إختصاص القضاء اليمني بنظر منازعات الوكالة للشركة الأجنبية

يتم تعيين الوكيل المحلي للشركة الأجنبية في اليمن بموجب خطاب تعيين من الشركة الأجنبية يتم توجيه هذا الخطاب إلى وزارة الإقتصاد أو الصناعة والتجارة ، وقد يتم تعيين الوكيل بموجب عقد وكالة فيما بينه وبين الشركة الأجنبية الموكلة.

 وفي كل الأحوال فإن قيام الوكيل المحلي بأعباء الوكالة للشركة الأجنبية يجعله يتكبد مصاريف وأعباء كثيرة ، وقد تقرر الشركة الأجنبية عزل الوكيل المحلي أو إنهاء عقد الوكالة معه، وفي الوقت ذاته ترفض الشركة الأجنبية الوفاء بحقوق الوكيل المحلي التي ترتبت أثناء قيامه بأعمال الوكالة لحساب الشركة الأجنبية، وقد كفلت المادة (١٩) من قانون الوكالات التجارية الأجنبية اليمني حقوق الوكيل المحلي، بأن نصت بعدم تسجيل وكيل جديد للشركة الاجنبية حتى يستوفي الوكيل السابق حقوقه ، كما نصت المادة (٢٠) من القانون ذاته على أن القضاء اليمني هو المختص بنظر المنازعات الناشئة عن عقد الوكالة ، وهذه ضمانة أخرى لحقوق الوكيل المحلي ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 27-6-2009م في الطعن رقم (34663)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما من حيث الموضوع فأنه بعد الرجوع إلى الأوراق مشتملات الملف تجد الدائرة: أن ما تنعاه الطاعنة في أسباب طعنها على الحكم المطعون فيه ، حيث نعت على الحكم الخطأ في تطبيق المادة (20) من قانون تنظيم وكالات الشركات الاجنبية ، لأن هذه المادة غير متعلقة بالنظام العام...إلخ، والدائرة تجد: أن هذا النعي غير سديد، لأن النص المشار إليه نص آمر متعلق بالنظام العام ، ولا يجوز الإتفاق على خلافه، والحكمة من ذلك هي حماية الوكيل المحلي بصريح نصها ، وهو نص في قانون خاص ، والخاص يقيد العام كما أوضحته الشعبة في حيثيات حكمها المطعون فيه، إضافة إلى ذلك فأن هذا النوع من الإختصاص يتعلق بالولاية القضائية للمحاكم اليمنية في مقابل الجهات القضائية الدولية الأخرى، ويؤكد ذلك ما ورد في قانون المرافعات النافذ فيما يتعلق بالإختصاص الدولي للمحاكم اليمنية ، حيث نصت المادة (80) على أن تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى المرفوعة على الأجنبي الذي ليس له موطن في اليمن وذلك في سبع حالات منها الحالة رقم (2) إذا كانت الدعوى متعلقة بإلتزام أو عقد تم تنفيذه في اليمن أو كان واجب التنفيذ في اليمن)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: موقف قانون الوكالات اليمني من مطالبة الوكيل المحلي لحقوقه عند عزله

نصت المادة (19) من قانون الوكالات على أنه (إذا حدث نزاع بسبب عقد الوكالة بين الوكيل المحلي والشركة أو البيت الأجنبي الموكل فلا يجوز للإدارة المختصة إعتماد وكيلاً آخر بناءً على طلب الموكل إلا بعد حسم النزاع القائم سواءً تم ذلك بطريقة ودية أو بموجب حكم قضائي نهائي).

ومن خلال إستقراء النص القانوني السابق يظهر أنه قد كفل حقوق الوكيل المحلي بطريقة مباشرة ، إذ اشترط النص أن لايتم تسجيل الوكالة للشركة الأجنبية باسم وكيل جديد إلا بعد إستيفاء الوكيل السابق لحقوقه سواءً عن طريق الصلح فيما بين الشركة الأجنبية ووكيلها السابق أو عن طريق الحكم بحقوق الوكيل السابق بموجب حكم من القضاء أو التحكيم.

ومعنى ذلك أن النص السابق يعطل نشاط الشركة الأجنبية في اليمن حتى تقوم الشركة الأجنبية بتسوية مطالبة وكيلها السابق ودياً أو قضائياً، ولاريب أن ما ورد في النص القانوني السابق ضمانة أكيدة لحقوق الوكيل المحلي للشركة الاجنبية، وقد جرت محاولات عدة لتعديل النص القانوني السابق ضمن متطلبات منظمة التجارة العالمية لتحقيق حرية التجارة ، وقد كانت آخر تلك المحاولات عام 1997م ، وقد اوشكت تلك المحاولة على تعديل النص إلا أنها باءت بالفشل في آخر مراحل التعديل.

