صلح الشخص الإعتباري في القانون اليمني

صلح الشخص الإعتباري في القانون اليمني

وفقاً لأحكام القانون المدني اليمني تتمتع الوحدات الإدارية والوزارات والمصالح والأجهزة والشركات النظامية بالشخصية الإعتبارية والذمة المالية المستقلة التي تجعلها أهلاً لإكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات وإبرام العقود والتصرفات مع الغيرعن طريق الممثل القانوني للشخص الاعتباري.

 حيث يقوم الممثل القانوني للجهة ذات الشخصية الاعتبارية يقوم بإبرام العقود والتصرفات نيابة عن الجهة، بما في ذلك عقد الصلح، فإذا قام الممثل القانوني بإبرام عقد الصلح نيابة عن الشخص الإعتباري فإن الشخص الإعتباري هو الذي يتحمل آثار وتبعات هذا الصلح، وهو الذي تتم اجراءات تنفيذ عقد الصلح في مواجهته، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-12-2010م في الطعن رقم (41597)، المسبوق بالحكم الاستئنافي الذي ورد ضمن أسبابه: (فإن المبالغ التي أقر بها المستأنف ضده بموجب عقد الصلح الذي ابرمه المستأنف نيابة عن.... عندما كان مديراً لها في ذلك الوقت ، ولذلك فإن المطالبة بتنفيذ ما ورد في عقد الصلح تكون في مواجهة الجهة التي كان يديرها المستأنف ، لأن تلك الجهة شخص إعتباري ، وكان دور المستأنف هو تمثيلها وقت إبرام عقد الصلح)، وعند الطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي أقرت الدائرة التجارية الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فالدائرة تجد: أن أسباب الطعن قد سبق لمحكمتي الموضوع بحثها ، وقد أكد الحكم المطعون فيه أن المطعون ضده تعامل مع الطاعنين بصفته مديرا لـ....)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم ،حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية الشخص الإعتباري:

الشخص الإعتباري شخص إفتراضي افترضه القانون حتى يباشر أعماله ويقدم خدماته ويلبي إحتياجات ومتطلبات الأشخاص الآخرين، فالشخص الإعتباري عبارة عن كيان قانوني يتكون من مجموعة أشخاص أو أموال، ويكون له كيان مستقل عن الأشخاص المؤسسين له ، فالشخص الإعتباري كيان مستقل يكتسب حقوقاً ويتحمل إلتزامات ، وله ذمة مالية مستقلة ، ويكون له ممثل قانوني يباشر التصرفات نيابة عنه ويقوم بتمثيله أمام القضاء وغيره من الجهات والأشخاص الآخرين، ومن أمثلة الشخص الإعتباري: الشركات والمؤسسات الحكومية والجمعيات.

 وتكون للشخص الإعتباري أهلية في إكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات في حدود القانون وبحسب الطبيعة الخاصة للشخص الإعتباري. (نظرية الشخصية الإعتبارية بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، د. أحمد محمود الخولي، دار السلام القاهرة 2008م، صـ57).

الوجه الثاني: الشخص الإعتباري في القانون المدني اليمني:

القانون المدني هو الذي ينظم الأشخاص وأهلياتهم ، ولذلك فقد حدد هذا القانون أنواع الأشخاص الإعتباريين، وذلك في المادة (87) التي نصت على أن: (الأشخاص الإعتباريون هم: -1- الدولة والمحافظات والمدن والمديريات بالشروط التي يحددها القانون والوزارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة التي يمنحها القانون الشخصية الإعتبارية -2- الهيئات التي تعترف لها الدولة بالشخصية الإعتبارية -3- الأوقاف -4- الشركات التجارية والمدنية -5- الجمعيات والمؤسسات المنشأة وفقاً لأحكام الجمعيات والمؤسسات المبينة في هذا القانون).

ومن جهة أخرى حددت المادة (88) من القانون ذاته الحقوق التي يتمتع بها الشخص الإعتباري، فقد نصت هذه المادة على أن: (الشخص الإعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها متصلاً بصفة الإنسان الطبيعية فيكون له: -1- ذمة مالية مستقلة -2- أهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه أو التي يقرها القانون -3- حق التقاضي -4- موطن مستقل طبقاً لما هو مبين في قانون المرافعات -5- نائب يعبر عن إرادته ويمثله في التقاضي وغيره).

الوجه الثالث: عقد الصلح الذي يجوز لممثل الشخص الإعتباري إبرامه:

ذكرنا في الوجهين السابقين أن الشخص الإعتباري له ممثل قانوني يمثله في إبرام العقود والتصرفات، ومن ذلك عقد الصلح ، بيد أن الممثل القانوني للشخص الإعتباري لا يجوز له إبرام الصلح في القانون المدني اليمني إلا إذا لم تكن لدى الشخص الإعتباري أدلة تؤيد دعواه وتوفرت لدى خصم الشخص الإعتباري الأدلة الكافية التي تدحض دعوى الشخص الإعتباري ، او ثبتت ادلة دعوى خصم الشخص الإعتباري وانعدمت ادلة الشخص الإعتباري التي تدحض دعوى خصمه، وفي هذا المعنى نصت المادة (671) من القانون المدني اليمني على أنه (لا يصح الصلح ممن لا يملك التبرع كالصبي المأذون له وولي الصغير وناظر الوقف ومن إليهم إلا في حالتين -1- إذا كان مدعياً لمن يمثله وكان المدعى عليه منكراً ولا بينة للمدعي فله أن يصالح على بعض الحق ولا تبراء ذمة الغريم من الباقي -2- إذا كان من يمثله يدعي عليه ولدى المدعي بينة وحكم بثبوت الحق فيصالح بما امكنه).

وقد ورد في بداية النص القانوني السابق جملة (ومن إليهم) ، ومعنى هذه الجملة: الممثلون لغيرهم الذين لم ترد اسماؤهم في النص السابق، ويندرج ضمن هؤلاء الممثل القانوني للشخص الإعتباري ، فلا يجوز له إبرام الصلح نيابة عن الشخص الإعتباري إلا في الحالتين المحددتين في النص القانوني السابق، لان من شروط الصلح ان يكون المصالح مالكا لعوض أو بدل الصلح ، والممثل القانوني للشخص ليس مالكا لبدل الصلح ، فهو مجرد مدير لاموال الشخص الإعتباري الذي يمثله، فالمالك لبدل الصلح هو الشخص الاعتباري وليس مديره.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الصلح، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2024م، صـ97).

الوجه الرابع: آثار العقد الذي يبرمه الممثل القانوني للشخص الإعتباري (عقد الصلح):

ذكرنا أن الممثل القانوني للشخص الإعتباري هو الذي يتولى إبرام العقود والتصرفات نيابة عن الشخص الإعتباري بما في ذلك عقد الصلح، بيد أن الآثار المترتبة على هذا العقد يتحملها الشخص الإعتباري ، فلا يتحمل الممثل القانوني مسئولياتها وتبعاتها وآثارها، فآثارها وتبعاتها تنصرف إلى الشخص الإعتباري ، ومؤدى ذلك أن إجراءات تنفيذ عقد الصلح أو المطالبة بتنفيذه ينبغي أن تتم في مواجهة الشخص الإعتباري ذاته، وليس في مواجهة ممثله القانوني الذي ابرم العقد نيابة عن الشخص الإعتباري. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الصلح، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2024م، ص١٠٣)، والله اعلم.