فعل ما هو سبب للضمان ألزم به سواء أكان بالغا عاقلا أم لا، فالصبي إذا أتلف شيئاً لغيره انعقد سبب الضمان أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه ص 59 . فالمقرر عند الأصوليين أن الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بفعل المكلف الذي توافر فيه شرط التكليف وهو البلوغ عاقلا ، بخلا ف الحكم الوضعي فإنه يتعلق بالمكلف وغير المكلف، لذلك تجد جمهور الفقهاء أوجبوا الزكاة في أموال الصبي والمجنون والمعتوه، وقالوا يضمن النائم والناسي والغافل والسكران ونحوهم ما يتلفون. فوجوب الزكاة وضمان قيم المتلفات والجنايات على غير المكلف 5 الصبي والمجنون ليس من باب التكليف، وإنما وقع ذلك من باب خطاب الوضع وربط الأ حكام بأسبابها. الجامع لمسائل أصول الفقه عن الإنترنت بتصرف.

وما قرره جمهور الفقهاء من تضمين الصبي إنما جاء للمحافظة على دماء المسلمين وأموالهم فلا شك أن ذلك من مقاصد الشرع الشريف. وختاماً فإن العاقلة تحمل دية الخطأ كما هو مقرر عند الفقهاء ولا تحمل عمداً وعاقلة الإنسان عصبته ، وهم الأقارب من جهة الأب كالأعمام وبنيهم ، والإخوة وبنيهم، وتقسم الدية على الأقرب فالأقرب، فتقسم على الإخوة وبنيهم ، والأعمام وبنيهم ، ثم أعمام الأب وبنيهم، ثم أعمام الجد وبنيهم، وذلك لأن العاقلة هم العصبة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العصبة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى بدية المرأة على عاقلتها) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية : (ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل - الدية - على عصبتها) رواه مسلم. وتقسط الدية على ثلاث سنوات في حال القتل الخطأ، الموسوعة الفقهية الكويتية 22/29-23 

وخلاصة الأمر أن أهلية الإنسان لها أحكام مختلفة في كل مرحلة من المراحل الخمس التي يمر بها، وأن الإنسان في مرحلتي الطفولة والتمييز يؤاخذ مالياً على تصرفاته في حقوق العباد، فيضمن المتلفات ونحوها، وأن الطفل مميزا كان أو غير مميز إذا قتل شخصا أو أتلف عضوا كقلع العين، فإنه لا يعاقب على فعله ولو كان متعمداً، وعمد الصبي خطأ عند جمهور الفقهاء، لأنه ليس له قصد صحيح، ولكن تجب في فعله الدية كاملة إذا قتل، ونصفها إذا قلع العين، وتجب الدية على العاقلة في هاتين الحالتين، وعاقلة الإنسان عصبته، وهم أقرباؤه من جهة الأب، وتجب الدية عليهم مقسطة على ثلاث سنوات.

وبلوغ الأطفال مبلغ الرجال يكون أما بالعلامات أو بالسن ، وعلامات البلوغ تختلف باختلاف النوع فهناك علامات بلوغ للأناث كالحيض والنهود وغيرها وهناك علامات خاصة بالذكور كالاً حتلام وغلظ الصوت وانفلاق أرنبة الأنف وإنبات الشعر.

كما أن البلوغ قد يكون بالسن ، وقد اختلف الفقهاء في سن البلوغ التي يخرج الطفل إذا بلغها من الطفولة ، والفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال :

القول الأول: سن البلوغ خمس عشرة سنة وهو قول الشافعية والزيدية وحجتهم في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم بشأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والحديث أخرجه مسلم حيث قال عبد الله بن عمر (عرضني رسول الله يوم أحد وكان عمري حينها أربع عشرة سنة فلم يجزني (للقتال) ولاما كانت وقعة الأحزاب وكان عمري حينها خمس عشرة سنة أجازني) وحينما علم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أمر العمال والأمراء باعتماد ما جاء في هذا الحديث في التفرقة ما بين الرجال والأطفال.

القول الثاني: سن البلوغ سبع عشرة سنة للأنثى وثمان عشرة سنة للذكر، وهو قول الحنفية .

القول الثالث : سن البلوغ ثمان عشرة سنة دون فرق بين الذكر والأنثى، وهو قول المالكية وحجتهم قوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى بيلغ أشده) وهذه الآ ية رددها الله تعالى في كتابه العزيز أكثر من خمس مرات بغرض التوكيد واشترط الله سبحانه وتعالى فيها البلوغ الأشد أي نهاية مرحلة البلوغ ، وهذا القول هو القول الذي أخذت به أغلب القوانين الجزائية ومنها قانون العقوبات اليمني . ولأن علامات البلوغ غير مضطردة لأنها تختلف باختلاف النوع وباختلاف الأشخاص وباختلاف المناطق والبلدان لذلك فأن الفقهاء يتعمدون أكثر على السن.


المبحث الأول: مدى المسئولية الجزائية للطفل في القانون اليمني

وسوف نبين في المطلب الأول التعريف بالمسئولية الجزائية عامة في القانون اليمني ثم ن ذكر في المطلب الثاني التعريف بالطفل وسن المسئولية الجزائية في القانون اليمني ومراحل مسئولية الطفل في هذا الشأن .


المطلب الأول: التعريف بالمسئولية الجزائية في القانون اليمني

المسئولية الجزائية لها مفهوم واحد في كافة الجرائم ، ومع أن القانون اليمني قد ذكرها في بعض النصوص إلا انه لم يعرفها أو يذكر المقصود بها ، فمثلا " ورد في المادة (2) من قانون العقوبات على أن المسئولية الجزائية شخصية، كما ورد في المادة (8) من القانون ذاته انه لا يسأل شخص عن جريمة إلا إذا ارتكبها قصداً أو بإهمال وعدم تعريف القانون اليمني للمسئولية الجزائية ليس عيبا أو نقصا إذ أن وضع التعريفات من اختصاص الفقه - والفقه يذهب إلى تعريف المسئولية الجزائية بأنها صلاحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي الناشئ عما يرتكبه من جرائم ، ومع اتفاق الفقه على تعريف المسئولية الجزائية على النحو السابق بيانه إلا أن الفقه اختلف في تناوله الأساس المسئولية الجزائية على مذهبين :

المذهب الأول : وهو المذهب الشخصي ويذهب إلى أن أساس المسئولية الجزائية هو حرية | الإنسان في الاختيار وهذا هو المذهب التقليدي.

المذهب الثاني : وهو المذهب الموضوعي الذي يذهب إلى أن أساس المسئولية الجزائية هو الخطورة الإجرامية للجاني .

وقد أخذت معظم قوانين العقوبات في الدول العربية بما فيها القانون اليمني بالمذهب الشخصي التقليدي وهو الذي يذهب إلى أن أساس المسئولية الجزائية حرية الإرادة ومناطها الإدراك والاختيار، فإذا توفر في الشخص الأمران كان مسئولا جزائيا عن الجرائم الناشئة عن فعله ويتوجب عقابه ، إما إذا تخلف احدهما كان غير مسئول عن فعله وطبقا للمذهب الذي اخذ به القانون اليمني فأن الطفل لا يسأل جزائياً عن فعله لعدم إدراكه أو نقص إدراكه ، فالطفل لا يدرك ماهية الأفعال والتصرفات التي يقوم بها وكذا الآثار والنتائج المترتبة عليها.


