شهادة العامل لصاحب العمل

شهادة العامل لصاحب العمل

اشترط قانون الإثبات اليمني في الفقرة (هـ) من المادة (27) اشترط في الشاهد : (هـ- أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً)، وهذا الشرط العام يمنع شهادات طوائف عدة ،من ذلك منع شهادة العامل لصاحب عمله ، لأن العامل بشهادته لصاحب عمله يجر لنفسه نفعاً أو يدفع بشهادته لصاحب العمل عن نفسه ضرراً، كما انه قد ورت نصوص شرعية تمنع شهادة الاجير الخاص وهو العامل في المفهوم المعاصر تمنعه من الشهادة للشخص الذي استاجره وهو صاحب العمل في المصطلح المعاصر ،حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-3-2011م في الطعن رقم (43481)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد نعى الطاعن في السبب الثالث من أسباب طعنه أن الشعبة لم تأخذ بشهادة الشهود الذين استشهد بهم ، وهذا النعي مردود عليه : بأن الشعبة قد استمعت إلى ما أدلى به الشهود ، وناقشت شهاداتهم ولم تطمئن للأخذ بما أدلوا به معللة أنهم من عمال الطاعن، والمعلوم في هذا الشأن أن تقدير الأخذ بالدليل من عدمه من سلطة محكمة الموضوع)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: شهادة الأجير الخاص (العامل ) لصاحب العمل في الفقه الإسلامي:

 الاجير الخاص في الفقه الاسلامي هو الاجير الذي يعمل لدى شخص واحد فقط ، فيعتمد في معيشته على الاجر الذي يتقاضاه من صاجب العمل الذي يعمل لديه خاصة ، وينطبق مصطلح الاجير الخاص في العصر الحاضر على العامل.

وقد ذهب الفقهاء عدا المالكية الى منع شهادة الاجير الخاص لمن استاجره ، ودليلهم على ذلك الحديث النبوي الشريف الذي رواه عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: (رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على اخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت واجازها لغيرهم)، اخرجه أبو داؤود، ومعنى ذي الغمر الرجل الحقود اي ذي الحقد والشحناءوالعداوة، ومعنى القانع الأجير التابع وهو الأجير الخاص، وقال الشوكاني في نيل الأوطار وفي الدرر البهية أنه لا تقبل شهادة الاجير الخاص للتهمة لانه بشهادته بجلب لنفسه نفعا ويدفع عنها ضررا ، وقال الشوكاني ان هذا قول جمهور الفقهاء منهم الإمام الهادي والقاسم والناصر والإمام الشافعي، وقال الشوكاني أيضا: انه قد حكى في البحر الإجماع على عدم قبول شهادة الاجير الخاص.

 وقال ابن الأمير الصنعاني في سبل السلام: أنه تمنع شهادة الأجير لمضنة التهمة، وقال ابن الامير: أن هذا هو مذهب جمهور الفقهاء منهم الأوزاعي ومالك، كما جاء في الموسوعة الكويتية: ان شهادة الأجير الخاص لمستأجره لا تقبل ، لأن المنافع بينهم متصلة.

 وكذا لا تقبل شهادة الاجير لمن استاجره عند الزيدية والحنفية والحنابلة وحجتهم حديث النبي صلى الله عليه واله وصحبه وسلم:(لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي حنة) ، والظنين في الحديث هو الشخص الذي يكون مظنون في شهادته اي انه متهم بمحاباة المشهود له ، وهذا الأمر ينطبق على الاجير الخاص ، أما ذي الحنة المذكور في الحديث فهو الرجل الحقود عياذا بالله منه، لان حقده يعميه عن رؤية الوقائع، اما المالكية فقد ذهبوا إلى قبول شهادة الاجير الخاص لكنهم منعوا شهادة الحقود عياذا بالله منه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص٣٥).

الوجه الثاني: شهادة العامل لصاحب العمل في قانون الإثبات اليمني:

لم ينص قانون الإثبات اليمني صراحة على منع شهادة العامل لصاحب العمل، ولكنه أورد نصاً عاماً يسري على الشهود الذين تلابس شهاداتهم مظنة التهمة أي أنه من المحتمل أن يكون الشاهد في شهادته يجلب لنفسه نفعاً بشهادته ويدفع عنها ضرراً مثل شهادة العامل لصاحب العمل، فالعامل الشاهد قد يطوّع شهادته لصالح صاحب العمل الذي يعمل لديه ، لأن من صالح العامل أن يشهد لمصلحة صاحب العمل ، إضافة إلى أن لصاحب العمل تأثير وسطوة على العامل تجعل العامل يشهد لصالح صاحب العمل خلافاً لواقع الحال، وفي هذا المعنى نصت المادة (27) إثبات على أنه: (يشترط في الشاهد ما يأتي: -هـ- أن لا يجر لنفسه نفعاً أو يدفع عنها ضرراً)، ويفهم من هذا النص أن القانون اليمني يمنع شهادة العامل لصالح صاحب العمل. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ42).

الوجه الثالث: شهادة الأجير المشترك:

الاجير المشترك هو الشخص الذي يعمل لدى أكثر من صاحب عمل، ويذهب جمهور الفقهاء إلى منع شهادة الاجير في الوقائع المتعلقة بإجارته من صاحب العمل أو المؤجر، أما في الوقائع التي لا تتعلق بإجارته فتقبل شهادته لصاحب العمل لإنتفاء التهمة في شهادته، لأن الاجيرالمشترك لايعتمد في معيشته على صاحب عمل واحد. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشهادة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص٤٥)، والله اعلم.