الشركة العرفية تتكون من شريكين فأكثر غير أنها شركة غير نظامية، لأنه لم يتم تأسيسها وفقاً لقانون الشركات اليمني الذي يحدد أنواع الشركات النظامية ويبين أحكامها.
ومع ذلك فإن الشركة العرفية حاضرة بقوة في السوق اليمنية وتساهم بقوة في النشاط التجاري والإقتصادي في اليمن، ولأن الشركة العرفية غير نظامية فأن غالبية أحكامها تختلف عن أحكام الشركات النظامية ، ومن ذلك إستحقاق الشريك في الشركة العرفية لمقابل الوجاهة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 16-11-2009م في الطعن رقم (35384)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما ما ادعاه الطاعن في دعواه الفرعية فإن الطاعن لم يقدم دليلاً ينهض للحكم له بها، ولم يقدم جديداً أمام الشعبة الإستئنافية، ولذلك فالحكم الإبتدائي كان سديداً عدا ما تداركه حكم الشعبة من لزوم إقتطاع ما يستحقه الطاعن من الوجاهة من رأس المكتسبات الذي غاب على محكمة أول درجة تضمينه في حكمها فأصلح حكم الشعبة ما اعتور الحكم الابتدائي)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: معنى وجاهة الشريك في الشركة العرفية
تطلق كلمة وجاهة في اللغة العربية على الشخص الوجيه الذي له وجاهة وقبول عند الناس، كما أنها تعني المكانة والاحترام الذي يتمتع به الشخص الوجيه في مجتمعه نتيجة لصفاته أو منصبه أو نفوذه، كما أن هذه الكلمة تعني تميز الشخص عن غيره وقدرته على التأثير في الآخرين بسبب سمعته العالية أو تقديره الإجتماعي، وتعني الوجاهة أيضاً شهرة الشخص في المجتمع.
ومعنى الوجاهة في الشركة العرفية يقترب كثيراً من المعنى اللغوي، فالشريك ذو الوجاهة في الشركة العرفية هو الشريك الذي يتميز عن غيره من الشركاء لتمتعه بقبول وثقة المتعاملين مع الشركة، إذ يقبل العملاء والزبائن على التعامل مع الشركة العرفية على أساس أن ذا الوجاهة شريك في الشركة العرفية ، فلو لم يكن هذا الشخص الوجيه شريكاً في الشركة العرفية لما تعاملوا معها أو كان تعاملهم محدوداً، فالشريك ذو الوجاهة يحظى بقبول وثقة المتعاملين مع الشركة.
الوجه الثاني: شركة الوجوه في الفقه الاسلامي والشريك ذي الوجاهة في الشركة العرفية
سبق ان ذكرنا في الوجه الأول معنى وجاهة الشريك في الشركة العرفية، وفي هذا الوجه نبين وجاهة الشريك في الفقه الاسلامي .
فوجاهة الشريك لها أصل في الفقه الاسلامي ، حيث ذهب الحنفية والحنابلة وبعض الزيدية الى جواز شركة الوجوه: وهي عقد يتفق فيه شخصان أو اكثر ليس لهما مال على أن يتعاقدا بالشراء من الغير بالاجل والبيع للزبائن بالنقد مستخدمين جاهمها والثقة بهما من قبل التجار الذين يبيعوا لهم بالاجل، وتسمى هذه الشركة شركة وجوه ،لان الشركاء فيها يعملوا بوجاهتهم وثقة التجار بهم ، ويتقاسم هولاء الشركاء الأرباح والخسائر الناتجة عن هذه الشركة، وهذه النوع من الشركات جائز عند الحنفية والحنابلة وبعض الزيدية ، لأنها تتضمن توكيلا صحيحا بين الشركين ، كما انها جائزة قياسا على تعامل الناس بها، في حين يذهب الشافعية والمالكية الى أن هذه الشركة باطلة لان الشركة لاتقوم إلا على المال أو العمل وكلاهما مفقود في شركة الوجوه.