المطلب الثاني: تعريف الطفل ومدى مسئوليته الجزائية في القانون اليمني

الطفل في القانون اليمني هو الشخص الذي لم يبلغ سن الثامنة عشرة ، وقد أخذ القانون اليمني بتعدد أهلية الشخص فهناك أهلية جنائية (18) سنة، وهناك أهلية تجارية (18) سنة، وهناك أهلية سياسية للتصويت في الانتخابات والاستفتاء (18) سنة وأهلية الترشحالمجلس النواب (25) سنة وأهلية عسكرية للالتحاق بالجيش والأمن (18) سنة للأفراد و 22 سنة للضباط وأهلية شغل وظيفة القضاء (30) سنة وأهلية سياسية لشغل وظيفة رئيس جمهورية أو رئيس وزراء (40) سنة وأهلية سياسية لشغل وظيفة الوزير (30 سنة) وأهلية الالتحاق بالوظيفة العامة أو الخدمة المدنية وهي (18) سنة وأهلية سياسية للا لتحاق بالأحزاب السياسية (18) سنة) وهناك أهلية سياسية لتأسيس الأحزاب السياسية (24) سنة وهناك أهلية مدنية نص عليها القانون المدني وهي (15) سنة).

وتعدد الأهليات في القانون اليمني على النحو السابق لا يعد عيباً فالمهام والصلاحيات و المسؤوليات تختلف وتتفاوت باختلاف الأعمار واختلاف الأعمال والوظائف، إضافة إلى العلا قة الوثيقة بين السن والقدرة على الإدراك.

وبيت القصيد في هذا المقام هو من المسؤولية الجنائية التي لا تكون تامة إلا إذا بلغ الإ نسان سن (18) سنة ولكن قبل هذه السن تكون مسؤولية الإنسان الجنائية ناقصة حيث بينت ذلك المادة (31) عقوبات ، التي تنص على أنه لا يسأل جزائيا " من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا أرتكب الحدث الذي أتم السابعة ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلا من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث، فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا، وإذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولا مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكابه الفعل، وإذا كانت من المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير وفي السياق ذاته نصت المادة (32) عقوبات على أنه لا تخل الأحكام المبينة في المادة السابقة بحق المجني عليه أو ورثته في الدية أو الأرش في جميع أحوالها، وتكون الدية أو الأرش على العاقلة، وإذا لم تف فمن مال الصغير).

وقد تصدى قانون رعاية الأحداث لبيان التدابير الواجب اتخاذها حيال الأحداث الذين يرتكبون أفعالا جنائية ولم يبلغوا سن (18) سنة، حيث نصت المادة (36) من قانون رعاية الأحداث على أنه فيما عدا المصادرة وإغلاق المحل. لا يجوز أن يحكم على الحدث الذي لا يتجاوز سنه عشر سنوات ويرتكب جريمة بأي عقوبة أو تدبير مما نص عليه في قانون العقوبات وإنما يحكم عليه بأحد التدابير الآتية :

1- التوبيخ وهو توجيه المحكمة اللوم والتأنيب إلى الحدث على ما صدر منه وتحذيره بالا يعود إلى مثل هذا السلوك مرة أخرى.

2- التسليم: وذلك بتسليم الحدث إلى أحد أبويه أو إلى من له الولاية أو الوصاية عليه، فإذا لم يتوافر في أيهما الصلاحية للقيام بتربيته سلم إلى من يكون أهلا لذلك من أفراد أسرته فان لم يجد سلم إلى شخص مؤتمن يتعهد بتربيته أو إلى أسرة موثوق بها يتعهد عائلها بذلك وإذا كان الحدث ذا مال أو كان له من يلزم بالإنفاق عليه قانونا وطلب من حكم بتسليمه إليه تقدير نفقة له وجب على القاضي أن يعين في حكمه بالتسليم المبلغ الذي يحصل من م ال الحدث أو يلزم المسئول عن النفقة وذلك بعد إعلانه بالجلسة المحددة ومواعيد أداء النفقة ويكون تحصيلها بطريقة الحجز الإداري ويكون الحكم بتسليم الحدث إلى غير الملزم بالإنفاق لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات.

3- الإلحاق بالتدريب المهني ويكون بان تعهد المحكمة بالحدث إلى أحد المراكز المخصصة لذلك أو إلى أحد المصانع أو المتاجر أو المزارع التي تقبل تدريبه، ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة لهذا التدبير على ألا تزيد مدة بقاء الحدث في الجهات المشار إليها على ثلاث سنوات.

4- الإلزام بواجبات معينة ويكون بحظر ارتياد أنواع من الأماكن أو المحال أو بغرض الحضور في أوقات محددة أمام أشخاص أو هيئات معنية أو المواظبة على بعض الاجتماعات التوجيهية أو غير ذلك من القيود التي تحدد بقرار من الوزير ويكون الحكم بهذا التدبير لمدة لا تقل على ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات.

5- الاختبار القضائي وذلك بوضع الحدث في بيئته الطبيعية تحت التوجيه والإشراف ومع مراعاة الواجبات التي تحددها المحكمة، ولا يجوز أن تزيد مدة الاختبار القضائي على ثلاث سنوات، فإذا فشل الحدث في الاختبار عرض الأمر على المحكمة لتنفيذ ما تراه مناسبا من التدابير الواردة في هذه المادة.

6- الإيداع في إحدى دور تأهيل ورعاية الأحداث وذلك بإيداع الحدث في إحدى دور الرعاية ا لاجتماعية للأحداث التابعة للوزارة أو المعترف بها منها وإذا كان الحدث ذا عاهة يكون الإيداع في مركز مناسب لتأهيله ولا تحدد المحكمة في حكمها مدة الإيداع، ويجب ألا تزيد مدة الإيداع على عشر سنوات في الجرائم الجسيمة وثلاث سنوات في الجرائم الغير جسيمه وسنة في حالات التعرض للانحراف وعلى الدار التي أودع فيها الحدث أن تقدم إلى المحكمة تقريرا عن حالته وسلوكه كل ستة أشهر على الأكثر لتقرر المحكمة ما تراه بشأنه.

7- الإيداع في أحدى المستشفيات المتخصصة وذلك بإلحاق الحدث أحد المستشفيات المتخصصة بالجهة التي يلقى فيها العناية التي تدعو إليها حالته وتتولى المحكمة الرقابة على بقائه تحت العلاج في فترات دوريه لا يجوز أن تزيد أي فترة منها على سنة يعرض عليها خلالها تقارير الأطباء وتقرر إخلاء سبيله إذا تبين لها أن حالته تسمح بذلك وإذا بلغ الحدث سن (15) سنة وكانت حالته تستدعي استمرار علاجه نقل إلى أحد المستشفيات المخصصة لعلاج الكبار.

