حدد قانون الإثبات والقانون المدني أحكام التقادم ومدة التقادم في الحقوق المختلفة بالإضافة الى الحالات التي ينقطع فيها التقادم وهي المطالبة القضائية بالحق, الا انه من المسائل الدقيقة التي تحتاج الى تسليط الضوء عليها هي تأثير قيام المدين بالوفاء بالحق او بعضه بعد انقضاء مدة التقادم حيث ان ذلك يعد تنازلا من المدين عن التمسك بالتقادم المسقط في مواجهة الدائن, وقد قرر هذا المبدأ الحكم محل تعليقنا وهو الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا اليمنية في جلستها المنعقدة بتاريخ 20061815م في الطعن التجاري رقم (27261) لسنة 1427هـ وخلاصة اسباب هذا الحكم (ان الطاعن قد نعى على الحكم المطعون فيه بأنه قد جاء مخالفا للشرع والقانون لأنه قد فهم ان هناك مطالبة من المطعون ضده في حين ان تلك المطالبة التي اعتمد عليها الحكم المطعون فيه هو عبارة عن مستند صادر عن الطاعن ذاتها فهو عبارة عن اشعار قيد صادر من الطاعن ذاته تضمن قيام تلطاعن بايداع مبلغ ثلاثمائة الف ريال في حساب المطعون ضده, ولذلك فان هذا المحرر ليس مطالبة صادرة من المطعون ضدة كما فهم الحكم المطعون فيه حسبما ذكر الطاعن في عريضة الطعن كما أضاف الطاعن ان المطالبة القضائية وحدها هي التي تقطع مدة التقادم ..... الخ والدائرة تجد ان ذلك المستند المشار إليه في الطعن وان لم يعتبر مطالبة قضائية حسبما ورد في المادة (446) مدني الا انه يتبين من ذلك المستند انه يعتبر وفاء من الطاعن ببعض الحق الذي ادعى به المطعون ضده الذي نشأ بتاريخ 6\7\1997م ولذلك فان حق المطعون في المطالبة بحقه في الاتعاب يسقط بمضي عام أي بسقط بتاريخ 6\7\1998م وبما ان الطاعن المدين قد قام بقيد مبلغ لحساب الدائن المطعون ضده بتاريخ 1999/9/2م أي بعد اكتمال مدة التقادم فان ذلك يعتبر تنازلا من الطاعن عن حقه في التمسك بالتقادم لمضي المدة المقررة قانونا وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الاوجه الاتية:
الوجه الأول: السند القانوني للحكم بان الوفاء ببعض الحق تنازل عن الدفع بتقادم الحق
استند الحكم في قضائه حسبما ورد في اسباب الحكم الى المادة (549) مدني التي نصت على انه (لا اثر للتنازل عن مضي المدة قبل اكتمالها وثبوت الحق في التمسك بها واذا حصل من المدين تنازل عن التمسك بمضي المدة بعد ثبوت حقه في ذلك اعتبر ذلك اقرار منه بالحق ويعتبر تنازلا عن التمسك بالحق في مضي المدة وفاء المدين بالحق بعد اكتمالها ومن خلال استقراء ما ورد في النص القانوني السابق نجد انه قد صرح بان وفاء المدين بالحق بعد انقضاء مدة التقادم يعد تنازلا عن حقه في التمسك او الدفع بالتقادم المسقط للحق, كما ان النص السابق ايضا قد صرح ايضا بجواز التنازل الصريح عن التمسك بالتقادم اذا كان التنازل قد صدر بثبوت الحق في الدفع بالتقادم أي بعد مضي مدة التقادم اما قبل ذلك فلا يجوز لعدم وجود الحق في ذلك الحين والوفاء بالحق او بعضه بعد ثبوت الحق في التقادم يعد من قبيل التنازل الضمني فوفاء المدين بالحق او بعضه في هذه الحالة تنازل ضمني عن الحق في التقادم, ويقع هذا التنازل بحكم القانون حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثاني: الحق في التمسك بالتقادم ليس من النظام العام
من خلال مطالعة النص القانوني السابق ذكره في الوجه الأول نجد انه قد اجاز للمدين بالحق ان يتنازل عن حقه في التمسك بالتقادم لمضي المدة بل اجازله انه يوفي بالحق كله او بعضه مع انقضاء الحق بالتقادم المسقط, وذلك كله دليل على ان التقادم ليس من النظام العام فلذلك اجاز النص القانوني السابق للمدين ان يخالف احكام التقادم حيث اجاز النص له ان يتنازل صراحة أو ضمنا عن حقه في التمسك بالتقادم المسقط لمضي المدة, ولذلك فقد استقر قضاء المحكمة العليا في اليمن وغيرها على ان الدفع بالتقادم ليس من النظام العام حسبما سبق لنا ان ذكرنا في تعليق سابق, فضلا عن انه من المقرر في فقه الشريعة الاسلامية ان التقادم يحول فقط دون المطالبة القضائية اما الحق فانه يظل خالدا بذمة المدين ديانة فلا تبرى ذمته الا بالوفاء به ويكون المدين اثما في هذه الحالة حتى يفي بالدين المتقادم، والله اعلم.
✍🏼 أ.د/ عبدالمؤمن شجاع الدين