حق المؤلف في التوصية بتعديل القانون
وفقاً لقانون الحق الفكري اليمني فإن حق المؤلف له أوجه عدة هي حق المؤلف في تقرير نشر مؤلفه من عدمه وكذا حقه في الحصول على مكافأة مالية عند تصرفه بحقه في المؤلف وكذا حقه في الإشارة إلى مؤلفه عند الإقتباس منه.
ولا ريب ان توصيات البحث أو الدراسة هي هدف البحث وغايته ، ومن المعروف أن التوصية هي عبارة عن إقتراح أو طلب من الباحث للجهات المعنية للأخذ أو العمل بتوصيته ، فاذا اخذت الجهة المعنية بتوصيته المنشورة بوسائل النشر المعروفة فان ذلك لايعد إعتداءا على حق المؤلف ،ويسري هذا الحكم على أخذ المقنن بتوصيات الباحثين بتعديل النصوص في القوانين المختلفة .
فمن الواجبات الشرعية والقانونية التي تقع على عاتق الأكاديميين والباحثين إجراء الدراسات والبحوث في كافة المجالات الشرعية والقانونية والطبية والزراعية...الخ، وتقديم التوصيات اللازمة بما فيها التوصيات بتعديل القوانين والأنظمة، حيث تحرص الجهات الحكومية والخاصة على الاستفادة من نتائج وتوصيات الأبحاث والدراسات المنشورة بما في ذلك الدراسات والأبحاث القانونية .
ولا ريب ان هدف الباحث من بحثه في المسألة هو إقتراح المعالجات المناسبة لتحسين أداء الجهات الحكومية والخاصة وضمان تقديم خدماتها لأفراد المجتمع بيسر وسهولة، ولا شك ان أهداف الباحثين والأكاديميين من تلك الدراسات والأبحاث المتضمنة النتائج والتوصيات قد يكون الحصول على الدرجات والترقيات العلمية وبعضهم يهدف منها الباحثون رضاء الله سبحانه وتعالى وجعلها صدقة جارية ينتفع المجتمع بها إذا قام بها الباحث او الأكاديمي لغير غرض الحصول على الدرجة العلمية او الترقية أو من غير تكليف من جهة معينة.
وفي بعض الأحوال تقوم بعض الجهات الحكومية والخاصة بتكليف الباحثين والأكاديميين بإعداد دراسات وأبحاث خاصة بها للاستفادة من النتائج والتوصيات التي سيتوصل لها الباحث، ففي هذه الحالة فأن الأكاديمي او الباحث يستحق الأجر الذي تم الاتفاق عليه مع الجهة، بيد أنه إذا ترتب على النتائج والتوصيات التي يتوصل إليها الباحث القانوني تعديل النصوص القانونية بالفعل فإن ذلك لا يخول الباحث القانوني او الاكاديمي الحق في المطالبة بمنحه مكافاة أو اجر مقابل أخذ المقنن بتوصياته طالما ان توصياته منشورة أو توصل إليها الباحث بناء على تكليف الجهة التي منحته مقابل إعداد البحث أو الدراسة ، والأهم من هذا وذاك أن تعديل النصوص القانونية يخضع لتعديلات عدة في مراحل عدة ، إضافة الى صياغة القوانين عمل سيادي يهدف إلى تنظيم شئون المجتمع وحماية حقوق ومصالح أفراد المجتمع باسره او فئة واسعة منه خلال دورة القانون التي تزيد على أربعين عاما بعد صدور القانون، فالمستفيد الحقيقي من الاخذ بتوصيات الباحث هو المجتمع باسره وليس الجهة التي اخذت بالتوصية ،وبناءً على ذلك فان الباحث او الاكاديمي لا يستحق مكافأة حق المؤلف إذا أخذ المقنن بالفعل بتوصياته المنشورة ، كما لايحق له مطالبة الجهات المستفيدة من النص القانوني الذي صدر بموجب توصية الباحث ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 25/4/2011م في الطعن رقم (44675) ، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار اليه : (وحول نعي الطاعن في السبب الثاني من أسباب طعنه بان محكمتي الموضوع اهملت دليلاً يؤكد بذله الجهد اللازم والسعي لتعديل القانون بآرائه وابحاثه ألا وهو المذكرة المؤرخة ... الموجهة من مصلحة ... إلى عميد كلية ... بجامعة ... مفادها ان الطاعن هو أحد الأساتذة المختصين الذين تم