الحيازة لا تثبت حقاً في ملك الغير

الحيازة لا تثبت حقاً في ملك الغير

✍🏼 أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين

الحكم محل تعليقنا هو الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا بتاريخ 31/3/2007م الذي قرر قاعدة مفادها ان (1-الحيازة ليست دليلا على الملك متى أقيمت البينة الشرعية على الملك بالكتابة او الشهادة او حتى بالقرائن. 2-الحيازة لا تثبت حقا في ملك الغير الا ببينة شرعية) وقد استند هذا الحكم الى الاسانيد الاتية (1- ان حيازة الملك (الثبوت) مشروطة بان لا يكون الحائز مخولا حيازة الشي حيازة انتفاع عملا بعجز المادة (1104/4) مدني . 2- ان الحيازة المرتبة اعتبار الحائر مالكا مشروطة بعدم قيام الدليل على غير ذلك عملا بالمادة (1111) مدني. 3- ان حيازة اليد لا تثبت حقا فيما يملك الغير الا ببينة شرعية ولذلك اقرت المادة (1114) مدني سماع دعوى الملك بكتابة صحيحة او بشهادة عدول او حتى بالقرائن عند الترجيح بين دلائل مدعي الملك ودلائل ذي اليد الثابتة...الخ. ثانيا: ان النعي بعجز المطعون ضده من اثبات ان الطاعن كان يسلم الغلة بعد الالزام بذلك من قبل محكمة الاستئناف مردود بان الطلب محل الخصومة مقصور على عدم التسليم وذلك ما لا ينكره الطاعن بعد تحقق ان حيازة انتفاع. ثالثا: ان النعي بعدم قيام محكمة الاستئناف بالتحقق والبحث عن اسم كاتب الاجارة المؤرخة ربيع الثاني سنة 1372هـ بعد تقرير انه محل اشكال مردود بما اثبتته مدونة الحكم من حصول المضاهات وشهادة العدول على معرفتهم لخط الكاتب)

وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب ما هو بين في الأوجه الاتية:

الوجه الأول: حيازة الانتفاع لا تفيد ملكية الحائز

وهذه القاعدة قررها الحكم محل تعليقنا، وهذه قاعدة موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية، اذ ان المنتفع بالعقار كالأجر والشخص الذي سمح له المالك بالانتفاع بالعقار باي وجه ليس مالكاً ولم تصرف نية المالك الى تمليكه العقار بل ان انتفاعه او اجارته دليل على ان المالك غيره، إضافة الى ان حيازة المنتفع خفية وليست ظاهرة حسبما ورد في المادة (1104) مدني التي نصت على ان (...).

الوجه الثاني : مجرد الحيازة للعقار لا تفيد ملكية الحائز

وهذه أيضا قاعدة قضائية قررها الحكم محل تعليقنا ، وهذه القاعدة موافقة للمادة (1111) مدني التي نصت على انه (......) كما انها موافقة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقرر تحريم اكل الناس بالباطل فقد قال تعالى (ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل)وقد ردوها القران الكريم اكثر من اربع مرات مؤكدا أهمية تحريم اكل أموال الناس بالباطل ومحذرا من ذلك ، وقد ذكر المفسرون ان الاستيلاء على عقارات منقولات الغير من اهم واخطر مظاهر اكل أموال الناس بالباطل ،كما ان احاديث نبوية صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن حيازة أموال الناس من غير رضائهم فقد قال صلى الله عليه وسلم (لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب من نفسه) كما اكد النبي صلى الله عليه وسلم ،ذلك بقوله (ليس لعرق ظالم حق) وهذا الحديث نص في تقرير عدم جواز حيازة مال المال بغير اذن مالكه وعدم احقية الحائز في ملكية العقار، كما اخرجه البخاري في صحيحة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ظالم من الأرض شيئا طوقه من سبع ارضين) فقد اتفق شراح هذا الحديث على ان المقصود الحائز للأرض بغير اذن مالكها.

وعلى هذا فان الحكم محل تعليقنا قد جاء موافقا لأحكام الشريعة القانون، والمقصود بالحيازة: الحيازة التي لا تستثير الى دليل شرعي صحيح يدل يقينا على ملكيته وليس حيازته فلا تكون الحيازة وحدها دليل على الملكية.

الوجه الثالث: حيازة العقار لا تثبت حقا الا ببينة شرعية

وهذه القاعدة التي قررها الحكم محل تعليقنا تساندا القاعدة السابقة تناولها في الوجه الثاني، حيث قررت هذه القاعدة ان الأصل ان الحيازة العقار الغير لا تثبت حقا للجائز ،واستثنت هذه القاعدة حالة وجود بينة شرعية على ان الحائز للعقار مالكا للعقار وليس حائزا فقط.