وكذا نصت المادة (37) أحداث على أنه (أ- إذا ارتكب الحدث الذي تزيد سنه على أربع عشرة سنة ولا تتجاوز خمس عشره سنة جريمة عقوبتها الإعدام يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات -ب- في سائر الجرائم الأخرى يحكم على الحدث بعقوبة لا تزيد على ثلث الحد الأقصى للعقوبة المقررة لكل جريمة قانونا وبشأن الجريمة التي يرتكبها الحدث والتي تكون عقوبتها الإعدام نجد أن هناك تعارض بين ما ورد في المادة (37) أحداث السابق ذكرها، والمادة (31) عقوبات، فالمادة (31) عقوبات، اعتبرت الإنسان حدثا بشأن الجريمة المعاقب عليها بالإعدام حتى بلوغه الثامنة عشرة في حين أن المادة (37) اعتبرت الإنسان حدثا فيما يتعلق بعقوبة الإعدام حتى بلوغه سن الخامسة عشرة فقط وطبقا للقواعد العامة في تطبيق النصوص القانونية فإن قانون الأحداث هو القانون الخاص الذي يجب تقديمه عند التطبيق عملا بقاعدة الخاص مقدم على العام عند التطبيق ولكن الاتفاقيات الدولية تقضي بأن الأولى تطبيق النصوص القانونية الأفضل بالنسبة للأحداث باعتبار مصلحة الطفل هي الفضلى وتبعا لذلك فالأولى والأفضل للحدث هو تطبيق نص المادة (31) عقوبات.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نؤكد على ضرورة تعديل المادة (37) من قانون الأحداث التي توحي بأن الحدث إذا تجاوز سنه الخامسة عشرة يجوز الحكم عليه بالإعدام إذا ما ارتكب جريمة من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.

ولكن المشكلة الحقيقية في هذا الشأن تكمن في أن النيابات لا تتحرى من تلقاء ذاتها من سن المتهمين الذين يشتبه في أنهم أطفال أو أحداث، حيث تقوم بعض النيابات العادية بالتحقيق مع بعض الأحداث أو الأطفال في حين أن الاختصاص منعقد لنيابات الأحداث ولذلك تقوم النيابات العادية بإجراءات التحقيق والاتهام لهؤلاء الأطفال على أنهم بالغين وبعد ذلك تقوم النيابات العادية بإحالتهم للمحاكمة الجزائية أمام القضاة الجزائيين الذين يحاكمونهم ويعاملوهم معاملة البالغين، وهذا ما يفسر صدور أحكام بإعدام وسجن بعض الأطفال، في حين أنه كان يتوجب على النيابات العادية التثبت بما لا يدع مجالا للشك من سن هؤلاء، فإذا تأكد لها بلوغهم سن المسألة الجنائية قامت بمباشرة التحقيق معهم وإحالتهم للمحاكمة أمام القضاة الجزائيين وان ثبت لها أنهم غير بالغين قامت بإحالتهم إلى نيابات الأحداث - علما بأنه يتوجب طبقا للأحكام القانونية العامة على أعضاء النيابات من تلقاء أنفسهم التثبت من سن المسئولية الجنائية لان هذه المسألة من النظام العام ، كما انه يتوجب على عضو النيابة التأكد من صفته هو واختصاصه ، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تأكد بما لا يدع مجالا للشك من سن المسئولية الجنائية.


المبحث الثاني: وسائل تحديد واثبات السن في القانون اليمني

الشخص طبقا للقوانين النافذة فشهادة الميلاد هي الوثيقة المعدة أصلا لإثبات أعمار الأشخاص ، وهناك وثائق أخرى معدة لإثبات مسائل أخرى ولكن هذه الوثائق تتضمن بيانات عن سن ومن المهم للغاية عرض هذه الوثائق وبيان دورها في الإثبات - كما أنه في أحيان كثيرة لا سيما في اليمن لا يحوز كثير من الأشخاص أية وثائق يستعان بها في تحديد أعمارهم, وعندئذ يتم اللجوء إلى أهل الخبرة أو شهادة الشهود لتحديد أعمارهم كما يمكن إثبات السن عن طريق علامات البلوغ - وهناك إشكالات كثيرة تثور في هذا الشأن.

وسوف نعرض هذه المسائل في المطالب الآتية :-

المطلب الأول : إثبات السن عن طريق شهادة الميلاد.

المطلب الثاني : إثبات السن عن طريق البطاقة الشخصية والعائلية.

المطلب الثالث : إثبات السن عن طريق جواز السفر.

المطلب الرابع : إثبات السن عن طريق الشهادات الدراسية.

المطلب الخامس : إثبات السن عن طريق شهادة الشهود . 

المطلب السادس : إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة (التقارير الطبية).

المطلب السابع : إثبات السن عن طريق علامات البلوغ.


المطلب الأول: إثبات السن عن طريق شهادة الميلاد

شهادة الميلاد هي الوثيقة القانونية المعدة أصلا لإثبات السن ، وهي تصدر من قبل مصلحة الأحوال المدنية وفقا لأحكام المواد 20 و 21 و 22 و 23 من قانون الأحوال المدنية والسجل المدني ووفقا لأحكام المواد 19 و 20 و 21 و 22 و 23 من اللائحة التنفيذية للقانون المشار إليه - وهذه الشهادة تمنح خلال ستين يوماً من تاريخ حدوث الولادة - ولهذه الوثيقة حجيتها القانونية باعتبارها محررا رسميا طبقا لأحكام المادتين 98و100 من قانون الإثبات، وإذا لم يتم الإبلاغ عن الولادة خلال ستين يوماً - ولكن الإبلاغ تم بعد ذلك بمدة لا تزيد على سنة من تاريخ واقعة الولادة ففي هذه الحالة وطبقا للمادة (27) من لائحة قانون السجل المدني يحصل المولود في هذه الحالة على شهادة ميلاد بموجب إقرار من ولي أمر المولود بواقعة الولادة وتاريخها ويصادق على هذا الإقرار العاقل أو الجهة الإدارية ، أما إذا كان الإبلاغ عن ولادة الطفل قد تم بعد سنة من تاريخ الولادة ففي هذه الحالة ووفقا للمادة (27) من لائحة قانون السجل المدني يتم عرض البلاغ مع المستندات المؤيدة له على لجنة الأحوال المدنية المشكلة في المنطقة التي تقع في دائرتها إدارة السجل المدني حيث تقوم هذه اللجنة بتحرير شهادة ميلاد للطفل بعد إجراء التحري والتحقيق اللازم للتأكد من صحة واقعة الولادة وتاريخها.

ومع أن شهادة الميلاد محررا رسميا له حجيته القانونية الثبوتية طبقا لقانون الإثبات ومع أن هذه الشهادة هي الوثيقة القانونية المعدة أصلا لإثبات السن إلا أن هناك إشكالات عدة تثور بشان إثبات السن بشهادة الميلاد أبرزها ما يأتي :-

1- حداثة نظام السجل المدني باليمن وعدم وجوده في كافة مناطق الجمهورية بالإضافة إلى ضعف التوعية بأهمية الحصول على شهادات الميلاد . ولذلك هناك كثير من الأشخاص ليس لديهم شهادات ميلاد هناك إحصائيات تذهب إلى أن 22٪ فقط من اليمنيين لديهم شهادات ميلاد.

