عند تنفيذ المتعاقدان لبنود العقد لا يقتصر إلتزامهما على البنود المذكورة في العقد بل يجب عليهما أيضا تنفيذ ما يستلزمه العقد بحسب ما تقتضيه أحكام الشرع والقانون والعرف والعدالة وطبيعة العقد ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 7-6-2009م في الطعن رقم (34082)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وعما ورد بالسبب الثاني من أسباب الطعن من تخطئة للحكم المطعون فيه بالقول بمخالفته لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، فإن هذا السبب مردود عليه، بأن من قواعد تنفيذ العقد أن يكون طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين إن كان في العقد إجمال، ولا يقتصر العقد على إلزام طرفيه بما ورد صريحاً فحسب بل يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للشرع والعرف والعدالة وبحسب طبيعة الإلتزام إلى آخر ما ورد في المادة (212) مدني، وعلى أساس ذلك فقد رجع المهندسون الخبراء العدول إلى عرض السعر المقدم من الطاعن نفسه لإحتساب الأعمال المنجزة وهو ما اطمأنت إليه محكمتا الموضوع وقد وافقتا في ذلك صحيح القانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: مصادر مستلزمات تنفيذ العقد في القانون المدني اليمني:
تتمثل مصادر مستلزمات تنفيذ العقد في احكام الشرع ونصوص القانون والعرف الخاص والعرف العام وقواعد العدالة ، إذا يتم الرجوع الى هذه المصادر لإستيفاء النقص في العقد او تكملة العقد بحسب المصطلح الذي يستعمله بعض شراح القانون المدني .
وفي هذا المعنى نصت المادة (212) مدنى على أنه: (يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين إذا كان في العقد إجمال، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد صريحاً فيه فحسب بل يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للشرع والعرف والعدالة بحسب طبيعة الإلتزام، وإذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز العدول عنها عن طريق تفسيرها بحجة التعرف على إرادة المتعاقدين).
فمن خلال إستقراء هذا النص يظهر أنه قد صرح على أنه يجب على المتعاقد أن ينفذ أو يقوم بأداء المستلزمات التي يقتضيها العقد ولو لم يرد ذكرها ضمن بنود العقد.
الوجه الثاني: المقصود بمستلزمات تنفيذ العقد المنصوص عليها في المادة (٢١٢) مدني:
سبق القول في الوجه السابق أن المادة (212) مدني السابق ذكرها قد صرحت بأن المتعاقد عند تنفيذه لإلتزامه المحدد في العقد لا يقتصر على ما ورد في هذا الإلتزام وإنما يجب عليه أن ينفذ أيضاً ما يستلزمه تنفيذه للإلتزام العقدي وفقا لأحكام الشرع ونصوص القانون المنظم للعقد ووفقا لما تعارف عليه اهل الحرفة أو المهنة أو اهل المنطقة .
ومعنى ذلك أن هناك إلتزامات أخرى غير ماورد في بنود العقد يجب على المتعاقدين تنفيذها، وهي الإلتزامات التي يستلزمها تنفيذ العقد المقررة في أحكام الشرع والقانون والعرف وقواعد العدالة.
ومستلزمات تنفيذ العقد تعني ان هناك إلتزامات أخرى يقتضيها تنفيذ العقد مع انه لم يتم ذكرها ضمن بنود العقد ولكنها تعد مع ذلك جزءاً لا يتجزأ من العقد بحكم الشرع والقانون والعرف والعدالة وطبيعة الإلتزام حسبما هو مقرر في المادة (212) مدني التي نصت على أنه: (يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما توجبه الأمانة والثقة بين المتعاقدين إذا كان في العقد إجمال، ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد صريحاً فيه فحسب بل يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للشرع والعرف والعدالة بحسب طبيعة الإلتزام، وإذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز العدول عنها عن طريق تفسيرها بحجة التعرف على إرادة المتعاقدين)،.