وبناء على القاعدة يجب على الحائز للعقار ان يقدم دليل شرعيا قطعيا على انه المالك للعقار، لان الأصل ان الحيازة لا تثبت المكية ودعوى الحائز خلاف الأصل، استندا الحكم محل تعليقنا في تعزيزه لهذه القاعدة الى المادة (1114) مدني التي نصت على انه (....) وهذه القاعدة موافقة لنص القانوني المدني واحكام الشريعة الإسلامية التي تحرم اكل أموال او الاستيلاء عليها.

الوجه الرابع: عدم اعتبار الحيازة دليلا على الواقع في اليمن

الحكم محل تعليقنا وافق احكام الشريعة الإسلامية والقانون إضافة الى ان قد راعي واقع العقارات في اليمن وما تتعرض له بسط واستيلاء من وحيل الادعاء بالحيازة التي اصبغ عليها قانون الجرائم الحماية الجنائية اقتداء ببعض الدول كفرنسا ومصرا التي كانت فيها الحيازة نظامية ونادرة بخلاف الحال في اليمن.

الوجه الخامس: وضع اليد في الحيازة يحب ان يكون صحيحاً وذلك يقتضي ان يكون الحائز قد وضع يده رضاء المالك وعدم مما تعته وينبغي ان يكون ذلك ثابتاً بصفة يقينية لان الأصل ان الحيازة في العقار لا تفيد الملكية بخلاف المنقول.

الباب الأول: الثبوت (الحيازة) وآثارها

المــادة (1103): الثبوت (الحيازة) هو استيلاء الشخص على الشيء ووضع يده عليه منقولا كان او عقارا وهو نوعان: –

- الاول: حيازة ملك ثبوت يتصرف به الحائز في الشيء الذي يحوزه باي نوع من انواع التصرفات ظاهرا عليه بمظهر المالك وان لم يبين سبب ملكيته له فتكون يده مهما استمرت حيازة ملك ثبوت على الشيء .

- الثاني: حيازة انتفاع بإيجاره او نحوها يكون الشيء فيها مملوكا لغير حائزة الذي لا يكون له الا مجرد الانتفاع بالشيء انتفاعا مؤقتا طبقا لسبب انشاءه .

المــادة (1104): يشترط في حيازة الملك (الثبوت) ما يأتي: –

1- القصد بان يكون الحائز للشيء على قصد انه مالك له دون غيره ويعرف القصد بقرائن الحال التي تدل على ذلك بان يتصرف في الشيء المحوز تصرف الملاك .

2- ان يجاهر الحائز للشيء بملكيته له اذا ما نازعه فيه منازع وان يتمسك بذلك امام القضاء في مواجهة من ينازعه في ملكيته .

3- ان لا تقترن الحيازة باكراه المالك او من يمثله او منازعته .

4- عدم الخفاء بان لا تحصل الحيازة خفية اي ان لا يكون فيها لبس كان يكون الحائز خليطا للمالك او ممثلا شرعيا له بالولاية او الوصاية او الوكالة او يكون مخولا حيازة الشيء حيازة انتفاع او نحو ذلك .

المــادة (1105): تكون حيازة الملك (الثبوت) لغير المميز بواسطة من ينوب عنه نيابة شرعية وليا كان او وصيا .

المــادة (1106): يصح ان تكون حيازة الملك بواسطة شخص اخر خاضع للحائز ياتمر باوامره فيما يتعلق بها كالخادم والعامل والاجير والشريك .

المــادة (1107): لا تزول حيازة الملك بمانع وقتي يمنع الحائز من السيطرة الفعلية على الشيء كغياب الحائز عن مكانه او وجود عذر لديه من صغر او جنون ونحو ذلك .

المــادة (1108): تنتقل حيازة الملك من شخص الى اخر بنفس الاسباب التي تنتقل بها الملكية كالميراث والتصرف الناقل للملكية .

المــادة (1109): يجوز ان تنتقل حيازة الملك دون تسليم مادي اذا استمر الحائز الاول واضعا يده لحساب سلفه باجارة او نحوها او استمر الخلف الذي كان يحوز الشيء حيازة انتفاع باجارة او نحوها في حيازة الشيء حيازة ملك لحساب نفسه بشراء او نحوه .

المــادة (1110): تنتقل الحيازة للخلف العام (الوارث) وللخلف الخاص (المشتري ونحوه) بصفاتها الا انه يجوز للخلف الذي يجهل ان سلفه كان غير مالك (غاصب) للشيء الذي يحوزه ان يتمسك بانه مالك الى ان يثبت العكس . وللخلف ان يضم الى مدة حيازته مدة حيازة سلفه في كل ما يرتبه القانون على الحيازة من اثر .

المــادة (1111): من كان حائزا لشيء او حق اعتبر مالكا له ما لم يقم الدليل على غير ذلك .

المــادة (1112): لا يثبت حق بيد في ملك الغير او في حقه او في حق عام الا ببينة شرعية واليد الثابتة على الشيء قرينة ظاهره على الملك فلا يحكم للمدعي الخارج اذا لم يبين ولا حلف ردا ولا نكل خصمه وانما يقر ذوو اليد على يده .

