نقض الحكم وإعادته إلى المحكمة التي اصدرته

من النصوص القانونية التي يثور بشأنها جدل قانوني كبير في اليمن المادة (300) من قانون المرافعات اليمني التي نصت على أنه: (إذا رأت المحكمة العليا أن منطوق الحكم المطعون فيه موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون رفضت الطعن وتحكم على رافعه بالنفقات ومصادرة الكفالة، وإذا تبين إرادة الكيد من الطاعن حكمت عليه بالغرامة للخزينة العامة والتعويض المناسب للمطعون ضده إذا طلب ذلك، أما إذا كان الحكم المطعون فيه غير موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون فللمحكمة العليا أن تحكم في الموضوع ما دامت القضية صالحة للحكم وإلا نقضت الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وأعادته للمحكمة التي اصدرته للحكم فيه من جديد متبعة توجيه المحكمة العليا).

ومحل الجدل في هذا النص هو العبارة الأخيرة من النص السابق التي نصت على انه: (وإلا نقضت الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وأعادته للمحكمة التي اصدرته للحكم فيه من جديد متبعة توجيه المحكمة العليا)، إذ يذهب فريق من الباحثين والمهتمين إلى أن المقنن اليمني لم يكن موفقاً حينما اجاز للمحكمة العليا أن تعيد الحكم المنقوض إلى القاضي أو الشعبة التي سبق ان صدر عنها الحكم المنقوض ، لأن الشعبة أو القاضي الذي سبق أن اصدر الحكم المنقوض قد تولدت لديه قناعة مسبقة وراسخة بوجهة الحكم في القضية وقد افصح عن هذه القناعة في الحكم المنقوض الذي سبق له أن اصدره، إذ يرى هؤلاء أن هذا الأمر أخطر من إفصاح القاضي عن قناعته الوارد ضمن حالات الإمتناع الوجوبي للقاضي عن نظر القضية المقرر في المادة (128) مرافعات، ولذلك فإن أغلب الأحكام المنقوضة المعادة إلى القضاة الذين سبق أن اصدروها لا تتغير وجهة او نتيحة الحكم فيها ، وإنما يتم فقط إدخال بعض التحسينات عليها حتى يُقال أنها استوفت ملاحظات المحكمة العليا، ومن جانب آخر يذهب بعض الباحثين إلى الدفاع عما ورد في النص القانوني السابق بالقول :أن إحالة الحكم المنقوض إلى القضاة أو القاضي الذي اصدره يوفر الجهد والإجراءات، لأن إعادة الحكم إلى القاضي الذي سبق له أن اصدره لا يتطلب من القاضي الإحاطة بتفاصيل القضية وإجراءاتها السابقة ، لأن القاضي قد احاط بها بخلاف الإحالة إلى غيره التي تستدعي من القاضي الجديد أن يقف ويحيط بتفاصيل القضية وإجراءاتها، علاوة انه قد يتعذر في حالات كثيرة اعادة الحكم المنقوض الى غير الشعبة التي اصدرته لعدم وجود شعب اخرى وعدم وجود قضاة كافين ،وقد أشار إلى هذه المسألة الخلافية الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 10-2-2009م في الطعن رقم (36686)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: تجد أن دفع الطاعن لا محل له ولا سند له من القانون، إذ أن مؤدى هذا الدفع أنه لا يجوز لهيئة الشعبة التي اصدرت حكمها ونقضته المحكمة العليا أن تعود وتنظر القضية ذاتها إستناداً إلى أن ولاية القاضي بصدور حكمه لا تجيز له نظر القضية مرة أخرى، فهذا النعي مردود عليه بأن نص المادة (300) مرافعات صريح في هذا الخصوص فقد نص على أنه إذا نقضت المحكمة العليا الحكم اعادت القضية إلى المحكمة التي اصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيه من جديد بناءً على طلب الخصوم متبعة توجيه المحكمة العليا)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: جواز إعادة الحكم المنقوض إلى المحكمة التي اصدرته وفقا للمادة (٣٠٠) مرافعات

نصت المادة (300) مرافعات على أنه: (إذا رأت المحكمة العليا أن منطوق الحكم المطعون فيه موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون رفضت الطعن وتحكم على رافعه بالنفقات ومصادرة الكفالة، وإذا تبين إرادة الكيد من الطاعن حكمت عليه بالغرامة للخزينة العامة والتعويض المناسب للمطعون ضده إذا طلب ذلك، أما إذا كان الحكم المطعون فيه غير موافق من حيث النتيجة للشرع والقانون فللمحكمة العليا أن تحكم في الموضوع ما دامت القضية صالحة للحكم وإلا نقضت الحكم المطعون فيه كله أو بعضه وأعادته للمحكمة التي اصدرته للحكم فيه من جديد متبعة توجيه المحكمة العليا).