ومستلزمات تنفيذ العقد تشمل كل ما يستلزم تنفيذ الإلتزام العقدي ، فالمتعاقد يلتزم بتنفيذ ما ورد في العقد من إلتزامات تم ذكرها في العقد صراحة ، وكذلك يتحدد مضمون الإلتزامات المذكورة في العقد يتحدد أيضا بالإلتزامات التبعية التي تستلزمها طبيعة العقد والغرض من إبرامه ولو لم يرد ذكرها في متن العقد، إذ يكفي إتفاق المتعاقدين على العناصر الجوهرية للعقد ويتركوا المسائل التفصيلية والثانوية ، لأن تنفيذ العناصر الجوهرية يقتضي قيام المتعاقدين بتنفيذ المسائل التفصيلية للإلتزامات الجوهرية أو العناصر الجوهرية بحسب ماهو مقرر في الشرع والقانون والعرف وقواعد العدالة، فما يستلزم تنفيذ العقد هو عبارة عما تقرره قواعد القانون أو العرف أو العدالة وطبيعة العقد أو الإلتزام العقدي.
الوجه الثالث: مستلزمات تنفيذ العقد المقررة في الشريعة الإسلامية:
الشريعة الإسلامية هي النظام العام للمجتمع المسلم الذي يجب على افراده أن يحترموها وينفذوا أحكامها في كافة معاملاته، وفي كافة العقود والتصرفات التي يبرمها أفراد المجتمع المسلم، وإن لم يتم ذكرها ضمن بنود العقد فانها تكون مكملة لبنود العقد، ويجب على المتعاقدين تنفيذها حتى لو لم يرد ذكرها ضمن بنود العقد.
وبناءً على ذلك فهناك قواعد آمرة في الشريعة الإسلامية تكون نافذة حتى لو لم يتم ذكرها في العقد مثل قيام البائع بإستلام المبيع قبل بيعه إلى المشتري وعدم زيادة الثمن لاجل تاجيل سداده.
فالشريعة الإسلامية عامة شاملة صالحة لكل زمان ومكان ، فقد نظمت الشريعة كافة نواحي الحياة بما في ذلك تنظيمها لكل العقود والتصرفات والمعاملات، فقد بينت الشريعة مايجب في العقود ومايحرم ومايندب ومايكره ولذلك يتم الرجوع الى احكام الشريعة الإسلامية لإكمال الإلتزامات الواجب ذكرها في العقد ومايستحب ذكره بحسب نوع العقد وكذا إلغاء البنود أو الشروط المخالفة لاحكام الشرع أو تلك التي تتنافى مع مقتضيات العقد. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2021م، صـ162).
الوجه الرابع: مستلزمات تنفيذ العقد التي تقتضيها طبيعة العقد:
مستلزمات تنفيذ العقد تشمل كل ما يستلزم تنفيذ الإلتزام العقدي بحسب طبيعة العقد أو الإلتزام العقدي، فالمتعاقد يلتزم بتنفيذ ما ورد في العقد من إلتزامات تم ذكرها في العقد صراحة ، وكذلك يتحدد مضمون الإلتزامات المذكورة في العقد يتحدد أيضا بالإلتزامات التبعية التي تستلزمها طبيعة العقد والغرض من إبرامه ولو لم يرد ذكرها ضمن بنود العقد، فالغالب أن يقتصر المتعاقدون على ذكر البنود الجوهرية في متن العقد ويتركوا المسائل التفصيلية والثانوية ، لأن تنفيذ البنود الجوهرية يقتضي قيام المتعاقدين بتنفيذ المسائل التفصيلية للإلتزامات الجوهرية أو البنود الجوهرية بحسب ماهو مقرر في الشرع والقانون والعرف وقواعد العدالة ، وتتم هذه التكملة بوسائل عدة منها: الإعتماد على طبيعة العقد وما يرتبه من إلتزامات أشار إليها العقد صراحة أو تكون إرادة المتعاقدين قد اتجهت إليه ضمناً، فكل عقد يهدف إلى تحقيق غرض معين، لذلك يجب على كل متعاقد تنفيذ الاعمال التي تؤدي إلى هذا الغرض سواءً ورد ذكرها في العقد أم لا، فتنفيذ البائع لإلتزامه في عقد البيع يوجب عليه تسليم ملحقات المبيع الضرورية وأصول مستندات ملكيته وكل ما هو معد بصفة دائمة لإستكمال المبيع.