2- مع أن شهادة الميلاد هي الوثيقة القانونية المعدة أصلا لإثبات السن ولها حجيتها القانونية باعتبارها محررا رسميا طبقا لقانون الإثبات - إلا أن هذا القانون ذاته قد أجاز الطعن فيها بالتزوير.

4- تناقض سن الميلاد المثبت في شهادة الميلاد مع السن المثبت في الوثائق الأخرى التي يحصل عليها المولود فيما بعد ، فكثيراً ما يتعمد ولي أمر الطفل زيادة سنه لإدخاله المدرسة أو لحصوله على وظيفة ما وغير ذلك ، والقاعدة القانونية العامة الواجب إعمالها لإزالة هذا التناقض تنص على أن (الخاص مقدم على العام عند التطبيق والإعمال) فينبغي العمل بـ السن المثبتة في شهادة الميلاد لأنها الوثيقة المعدة أصلا لإثبات السن طبقا لأحكام القانون.

4- لم يحدد قانون السجل المدني كيفية تحديد سن من ليس لديه وثائق تثبت تاريخ ولادته وه ي شريحة واسعة في المجتمع اليمني الذي لم يعرف نظام السجل المدني إلا قبل فترة وجيزة حيث يتم ذلك من قبل لجنة السجل المدني حيث يحصل المواطن على: شهادة التسنين ولا يثق الكثير بشهادات التسنين لا سيما إذا حصل عليها الأشخاص بعد بلوغهم -وهذه الحالة نرى أنها تخضع لقواعد الإثبات ووسائله المختلفة المبينة في قانون الإثبات شهادات الأشخاص - المحررات الرسمية والعرفية - أعمال الخبرة - القرائن والعلامات.


المطلب الثاني: إثبات السن بالبطاقة الشخصية والعائلية

البطاقة الشخصية هي الوثيقة الرسمية القانونية المعدة أصلا لإثبات هويات الأشخاص و شخصياتهم وفقا لما ورد في المادة (55) من قانون الأحوال المدنية والسجل المدني ، وتتضمن البطاقة الشخصية بيانات كثيرة بحسب ما ورد في المادة (51) من اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية ومن ضمن هذه البيانات تاريخ ميلاد صاحب البطاقة الشخصية - وهذه البيانات لها حجيتها القانونية وتعد دليلا " بحسب ما ورد في المادة (55) من قانون الأحوال المدنية التي نصت على أن تعتبر البطاقة الشخصية دليلا على صحة البيانات الواردة فيها ولا يجوز للجهات الحكومية وغير الحكومية الامتناع عن اعتمادها في إثبات شخصية صاحبها ( والبطاقة الشخصية وثيقة ومحرر رسمي له حجيته القانونية طبقا لقانون الإثبات.

والبطاقة الشخصية يحصل عليها كل مواطن يمني أكمل سن السادسة عشرة من عمره بحسب ما ورد في المادة (49) من القانون ، ويجب على كل مواطن يمني الحصول على هذه البطاقة ولا يستثنى من ذلك إلا منتسبي المؤسسات العسكرية الذين تمنح لهم هذه المؤ سسات بطاقات عسكرية شريطة أن يكونوا قد بلغوا سن الثامنة عشرة.

وهناك إشكالات تتعلق بإثبات السن بالبطاقة الشخصية من أهمها ما يأتي :-

1- هناك أشخاص كثيرون ليس لديهم بطاقات شخصية لاسيما في المناطق النائية والأحياء الفقيرة .

2- لا تتحرى الجهات المعنية عند تدوين تاريخ الميلاد في البطاقة الشخصية ويتركز اهتمام هذه الجهات على التأكد من هوية وشخصية طالب البطاقة وليس سنه يتعمد بعض الأطفال الزيادة في سنهم عند الحصول على البطاقة الشخصية طلبا لوظيفة أو عمل لا سيما والبطاقة الشخصية من أهم الوثائق التي يجب على طالب الوظيفة أو العمل إبرازها عند طلبه للوظيفة أو العمل.

4- كثيراً ما يحدث التناقض فيما يتعلق بسن الشخص المدون في البطاقة والسن المدون في الوثائق الأخرى كجواز السفر والشهادة الدراسية وشهادة الميلاد.

السن المدون في البطاقة الشخصية قابل لإثبات العكس لأن البطاقة الشخصية وان كانت محرر رسميا إلا أنها تقبل الطعن بالتزوير وفقا لنص لقانون الإثبات الذي أسبغ عليها الحجية.


إثبات السن عن طريق البطاقة العائلية

البطاقة العائلية هي الوثيقة الرسمية المعدة أصلا لإثبات أن صاحب هذه البطاقة يعول الأ شخاص المثبتة أسماؤهم فيها وغالباً ما تشتمل هذه البطاقة على أسماء (العائل - الزوج) و الزوجة والأبناء وتواريخ ميلادهم ، وكلما وقعت ولادة يتم إضافتها وإثبات تاريخها في البطاقة العائلية وفي السجل المدني لصاحب البطاقة ، ويمكن إثبات السن عن طريق البطاقة العائلية شريطة ألا تتعارض مع سن الطفل المثبت في شهادة ميلاده، والإشكاليات التي تثور عند إثبات السن عن طريق البطاقة العائلية هي الإشكاليات ذاتها التي تثور عند الإثبات بواسطة البطاقة الشخصية والسابق ذكرها ولا حاجة لإعادة ذكرها هنا خشية الإطالة و التكرار.


المطلب الثالث: إثبات السن عن طريق جواز السفر

طبقا للمادة (6) من قانون الجوازات تصرف جوازات السفر العادية لكل مواطن يمني بلغ عمره السادسة عشرة ، ويضاف الأبناء الذين تقل أعمارهم عن ذلك إلى جواز سفر والدهم أو والدتهم أو جدهم أو جدتهم بموجب شهادات ميلادهم أو أي وثيقة رسمية تدل على ثبوت النسب أو القرابة بحسب ما ورد في المادة (10) من لائحة قانون الجوازات .

وجواز السفر وثيقة أو محرر رسمي طبقا للمادة (100) من قانون الإثبات وله حجيته القانونية بموجب تلك المادة ما لم يثبت تزويره بالطرق المقررة قانونا.

ومن أهم البيانات التي يتم تدوينها في جواز السفر هو سن الطفل الذي بلغ السادسة عشرة من عمره أو سن الطفل الأصغر عمرا (القصار).

وهناك إشكالات كثيرة تتعلق بإثبات السن عن طريق جواز السفر أهمها ما يأتي :

1- مع أن جواز السفر من أهم الوثائق والمحررات الرسمية التي يصرح قانون الإثبات بان لها حجيتها القانونية إلا أنها قابلة لإثبات العكس بما في ذلك بيان السن.

2- جواز السفر وثيقة رسمية معدة أصلا لإثبات جنسية وهوية حاملها.

