أصل سند الدين دليل يدل على واقعة إستلام المدين لمبلغ الدي من الدائن ، ولذلك فان سند الدين يكون لدى الدائن حتى يتمكن من إستيفاء الدين أو إقتضائه ، فالأصل أن يحتفظ الدائن بأصل سند الدين الذي يدل على إستلام المدين للدين وإنشغال ذمة المدين بالدين المذكور في سند الدين، حتى يتمكن الدائن من المطالبة بالدين المثبت في سند الدين، فبقاء أصل سند الدين لدى الدائن دليل على بقاء الدين بذمة المدين، ومن المعروف أن المدين عندما ينتهي من سداد الدين المذكور في السند يقوم المدين بإسترداد أصل اوإتلافه لانتهاء الغرض منه ، غير ان المدين قد يستعيد اصل سند الدين في هذه الحالة ويحتفظ به من غير ان يتلفه، وعلى هذا الأساس فإن وجود أصل سند الدين لدى المدين نفسه دليل على أن المدين قد قام بسداد الدين المذكور في السند وبموجب ذلك استرد أصل سند الدين من الدائن، بيد أن وجود اصل سند الدين لدى المدين مجرد قرينة على سداد المدين للدين المذكور في السند ،لان السند يثبت واقعة إستلام المدين للدين ووجود الدين بذمة المدين فلايثبت واقعة وفاء المدين بالدين المذكور في السند ، ولذلك فان وجود اصل سند الدين لدى المدين قرينة على الوفاء بالدين ولكن هذه القرينة تقبل إثبات عكسها، فقد يكون المدين قد اختلس اصل سند الدين أو حصل عليه بطريقة غير مشروعة، فالدليل على الوفاء بالدين المذكور في اصل السند هو سند استلام الدائن لمبلغ الدين المذكور في اصل سند الدين، ولذلك ينبغي على محكمة الموضوع أن تحقق تناقش إدعاء الدائن أن المدين قد حصل على أصل سند الدين من غير أن يعلم الدائن، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 28-2-2011م في الطعن رقم (43889)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالثابت أن المديونية التي بذمة المطعون ضده هي مبلغ..... بموجب السند المؤرخ..... الذي اتفق بشأنه الدائن والمدين، حيث أن المدين قد إلتزم بسداد ذلك المبلغ على اقساط ولا تناكر بين الطرفين بشأن ذلك، وحيث أن الثابت في الأوراق قيام المدين بسداد مبلغ..... على اقساط بحسب صور الإستلامات المقدمة من الطاعن ، وتبقى بذمة المطعون ضده مبلغ..... ليس فيه إستلام، في حين أن المطعون ضده يدعي بأنه قد قام بتسليم ذلك المبلغ، وبموجب ذلك قام بإسترجاع أصل سند الدين، في حين أن الطاعن يدعي أن المطعون ضده قد حصل على أصل السند بطريقة غير مشروعة، ولذلك كان ينبغي على محكمة الموضوع التحقق من هذه المسألة وأن تناقشها في حكمها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الغرض من تحرير سند الدين:
لاريب أن الغرض من تحرير سند الدين هو إثبات إستلام المدين لمبلغ الدين ووجود الدين بذمة المدين أي إنشغال ذمة المدين بالمبلغ المذكور في السند، إذ يتم تحرير سند الدين بيد الدائن لسهولة الإثبات عن طريق السند الكتابي، وحتى يتمكن الدائن من المطالبة الودية أو القضائية بمبلغ الدين بيسر وسهولة.
وعند تحرير سند الدين يبذل الدائن عنايته في إستيفاء البيانات والإجراءات اللازمة حتى يكون سند الدين كافياً في إثبات الدين المذكور فيه ،وحتى يكون السند وسيلة مضمونة ومأمونة لإقتضاء الدين، فيحرص الدائن على قيام المدين نفسه بكتابة سند الدين بخطه ويتم التوقيع عليه من المدين عن طريق التوقيع بالاسم والإمضاء ويتم الإشهاد على السند سيما إذا لم يكن بخط المدين.
ويتضمن سند الدين بيانات عدة منها: تاريخ تحرير السند وهو تاريخ إستلام المدين لمبلغ الدين وتحديد مبلغ الدين واسم الدائن والمدين وطريقة الوفاء بالدين ووقت ذلك. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص٢٠٩).
الوجه الثاني: إحتفاظ الدائن بأصل سند الدين:
سبق ان ذكرنا أن سند الدين يثبت واقعة إستلام المدين للدين ، فسند الدين هو وسيلة إثبات وجود الدين بذمة المدين ،والوسيلة التي يستعملها الدائن للمطالبة بالدين الثابت في أصل السند ، لذلك فإن الدائن يحرص على أن يكون اصل السند لديه يحتفظ به حتى يسدد المدين الدين، وعندئذٍ يعيد الدائن أصل السند إلى المدين أو يتم إتلافه بنظر الدائن والمدين معاً.
الوجه الثالث: حجية أصل سند الدين عندما يكون لدى الدائن:
وفقاً لقانون الإثبات اليمني فإن الحجية تكون لأصول المستندات، ولذلك يكون أصل سند الدين حجة قاطعة بيد الدائن يستطيع بموجبه مطالبة المدين بالوفاء بالدين المحدد في السند عند حلول ميعاد سداده، بل أن المدين يستطيع اللجوء إلى القضاء لإستصدار أمر أداء بمبلغ الدين الثابت في اصل السند إذا كان المبلغ المحدد في السند معين المقدار حال الأداء خالٍ من النزاع، ولا يستطيع الدائن إستصدار هذا الأمر إلا إذا كان أصل سند الدين لديه، ووجود أصل سند الدين لدى الدائن دليل على أن الدين مازال بذمة المدين، بيد أن هذا الدليل قابلاً لإثبات العكس، فإذا استطاع المدين أن يقدم إستلام الدائن للدين المذكور في السند فلا حجية ولا قيمة لأصل السند الموجود لدى الدائن، وكذلك الحال إذا استطاع المدين أن يثبت إستلام المدين للدين أو تنازله عنه بأية وسيلة من وسائل الإثبات.
الوجه الرابع: حجية أصل سند الدين عندما يكون لدى المدين:
وجود أصل سند الدين لدى المدين قرينة على أن المدين قد قام بسداد الدين المذكور في السند ، وأن الدائن قد قام بإرجاع أصل سند الدين إلى المدين للتدليل على ان الدائن قد اقتضى كامل دينه، غير أن هذا القرينة قابلة لإثبات العكس ، فقد يكون المدين قد حصل على سند الدين بطريقة غير مشروعة أي أن الدائن لم يسلمه السند، وتبعاً لذلك فإن المدين لم يقم بسداد مبلغ الدين المذكور في السند سيما أن واقعة سداد المدين لمبلغ الدين واقعة اخرى بحاجة الى دليل او ادلة لإثباتها ، فالدليل على قيام المدين بسداد الدين هو ما يثبت قيام المدين بالسداد فعلاً مثل سند أو سندات إستلام الدائن للدين أو شهادات شهود...إلخ.
فواقعة تسليم المدين للدين واقعة مستقلة عن واقعة إستلام المدين للدين، فأصل سند الدين يثبت واقعة إستلام المدين للدين حتى لو كان لدي المدين ، فاصل سند الدين لا يحكي أو يثبت واقعة إستلام الدائن لدينه، فوجود أصل سند الدين لدى المدين مجرد قرينة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ211)، والله اعلم.