الدفع بالتجريد من قبل الكفيل في القانون اليمني

الدفع بالتجريد هو: الدفع المتعارف عند شراح قانون المرافعات، وهو الدفع الذي يقدمه الكفيل عند قيام المكفول له بمباشرة إجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل قبل الرجوع على المدين المكفول عليه وتجريده من أمواله.

 وفي هذا المعنى نصت المادة (346) من قانون المرافعات اليمني على أنه: (لا يجوز التنفيذ على الكفيل إلا بثبوت الكفالة وبعد الرجوع بالمطالبة على الأصيل المكفول أولاً وبالشروط الموضوعية المقررة في القوانين الأخرى).

 وقد استند الحكم محل تعليقنا الى هذا النص، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 17-1-2011م في الطعن رقم (42743)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (والدائرة: تقرر قبول هذا السبب ، لأن المدعي قد اختصم الضامن الذي طلب إثبات مفردات المبلغ الذي أقر به المكفول عليه، وما إذا كانت اموال المكفول عليه تفي بذلك المبلغ ، وهذا إعمال لقواعد الإثبات ومقيد بحكم المادة (346) مرافعات التي تنص على أنه: (لا يجوز التنفيذ على الكفيل إلا بثبوت الكفالة وبعد الرجوع بالمطالبة على الأصيل المكفول أولاً وبالشروط الموضوعية المقررة في القوانين الأخرى)، وهو ما يقتضي نقض الحكم المطعون فيه والإعادة إلى الشعبة التجارية لإلزام المدعي بإبراز مفردات وتفاصيل المبلغ الذي أقر به المكفول عليه...)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الآتية:

الوجه الأول: ماهية الدفع بالتجريد

نصت المادة (346) من قانون المرافعات اليمني على أنه: (لا يجوز التنفيذ على الكفيل إلا بثبوت الكفالة وبعد الرجوع بالمطالبة على الأصيل المكفول أولاً وبالشروط الموضوعية المقررة في القوانين الأخرى) .

ومفاد هذا النص أنه لا يحق للدائن أن يقوم بمباشرة اجراءات التنفيذ للحكم السند التنفيذي الا بعد الرجوع على المكفول عليه المدين وتجريده من أمواله ،ويفيد هذا النص أيضا انه لايحق للدائن المكفول له ان يطالب الكفيل بالدين إلا بعد الرجوع اولا على المدين المكفول عليه.

 والدفع بالتجريد لايقوم الكفيل بإستعماله إلا عندما يشرع الدائن بالتنفيذ على أموال الكفيل بموجب سند تنفيذ قابل للتنفيذ على الكفيل ويطلب الدائن بالفعل التنفيذ على أموال الكفيل.

فالدفع بالتجريد وسيلة قررها القانون للكفيل عندما يطلب الدائن التنفيذ على أموال الكفيل قبل أن يجرد المدين من امواله، فمعنى هذا الدفع إلزام الدائن بالتنفيذ أولا على أموال المدين التي يقوم الكفيل ببيانها في دفعه إذا كانت أموال المدين قابلة للحجز وتفي بأداء الدين بتمامه المستحق للدائن المكفول له.

  فالدفع بالتجريد وسيلة قررها القانون للكفيل كي يستطيع الكفيل بمقتضاه من وقف إجراءات التنفيذ على أمواله إلى أن يتم التنفيذ على أموال المدين أولاً ويتضح عدم كفايتها لوفاء الدين المطلوب التنفيذ لإقتضائه.