3- لا تتحرى الجهة المعنية كثيراً عند إثبات السن في جواز السفر لأن اهتمامها يتجه إلى التثبت من جنسية وهوية طالب الحصول على الجواز - فقد نصت الفقرة (ب) من المادة (3) من لائحة قانون الجوازات على أنه يجب على طالب الجواز أن يرفق بطلبه صوره من البطاقة الشخصية وأن تعذر ذلك فيرفق أية وثيقة رسمية صادرة من جهة مختصة يستدل منها على شخصية طالب الجواز وبلوغه سن السادسة عشرة .


المطلب الرابع: إثبات السن عن طريق الشهادات الدراسية

الشهادات الدراسية هي الوثائق الرسمية المعدة قانوناً لإثبات نجاح الطلاب وانتقالهم من صف دراسي إلى الصف الأعلى منه أو من مرحلة دراسية إلى مرحلة أعلى ، وتتضمن هذه الشهادات بيانات كثيرة عن الطلاب ومنها تاريخ ميلادهم أي سن الطالب، ويفترض أن يعتمد المختصون في المدارس في تحديد السن على شهادة ميلاد الطالب التي لا يدخل الطالب المدرسة إلا إذا قدم نسخة منها - ولكن مدارس كثيرة لا تتحرى عند تدوين سن الطالب في الشهادات الدراسية إذ يتركز اهتمامها على تدوين درجات الطالب وتقديراته ومدى نجاحه أو رسوبه، ولذلك يتناقض السن المثبت في هذه الشهادات مع السن المثبت في الوثائق الأخرى.

كما أن الكثير من المدارس تصدر بطاقات دراسية للطلاب للتعرف على انتسابهم إليها ويسمح لهم بموجبها من الدخول إلى المدرسة وتدون في هذه البطاقات بيانات كثيرة منها.


المطلب الخامس: إثبات السن بشهادة الشهود

شهادات الشهود من أهم وسائل الإثبات في الشريعة والقانون ، وقد ذكرنا بداية إن تحديد السن يخضع للقواعد العامة في الإثبات عند عدم وجود شهادة ميلاد إلا أن المادة (31) عقوبات قد أوجبت في هذه الحالة إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة ، وفي ذلك تقييد مضر للغاية بمصلحة الطفل ، ويعد ذلك استثناء للطفل من القواعد العامة للإثبات التي كانت تتيح للطفل عندما يكون متهما بأن يثبت سنه الحقيقي بأية وسيلة من وسائل الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود وغيرها ، وإثبات السن بشهادة الشهود يتم بأن يشهد شاهدان عدلان بان فلانا قد ولد عام كذا لان النسب والميلاد والوفاة والزواج والوقف تثبت بالاستفاضة و الشهرة والعلم بين الناس ، وتكون هناك وليمة (عقيقة) بعد أسبوع من ولادة الشخص يجتمع فيها الأقارب والجيران ومن أغراضها تحقق العلم والإشهار لواقعة الولادة ونوع المولود وتاريخ الولادة.

وشهادة الشهود مقدمة على المحررات في الإثبات لان الشهادة دليل أما المحررات فهي قرائن حسبما هو مبين في قانون الإثبات.


المطلب السادس: إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة (التقارير الطبية)

وقد صرح قانون الجرائم والعقوبات بوجوب إحالة المتهم إلى خبير إذا لم تكن سنه محققة أي في حالة عدم وجود وثائق رسمية تبين من المتهم أو في حالة الشك والارتياب في سن المتهم ، حيث قصر القانون وسيلة إثبات السن في هذه الحالة على وسيلة وحيدة يتيمة هي الفحص الطبي الذي أظهر الواقع والتجربة عدم الركون إلى نتائجه في هذا الشأن لأنه يفيد الظن وأن نتائج هذا الفحص تختلف من طبيب إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر وتختلف باختلاف الأجناس والتغذية على النحو الذي سنشير إليه لاحقا، حيث نصت المادة (31) من قانون الجرائم والعقوبات على انه إذا كانت من المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير وكذلك المادة (165) من قانون الإثبات التي نصت على انه على المحكمة في المسائل الفنية كمسائل الطب والهندسة والحساب وغيرها مما يدق فهمه أن تعين خبيراً عدلا أو أكثر من المؤهلين علميا وفنيا أو ممن لهم خبرة مشهورة لتستعين بهم في كشف غموض هذه المسائل بما يفيد في إثبات الواقعة المراد إثباتها بل أن القانون قد جعل الفحص الطبي لتحديد السن وجوباً ، حيث نصت المادة (208) من قانون الإجراءات الجزائية: على أن يكون طلب تقرير الخبير وجوبيا ببيان سن المهتم أو المجني عليه في حالة ما يكون ذلك مهما للقضية ولا توجد مستندات تثبت سنه.

وعند استعانة القضاء بالطب العدلي لإثبات السن تظهر إشكالات كثيرة أبرزها الآتي:

1- يتولى هذه المهمة طبيب واحد ويكون تقريره بمثابة شهادة الواحد, وشهادة الواحد لا تكون دليلا كافيا في الإثبات إلا إذا تساندت مع أدلة أو قرائن أخرى.

2- تتناقض تقارير وإفادات الأطباء في المسألة الواحدة مما يثير الريبة والشك لدى القضاة و المحامين والخصوم في آن واحد.

3- تتناقض النتائج التي يتوصل إليها الأطباء بشأن سن المتهم مع بعض المحررات المثبت فيها سن المتهم.

4- عدم دقة النتائج التي يتوصل إليها الأطباء الشرعيين، فالنتائج التي يتوصل إليها هؤلاء ظ نية وليست يقينية 100% والواجب في الأحكام القضائية أن تبنى على القطع واليقين وليس على الظن والتخمين.

5- نتائج الفحص الطبي لتحديد السن لا تفيد اليقين ولا يركن إليها حيث أنها تختلف باختلاف الأفراد والمناطق والتغذية والظروف المناخية حسبما يذكر المتخصصون في هذا الشأن.

6- انعدام الأجهزة والوسائل الحديثة للفحص الطبي وقلة الكوادر المتخصصة ولذا يتم الاعتماد فقط في تحديد السن على الفحص بواسطة الأشعة السينية للكوع فقط أو للذراع والكوع معا.

7- عدم التزام القاضي بما يتوصل إليه الطبيب الخبير بذريعة قاعدة أن القاضي خبير الخبراء فله أن يعمل بما يتوصل إليه الخبير وله أن يهمل ذلك وقد خول له قانون الإثبات وقانون الإ جراءات هذه الصلاحية ، حيث نصت المادة (216) إجراءات على أنه لا يكون تقرير الخبير ملزما للنيابة العامة أو المحكمة.


