نصت المادة (23) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالحاً للحكم أو إذا تبين عدم توفر الشروط المتفق عليها أو التي نصت عليها أحكام هذا القانون ، ويشترط أن تكون هذه الأسباب قد حدثت أو ظهرت بعد تحرير إتفاق التحكيم ، إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأيٍ من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ماعدا للأسباب التي تتبين بعد التعيين، وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقصد إحتمال تعيينه محكماً أن يصرح لمن ولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته وإستقلاله).
فهذا النص يصرح بأن رد المحكم لايجوز الا بالنسبة لاسباب الرد التي قد تحدث أو تظهر بعد تعيين المحكم وليس قبل تعيين المحكم ، ومفاد ذلك انه إذا كانت اسباب رد المحكم سابقة على تعيين المحكم فانه لايجوز رد المحكم بسببها ، وبناء على ذلك فقد الحكم قضى محل تعليقنا بان الخصم إذا كان يعلم بوجود سبب الرد في المحكم قبل إختياره ومع ذلك قام بإختياره ففي هذه الحالة لا يجوز للخصم طلب رد المحكم بعد ذلك للسبب الذي كان يعلمه مسبقا، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-1-2011م في الطعن رقم (42278)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن تعليل الشعبة للحكم صحيح: فقد ذكرت الشعبة في حيثيات حكمها: أنه صحيح بأن المحكم يرد بما يرد به القاضي، ولكن تختلف أسباب رد وإجراءات الرد بالنسبة للقاضي عن المحكم، فالقاضي معين من قبل السلطة التي تملك تعيينه بعكس المحكم الذي يختار من قبل أطراف التحكيم، وعليه: فأنه لا يقبل من أطراف التحكيم التقدم بطلب رد المحكم إلا إذا ظهرت في المحكم أسباب لم يكن الخصم يعلم بها وقت إختياره للمحكم أو أن أسباب الرد ظهرت بعد ذلك ، حسبما نصت عليه المادة (23) تحكيم، فالطاعنكان يعلم أن المحكم اخو المطعون ضده من خلال اسم ابي المحكم والمطعون ضده، فما ذهبت إليه الشعبة قد وافق صحيح القانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: رد المحكم جوازي وليس وجوبيا كما هو الحال بالنسبة للقاضي:
نصت المادة (23) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالحاً للحكم أو إذا تبين عدم توفر الشروط المتفق عليها أو التي نصت عليها أحكام هذا القانون ، ويشترط أن تكون هذه الأسباب قد حدثت أو ظهرت بعد تحرير إتفاق التحكيم ، إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأيٍ من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ماعدا للأسباب التي تتبين بعد التعيين، وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقصد إحتمال تعيينه محكماً أن يصرح لمن ولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته وإستقلاله).
فقد صرح النص القانوني السابق في بدايته بأنه: (يجوز رد المحكم...) ، ومعنى ذلك أن رد المحكم يكون جوازيا في كل الأحوال بخلاف رد القاضي الذي يكون وجوبيا إذا تحققت حالة من حالات الإمتناع الوجوبي المقررة في المادة (128) مرافعات التي نصت على أنه: (يكون القاضي أو عضو النيابة ممنوعاً من نظر الدعوى (الخصومة) ويجب عليه التنحي عن نظرها من تلقاء نفسه ولو لم يطلب الخصوم ذلك في الأحوال الآتية: -1- إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة. -2- إذا كان قريباً أو صهراً لمحامي أحد الخصوم أو لعضو النيابة الذي يترافع في الدعوى إلى الدرجة الرابعة. -3- إذا كان صهراً لأحــد القضاة الذين يشتركون معه في نظر الدعوى أو قريباً له إلى الدرجة الرابعة. -4- إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أولاده أو أحد أبويه خصومة قائمة أمـام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو زوجته أو أحد أولاده أو أحد أبويه. -5- إذا كان وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو ممثلاً قانونياً لـه أو مظنوناً وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة إلى الدرجة الرابعة بالممثل القانوني له أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المخاصمة أو بأحد مديريها أو كان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى. -6- إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب أو لمن يكون هو وكيلاً عنه أو ممثلاً قانونياً له مصلحة في الدعوى القائمة. -7- إذا كان قد أفتى في الدعوى أو ترافع فيها عن أحد الخصوم أو كتب فيها ولو كان قبل اشتغاله بالقضاء، أو كان قد سبق له نظرها قاضياً وحكم فيها في درجة أدنى أو نظرها خبيراً أو محكماً وأبدى رأيه فيها أو أدى شهادة فيها قبل عمله بالقضاء أو كان لديه علم خاص بها. -8- إذا رفع القاضي دعوى تعويض على طالب الرد أو قدم ضده شكوى إلى جهة الاختصاص. -9- إذا رفعت عليه دعوى مخاصمة وتم قبولها قبل الحكم فيها) .