الوجه الثاني: الفرق بين الدفع بالتجريد عند مباشرة التنفيذ في مواجهة الكفيل والدفع بالرجوع على المدين عند رفع الدائن دعوى مطالبة بالدين في مواجهة الكفيل مباشرة

فيما سبق ذكرنا أن الكفيل بموجب حقه في التجريد يستطيع الدفع بالتجريد عند مباشرة إجراءات التنفيذ عليه قبل تجريد المدين من امواله ، وبالاضافة إلى ذلك يستطيع الكفيل بمقتضى حقه في التجريد يستطيع ايضا دفع الدعوى المباشرة التي يرفعها عليه الدائن مباشرة ويطالبه بدفع الدين الذي كفله، فيستطيع الكفيل عندئذ دفع هذه الدعوى بعدم جواز الرجوع عليه بهذه الدعوى قبل الرجوع على المدين أولا.

وهناك من يذهب الى التفرقة في تسمية دفع الكفيل عند دعوى الدائن على الكفيل لمطالبته الكفيل بالدين الذي كفله ،فهذا الدفع اسمه الدفع بعدم جواز مطالبة الكفيل بداية من أن يسبقه الرجوع على المدين نفسه.

 اما. الدفع الذي يقدمه الكفيل عند مباشرة الدائن لإجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل فان اسمه هو الدفع بتجريد المدين أولا ، فيقرر هولاء أنه يحق للكفيل ان يقدم دفعًا خاصًا بكل حالة من هاتين الحالتين السابقتين، فالدفع بالتجريد مقصور على حالة التنفيذ على أموال الكفيل ،في حين يكون اسم الدفع في مواجهة دعوى مطالبة الكفيل بالدين هو الدفع بحق الرجوع على المدين أولاً ، فيذهب هولاء الى انه لا يجوز للكفيل أن يدفع بالتجريد بمجرد رفع الدعوى عليه لاستصدار حكم ضده بالدين ، فلا يكون الدفع بالتجريد مقبولاً منه إلا عند مباشرة إجراءات التنفيذ على أمواله ،لان الغرض من الدفع بالتجريد وقف إجراءات التنفيذ على اموال الكفيل، وبدلا من الدفع بالتجريد فانه يحق للكفيل عند قيام الدائن برفع دعوى المطالبة بالدين من الكفيل يحق للكفيل في هذه الحالة أن يدفع هذه الدعوى بدفع اسمه الدفع بعدم جواز الرجو ع على الكفيل أولا قبل الرجوع على المدين للمكفول عليه، والواقع ان الفرق لفظي على راي من ذهب الى التفرقة بين الدفعين.

الوجه الثالث: الدفع بالتجريد عند تعدد المدينين

إذا تعدد المدينين ولو كانوا متضامنين فيما بينهم، وكفلهم جميعًا الكفيل نفسه جاز له الدفع بتجريدهم جميعًا، أما إذا كفل بعضهم دون البعض فيكون له الدفع بتجريد من كفله منهم .

واذا تعدد الكفلاء فيحق لكل واحد منهم على حدة أن يدفع بالتجريد ، اضافة الى انه يجوز لكل واحد منهم أن يدفع بالرجوع على الكفلاء الاخرين اذا كان لذلك مقتضى كنسخها بكفالة اللاحق أو الرجوع على الكفلاء جميعهم إو إدخالهم...الخ. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التنفيذ ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص ٢٩٩).

الوجه الرابع: الإعتبارات التي يقوم عليها الدفع بالتجريد

الدفع بالتجريد قائم على اعتبارات العدالة، لأن الكفيل مسؤول عن الوفاء بالدين اذا لم يقم المدين بوفائه عند حلول أجله، ولأن الكفيل يوفي دين غيره، فانه من العدل أن يتاح له ان يطلب من الدائن قبل الرجوع عليه أن يتأكد من استحالة إقتضاء الدين من المدين نفسه.

ويهدف الكفيل من الدفع بالتجريد أن يكون التزامه احتياطيًا أي أنه لا تجوز مطالبته ولا التنفيذ عليه إلا بعد مطالبة المدين الأصلي المكفول عليه والتنفيذ على أمواله.