المطلب السابع: إثبات السن عن طريق علامات البلوغ

ذكرنا فيما سبق أنه يؤخذ على قانون العقوبات وتحديداً المادة (31) قصرت وسيلة إثبات السن عند عدم وجود وثيقة رسمية تحدد السن على وسيلة واحدة وهي أعمال الخبرة الطبية مع أن قانون الإثبات قد حدد في المادة (13) طرق الإثبات وهي : شهادة الشهود الإ قرار، الكتابة ، اليمين وردها والنكول عنها، والقرائن القاطعة والمعاينة ، والخبرة ، واستجواب الخصم وعلامات البلوغ التي تظهر على الأشخاص هي من قبيل القرائن حيث عرفت المادة (154) من قانون الإثبات القرينة القاطعة بأنها ما علم من الأمارات ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها فتدل بطريقة القطع الذي لا يقبل الاحتمال أصلا على ثبوتها وعلامات البلوغ هي عبارة عن أمارات يستدل بها على عمر الشخص ، وهناك علامات خاصة بالذكور كإنبات الشعر وانفلاق الأرنبة وغلظة الصوت والاحتلام وهناك علامات بلوغ خاصة بالنساء 5 النهود والحيض ..... ألخ ، إلا أن هذه العلامات ليست مضطردة وتختلف باختلاف الأشخاص والمناطق وتبعاً لذلك لا يتم الاعتماد على هذه القرائن بمفردها.


نتائج البحث

من خلال استقراء صفحات البحث نجد أن الباحث قد توصل إلى نتائج عدة قام بإثباتها في مواضعها من البحث ، ونكتفي هنا بالإشارة بإيجاز إلى أهم نتائج البحث وعلى النحو الآتي:

1- القانون اليمني يأخذ بالمذهب الشخصي في تحديده للمسئولية الجزائية الذي يعتمد في تأسيسه للمسئولية الجزائية على مدى حرية الإنسان واختياره و إدراكه في أثناء ارتكابه للفعل الإجرامي ، وتبعا لذلك فأن الطفل لا يكون عرضة للمسألة الجزائية لانعدام أو نقص إدراكه.

2- استعملت الدراسة مصطلح (الطفل) وليس (الحدث) عملا بالاتجاهات و التعديلات القانونية الحديثة التي تحبذ استعمال مصطلح (الطفل) وليس (الحدث) ، لان مصطلح(الحدث له إيحاءات سيئة كما أن مصطلح الطفل شامل لكافة مراحل الطفولة ، وقد كان الباحث ضمن الخبراء القانونين الذين راجعوا تعديلات قوانين الطفولة والذين وافقوا بالإ جماع على تضمين أحكام ومسائل الطفولة في قانون واحد قدر الإمكان واستعمال مصطلح(الطفل) بدلا عن مصطلح (الحدث).

3- لا يسأل الطفل جزائيا في القانون اليمني إلا إذا بلغ سن الثامنة عشرة.

4- وسائل تحديد السن وإثباته في القانون اليمني كثيرة ومختلفة ، وهناك وثائق رسمية يستعان بها في تحديد السن كشهادة الميلاد والبطاقة الشخصية وجواز السفر وشهادات الدراسة - وفي حالة عدم وجود أي من هذه الوثائق فقد أوجب القانون اللجوء إلى أعمال الخبرة الطب العدلي لإثبات وتحديد السن . ومن وجهة نظرنا أنه بالإمكان إثبات سن الطفل بشهادة الشهود عند عدم وجود وثائق إذا كان في ذلك مصلحة للطفل ، لأن الشهادة في الشريعة والقانون من أهم وسائل الإثبات.

5- وسائل إثبات السن متعددة طبقا لقانون الإثبات أما قانون العقوبات فقد جعل في المادة (31) إثبات السن عن طريق أعمال الخبرة الطبية هي الوسيلة الوحيدة لإثبات السن عند عدم وجود وثيقة تحدد السن وفي ذلك ضرر بالغ بالطفل ويخل بالمصلحة الفضلى للطفل ، وتقييد إثبات السن عند عدم وجود وثيقة على هذا النحو يخالف قانون الإثبات وهو القانون الناظم لوسائل الإثبات الذي أطلق وسائل الإثبات كما أن هذا التقييد يخالف أيضا مبدأ حرية الإثبات الذي نصت عليه المادة (223) إجراءات التي نصت على انه تعد من أدلة الإثبات في الدعوى الجزائية ما يلي : أ- شهادة الشهود - ب - تقرير الخبراء - ج - اعتراف المتهم -د-المستندات بما فيها أية تقارير رسمية مرتبطة بشخصية المتهم أو وقائع الجريمة والقرائن وا لأدلة الأخرى فهذا النص صريح في إطلاق وسائل الإثبات حفظاً للحقوق وعصمة للدماء.

6- وثائق إثبات السن ليست في مرتبة واحدة من حيث حجيتها وإنما تتدرج في قوتها الثبوتية فشهادة الميلاد تحتل المرتبة الأولى في هذا الشأن كونها الوثيقة القانونية المعدة أصلا لا ثبات السن وتأتي البطاقة الشخصية في المرتبة الثانية - وبعد ذلك يأتي دور الوثائق الأخرى ولا يخل هذا الترتيب بمبدأ تساند الأدلة.

7- تساند الأدلة يوفر لدى القضاء الاطمئنان والقناعة بعدالة الحكم - فإذا تساندت أدلة ووسائل إثبات السن ولم تتناقض فيما بينها فعندئذ يتوجب على القاضي الاعتماد على هذه الأدلة وقد صرح قانون الإجراءات الجزائية بالأخذ بمبدأ تساند الأدلة حيث نصت المادة (321) على انه (1) - لا إدانة إلا بناء على أدلة 2- تقرير الأدلة يكون وفقاً لاقتناع المحكمة في ضوء مبدأ تكامل الأدلة فلا يتمتع دليل بقوة مسبقة في الإثبات. - أما عندما تتناقض هذه ا الأدلة وتتنافر فعندئذ يتوجب تحديد ما هو العام وما هو الخاص من هذه الأدلة حتى يتم تقديم الخاص على العام في التطبيق ، فمثلا يتم تقديم شهادة الميلاد على البطاقة الشخصية ، وكذا تقديم البطاقة الشخصية على البطاقة العائلية ، في حين يتم تقديم البطاقة العائلية على الشهادة الدراسية وهكذا.

8- عدم دقة الفحص الطبي المتبع في اليمن لتحديد السن لاقتصاره على الفحص بالأشعة السينية للكوع فقط أو للكوع والذراع فضلا عن عدم توفر الأجهزة الحديثة المستعملة في الفحص إضافة إلى أن الذي يقوم بإعداد التقرير الطبي شخص واحد لا يؤمن خطاؤه أو تواطئوه إضافة إلى اختلاف نتائج الفحص الطبي للحالة الواحدة بين طبيب وأخر، كما أن تقرير الطبيب الواحد يعد شهادة واحد لا تكفي لإثبات السن كما أن نتائج الفحص تختلف باختلاف الأشخاص والمناطق والقبائل والجماعات ونمط التغذية ولهذه الاعتبارات يتوجب أن تسند هذه المهمة للجنة طبية (قمسيون) حسبما هو متبع في أغلب الدول على أن تقوم هذه اللجنة بتوسيع نطاق التحري عن السن كما هو الحال في كثير من الدول فمثلا " في السودان يختص القمسيون بدراسة المستندات الأخرى المدون بها السن وتتم مراجعة المستندات بواسطة مكتب التدقيق الذي يستعين به القمسيون كما أن الفحص الطبي للتأكد من السن بواسطة الأشعة لا يقتصر على الكوع فقط أو الذراع فقط أو عليهما معا ، وإنما يشمل مفاصل العظام الكبيرة حسبما ورد في دليل إجراءات القمسيون.