المــادة (1113): اذا بين ذو اليد الثابتة وبين الخارج رجحت بينة الخارج الا لمانع شرعي يمنع من ذلك . واذا بين خارجان كان الترجيح بينهما بالتحقيق او النقل، والتحقيق هو ان يثبت ان الشيء نتج عنه، والنقل هو ان يثبت ان الشيء انتقل اليه اما بشراء او نحوه او بابقاء كارث او نحوه ، ويرجح ضمان التحقيق على ضمان النقل ويرجح ضمان الشراء ونحوه على ضمان الابقاء . واذا تساوت بينتا الخارجين قسم المدعى فيه بينهما .

المــادة (1114): تسمع دعوى الملك على ذي اليد الثابتة مطلقا ويحكم للمدعي في دعوى الملك اذا اقر له ذو اليد الثابتة او بناءً على مستندات كتابية خالية من شبهة التزوير مستوفية للشروط الشرعية او بشهادة عدول، فاذا لم توجد مستندات مستوفية للشروط او شهادة عدول عمل بالقرائن وتعتبر قرينة اليد الثابتة اذا لم تعارض قرينة اقوى منها مع يمين باليد دليلا كافيا .

المــادة (1115): عند التعارض بين المستند الكتابي المقدم من مدعي الملك وبين قرينة الثبوت يتبع ما يأتي: –

1. ان كان المستند الكتابي صادرا من احد الحكام المعروفين وصرح فيه بلفظ يفيد الحكم فهو حكم ويعمل بما جاء فيه ما لم يثبت الغائه او تعديله من جهة اعلى لها اختصاص بمراجعته .

2. ان كان المستند الكتابي صادرا من كاتب معروف الخط معروفا بالعدالة وكان مشهودا عليه من عدول وقرر فيه الكاتب والشهود معرفتهم بان المتصرف تصرف وهو مالك لما تصرف فيه عمل القاضي بما جاء فيه .

3. اذا لم يصرح الكاتب والشهود في المستند بان المتصرف مالك لما تصرف فيه وعليه تعميد مجمل من حاكم، كان المستند قرينة ضعيفة تتساوى مع الثبوت، فيلزم الترجيح بينهما بمرجح . . ويكون للقاضي ان يسال ذا اليد الثابتة عن مستند ثبوته فان قدمه وكان شراء او هبة ونحوهما مكتوبا بخط كاتب معروف بالعدالة ومشهود عليه من شهود عدول ومذكورا فيه ان الكاتب والشهود يعرفون ان المتصرف مالك بما تصرف فيه حكم بمقتضاه. وان كان ميراثا طلب القاضي من ذي اليد تقديم ما يتضمن ذكر نصيبه من تركة مورثه، فان قدمه بحث القاضي في تملك المورث للموضوع المتنازع عليه فان اعياه الحال- وتمسك ذو اليد الثابتة بثبوته . نظر القاضي في ادلة مدعي الملك وادلة مدعي الثبوت مرجحا الاقوى على الاضعف بالقرائن مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المادة التالية .

المــادة (1116): عند الترجيح بين ادلة مدعي الملك وبين الثبوت بالقرائن يتبع ما ياتي:

‌أ- ينظر الى حالة ثابت اليد . وهل هو ممن يجوز منه الاغتصاب او من سلفه وقت ادعاء الاغتصاب . ام لا فان وجد كذلك فهذه قرينة تقوى حجة التمسك بالمرقوم على ذي اليد .

‌ب- ينظر الى مدة ثبوت ذي اليد ومتى بدات فان كانت متاخرة عن التاريخ الذي كتب فيه المرقوم فهذه قرينة تقوي حجة التمسك بالمرقوم على ذي اليد .

‌ج- ينظر الى حال المتمسك بالمرقوم وهل كان حاضرا في مكان الشيء المتنازع عليه في مدة ثبوت ذي اليد، ام كان غائبا فان كان غائبا او ضعيفا، او ذا بلاهة كان ذلك مقويا لحجته على ذي اليد .

‌د- نظر الى حال الجهة التي حصل فيها النزاع، وهل تجري فيها الاحكام الشرعية وينصف المظلوم من الظالم وقت ادعاء الغصب فان كانت كذلك كان ذلك مقويا للثبوت .

المــادة (1117): ليس لمدعي الملك ان ينزع يد الثابت على الشيء بدون رضاه الا بحكم قضائي وله ان يلجا الى القضاء، ويجوز للقاضي ان رأى ذلك للمصلحة ان يعدل الشيء المتنازع عليه، بان يأمر بتسليمه لعدل لحفظه لحين الفصل في دعوى الملك بحكم نافذ، فيسلم الشيء لمن حكم له.

المــادة (1118): لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى او التغلب ويتعذر فيها الوصول الى الحق وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد. والعبرة في اعتبار الشخص غائبا عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضرا إذا كان مترددا اليها، ويستثنى من ذلك الميراث والوقف والشراكة فلا تحدد بمدة ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية داله على صدق الدعوى فتسمع تأكيدا لحفظ الحقوق.