ويظهر من إستقراء نهاية النص القانوني السابق أنه قد اجاز للمحكمة العليا أن تقرر إعادة الحكم المنقوض إلى المحكمة التي سبق لها أن اصدرته، وبموجب قرار المحكمة العليا بالإعادة تقوم المحكمة التي سبق لها أن اصدرت الحكم المنقوض يقوم قضاة الشعبة انفسهم الذين سبق لهم إصدار الحكم المنقوض يقوموا بدراسة هذا القضية في ضوء توجيهات المحكمة العليا وإعادة الفصل في القضية بحكم جديد.

الوجه الثاني: مبررات جواز إعادة الحكم المنقوض إلى المحكمة التي اصدرته لمعاودة الفصل في القضية في ضوء ملاحظات المحكمةالعليا

في كل مرة كان يتم فيها تعديل قانون المرافعات كان يقف انصار الابقاء على المادة (300) مرافعات من غير تعديل كان هؤلاء يرفضوا تعديل النص السابق لمبررات منها: أن محاكم الاستئناف في عدة محافظات يمنية ليس فيها إلا شعبة واحدة وهي الشعبة التي اصدرت الحكم المنقوض بل أن بعض المحافظات ليس فيها إلا شعبة واحدة أو شعبتين أو ثلاث، ولذلك لا توجد شعبة أخرى غير تلك التي اصدرت الحكم المنقوض، إضافة إلى أن الشعبة التي اصدرت الحكم المنقوض هي الأجدر بإعادة نظر القضية التي صدر فيها الحكم المنقوض لإلمام الشعبة وإحاطتها في القضية، إضافة الى ان الحركة القضائية الدورية تضمن نقل القضاة من محكمة الى اخرى ومن شعبة إلى أخرى فعند إعادة الحكم المنقوض إلى الشعبة أو المحكمة التي اصدرته يكون القضاة الذين اصدروا الحكم قد تغيروا ، فضلاً عن أن المحكمة العليا عندما تنقض الحكم تحدد في ملاحظاتها ما ينبغي على الشعبة أن تفعله ،فليست الشعبة طليقة في أن تحكم كما تشاء. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثالث، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٤٢٩).

الوجه الثالث: حجج المعارضين لإعادة الحكم المنقوض إلى المحكمة التي اصدرته

تتلخص حجج هؤلاء في أن القاضي أو قضاة المحكمة التي سبق لهم أن اصدروا الحكم المنقوض لن تتزحزحوا عن قناعتهم المسبقة التي سبق لهم أن عبروا عنها وافصحوا عنها في الحكم المنقوض ، وأن الحكم الجديد في القضية بعد الإرجاع سيكون على شاكلة الحكم السابق المنقوض، والواقع العملي يدل على أن الأحكام المنقوضة التي تتم إعادتها إلى القضاة الذين سبق أن اصدروها يصر مصدروها على أن تكون مماثلة للأحكام المنقوضة في نتائجها ، وأن إستيفاء ملاحظات المحكمة العليا لا يترتب عليه التغيير في نتيجة الحكم الجديد، إذ تكون النتيجة في الحكم الجديد مماثلة للحكم المنقوض.

 إضافة إلى أن الرافضين لإعادة الأحكام المنقوضة يحتجوا باحكام الإمتناع الوجوبي للقاضي المقررة في المادة (128) مرافعات التي تصرح بأنه يمتنع على القاضي نظر الدعوى إذا كان قد سبق له أن أفتى فيها أو ترافع فيها عن أحد الخصوم أو كتب فيها ولو كان قبل إشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له أن نظرها قاضياً وحكم فيها في درجة أدنى أو نظرها خبيراً أو محكماً وابدى رأيه فيها أو أدى شهادة فيها قبل عمله بالقضاء أو كان لديه علم خاص بها، فإعادة الحكم المنقوض إلى المحكمة أو القضاة الذين اصدروه أكثر ضرراً من حالة الإمتناع الوجوبي المشار إليها.

الوجه الرابع: توصيتنا بتعديل المادة (300) مرافعات

من خلال إستعراض حجج انصار الإبقاء والتعديل للمادة (300) مرافعات السابق ذكرها فإننا نرى أن يتم تعديل المادة (300) مرافعات حتى تكون منسجمة مع حالة الإمتناع الوجوبي وان يتواكب هذا التعديل مع زيادة عدد القضاة في المحاكم، فليس من المناسب تطويع النصوص القانونية لمواكبة نقص القضاة في بعض المحاكم، كما انه ليس من المناسب إهدار ضمانات تحقيق العدالة والمحاكمة العادلة في الاحكام لأجل مراعاة المسائل الإدارية، لأن وظيفة القانون تحقيق العدل وليس الاستجابة للإحتياجات الادارية. (فلسفة القانون، د. منذر الشاوي، دار الثقافة والنشر ٢٠١٧م، ص٤٢٢)، والله اعلم.