9- في أحيان كثيرة تتناقض وثائق إثبات السن وكذا تقارير الفحص الطبي وذلك يولد الشك. والشك يجب طبقا للقانون وقواعد العدالة أن يفسر لمصلحة الطفل لأنه المتهم ولأنه الإولى بـ الرعاية . فإذا كانت بعض الوثائق والتقارير تذهب إلى أن الطفل بالغ وبعضها الآخر يذهب إلى أنه غير بالغ فعندئذ يتوجب معاملته جزائيا على أنه غير بالغ - وفي هذا الشأن نصت المادة (4) إجراءات على أن يفسر الشك لمصلحة المتهم.

10- هناك سوابق قضائية في اليمن تذهب إلى توسيع نطاق إثبات سن المتهم الطفل عن طريق وسائل إثبات عدة ولا تكتفي بتقرير الطبيب الشرعي ومن هذه السوابق القضائية الحكم الصادر عن الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا بتاريخ 2007/3/7م الذي قرر قاعدة عامة هامة مفادها أن تقدير من المتهم وقت ارتكابه جريمة يكون بناءً على تحقيق موضوعي تجريه محكمة الموضوع مستعينة في ذلك بتقرير من الطبيب الشرعي يؤكد سنه وقت وقوع الجريمة وخلاصة وقائع القضية التي صدر فيها هذا الحكم أن محكمة الموضوع قد اعتمدت فقط على تقرير الطبيب الشرعي في تحديد سن المتهم الذي دفع أمام محكمة الموضوع بأنه لم يبلغ سن المسئولية الجنائية الثامنة عشرة حين ارتكابه الجريمة القتل، وقد استندت محكمة الموضوع في اعتمادها على تقرير الطبيب الشرعي فقط استندت إلى المادة (31) عقوبات التي نصت على انه إذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير كما أن محكمة النقض المصرية تتجه إلى هذه الوجهة حيث أقرت على أن تحديد السن لا يعتد فيه إلا بوثيقة رسمية كشهادة ميلاد أو بطاقة شخصية أو مستند رسمي أخر ولا يلجأ للخبير في تقدير السن إلا في حالة عدم وجود الوثيقة الرسمية أنظر الطعن رقم (5322) لسنة 71 ق - تاريخ الجلسة 2002/10/28م - مكتب فني 53 - رقم الصفحة 1018 - الوقائع.

11- حداثة نظام السجل المدني باليمن وعدم انتظامه يثير إشكالات كثيرة في إثبات السن ، فهناك شرائح واسعة من المجتمع ليس لديها شهادات ميلاد أو بطاقات شخصية لاسيما في المناطق النائية والأحياء الفقيرة.


توصيات البحث

من خلال عرض نتائج البحث السابق ذكرها فان الباحث يوصي بالآتي:

1- استعمال مصطلح (الطفل) عوضاً عن مصطلح الحدث) لما لمصطلح الحدث) من إيحاءات سيئة وأضرار بالغة بالطفل حاضرا ومستقبلا أضافة إلى أن مصطلح (الطفل) عام وشامل ينطبق على كافة مراحل الطفولة.

2- التزام النيابة العامة بما ورد في المادة (9) من قانون رعاية الأحداث التي تنص على عدم اللجوء إلى تحديد سن الطفل بالفحص الطبي إلا في حالة عدم وجود مستندات تبين سن الطفل ، لأن هذا النص خاص بالطفل يكون واجب التطبيق لا سيما والمادة (31) عقوبات تنص صراحة على أن تحديد السن بالخبرة الطبية لا يكون إلا عندما تكون السن غير متحققة أي في حالة عدم وجود أية وثائق تبين سن الطفل.

3- تعديل المادة (31) عقوبات التي قصرت وسيلة إثبات السن عند عدم وجود وثيقة على الفحص الطبي فقط بحيث تسمح هذه المادة بإثبات السن بأية وسيلة أو طريقة من طرق الإثبات المنصوص عليها في قانون الإثبات وقانون الإجراءات علماً بأن المادة (2) من قانون الطفل المصري رقم (12) لسنة 1996م المعدل بقانون رقم (126) لسنة 2008م قد نصت على أن الطفل كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وتثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم الوطني أو أي مستند رسمي آخر فإذا لم يوجد المستند الرسمي أصلا قدرت السن بمعرفة أحدى الجهات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الصحة وليس في القانون اليمني نظيراً لهذا النص الذي يكفل المرونة والسعة في إثبات سن الطفل لا سيما عندما يكون متهما.

4- توسيع نطاق وسائل إثبات السن أمام القضاء لما لذلك من أهمية في معرفة الحقيقة وتحقيق المصلحة الفضلى للطفل, فحرية إثبات السن لها عوائد وفوائد جمة للطفل ولا خوف من كثرة وسائل إثبات سنه طالما والشك سوف يفسر لمصلحته لان الواقع العملي يؤكد أن القاضي يكتفي بوسيلة واحدة لإثبات السن قد لا تكون في مصلحة الطفل علما بأن وسائل إثبات سن الطفل واسعة في الدول الأخرى لاحظ السودان ومصر والمغرب وكذا نوصي بتشجيع القضاء في اليمن على توسيع نطاق إثبات سن الطفل المتهم بوسائل الإثبات المقررة قانوناً وعدم الاكتفاء في إثبات السن بوسيلة الطب الشرعي فقط وقد أشرنا فيما سبق إلى وجود سوابق قضائية في اليمن تقرر إثبات سن الطفل بعدة وسائل إثبات.

5- قيام النائب العام بإصدار منشور يوجب فيه على كافة أعضاء النيابة ضرورة التأكد بداية من سن المتهم قبل مباشرة إجراءات التحقيق معه فإذا تأكد لهم انه غير بالغ فتتم إحالته فورا إلى نيابات الأحداث المختصة - فهذه هي الضمانة الأكيدة والوحيدة للحيلولة دون صدور أحكام إعدام أو سجن جديدة بحق أطفال في اليمن.