فالعدالة تبرر الدفع بالتجريد ،لأنه يؤدي إلى الاقتصاد في الإجراءات والنفقات ، لأن الدائن إذا نفذ على أموال الكفيل فلهذا الأخير أن يرجع على المدين بكل ما دفعه عنه، ولهذا كان من الأفضل أن يتم إختصار الإجراءات بإلزام الدائن بالبدء بالتنفيذ على أموال المدين، سيما أن الدائن لن يضار بالبدء بالتنفيذ على أموال المدين ، إذ أن كل ما يهم الدائن هو الحصول على دينه، وسيان عنده أن يأتي ذلك نتيجة للتنفيذ على أموال المدين أو الكفيل.) التنفيذ الجبري في المواد المدنية والتجارية ، د. فتحي والي، دار النهضة القاهرة ١٩٩٥م، ص٢٥٤).

الوجه الخامس: شروط الدفع بالتجريد

تتلخص شروط الدفع بالتجريد في مجموعة من الشروط هي:

الشرط الاول: ان لايكون الكفيل قد تنازل عن حق التجريد سواء أكان التنازل عند الكفالة أم بعد ذلك، ويقع التنازل عن الدفع بالتجريد غالبا في وثيقة الكفالة ذاتها حينما يصرح الكفيل في وثيقة الكفالة بأنه يحق للمكفول له الدائن أن يرجع مباشرة على الكفيل من غير حاجة إلى اي إجراء اخر ،وهذه العبارة شائعة الاستعمال في اليمن.

 فيحق للكفيل ان يتنازل عن حقه في التجريد ، لأن الدفع بالتجريد حق خالص مقرر لمصلحة الكفيل، فله ان يتنازل عنه متى شاء، ويكون النزول عن هذا الدفع صريحا أو ضمنيا، وأكثر ما يكون النزول الصريح في عقد الكفالة أو وثيقة الكفالة ذاتها حسبما سبق بيانه.

أما النزول الضمني فيستخلص من الظروف، وقد يستخلص من تعهد الكفيل بدفع الدين فورا، اذا لم يقم المدين بدفعه عند حلول أجله، وأكثر أنواع النزول الضمني شيوعا هي التي يتم إستخلاصها من سكوت الكفيل عندما يشرع الدائن بالتنفيذ على أموال الكفيل فيسكت الكفيل عن الدفع بالتجريد، ولكن اذا سكت الكفيل ولم يدفع في مواجهة الدائن عند تنفيذه على أمواله حين لم يكن لدى المدين ما يسدد به الدين، ثم بعد ذلك توفر المال عند المدين فلا يعتبر سكوت الكفيل عن الدفع بالتجريد في مثل هذه الحالة نزولا ضمنيا عن الدفع.

الشرط الثالث: يجب ان يتمسك الكفيل بحقه بالتجريد فلا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه، فالأصل أن للدائن الحق في التنفيذ على أموال الكفيل بمجرد ثبوت الحق له في مطالبته واستصدار حكم أي سند تنفيذي بإلزامه بالدين ، سبق أن ذكرنا أن الدفع بالتجريد وسيلة قررها القانون للكفيل بمقتضاها لا يستطيع الدائن التنفيذ على أموال الكفيل حتى يجرد المدين من أمواله ، وعلى ذلك فيجب على الكفيل أن يتمسك بالتجريد ،ولا يجوز للقاضي أن يحكم بتجريد المدين ما لم يطلب منه الكفيل ذلك .

الشرط الرابع: الدفع بالتجريد لا يكون مقبولا من الكفيل الا عندما يبدأ الدائن بالتنفيذ على أمواله بموجب سند قابل للتنفيذ، اما اذا كان الدائن قد رفع دعوى مبتدأة مطالبا الكفيل بسداد الدين ، فعندئذ يكون المناسب هو الدفع بعدم جواز الرجوع بداية على الكفيل.