ولذلك يمكن للقاضي أن يضيف إلى العقد إلتزامات لم ينص عليها العقد صراحة شريطة أن تقتضيها طبيعة العقد كالإلتزام بضمان الدرك في البيع وضمان السلامة في عقد نقل الأشخاص.
الوجه الخامس: مستلزمات تنفيذ العقد المقررة في القانون:
ذكرنا أن مستلزمات العقد هي عبارة عن إلتزامات تقع على عاتق المتعاقد مع أنه لم يرد ذكرها في العقد، ولذلك هناك مستلزمات للعقد يحددها القانون، لذلك يتم الرجوع إلى القانون الذي ينظم العقد لإستيفاء الإلتزامات والأحكام التي لم يذكر المتعاقدون في متن العقد، فالقاضي يستعين بالقواعد القانونية الآمرة والمكملة لسد النقص في العقد محل الخلاف المنظور أمام القاضي، فيتم سد النقص في العقود عن طريق تطبيق النصوص القانونية الآمرة والمكملة المنظمة للعقد محل الخلاف، فمثلاً يستعين القاضي بالقواعد القانونية المكملة للإرادة في حالة عدم ذكر مكان تسليم المبيع في عقد البيع، إذ يتم إكمال العقد بحسب ما ورد في المادة (212) مدني وكذلك الحال إذا لم يتضمن العقد تحديد مكان سداد ثمن المبيع وذلك بإلزام المشتري بدفع الثمن في المكان الذي يستلم فيه المبيع. (تصحيح العقد ، د. منصور حاتم محسن، دار الكتب القانونية ٢٠١٠م، س ٦٨).
الوجه السادس: مستلزمات تنفيذ العقد المقررة في العرف:
فقد أشار الحكم محل تعليقنا إلى أن هناك مستلزمات تنفيذ العقد مقررة في العرف عملاً بالمادة (212) مدني السابق ذكرها.
فالعرف يكمل إرادة المتعاقدين، والعرف في هذه المسألة ينقسم إلى نوعين؛ الأول: العرف الذي يكمل إرادة المتعاقدين وذلك إذا لم يذكر المتعاقدون الإلتزام في متن العقد، والنوع الثاني من العرف هو: العرف المفسر الذي يفسر الإلتزام المذكور في متن العقد حيث يتم اللجوء إليه إذا كان هناك غموض في الإلتزام المذكور في العقد، ومن مستلزمات تنفيذ العقد الشروط المألوفة في العقد بحسب ما إعتاد عليه الناس في منطقة التعاقد أو ما تعارف عليه اهل الحرفة أو المهنة، فهناك شروط تعارف الناس واعتادوا على إدراجها في العقود ، ولذلك تكون ملزمة للمتعاقد سواءً وردت في العقد أو لم ترد.
الوجه السابع: مستلزمات تنفيذ العقد المقررة في قواعد العدالة:
صرحت المادة (212) مدني أن من مستلزمات تنفيذ العقد ماهو مقرر في قواعد العدالة مثل إلتزام بائع المتجر بعدم منافسة المشتري وإلتزام العامل بعدم البوح بأسرار العمل وغيرها مما تقتضيه قواعد العدالة، فقواعد العدالة تفرض على المتعاقدين إلتزامات لم يرد ذكرها في العقد الذي قاموا بإبرامه، ونخلص من ذلك إلى أن قواعد العدالة من مستلزمات تنفيذ العقد. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل العقود، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025، ص٢١١)، والله اعلم.