فعبء إثبات السن يقع على عاتق النيابة العامة باعتبارها الجهة المكلفة بإثبات جميع عناصر التهمة ، وأن تحديد سن المتهم هو أحد عناصر التهمة ممن يتعين معه عدم اتخاذ النيابات العادية أي إجراء من إجراءات التحقيق والمحاكمة مع المشتبهين في كونهم لم يبلغوا سن المسئولية الجنائية إلا بعد التأكد من سنهم بكافة الطرق وهذا ما تقوم به النيابة العامة في الدول الأخرى لاحظ مصر والمغرب مع التأكيد على أنه في حالة ادعاء المتهم أنه صغير سن فعليه أن يثبت ذلك بكافة طرق ووسائل الإثبات وليس عن طريق وسيلة الفحص الطبي فقط طبقا لمادة (321) إجراءات التي نصت على أن: 3- يقع عب إثبات أية واقعة على المدعي بقيامها إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك وقد ذكر الأستاذ / هشام ملاطي أن عبء إثبات السن يثير إشكالية يتم معالجتها عن طريق فرضيتين الفرضية الأولى: تقتضي بأن المتهم الحدث هو الذي يقع عليه إثبات سن الحداثة ما دام من مصلحته إثارة عذر صغر سنه قصد الاستفادة من أحكام انعدام أو نقصان المسؤولية الجنائية - الفرضية الثانية : تلقي بعبء الإثبات على النيابة العامة باعتبارها الجهة المكلفة بإثبات جميع عناصر التهمة وأن تحديد سن المتهم هو أحد عناصر التهمة وهذا ما يصح منطقاً ويتعين معه عدم تقديم قضايا الأ حداث للجلسات إلا بعد الوثوق من السن بالطرق المعينة قانونا كالكشف عن سن الحدث من سجلات الحالة المدنية بطريق المكاتبة الرسمية أو الحصول على تقدير الظنين من طرف الضابطة القضائية يشهد بأن الحدث صغير السن إلا أنه يمنع منعا كليا على النيابة العامة تقدير السن بصفة شخصية لأن في ذلك تعدي على اختصاص قاضي الأحداث بصريح المادة 459 من ق م ج ومن باب البيان لا التعليل يمكن الإشارة إلى ما اعتمده المشرع المصري في المادة 287 من تعليمات النيابة العامة حينما ألقى عبء الإثبات على النيابة العامة بنصه : "يجب على أعضاء النيابة العامة قبل تقديم المتهمين الأحداث إلى محاكم الجنايات أن يتأكدوا من أعمارهم لما في تحديد السن من الأهمية عند تطبيق المادتين 60 و 65 من قانون العقوبات ". والخلاصة أن عبء إثبات سن الطفل المتهم يخضع لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل وفقا لقانون الطفل والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.

6- عند الشك في سن المتهم ينبغي على النيابة والقضاء تفسير هذا الشك لمصلحة الطفل طبقا للقواعد القانونية العامة في العالم بأسره التي تفسر الشك لصالح المتهم - ولو عمل القضاء بـ اليمن بهذه القاعدة فأنا ضامن بأنه لن يصدر حكم في اليمن على طفل بإعدام أو سجن.

7- إعادة النظر في وسيلة إثبات السن عن طريق الفحص الطبي من حيث عدم إسناد الفحص لطبيب واحد فنوصي بان تسند هذه المهمة للجنة طبية, وكذا ينبغي إعادة النظر في الأجهزة التي يتم الفحص بواسطتها وكذا الأعضاء التي يتم فحصها لإثبات السن وعدم الاكتفاء بـ الكشف بالأشعة السينية على الكوع أو الذراع والكوع فقط.

8- نوصي بأن يقوم النائب العام بإصدار منشور يبين فيه كيفية الفحص الطبي لتحديد السن وطريقته والإجراءات الواجب على الطبيب إتباعها ومشتملات التقرير الذي يتوجب عليه إعداده وتقديمه للنيابة أو القضاء حتى لا تخضع عملية الفحص الطبي للاجتهادات الفردية و التناقضات التي تثير الريبة والشك.

9- وضع الضمانات الكافية والشاملة والمناسبة للمعنيين بتحديد سن الطفل في القضايا الجنائية الأطباء الشرعيين - منظمات المجتمع المدني - المحامون عن الأحداث وغيرهم. لا سيما في قضايا القتل التي يكون الطفل متهما فيها حتى لا يكون هؤلاء عرضة للانتقام من أولياء الدم لا سيما في المجتمع اليمني التي تكون فيه قواعد الثأر والانتقام هي الغالبة على قواعد الشرع والقانون - فقد وقف الباحث شخصياً على قضايا أحداث كثيرة كان الخوف من الثأر والانتقام السبب الرئيس في التلاعب بتقدير من الأحداث ! .

10 - إعداد وإصدار قانون للطب الشرعي والعدلي باليمن وإنشاء هيئة أو مصلحة للطب العدلي تابعة لوزارة العدل تنظم وتهتم بمسائل الطب العدلي ومنها الفحص الطبي لإثبات السن.

11 - نشر هذه الدراسة والتوعية بها على أوسع نطاق كي يستفيد منها المهتمون بالإضافة إلى خلق رأي عام مناصر يضمن عدم مثول الأطفال أمام محاكم البالغين, وحتى لا تكون الفائدة من الدراسة قاصرة على الحاضرين أو المشاركين بهذه الفعالية.

12- اعتماد هذه الدراسة ضمن المواد التدريبية والتوعوية في مجال قضاء الأطفال أو عدالة الأ طفال.


ختاماً : الشكر الجزيل للقائمين والمنظمين لهذه الفعالية وكذا الشكر موصول للداعمين و المانحين والمشاركين فيها.


والحمد لله في البدء والختام والصلاة والسلام على محمد بدر التمام وعلى آله وصحبه الكرام.

(ربنا لا تؤاخذنا أن نسينا أو أخطائنا)


قائمة بأهم مراجع البحث ومصادره

1- المسئولية الجنائية للطفل د. حمدي رجب عطية - دار النهضة العربية - القاهرة 2000م .

2- حماية حقوق الطفل في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية د. منتصر سعيد حمودة - دار الجامعة الجديدة - الإسكندرية 2007م.

3- حقوق الطفل القضائية في الدوائر العدلية السعودية - محمد بن إبراهيم الصائغ - الرياض -1421هـ.

4- أوجه الطعن في التقارير الطبية - جمال الدين عوض - دار المطبوعات الجامعية - الإ سكندرية 1969م.

5- التعليمات العامة للنيابات في المسائل الجنائية - أسامة احمد شتات - دار الكتب القانونية المجلة الكبرى مصر 1997م.

6- شهادة أهل الخبرة وأحكامها - دراسة فقهية مقارنة - د. أيمن محمد على حتمل - دار الحامد - عمان الأردن 2008م .

7- ورقة سياسات حول عقوبة الإعدام والاحتجاز التعسفي بحق الأطفال في الجمهورية اليمنية منظمة اليونيسيف والاتحاد الأوروبي - صنعاء 2012م.

8- حجية الخبرة في الإثبات الجنائي - د. عبد الخالق محمد الصلوي - دار النهضة العربية -القاهرة 2009م.

9- قانون الإثبات اليمني - وزارة الشؤون القانونية .

10 - قانون الأحوال المدنية والسجل المدني ولائحته التنفيذية - وزارة الشؤون القانونية.

11- قانون الجوازات ولائحته التنفيذية - وزارة الشؤون القانونية.

12- قانون الجرائم والعقوبات - وزارة الشؤون القانونية.

13- قانون رعاية الأحداث ولائحته التنفيذية - وزارة الشؤون القانونية.

14- الأحداث على ذمة الإعدام في اليمن - هيومن رايتس ووتش - مارس 2013م.