فإذا تحققت أية حالة من حالات الامتناع الوجوبي المقررة في النص السابق فأنه يجب على القاضي أن يمتنع عن نظر الدعوى أو يتنحى عن نظرها حتى لو قبل الخصوم ذلك، لأن حالات الإمتناع الوجوبي متعلقة بحُسن سير العدالة وضمان تطبيق العدالة ، ولذلك فهي من النظام العام.
ومن جانب آخر فإن هناك إمتناع جوازي يجوز للقاضي أن يمتنع عن نظر الدعوى في الأحوال المقررة في المادة (132) مرافعات التي نصت على أنه: (في غير الأحوال المبينة في الفصل السابق يجوز للخصوم طلب رد القاضي أو عضو النيابة العامة من نظر الدعوى للأسباب التالية: -1- إذا حدث له أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم في الدعـوى أو زوجته بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ما لم تكن قد أقيمت بقصد منعه من نظر الدعوى. -2- إذا كان لمطلقته التي له منها ولدٌ أو لأحد أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة بعد قيام الدعـوى المطروحـة على القاضـي ما لم تكن هذه الخصومــة قد أقيمت بقصد منعه من نظرها. -3- إذا كان أحد الخصوم خادماً له. -4- إذا كان قد تلقى من أحد الخصوم هدية. -5- إذا كان بينة وبين أحد الخصوم عداوة أو مـودة يرجــح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل).
ومن خلال ما تقدم يظهر أن رد المحكم يكون جوازياً في كل الأحوال، أما رد القاضي فقد يكون وجوبياً أو جوازياً بحسب الأحوال وعلى النحو السابق بيانه، فالمحكم لا يتنحى من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى إذا تحققت أية حالة من حالات الإمتناع أو الرد إلا إذا طلب أحد الخصوم ذلك.
كما يظهر ان أسباب رد القاضي قد تقع قبل تعيينه أو بعده ، في حين أن اسباب رد المحكم لاتجوز الا إذا ظهرت أو حدثت بعد تعيين المحكم حسبما هو مقرر في المادة (٢٣) تحكيم السابق ذكرها.
الوجه الثاني: وجوب إفصاح المحكم قبل إختياره عن الأسباب التي تجعله عرضة للرد:
ورد في نهاية المادة (٢٣) إثبات النص على أنه :( وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقصد إحتمال تعيينه محكماً أن يصرح لمن ولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته وإستقلاله).
فهذا النص أوجب في على المحكم عندما يكون مرشحاً لإختياره أو تعيينه محكماً أوجب على المحكم في هذه الحالة الإفصاح عن الأسباب التي تجعله عرضة للرد عن نظر الخصومة التحكيمية ،وقد سبق لنا عرض تلك الأسباب في الوجه السابق.
فإذا كان المحكم قد افصح للخصوم المحتكمين عن الأسباب التي تجيز رده السابق ذكرها أو ثبت علم الخصوم بتلك الأسباب فأنه يترتب على ذلك سقوط حق الخصم المحتكم في المطالبة برد المحكم لتلك الأسباب،طالما أن الخصم كان يعلم بأسباب رد المحكم عند إختياره له ولم يعترض على ذلك في حينه ، وفي هذه الجزئية تختلف أسباب رد المحكم عن أسباب رد القاضي، فأسباب رد القاضي تظل قائمة سواء سبق للخصم أن علم بها أو لم يسبق له ذلك.
وكذا يحق للخصم المحتكم أن يطلب رد المحكم بالنسبة لأسباب الرد التي قد تقع أو تحدث بعد إختياره المحكم بخلاف تلك الأسباب التي كان يعلم بها الخصم قبل إختياره للمحكم، ولكنه لم يعترض عليها، وكذلك يختلف رد المحكم عن رد القاضي من جهة ان اسباب رد القاضي تكون شاملة للأسباب التي تقع قبل وبعد إحالة الخصومة إلى القاضي لنظرها.
