دعوى صحة ونفاذ البيع في القانون اليمني
دعوى صحة ونفاذ البيع هي: دعوى يقدمها المشتري إذا رفض البائع إستكمال إجراءات البيع ونقل ملكية المبيع ، فيقوم المشتري بتقديم دعوى صحة ونفاد البيع حتى يتمكن المشتري من تسجيل البيع العقاري ونقل ملكية العقار اليه من البائع بواسطة هذا الحكم ، فيغني هذا الحكم عن تسجيل عقد البيع العقاري فعندما يصدر القاضي الحكم في دعوى صحة ونفاذ المبيع يقوم هذا الحكم مقام التسجيل أو الإجراء الذي يتطلبه القانون لنقل الملكية وتمام إجراءات البيع.
وقد اشار الى دعوى صحة ونفاذ البيع الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-3-2011م في الطعن رقم (43787)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبإطلاع الدائرة على كافة الأوراق مشتملات الملف تبين أن المطعون ضده الأول حالياً قد تقدم بدعوى اسماها دعوى إستحقاق ضد الطاعن والمطعون ضده الثاني والثالث وهم ملاك العقار، وبالتمعن في فحوى تلك الدعوى نجد أنها في حقيقتها هي دعوى إثبات صحة البيع، إذ أن كل ما كانت ترمي إليه تلك الدعوى هو إثبات صحة شراء المدعي المطعون ضده الأول للعقار من اثنين من ملاكه وقانونية تصرفهما في بيع حصتهما في العقار، وهذه الدعوى دعوى موضوعية تتعلق بملكية العقار)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مفهوم دعوى صحة البيع ونفاذه:
من المعلوم أن البيع من أهم العقود الذي تناولها فقهاء الشريعة الإسلامية في مصنفاتهم، ونظمه القانون المدني اليمني مبيناً تعريفه وأركانه وشروطه وأحكامه وآثاره، وبما أن عقد البيع عقد من جملة العقود فتسري عليه الأحكام العامة بالعقد بصفة عامة التي نظمها أيضاً القانون المدني، وعلى هذا الاساس يحق للمشتري ذي الصفة والمصلحة ان يقدم دعواه بشان صحة ونفاذ البيع الذي يدعيه.
وفي سياق تنظيم القانون المدني للعقد بصفة عامة نظم القانون دعوى صحة العقد بصفة عامة، ومؤدى ذلك أنه يحق للمشتري في عقد البيع أن يرفع دعوى صحة البيع إذا كان عقد البيع قد تم غير أن البائع رفض إستكمال الإجراءات مثل تحرير البصيرة أو الحضور لتوثيقها أو التوقيع على وثيقة البيع في دفتر الأمين الشرعي او في البصيرة ذاتها.
وفي هذا المعنى نصت المادة (155) من القانون المدني اليمني على أنه: (إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية بالعقد وإحتفظا بمسائل تفصيلية سيتفقا عليها ولم يذكرا صراحة أن العقد لا يتم إلا بعد الإتفاق عليها اعتبر العقد قد تم وإذا قام الخلاف على المسائل التي لم يتم الإتفاق عليها فإن المحكمة تقضي فيها طبقاً لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة) وقد نصت المادة (452) مدني على أن: (ويتم عقد البيع بتلاقي الإيجاب والقبول في مجلس العقد...).
أما المادة (527) مدني فقد نصت على أنه: (إذا كان نقل ملكية المبيع إلى المشتري يتوقف على تنظيم كتسجيل العقد فإن البائع يكون ملزماً بالقيام بما يقتضيه ذلك حتى يتم نقل الملكية إلى المشتري).
فدعوى صحة ونفاذ البيع هي دعوى يقدمها المشتري للعقار حتى يتمكن من تسجيل عقد البيع العقاري ونقل ملكية العقار من البائع إلى المشتري، وعندما يصدر القاضي الحكم في دعوى صحة ونفاذ المبيع يقوم هذا الحكم مقام التسجيل أو الإجراء الذي يتطلبه القانون لنقل الملكية وتمام إجراءات البيع.
