إبلاغ الأصيل بأعمال الوكيل
معنى الوكالة في الشرع والقانون هو أن الوكيل يقوم مقام الأصيل فيما وكله، ومؤدى ذلك أن الوكيل يقوم بأعمال الوكالة لحساب الأصيل الذي يتحمل تبعاتها وآثارها.
ولذلك فإن الشريعة الإسلامية والقانون يحتما على الوكيل أن يقوم بإبلاغ الاصيل أولا باول بالأعمال التي قام بها الوكيل لحسابه بما في ذلك إلتزام الوكيل بتسليم الاصيل المستندات التي يتحصل الوكيل عليها بمناسبة قيامه بأعمال الوكالة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 23-2-2011م في الطعن رقم (43865)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (لذلك ترى هذه الدائرة أن على الشعبة تحري ذلك، لأن المدعى عليه وكيل للمدعي في بيع الأرضية ، حيث لا تناكر على ذلك طبقاً لمدونتي الحكمين الابتدائي والاستئنافي، فالمدعى عليه أمين في قيامه بالتصرف بوصفه وكيلاً للمدعي في بيع الأرضية ، فهو ملزم بإبلاغ الموكل بما وصل إليه في تنفيذ الوكالة طبقاً لأحكام المادة (930) مدني، ومن مقتضى ذلك إبراز نسخة من عقد بيع الأرضية للتأكد من مبلغ الثمن الذي بعيت به الارض)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: مفهوم الوكالة في القانون المدني اليمني:
الوكالة التي أشار إليها الحكم محل تعليقنا كانت وكالة مدنية تسري عليها أحكام الوكالة المقررة في القانون المدني، فقد كان موضوع هذه الوكالة شراء أرضية حسبما ورد في أسباب الحكم محل تعليقنا.
وقد عرّف القانون المدني الوكالة في المادة (905) التي نصت على أن: (الوكالة هي إقامة الغير مقام النفس حال الحياة في تصرف معلوم جائز شرعاً فيما يصح للأصيل حق مباشرته بنفسه).
ودلالة منطوق هذه المادة واضح في أن الوكيل يقوم مقام الأصيل كأن الوكيل في أعمال الوكالة هو الأصيل، ومؤدئ ذلك أنه ينبغي ان يكون الاصيل عالما بكافة تفاصيل أعمال الوكالة التي يباشرها الوكيل لحسابه.
وفي هذا السياق نصت المادة (918) مدني على أن التصرفات التي يقوم بها الوكيل بموجب الوكالة وفي حدودها تنصرف إلى الأصيل الموكل ، فهو الذي يتحمل تبعاتها ومسئولياتها واثارها ، طالما أن الوكيل قد قام بالتصرف في حدود الوكالة ، وقد تلفظ الوكيل أثناء التصرف بإضافة التصرف إلى الأصيل، ومعنى ذلك أن الأصيل هو الذي يتحمل آثار وتبعات التصرفات التي يباشرها الوكيل مضيفاً لها إلى الأصيل.
الوجه الثاني: الإلتزام القانوني بإبلاغ الوكيل للأصيل عن أعمال الوكالة التي يقوم بها:
استند الحكم محل تعليقنا في قضائه إلى المادة (930) مدني التي نصت على أنه: (يلزم الوكيل إبلاغ الموكل بما وصل إليه في تنفيذ الوكالة أولاً بأول كلما امكن ذلك كما يلزمه تقديم حساب عنها للموكل).
ويظهر من خلال إستقراء هذا النص ما يأتي:
1- إبلاغ الوكيل للأصيل بالأعمال التي يقوم بها تنفيذاً للوكالة واجب قانوني على الوكيل، لأن صيغة النص القانوني السابق تفيد الوجوب، وذلك ظاهر من جملة (يلزم الوكيل إبلاغ الموكل)، وبما أن إبلاغ الوكيل للأصيل وجوبي وفقاً للنص السابق فإن الوكيل يكون مسئولاً مسئولية قانونية عن عدم الإبلاغ ،فيتحمل التبعات التي تترتب على عدم الإبلاغ.
2- عموم الإبلاغ لكافة أعمال الوكالة التي يقوم بها الوكيل تنفيذاً للوكالة، فقد ورد ضمن النص السابق (بما وصل إليه في تنفيذ الوكالة) ، ومن المعلوم أن حرف (ما) الوارد في النص السابق من الأسماء الموصولة التي تفيد العموم ، ومعنى ذلك أنه يجب على الوكيل إبلاغ الأصيل بكافة الأعمال التي قام أو يقوم بها في سبيل تنفيذ الوكالة.