التشاور معهم ومناقشتهم بصفتهم الاكاديمية في الجوانب ... عند تعديل القانون، وحيث ان مستند الطاعن هذا ليس إلا صورة لم يقدم أصلها او نسختها سواءً للمحكمة الابتدائية او الشعبة، فلا يصلح هذا المسند للإحتجاج به، ومع ذلك فقد تعرضت محكمة الموضوع لمضمون هذا المسند، وهذا المستند لا يؤكد ان الطاعن هو من سعى إلى تعديل القانون ... او ان هذا التعديل قد تم بناءً على جهود الطاعن وبسببها ، وفوق ذلك كله فان مصلحة ... (حكومية) أفادت بعدم وجود اية صلة للطاعن الدكتور بشأن تعديل قانون ... الأخير، وعلى فرض صحة صدور ذلك المستند من المصلحة المطعون ضدها فهو ليس دليلاً على صحة دعوى الطاعن، أما نعي الطاعن في الفقرة (د) من السبب الثاني فهو نعي غريب إذ انه عند الاتفاق او التعاقد كل طرف لا يلزم الآخر بتقديم الدليل على تنفيذه بل أن المدعى عليهم هم الذين من حقهم ان يطلبوا من الطاعن تقديم الدليل على تنفيذه التزامه وهو انه قام بالسعي إلى تعديل قانون ... ان جهده ومقترحاته وآرائه وبحوثه حسب ما يدعي هي التي أدت إلى تعديل القانون وهو الأمر الذي فشل الطاعن في إثباته)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ملخص دعوى الباحث الطاعن في الحكم محل تعليقنا:
كان الطاعن قد رفع دعواه على مجموعة من الشركات التي تعمل في نشاط معين مدعيا بان توصيات ابحاثه المنشورة كانت سبب تعديل القانون الذي كان يتضمن نصوصا تفرض على هذه الشركات اعباء مالية هائلة كانت ترهق كاهل هذه الشركات ،وذكر الطاعن في دعواه بانه لولا توصياته واراؤه المنشورة لما تم تعديل القانون الذي كان يرهق الشركات المدعى عليها، بيد ان الحكم محل تعليقنا قضى بعدم احقية طلب الطاعن للاسباب المشار إليها.
الوجه الثاني: موضوع حق المؤلف في قانون الحق الفكري اليمني:
نصت المادة (2) من قانون الحق الفكري على أن (يكون موضوعاً لحق المؤلف الأعمال الإبداعية المتميزة بالإبتكار في مجال الآداب والفنون والعلوم أياً كان شكل العمل او الغرض منه او أهميته او طريقة انتاجه وسواءً كان تصنيف العمل في فرع من فروع الإبداع المعروفة ام تعذر ذلك) .
ونصت المادة (3) من القانون ذاته على ان : ( يكون موضوعاً لحق المؤلف كل عمل يكون التعبير فيه بالكتابة ... وصرحت هذه المادة بان المصنفات المكتوبة العلمية والأدبية والفنية تكون موضوعاً لحق المؤلف.
ومن خلال مطالعة النصين السابقين يظهر أن الأبحاث والدراسات القانونية المتضمنة توصيات ينطبق عليها ماورد في النصين السابقين ، لأن هذه الابحاث مكتوبة ورقيا أو الكترونيا ، بيد أن التوصية هي فكرة ضمن البحث وليست البحث أو المصنف كله. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ٤89).
الوجه الثالث: مكونات حق المؤلف:
نصت المادة (12) من القانون المشار إليه على أنه: (للمؤلف الحق فيما يلي: تقرير ونشر العمل وطريقة النشر والحصول على مكافأة تناسب طبيعة العمل ونوعه عن إستعمال الغير للعمل عدا الحالات المنصوص عليها في القانون).
ومن خلال إستقراء هذا النص يظهر انه ينطبق على الأبحاث والدراسات القانونية المتضمنة توصيات، مع التاكيد على ان التوصية هي فقرة من فقرات المصنف أو المؤلف.
الوجه الرابع: جواز الإستفادة من حق المؤلف عن طريق الإطلاع الشخصي عليه والإقتباس منه في اعمال فكرية أخرى:
نصت المادة (15) من قانون الحق الفكري على أن: (تكون الإستفادة من العمل المنشور بالإطلاع ونقل فقرات أو فصول منه أو تلخيصها للإستفادة منها المعرفية الشخصية أو إستخدامه في الدراسات والبحوث مع الإشارة إليه وإلى المؤلف).