الوجه الثاني: الطبيعة القانونية لدعوى صحة ونفاذ البيع:
موضوع هذه الدعوى هو عقد البيع ونفاذه، إذ يدعي المشتري وجود بيع إبتدائي وتوفر اركان وشروط البيع المقررة في الشرع والقانون ، فيقوم المشتري المدعي بتقديم الادلة على ذلك ، فيقوم القاضي بدراسة الدعوى وادلتها للتحقق من مدى توفر أركان وشروط هذا عقد البيع في ضوء المستندات والأدلة المقدمة من المشتري ، وفي ضوء أركان وشروط عقد البيع المقررة في القانون.
ومن خلال هذا العرض الموجز يظهر أن دعوى صحة ونفاذ عقد البيع دعوى موضوعية مثل غيرها من الدعاوى الموضوعية ، إذ يجب على القاضي المختص أن يجري التحقيق الموضوعي اللازم للتحقق مما إذا كان هناك بيعا ومما إذا توفرت أركان وشروط عقد البيع المدعى وجوده وصحته ومما إذا كان هذا العقد نافذا ، ويجري القاضي التحقيق الموضوعي اللازم في ضوء الدعوى المعروضة عليه وفي ضوء أدلتها ورد البائع المدعى عليه وادلته ، وعلى اساس ذلك يصدر القاضي حكما موضوعيا يحسم موضوع هذا النزاع. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل المحررات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ض٨٧).
الوجه الثالث: إجراءات تقديم دعوى صحة ونفاذ البيع:
عندما يكون المبيع عقاراً ففي بعض الدول يقوم المشتري برفع دعوى صحة ونفاذ البيع العقاري بعد إجراءات لدى مصلحة السجل العقاري، أما في اليمن فإن هذه الدعوى ترفع من المشتري مباشرة أمام المحكمة المختصة مثل غيرها من الدعاوى ،ويكون البائع هو المدعى عليه في هذه الدعوى.
ويجب على المدعي المشتري ان يرفق بدعواه المستندات والأدلة التي تدل على وجود البيع المدعى بصحته ونفاذه ، حتى تتمكن المحكمة من إجراء التحقيق الموضوعي اللازم للوقوف على وجود البيع من عدمه ومدى توفر أركان وشروط عقد البيع المدعى بصحته ونفاذه.
الوجه الرابع: الهدف من دعوى صحة ونفاذ البيع:
الهدف الأساسي لهذه الدعوى في الدول الملتزمة بتطبيق السجل العقاري هو الحصول على حكم قضائي يحل محل تسجيل المبيع العقاري لدى السجل العقاري، فيقوم هذا الحكم مقام التسجيل العقاري في نقل ملكية المبيع ، فيكون حجة في مواجهة الكافة وفقاً لقانون السجل العقاري.
بيد أن هدف الخصوم في اليمن من دعوى صحة ونفاذ العقد هو الحصول على حكم قضائي يحل محل وثيقة البيع العقاري (البصيرة/ الحجية) فيكون الحكم بصحة البيع العقاري بديلاً عن البصيرة أو الحجية، كما أن الشخص يستطيع التصرف في المبيع بموجب الحكم الصادر في دعوى صحة ونفاذ عقد البيع.
وكذلك الحال في التصرفات الاخرى الناقلة للملكية العقارية غير البيع العقاري كالهبة والوصية...الخ، بيد ان المدعى عليه في هذه التصرفات قد يكون غير المتصرف مثل دعوى صحة الوصية ونفاذها التي يتم رفعها بعد وفاة الموصي ، إذ يتم رفعها في مواجهة الورثة.