ولضمان حقوق الوكيل المحلي فقد صرح قانون تنظيم الوكالات للشركات الاجنبية على ان القضاء اليمني هو المختص بنظر المنازعات التي تقع فيما بين الوكيل المحلي والشركة الاجنبية بشان عقد الوكالة ، وفي هذا السياق نصت المادة (20) من قانون تنظيم الوكالات على أنه: (تعتبر محاكم الجمهورية هي المحاكم الوحيدة المختصة في البت في النزاعات الناشئة عن عقد الوكالة التجارية) (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الاول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٢م، ص٩٧).

الوجه الثاني: إختصاص القضاء اليمني بنظر دعوى الوكيل المحلي على أساس أن الوكالة للشركة الأجنبية قد تم تنفيذها في اليمن

صرح الحكم محل تعليقنا بإختصاص القضاء اليمني في المنازعات المترتبة عن الوكالة للشركة الاجنبية ، ومنها مطالبة الوكيل المحلي بحقوقه نظير الأعمال التي قام بها الوكيل المحلي لحساب الشركة الاجنبية، فالوكيل المحلي يقوم بتنفيذ أعمال الوكالة في اليمن لحساب الشركة الاجنبية كالتسويق لمنتجات الشركة الأجنبية في السوق اليمنية وتسجيل منتجاتها لدى الجهات المختصة في اليمن والحصول على التراخيص اللازمة لدخول المنتجات إلى السوق اليمنية وتدريب العمال على توزيع وتسويق المنتجات، وإعداد المخازن لحفظ المنتجات قبل توزيعها في السوق وشراء السيارات لنقل وتوزيع المنتجات وتوظيف الموظفين والعمال للقيام بتوزيع المنتجات، وقيام الوكيل بسحب المنتجات المنتهية الصلاحية أو غير المطابقة للمواصفات من السوق، وقيام الوكيل بالدفاع عن الحقوق الفكرية للشركة الأجنبية عند قيام الغير في اليمن بتقليد علامات الشركة التجارية أو اسماء منتجاتها، ونتيجة لقيام الوكيل المحلي بأعمال الوكالة داخل اليمن المشار إليها تترتب على ذلك حقوق للوكيل المحلي بذمة الشركة الاجنبية التي وكلته.

ومما تقدم في هذا الوجه يظهر أن عقد الوكالة أو اعمال الوكالة للشركة الاجنبية يتم تنفيذها في اليمن من قبل الوكيل المحلي، وعلى هذا الأساس فإن القضاء اليمني هو المختص بنظر مطالبة الوكيل المحلي بحقوقه من الشركة الاجنبية التي قامت بتوكيله ،عملاً بالفقرة (2) من المادة (80) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أن: (تختص المحاكم اليمنية بنظر الدعاوى المرفوعة على الاجنبي الذي ليس له موطن في اليمن وذلك في الحالات الآتية: -2- إذا كانت الدعوى تتعلق بمال موجود في اليمن أو كانت متعلقة بإلتزام نشأ أو نفذ أو كان واجباً تنفيذه في اليمن أو كانت متعلقة بإفلاس أشهر في اليمن).

الوجه الثالث: إختصاص القضاء اليمني بنظر مطالبة الوكيل المحلي بحقوقه الناشئة عن وكالته للشركة الأجنبية من النظام العام

صرح الحكم محل تعليقنا بأن إختصاص القضاء اليمني بالمنازعات الناشئة عن عقد الوكالة من النظام العام ، بما في ذلك مطالبة الوكيل المحلي بحقوقه الناشئة عن قيامه بأعباء الوكالة للشركة الأجنبية في اليمن وبما أن هذ الأمر من النظام العام فلا يجوز للوكيل المحلي والشركة الاجنبية الإتفاق على خلافه.

ومعنى ذلك أن القضاء اليمني يختص بنظر مطالبة الوكيل المحلي ولو كان عقد الوكالة للشركة الأجنبية قد تضمن شرط أو مشارطة التحكيم خارج اليمن أو تم الإتفاق في عقد الوكالة على إختصاص محكمة موطن الوكيل الاجنبي بنظر أي نزاع فيما بين الوكيل والشركة الأجنبية التي وكلته. بشان عقد الوكالة. (التعليق على احكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2023م، صـ232)، والله اعلم.