بيد انه اذا لم يتمسك الكفيل بالدفع بالتجريد أثناء نظر دعوى مطالبة الدائن له بالدين، فلا يعتبر ذلك نزولا ضمنيا عن هذا الدفع، لأن الدفع يتعلق بالتنفيذ لا بالمطالبة. ويعتبر النزول الضمني عن الدفع مسألة موضوعية يقدرها القاضي.

الشرط الخامس: عند دفع الكفيل بتجريد المدين من أمواله يجب على الكفيل إرشاد الدائن الى أموال المدين التي تفي بالدين كله، بشرط أن تكون هذه الأموال داخل اليمن، لأن الأموال اذا كانت في الخارج يصعب التنفيذ عليها, كذلك لا يجوز أن تكون الأموال التي يدل عليها الكفيل متنازعا عليها فيما بين المدين والغير، لأن الأموال المتنازع عليها ليست ملكيتها مستقرة للمدين ويتعذر التنفيذ عليها، لأن المال المتنازع عليه يكون عادة مثار نزاعات قضائية فلايتيسر التنفيذ عليه.

وأموال المدين التي يرشد عنها الكفيل يجب أن تفي بالدين كله وليس بجزء منه أو معظمه، لأنه لا يجوز اجبار الدائن على القبول بالوفاء الجزئي. والأموال التي يرشد عنها الكفيل يجوز أن تكون عقارا أو منقولا بشرط ان تكون مملوكة للمدين.

واذا كان مال المدين مرهونا أو عليه حق امتياز أو اختصاص، فان قيمة هذا المال لا تحسب الا بعد خصم قيمة هذه الحقوق، فاذا استنفذت قيمة هذه الحقوق الجزء الأكبر من قيمة المال اعتبر المال متنازع عليه لصعوبة التنفيذ عليه.

واذا كان المدين قد رهن أموالا ولم تكن كافية للوفاء بالدين، فان للدائن أن يرجع على الكفيل بما تبقى من الدين.(التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التنفيذ ، ا.د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٣٢٠).

 الوجه السادس: آثار الدفع بالتجريد

يترتب على تقديم الدفع بالتجريد وقف اجراءات التنفيذ ضد الكفيل من وقت ابداء الدفع وقبل الفصل فيه, فاذا رفضت المحكمة الدفع استمر الدائن بالتنفيذ وان قبلته فانه يمتنع استمرار الدائن في اجراءات التنفيذ على أموال الكفيل ، ويجب على الدائن ان يتخذ اجراءات التنفيذ على أموال المدين التي دل عليها الكفيل ،ويكون مسؤولا أمام الكفيل عن اعسار المدين اذا لم يتخذ الإجراءات في الوقت المناسب، مما قد يترتب عليه براءة ذمة الكفيل .

 الوجه السابع : وقت تقديم الدفع بالتجريد

لا يستطيع الدائن التنفيذ على اموال الكفيل الا بموجب سند تنفيذي يخوله مباشرة اجراءات التنفيذ في مواجهة الكفيل ، ولذلك فان وقت إبداء الدفع بالتجريد هو الوقت الذي يتم فيه توجيه الاعلان الى الكفيل من المحكمة وإخطار الكفيل بتنفيذ الحكم سند التنفيذ.

اما قبل صدور الحكم السند التنفيذي فان الوسيلة القانونية المناسبة هي مواجهة مطالبة الدائن للكفيل عن طريق الدفع بعدم جواز الرجوع مباشرة على الكفيل كما سبق بيانه، على ان تقديم هذا الدفع وقت وصول الكفيل امام المحكمة الرد على دعوى الدائن.

فإذا رفع الدائن الدعوى على الكفيل وحده أو على المدين والكفيل معًا وهذا هو الغالب ، فإذا رفع الدائن الدعوى على الكفيل وحده كان للكفيل أن يدفع هذه الدعوى بعدم إمكان مقاضاته إلا بعد رجوع الدائن على المدين. (شروط الدفع بالتجريد في الكفالة،د. وليد محمد وهبه ، موقع نقابة المحامين المصريين، صـ4)، والله أعلم.