3- لزوم أن يكون إبلاغ الوكيل لموكله بأعمال الوكالة (أولاً بأول) ،حسبما ورد في النص القانوني السابق، بيد أن الإبلاغ (أولاً بأول) يكون بحسب الإمكان بالنسبة للوكيل ، لأن النص ذاته قد تضمن جملة (كلما أمكن ذلك)، فهذا الاستثناء مقصور على الإبلاغ (أولاً بأول)، ولذلك فإن الإبلاغ ذاته يظل لازماً على الوكيل حينما يتمكن من ذلك. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل العقود، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص١٠٤).
الوجه الثالث: أعمال الوكالة التي يجب على الوكيل إبلاغ الأصيل بها:
سبق القول أن نص المادة(٩٣٠) مدني السابق ذكره قد جاء بصيغة العموم، ومؤدى ذلك أنه يجب على الوكيل الإبلاغ عن كافة أعمال الوكالة التي قام بها أو يقوم بها، ومفاد ذلك أن الوكيل يقوم بإبلاغ الأصيل بالأعمال التي يقوم بها والصعوبات والمعوقات التي يواجهها في سبيل تنفيذ الوكالة والمقترحات التي يراها الوكيل لمعالجتها حتى يكون الاصيل على بينة من الأعمال التي يقوم بها الوكيل وحتى يتمكن الاصيل من تقرير اللازم بحسب البيانات المقدمة من الوكيل ، فلا يكفي أن يقوم الوكيل بإبلاغ الأصيل بتمام العمل الذي أوكل إليه. (عقد الوكالة في التشريع والفقه والقضاء، د. شربل طانيوس صابر، منشورات زين الحقوقية ١٩٩٨م، ص٢٦٥).
الوجه الرابع: قيام الوكيل بإستئذان الأصيل قبل قيامه بأعمال الوكالة:
الصحيح أن مفهوم الوكالة هو إذن الأصيل المسبق للوكيل بأن يقوم مقامه في تنفيذ العمل الموكول إلى الوكيل، وعلى ذلك لا يلزم أن يقوم الوكيل بإستئذان موكله كلما أعتزم القيام بأي عمل من أعمال الوكالة، وإلا لما كان للوكالة جدوى، مع عدم الإخلال بحق الاصيل في إبلاغه بأعمال الوكالة.
ولا يلزم الوكيل استئذان الأصيل إلا في الأعمال التي يرى الوكيل أنها قد تتجاوز حدود الوكالة.
الوجه الخامس: إلزام الوكيل بتسليم الأصيل المستندات التي تحصل عليها الوكيل بمناسبة قيامه بأعمال الوكالة:
كان محل النقاش في الحكم محل تعليقنا هو إلزام الوكيل بتسليم المستندات التي حصل عليها أثناء قيامه بأعمال الوكالة والمتعلقة بأعمال الوكالة، وقد قضى الحكم محل تعليقنا بان هذا الإلتزام من ضمن الإلتزام المقرر على الوكيل بمقتضى المادة (930) مدني ، فدلالة الإقتضاء الواردة في نص المادة (930) مدني السابق ذكرها تقتضي أن يقوم الوكيل بتسليم الاصيل المستندات المشار إليها ، فالوكيل ملزم بتسليم الأصيل المستندات التي تحصل عليها أثناء قيامه بأعمال الوكالة.
الوجه السادس: إلتزام الوكيل بتقديم كشف حساب إلى الأصيل يتضمن النفقات والمصاريف التي دفعها الوكيل في سبيل قيامه بأعمال الوكالة:
ألحقت المادة (930) مدنى ألحقت بإلزام الوكيل بإبلاغ الأصيل بأعمال الوكالة ألحقت بذلك إلزام الوكيل بتقديم كشف حساب للأصيل يتضمن النفقات والمصاريف التي دفعها الوكيل في سبيل قيامه بأعمال الوكالة فقد ورد في نهاية المادة (930) مدني: (كما يلزمه تقديم حساب عنها للموكل).
فقد وردت في هذا النص كلمة (حساب) وليس مجرد كشف حساب يتضمن بيانات ناقص، ومؤدى ذلك أنه يجب أن يعد الوكيل كشف حساب يتضمن البيانات الكاملة عن النفقات والمصاريف التي دفعها الوكيل في سبيل قيامه بأعمال الوكالة وتاريخ دفع كل مبلغ من المبالغ الواردة في الكشف والغرض من دفع المبلغ والشخص اوالجهة التي تم دفع المبلغ إليها.
وبما أن النص قد تضمن كلمة (حساب) فأنه ينبغي على الوكيل أن يرفق بكشف الحساب المستندات المؤيدة للقيود الواردة في كشف الحساب مثل الفواتير وسندات القبض. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل المحررات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص١٧)، والله أعلم.