الوجه الثالث: تأثير علم المحتكم بأسباب رد المحكم قبل تعيين المحكم:
إذا كان الخصم المحتكم يعلم عند إختياره للمحكم بأسباب رده فإن هذا العلم يسقط حق المحتكم في طلب رد المحكم بعد ذلك، لأن الخصم المحتكم عندما قام بإختيار المحكم وهو يعلم بتحقق أسباب رد المحكم فإن المحتكم في هذه الحالة يقدر أن هذه الأسباب لن تكون مؤثرة على حياد المحكم وإستقلاله وعدالته وحُسن نظره في الخصومة التحكيمية، فضلاً عن أن للتحكيم وضعيته الخاصة التي تميزه عن القضاء، فالتحكيم عماده رضاء الخصم وإختياره للمحكم بخلاف القضاء الذي لايد للخصوم في إختيار القضاة أو تعيينهم.
بيد انه إذا ظهرت اسباب جديدة لرد المحكم بعد إختيار المحكم غير تلك التي كان الخصم يعلمها عند إختياره ، فيجوز للخصم طلب رد المحكم لأجل هذه الاسباب الجديدة.
الوجه الرابع: إثبات علم الخصم بأسباب رد المحكم:
تترتب على علم الخصم المحتكم بأسباب رد المحكم آثار غاية في الخطورة وهي سقوط حق المحتكم في المطالبة برد المحكم بعد ذلك، ولذلك تكتسب عملية إثبات علم الخصم بأسباب رد المحكم أهمية بالغة.
ويتم إثبات علم الخصم بأية طريقة من طرق الإثبات المقررة في القانون كالشهادة والإقرار والقرائن، وقد أشار الحكم محل تعليقنا الى أن الخصم كان يعلم بأن المحكم شقيق خصمه المحتكم الآخر لتطابق اسم المحتكم الآخر مع اسم اخيه المحكم، ولذلك لا يجوز له أن يطلب رد المحكم، لأن رد المحكم عبارة عن: منع الخصم للمحكم من نظر الخصومة التحكيمية لأسباب يخشى منها أن تخرج المحكم عن حياده وإستقلاليته.
وسقوط حق الخصم المحتكم في طلب رد المحكم إذا كان المحتكم يعلم بسبب الرد مظهر من مظاهر خصوصية التحكيم عن القضاء، فيحق للخصم أن يطلب رد القاضي ولو كان الخصم يعلم مسبقا بسبب رد القاضي. (التحكيم التجاري الدولي، د. فوزي محمد سامي، دار الثقافة الأردن 2006م، صـ238).
الوجه الخامس: لا يجوز للمحتكم طلب رد المحكم الذي عينه أو شارك في تعيينه الا اذا ظهرت أسباب جديدة للرد بعد إختيار المحكم:
في سياق تنظيم المادة (23) تحكيم لرد المحكم صرحت هذه المادة بأنه لا يحق للخصم المحتكم أن يطلب رد المحكم الذي سبق أن قام بتعيينه أو شارك في تعيينه، ومعنى ذلك أنه لا يجوز للخصم أن يطلب رد المحكم الذي سبق أن قام بتعيينه أو شارك في تعيينه سواءً أكان الخصم يعلم بأسباب الرد أم لا يعلم، لأن المادة (23) تحكيم قد صرحت بذلك فنصت على أنه (لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ماعدا الأسباب التي تتبين بعد التعيين).
غير انه إذا ظهرت بعد تعيين المحكم أو المشاركة في تعيينه ظهرت بعد ذلك اسباب جديدة لرد المحكم غير تلك التي كان الخصم يعلمها عند تعيينه للمحكم، فيجوز للخصم في هذه الاحوال طلب رد المحكم لأجل هذه الاسباب الجديدة.
الوجه السادس: حق الخصم في رد المحكم لأسباب الرد التي تظهر بعد تعيين المحكم:
فقد ورد ضمن المادة (23) تحكيم: (إلا أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال لأيٍ من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه ماعدا للأسباب التي تتبين بعد التعيين ).
وأسباب الرد التي تتبين بعد تعيين المحكم إما أن تكون أسباب موجودة في المحكم قبل تعيين المحكم ولكن الخصم لم يعلمها أو ان الخصم لم يتبينها إلا بعد تعيين المحكم، وإما أن تكون أسباب الرد قد طرأت في المحكم بعد تعيينه، وفي الحالتين يحق للخصم أن يطلب رد المحكم حسبما ورد في النص القانوني السابق.
وفي هذه الحالة فان نص المادة (23) تحكيم صريح في أنه يجوز للخصم المطالبة برد المحكم حتى لو كان الخصم هو الذي قام بتعيين المحكم أو شارك في تعيينه. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م ، ص٢٥١)، والله اعلم.