كانت الفقرة (أ) من المادة (274) مرافعات قبل تعديلها عام ٢٠١٠م كانت تنص على إستثناء القرار (في الإحالة إلى محكمة أخرى) من عدم جواز الطعن في القرار ،ومعنى ذلك أن أي قرار تصدره المحكمة في طلب الإحالة أو الدفع بالإحالة سواء أكان القرار بقبول الدفع أو الطلب أو رفضهما يجوز الطعن في هذا القرار إستقلالاً.
غير أنه تم تعديل هذا النص عام 2010م فصار الإستثناء من عدم جواز الطعن قاصر فقط على (الحكم بالإحالة) أي قرار المحكمة بإحالة النزاع إلى محكمة أخرى، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 12-3-2011م في الطعن رقم (43699)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وبرجوع الدائرة إلى الأوراق مشتملات الملف تجد: أن الطعن بالنقض قد اقيم على سببين، نعى الطاعن في السبب الأول على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق نص المادة (274/أ) مرافعات المعدلة في القانون رقم (2) لعام 2010م التي حذف منها حرف الجر (في) وتم إستبدال (في) بحرف الجر (ب) والتي جاء لفظها بعد التعديل (أو بالإحالة على محكمة أخرى للإرتباط)، وهذا خطأ قانوني وقع فيه الحكم الاستئنافي المطعون فيه مما جعله يخطئ في منطوقه، مما يستوجب إلغاءه ، وتأييد قرار المحكمة الابتدائية لعدم جواز الطعن في قرارها، والدائرة تجد: أن هذا النعي في محله ، ذلك أن قرار محكمة أول درجة كان قد قضى في منطوقه برفض الدفع بالإحالة، ولما كانت المادة (274) مرافعات المعدلة بالقانون رقم (2) لسنة 2010م قد جاء نصها صريحاً بعدم جواز الطعن في الاحكام غير المنهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صور الحكم المنهي لها كلها ، واستثنت في الفقرة (أ) من تلك المادة حالات محددة اجازت الطعن فيها على سبيل الاستثناء وهي: (ما اصدرته المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو بعدم الإختصاص أو بالإحالة على محكمة أخرى للإرتباط) ، ولما كان قرار رفض الدفع بالإحالة هو قرار غير منه للخصومة فأنه لا يقبل الطعن فيه إلا مع الحكم المنهي للخصومة كلها، لذا فإن قضاء الحكم المطعون فيه بقبول الاستئناف لقرار محكمة أول درجة جاء بالمخالفة لمقتضى المادة المذكورة آنفاً مما يتعين معه نقض الحكم الاستئنافي المطعون فيه لهذا السبب وإعادة ملف القضية لمحكمة أول درجة لموالاة السير في نظر الخصومة المترددة امامها والفصل فيها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نص الفقرة (أ) من المادة (274) مرافعات قبل وبعد تعديلها ضمن تعديلات 2010م
كانت الفقرة (أ) من المادة (274) مرافعات قبل تعديل 2010م تنص على أنه: (لا يجوز الطعن فيما تصدره المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها فيما عدا ما يلي: -أ- ما تصدره المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو في الإختصاص أو في الإحالة على محكمة أخرى للإرتباط فيجوز الطعن في هذه الأحوال إستقلالاً خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها وعلى محكمة الاستئناف الفصل فيها على وجه الإستعجال).
وعند تعديل هذه الفقرة ضمن تعديلات 2010م صارت هذه الفقرة بعد التعديل تنص على أنه: (لا يجوز الطعن في ما اصدرته المحكمة من أحكام غير منهية للخصومة أثناء سيرها إلا بعد صدور الحكم المنهي لها كلها عدا ما يلي: -أ- ما اصدرته المحكمة من أحكام بوقف الخصومة أو بعدم الإختصاص أو بالإحالة على محكمة أخرى للإرتباط فيجوز الطعن في هذه الأحوال إستقلالاً خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها وعلى محكمة الاستئناف الفصل فيها على وجه الإستعجال).
ومن خلال المقارنة بين النصين قبل التعديل وبعده يظهر الآتي:
1- كان النص قبل التعديل يستثنى من عدم جوازالطعن إستقلالا حكم المحكمة بإختصاصها وكذا حكمها بعدم إختصاصها بنظر القضية، فكان يجوز الطعن في حكم المحكمة بإختصاصها أو حكمها بعدم إختصاصها.
وبعد تعديل 2010م اقتصر الاستثناء من عدم جواز الطعن على حكم المحكمة بعدم إختصاصها، أما إذا كان الحكم بإختصاص المحكمة فلا يجوز الطعن في هذا الحكم.
2- كان النص قبل التعديل يستثنى من عدم جواز الطعن الحكم في طلب الاحالة أو الدفع بالإحالة إلى محكمة أخرى سواء اكان الحكم بقبول الطلب أو الدفع او كان الحكم برفضهما ، لكن بعد التعديل اقتصر الاستثناء على حكم المحكمة بإحالة الدعوى أو القضية إلى محكمة أخرى، أما إذا رفضت المحكمة إحالة القضية إلى محكمة أخرى فإن هذا الحكم لا يشمله الاستثناء من عدم جواز الطعن، لان قرار رفض طلب الاحالة الى محكمة أخرى يعني أن المحكمة قررت انها هي المختصة بنظر النزاع ولذلك قررت رفض الدفع أو طلب الاحالة ،فهذا القرار غير قابل للطعن بإعتباره غير منه للخصومة، لأن الخصومة لازالت مترددة ومنظورة امام المحكمة التي قررت إختصاصها بنظر القضية ورفض طلب الاحالة أو الدفع بإحالتها إلى محكمة أخرى، وهذا هو ثمرة التفرقة بين مصطلح (في الإحالة) الذي كان وارداً في النص قبل تعديله وبين مصطلح (بالإحالة) الوارد في النص بعد تعديله عام 2010م. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الطعون الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، ص٢٣٧) .
الوجه الثاني: الأسباب الموجبة لتعديل مصطلح (في الإحالة) إلى مصطلح (بالإحالة):
كان كاتب هذا التعليق عند تعديل 2010م رئيساً للمكتب الفني بوزارة العدل، وبهذه الصفة كان يمثل الحكومة امام مجلس النواب طوال فترة مناقشة تعديل قانون المرافعات في تلك الفترة، ومن خلال مناقشة تعديل الفقرة (أ) من المادة (274) من قبل اللجنة المشكلة آنذاك في وزارة العدل ، ومن خلال مناقشة الموضوع في لجنة العدل والأوقاف بمجلس النواب وفي قاعة البرلمان، وأثناء تلك النقاشات ظهر أن سبب ذلك التعديل أن قرار المحكمة برفض الدفع بالإحالة أو طلب الإحالة إلى محكمة أخرى ليس منهياً للخصومة، لأن مفاد هذا القرار ان المحكمة هي المختصة بنظر الدعوى او النزاع ، ومؤدى ذلك أن الدعوى أو القضية لازالت منظورة أمام المحكمة ولم تفصل فيها بحكمٍ منه له ، في حين أن الحكم بالإحالة إلى محكمة أخرى يكون قد انهى الخصومة لدى المحكمة التي كانت تنظرها ، وقررت إحالته إلى محكمة أخرى ،لأن محكمة الاحالة هي المختصة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الاستئناف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ63)، والله اعلم.