الوجه الثالث: شركة الوجوه في القانون اليمني والشريك ذي الوجاهة في الشركة العرفية
لم يتعرض قانون الشركات اليمني لشركة الوجوه مع أن هذا القانون نظم شركات الاشخاص في المادة (٩) التي حددت انواع شركات الاشخاص وهي: شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة المحاصة بيد ان هذا القانون لم ينص على شركة الوجوه .
في حين ان القانون المدني اليمني نص على شركة الوجوه في المادة (٦١٩) التي نصت على ان (-١-شركة المفاوضة هي شركة تتم بالنقود يستوى فيها الشركاء في راس مال الشركة وفي التصرف وفي الربح والخسارة -٢- شركة العنان وهي شركة تتم بالنقود والعروض على التفاضل بين الشركاء في راس مال الشركة وفي الربح والخسارة-٣- شركة الابدان هي شركة بين صاحبي صنعة يتفقان على تقبل الاعمال ويكون الكسب بينهما على ماشرط -٤- شركة الوجوه : تتم بين اثنين أو اكثر بدون رأس مال على أن يشتروا بوجوههم ويقتسموا الربح والخسارة بحسب ما تراضوا به).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد أخذ بقول الفقهاء الذين ذهبوا إلى جواز شركة الوجوه، ولذلك فان شركة الوجوه شركة مدنية وفقا لهذا النص.
وفي النص السابق دليل على انه يجوز في الشركة العرفية ان تكون مساهمة الشريك بوجاهته، ويجوز ايضا ان تكون مساهمة الشريك بماله ووجاهته معا أو وجاهته وعمله معا.
الوجه الرابع: مدى إستحقاق الشريك ذي الوجاهة لمقابل الوجاهة في الشركة العرفية
من المقولات الرائجة والصحيحة عند حكماء اليمن مقولة : (حُسن التعامل رأس مال) .
ومعنى ذلك أن الشخص الذي يتمتع بحُسن التعامل ويتمتع بثقة الناس وقبولهم له يكون هذا هو رأس ماله في التجارة ، إذ يستطيع هذا الشخص من خلال حسن تعامله وثقة الناس والتجار به يستطيع المتاجرة وممارسة النشاط التجاري في السوق.
وتصديقا لذلك فقد عرفت شخصاً كان يعمل في صيدلية مشهورة فلما خرج منها تدهورت الصيدلية ولما شارك هذا الشخص في شركة اتسع نشاطها وتعاظم فصارت مجموعة تجارية كبيرة تعمل داخل اليمن وخارجها في مجالات كثيرة.
وقد عرفت شركاء في شركات تنهار الشركة إذا انسحبوا منها وتزدهر شركات اخرى اذا ساهموا فيها ،نتيجة لتأثير هولاء الشركاء ووجاهتهم.
ولذلك إذا كان للشريك ذي الوجاهة في الشركة العرفية تأثير في نشاطها ومبيعاتها وسمعتها في السوق ،وكان لهذه الوجاهة دور في تعاظم أرباح الشركة العرفية وأموالها المكتسبة فإن الشريك الوجيه يستحق مقابل وجاهته. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م صـ403).
الوجه الخامس: تقدير مقابل الوجاهة للشريك الوجيه في الشركة العرفية:
يتم تقدير مقابل الوجاهة للشريك الوجيه في الشركة العرفية على أساس نسبة من العائد الذي حققته الشركة العرفية من وجاهة الشريك، وكذا يتم تقدير مقابل الوجاهة على أساس عدد المتعاملين مع الشركة الذين تعاملوا معها على أساس أن الشخص الوجيه شريك فيها، لأن بعض المتعاملين ماكان ليقبل التعامل مع الشركة العرفية إلا لأن الشخص الوجيه شريك فيها. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الاول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م صـ103)، والله اعلم.