رفض الخبير القيام بالمهمة

تعيين المحكمة للخبير العدل من إجراءات المحاكمة المهمة، ولذلك ينبغي أن يكون في المحكمة جدول حديث يتضمن اسماء الخبراء العدول الذين تستعين المحكمة بخبراتهم وان يتضمن هذا الجدول كافة البيانات اللازمة عن الخبراء ومؤهلاتهم وخبراتهم وتخصصاتهم وعناوينهم والاعمال التي سبق للمحكمة أن استعانت بهم فيها ، كما ينبغي على المحكمة ان تتحقق قبل تعيين الخبير من ظروف الخبير وعدم وجود قرابة أو عداوة أو صداقة فيما بينه وبين اطراف الخصومة حتى لايعتذر الخبير لاحقا عن اداء مهمته فتطول اجراءات التقاضي أو المحاكمة.

كما يجب إثبات تعيين الخبير العدل في محضر جلسة المحكمة وكذا تحديد نطاق مهمة الخبير، فإذا رفض الخبير أو أعتذر عن القيام بالمهمة فعلى المحكمة إثبات رفضه أو إعتذاره عن أداء المهمة وذلك في محضر الجلسة، وتعيين من يخلفه، لأن محاضر جلسات المحاكمة هي الراصد الآمين التي تتضمن تسجيلاً كتابياً لكل إجراءات المحاكمة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 22-2-2009م في الطعن رقم (33128)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: لا تجد في إجراءات التقاضي أمام محكمة أول درجة منذ أول جلسة وحتى آخر جلسة سوى جانب واحد إيجابي قامت به المحكمة وهو تعيين الخبير ، ومع ذلك فقد ظهر أن الخبير رفض الإستمرار، كما أن محكمة أول درجة لم تقوم بإستدعاء الشهود المطلوبين من قبل الخصوم...إلخ)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: تعيين الخبير من قبل المحكمة

عندما تظهر للمحكمة مسألة فنية دقيقة تحتاج إلى بيان الرأي الفني فإن المحكمة تستعين بالخبير العدل المختص من تلقاء ذاتها أو بناءً على طلب بعض الخصوم، وفي كل الاحوال يجب أن يتم تعيين الخبير في محضر جلسة المحاكمة الذي يفترض أن يتضمن إثبات وتدوين كافة إجراءات المحاكمة بما في ذلك تعيين الخبير العدل وتحديد نطاق مهمته ووقت إنجازها وعزله أو إعتزاله وتعيين خلفه والتقارير والاعمال التي كان يرفعها الى المحكمة اثناء قيامه بالمهمة وكذا التقرير النهائي المتضمن نتيجة عمله أو رايه الفني ، فتعيين المحكمة للخبير العدل ومايتبع ذلك من اعمال وإجراءات تعد من إجراءات المحاكمة المهمة التي ينبغيع إثباتها.

 وقبل قيام المحكمة بتعيين الخبير فأنه من الواجب على المحكمة إستعراض جدول الخبراء العدول في المحكمة لمعرفة الخبير المناسب للمسألة الفنية المطلوب منه إبداء الرأي فيها وما إذا كان هذا الخبير موجوداً وقابلاً للقيام بالمهمة في الوقت المحدد لإنجازها وما إذا كانت هناك موانع قانونية تمنعه من القيام بالمهمة.

الوجه الثاني: رفض الخبير أداء المهمة قبل شروعه فيها

في بعض الحالات يعتذرالخبير العدل الذي سبق للمحكمة تعيينه عن أداء المهمة لأسباب عدة كإنشغاله بمهمة أخرى أو عمل آخر أو وجود موانع قانونية تمنعه من أداء المهمة كالقرابة أو الخصومة او الصداقة أو وجود علاقة عمل سابقة فيما بين الخبير وأحد أطراف الخصوم أو مرض الخبير أو سفره أو شعوره بأن الأتعاب ستكون يسيرة وغير ذلك من الأسباب، فعندما يقوم الخبير برفض أداء المهمة أو الإعتذار عن القيام بها قبل أن يشرع بأي إجراء من إجراءاتها، فعندئذٍ ينبغي على المحكمة أن تثبت إعتذار الخبير أو رفضه وذلك في محضر جلسة المحكمة وأن تقوم بتعيين بديلاً عنه وتثبت ذلك ايضا في محضر جلسة المحكمة. (الدليل الاسترشادي لتنظيم أعمال الخبرة، الاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم ، دبي ٢٠٢٣م ، ص١٢).