فهذا النص يصرح بجواز النقل والإقتباس من حق المؤلف المنشور وذلك في أي عمل اخر، وبناء على ذلك فانه يجوز الاخذ بالتوصية أو نقلها الى مشروع النص القانوني وفقا لهذا النص ، لان مشروع تعديل القانون عمل آخر غير المصنفاو المؤلف الذي تم نقل التوصية منه أو الأخذ بها.
الوجه الخامس: جواز نقل التوصية أو الأخذ بها إذا كانت مذكورة في بحث منشور:
نصت المادة (16) من قانون الحق الفكري على أنه (يجوز دون موافقة المؤلف ودون دفع مكافأة التأليف لكن مع الإشارة إلى اسم المؤلف مصدر الإقتباس إستعمال عمل منشور للغير لتكوين عمل جديد مستقل من ناحية الإبداع)، وفي هذا السياق نصت المادة (17) من قانون الحق الفكري على أن : حق المؤلف يكون منشوراً إذا صدر أو أدى علناً أو تمت إذاعته.
ومن المعروف ان القانون عمل اخر غير البحث الذي وردت فيه التوصية.
الوجه السادس : تحديد مكافات الباحثين أو المؤلفين:
نصت المادة (21) من القانون على أن: ( يحدد مجلس الوزراء تعرفات مكافآت المؤلفين عن إستعمال أعمالهم من الغير بالتشاور مع الجهة المختصة فإذا لم توجد تعريفة معتمدة تحدد قدر المكافأة عن إستعمال العمل بإتفاق الطرفين).
الوجه السابع: نشر الأبحاث القانونية يخول الجهات الإستفادة من نتائج وتوصيات هذه الأبحاث:
الأبحاث القانونية التي تم نشرها بأية وسيلة من وسائل النشر المعروفة بما فيها النشر عن طريق المواقع الإلكترونية والقنوات أو طباعتها وعرضها للبيع في المكتبات، هذا النشر يجيز للجهات والأشخاص الإستفادة من النتائج والتوصيات الواردة في الأبحاث والدراسات القانونية المنشورة. (حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ، د. إدريس فاضلي ، دار المطبوعات الجامعية القاهرة ٢٠٠٨م، س ٩١).
الوجه الثامن : معنى التوصية بتعديل القانون والوضعية القانونية للتوصية وإقتراح القوانين في اليمن:
التوصية هي عبارة عن إقتراح أو راي إيجابي غير ملزم يقدمه الباحث في بحثه بهدف إقناع الجهة المختصة بالاخذ بها أو العمل بها.
ووفقا للدستور اليمني فان إقتراح إنشاء القوانين من إختصاص مجلس النواب والحكومة ، إذ نصت المادة (٨٥) من الدستور على أنه: (لعضو مجلس النواب وللحكومة حق إقتراح القوانين وإقتراح تعديلها ، على أن القوانين المالية التي تهدف إلى زيادة أو إلغاء ضريبة قائمة أو تخفيضها أو الاعفاء من بعضها أو التي ترمي إلى تخصيص جزء من اموال الدولة لمشروع ما لايجوز إقتراحها إلا من قبل الحكومة أو عشرين في المائة من النواب على الاقل ، وكل مقترحات القوانين المقدمة من عضو أو اكثر من أعضاء مجلس النواب لاتحال إلى إحدى لجان مجلس النوا ب إلا بعد فحصها أمام لجنة خاصة لابداء الراي في جواز نظر مجلس النواب فيها، فإذا قرر المجلس نظر اي منها يحال الى اللجنة المختصة لفحصه وتقديم تقرير عنه ، واي مشروع قانون قدم من غير الحكومة ورفضه المجلس لا يجوز تقديمه ثانية في نفس دور الإنعقاد).
ومن خلال ماتقدم يظهر ان توصية الباحث بتعديل النص القانوني تخضع لإجراءات الصياغة في المراحل الطويلة والمتعددة، فلاتظل التوصية على صيغتها التي وضعها الباحث، ففي افضل الاحوال لا تبقى من توصية الباحث إلا فكرتها فقط، ولذلك من الصعب جدا مطالبة الباحث بحقه كمؤلف إذا اخذ القانون بتوصيته. (مهارات الصياغة القانونية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٦م، ص١٧١)، والله أعلم.