الوجه الخامس: اطراف دعوى صحة ونفاذ البيع:
غالبا يتم رفع دعوى صحة ونفاذ البيع على البائع بإعتباره في مركز المدعى عليه الاصلي في دعوى صحة ونفاذ البيع ، بيد ان هذه الدعوى قد يتم رفعها في مواجهة ورثة البائع كما يجوز رفعها في مواجهة المشتري التالي للمدعي في شراء المبيع، ويمكن رفعها في مواجهة الغاصب أو الحائز، ومهما يكن فانه ينبغي إختصام الحائز للمبيع الذي يحوزه لنفسه حتى يكون بصحة البيع ونفاذه حجة في مواجهة المشتري الاخير وكذلك الحال بالنسبة للغاصب أو الحائز لنفسه ، وحتى يتمكن المحكوم عليه من تنفيذ الحكم في مواجهة هولاء ،غير ان هناك رأي يذهب الى أن دعوى صحة البيع ونفاذه في البيع العقاري لايتم رفعها الا في مواجهة البائع أو ورثته فقط ، لان الحكم الصادر في هذه الحالة تكون له حجيته المطلقة بموجب قانون السجل العقاري في مواجهة الكافة بإعتباره يحل محل اجراءات التسجيل العقاري. (الشامل في شرح دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع ، د السيد عبد الوهاب عرفة، دار الكتب والدراسات العربية القاهرة ٢٠١٩م، ١١٣).
الوجه السادس: الآثار المترتبة على صدور الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع:
يترتب على صدور الحكم في دعوى صحة ونفاذ البيع تثبيت ملكية المشتري المدعي المحكوم له باللعقار المدعى بصحة بيعه ونفاذه، كما يكون هذا الحكم بدلاً عن البصيرة الموثقة في قلم التوثيق اوالمسجلة في السجل العقاري ، ويكون هذا الحكم مستند شرعي وقانوني يدل على ملكية المحكوم له، ويكون هذا الحكم مقرراً للبيع الذي تم ولم تستكمل إجراءاته ، وبموجب هذا الحكم يستطيع المحكوم له ان يتصرف بالمبيع المحكوم به .
الوجه السابع: دعاوى صحة ونفاذ التصرفات الأخرى غير البيع:
ذكرنا في بداية هذا التعليق ان دعوى صحة ونفاذ البيع ماهي الا نوع من دعاوى صحة ونفاذ العقود والتصرفات الأخرى ، ولذلك فان القانون يجيز لذوي المصلحة والصفة ان يرفعوا دعاويهم بصحة العقود والتصرفات الاخرى، وبحسب الاجراءات السابق ذكرها بشان دعوى صحة ونفاذ البيع. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في العقود ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٣٢٢).
الوجه الثامن: أهمية دعاوى صحة التعاقد في سرعة الفصل في القضايا وتوصيتنا لوزارة العدل:
من خلال العرض الموجز لدعوى صحة ونفاذ البيع في هذا التعليق الموجز يظهر ان دعاوى صحة التعاقد مركزة ومحددة في مدى وجود العقد ومدى توفراركان وشروط العقد اوالتصرف ، ومن المعلوم أن غالبية القضايا هي بشان العقود والتصرفات ، فلو توسل الخصوم بدعاوى صحة العقود والتصرفات لأنحصر النزاع وتحدد في نطاق محدد ولتمكن الخصوم والقاضي بالنزاع ولتم الفصل في القضايا في يسر وسهولة.
وقد لاحظنا في الحكم محل تعليقنا ان القضية جعلت واتسعت حتى وصلت الى المح كمة العليا التي ارشدت الخصم الى رفع دعوى صحة ونفاذ البيع ، وكيفت المحكمة العليا النزاع على هذا النزاع ، مع العلم ان إستخدام دعاوى صحة التعاقد نادرة في اليمن.
ولذلك نوصي وزارة العدل: بإعداد نموذج لدعوى صحة العقد أو التصرف وإطلاقه ضمن الخدمات القضائية الإلكترونية التي تقدمها الوزارة.
توصية للباحثين في مجال الدكتوراه والماجستيرفي اليمن:
اظهر الحكم محل تعليقنا اهمية دعوى صحة التعاقد في حصر وضبط النزاعات المتفلتة التي تنهك الخصوم والقضاة والعدالة، ولذلك نوصي بان يتفضل بعضكم بإختيار هذا الموضوع عنواناً لرسالته على هيئة نظرية عامة ، والله اعلم.