الوجه الثالث: إعتذار الخبير العدل عن الإستمرار في أداء المهمة

في بعض الاحوال قد تحدث ظروف أو أسباب تجعل الخبير يعتذر عن الإستمرار في أداء المهمة، وعندئذٍ يجب على المحكمة أن تكلف الخبير بإعداد تقرير تفصيلي عن الأعمال أو الإجراءات التي قام بها أثناء فترة أدائه للمهمة وأن يرفق بالتقرير المشار إليه كافة المستندات المؤيدة للتقرير وكذا كافة المستندات التي حصل عليها أو جمعها اثناء الفترة السابقة من أدائه للمهمة، وبعد ذلك تقوم المحكمة بإثبات عزلها للخبير السابق أو قبولها لإعتذاره، وبعد ذلك تقوم المحكمة بتعيين الخبير البديل لمواصلة أداء المهمة من حيث انتهى الخبير السابق المعزول أو المعتزل مترشداً بالتقرير والمستندات المقدمة من الخبير السابق.

الوجه الرابع: أتعاب الخبير العدل المعتزل الذي تعذر إستمراره في أداء المهمة

إذا تعذر على الخبير العدل الإستمرار في أداء المهمة المكلف بها من قبل المحكمة ووجدت المحكمة أن مبررات رفضه الإستمرار في أداء المهمة مقنعة ومعقولة، فأنه يستحق أجراً نظير الأعمال التي سبق له أن قام بها في ضوء التقرير والمستندات والمؤيدات المقدمة منه إلى المحكمة، إذ تقوم المحكمة بتقدير أتعابه في هذه الحالة في ضوء الأعمال التي قام بها ، فإذا نازع الخبير في ذلك فإن المحكمة تقوم بتقدير أتعابه بنظر خبير عدل آخر.

أما إذا اعتذر الخبير بداية قبل شروعه بالمهمة فأنه لا يستحق أتعاباً لعدم قيامه بأي عمل.

الوجه الخامس: توصية بشأن تحديث بيانات جدول الخبراء العدول في المحاكم

يوجد في كل محكمة جدول يتضمن أسماء الخبراء العدول الذين تستعين بهم المحكمة لبيان الرأي في المسائل الفنية الدقيقة، إذ يجب أن يتضمن هذا الجدول اسماء الخبراء وعنوانهم ومؤهلاتهم وخبراتهم السابقة والأعمال التي سبق للمحكمة أن ندبته للقيام بها، ولا يكفي ذلك بل ينبغي تحديث بيانات هذا الجدول دورياً لإستيعاب المتغيرات أو المستجدات التي تطرأ بين الوقت والآخر.

الوجه السادس: وجوب تضمين محضر جلسة المحاكمة إجراءات تعيين الخبير أو عزله أو إعتزاله

تطلق بعض الدول العربية على محضر جلسة المحاكمة (مضبطة الجلسة) التي تتضمن ضبط وإثبات كافة إجراءات المحاكمة التي تتم أمام هيئة المحكمة بما في ذلك إثبات تعيين الخبير العدل ونطاق مهمته وإعتزاله أو عزله وأتعابه وتعيين البديل عنه وتحديد المهمة التي ينبغي عليه أن يستكملها حتى تتمكن محكمة الطعن من الإحاطة بجوانب القضية المختلفة ، وحتى تتمكن محكمة الطعن من بسط رقابتها على إجراءات المحاكمة للتاكد من سلامتها وموافقتها للشرع والقانون. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ79)، والله اعلم.