نظم القانون المدني اليمني عقد المضاربة مستفيداً من الفقه الإسلامي ، فكانت نصوص القانون المدني المنظمة للمضاربة مطابقة لأحكام الشريعة، فقد منع القانون الشروط المخالفة للشريعة التي قد يشتمل عليها عقد المضاربة مثل الإتفاق المسبق على تحديد مبلغ معين أو فائدة ربوية، ففي هذه الحالة يلغى الشرط المخالف للشريعة ويصح العقد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 5-5-2009م في الطعن رقم (33744)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وعليه فإن ما توصلت إليه محكمتا الموضوع من أن العلاقة بين طرفي الخصومة هي عقد مضاربة تكييف موافق لصحيح القانون ، مع ملاحظة أن المطعون ضده في المحرر المؤرخ... قد تطوع بضمان رأس مال صاحب المال بقوله: يبقى المبلغ عندي سلفة لحال الطلب بغرض المتاجرة بها، وهذا التطوع جائز وفقاً للمادة (849) مدني، أما ما ورد في المحرر المشار إليه وهو شرط أن تكون أرباح المبلغ مثل أرباح البنوك ، فيعتبر هذا الشرط فاسداً، فيلغى الشرط ويبقى الإتفاق، وعلى المطعون ضده تقديم كشف حساب لنشاط فترة المضاربة ويزكي بيمينه لأنه الأمين ، فالقول قوله مع يمينه، ومع مراعاة ما سبق تسري أحكام المضاربة المحددة في القانون المدني، وعليه يكون ما سبق مقبولاً جزئياً لما أورده الطاعن ، وخاصة ما تعلق بضمان العامل في المضاربة لرأس مال صاحب المال)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: مفهوم عقد المضاربة في القانون المدني اليمني:
مصدر نصوص القانون المدني اليمني المنظمة للمضاربة هو فقه الشريعة الإسلامية، ومن ذلك تعريف المضاربة في القانون المشار إليه ، فقد عرّف هذا القانون المضاربة مثلما عرفها الفقه الإسلامي، وفي هذا الشأن نصت المادة (841) مدنى على أن: (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم القدر والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة أو بحسب العرف).
وبموجب عقد المضاربة يقوم المضارب پإستلام راس المال من صاحبه، وبعد ذلك يقوم المضارب بإستثمار المال وتشغيله في نشاط مشروع وفقا لأحكام الشريعة الاسلامية ، ولغرض إثبات وقيد المصروفات والنفقات والارباح والخسائر فان المضارب يقوم بمسك الحسابات اللازمة لعمليات المضاربة وقيد كل النفقات والصرفيات والإيرادات والخسائر وتحديد الربح المحقق وتقاسمه مع صاحب المال بحسب مايرد في عقد المضاربة المبرم بين الطرفين.
الوجه الثاني: تحديد الربح في عقد المضاربة في الفقه الإسلامي:
عقد المضاربة من العقود التي اجازها الفقه الإسلامي وتناولها الفقهاء المتقدمون في مصنفاتهم، وفي سياق هذا التنظيم منع الفقه الإسلامي الإتفاق المسبق على تحديد نسبة ثابتة ومضمونة من الربح سنوياً أو تحديد مبلغ ثابت كربح، لأن هذا من الربا ويشبه القرض الذي جر نفعاً، لأن صاحب المال في المضاربة الشرعية يجب أن يكون شريكاً في الربح والخسارة فتكون نسبة الربح متغيرة يتم تحديدها بناء على نتائج عمليات المضاربة التي تتفاوت عائداتها.
إذ يجب أن يتضمن عقد المضاربة تحديد الربح على أساس نسبة من الربح المتحقق فعلياً من عمليات المضاربة، فعقد المضاربة في الفقه الإسلامي يجب أن يكون قائماً على مبدأ الشراكة في الربح والخسارة بين صاحب المال والعامل صاحب العمل.
وبناءً على ما تقدم لا يجوز تضمين عقد المضاربة بندا أو شرطا بنص على : أن يأخذ صاحب رأس المال مبلغاً معيناً ثابتاً، وإنما يجوز أن يأخذ المبلغ المعين على أساس أن ذلك تحت الحساب أي على اساس ان يتم إحتساب المبلغ المدفوع سابقا من الربح الذي يظهر أو يتحديد عند تصفية عملية المضاربة أي عندما تظهر الأرباح الحقيقة لعمليات المضاربة. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2017م، صـ262).
الوجه الثالث: تحديد الربح الثابت مسبقاً في عقد المضاربة في القانون المدني اليمني:
لاريب أن القانون المدني قد منع ذلك بإعتباره من أنواع الربا التي صرح بمنعها القانون المدني وحدد أنواع الربا في المادة (561) التي نصت على أن: (أنواع الربا: -4- ربا القرض وهو ما شرط فيه جر نفع للمقرض).
فعقد المضاربة حينما يتضمن شرطا أو بندا ينص على : تحديد الربح على أساس مبلغ معين ثابت في السنة أو الشهر أو تحديد نسبة ربح ثابتة فإن ذلك يكون من قبيل ربا القرض المحرم في الشريعة والقانون، وعندئذٍ تكون المضاربة حيلة لإخفاء قرض ربوي.
الوجه الرابع: إشتراط صاحب المال في عقد المضاربة بأنه يستحق فائدة كفوائد البنوك:
صرح الحكم محل تعليقنا بان هذا الشرط فاسد لمخالفته للشريعة الإسلامية ، لأن البنوك تحدد نسبة فائدة ثابتة ، وذلك محرم شرعاً، وفي هذه الحالة يلغو شرط الفائدة ويصح عقد المضاربة.
ومن المعلوم في الفقه الإسلامي أنه إذا كان شرط تحديد الربح في المضاربة فاسداً فإن الربح يتم تحديده بحسب ربح المثل أو العرف في الحرفة أو المهنة.
وفي هذا الشأن نصت المادة (846) مدني على أنه (يلغى في المضاربة كل شرط خالف موجبها)، وفي السياق ذاته نصت المادة (865) مدنى على أنه (إذا كانت المضاربة باطلة لشرط لحق بالعقد أصلاً مخالف لموجبها كان الربح كله لرب المال والخسر عليه، ويكون للعامل أجرة المثل ، ويضمن رأس المال إلا لخسر أو نقصان أو جفاف).
ومن المعروف أن الشرط المخالف لمقتضى عقد المضاربة هو كل شرط يجعل المضاربة لا تحقق الغرض الرئيس منها: مثل اشتراط أن يتحمل المضارب الخسارة كاملة أو أن يضارب المضارب بالمال دون أن يستحق صاحب المال أية نسبة من الربح... الخ، فهذه الشروط تكون باطلة أو ملغية، لكنها لا تؤدي إلى بطلان عقد المضاربة إلا إذا تناقضت مع المضاربة في جوهرها مما يؤدي إلى بطلان العقد ذاته.
فإذا تم الإتفاق على تحميل العامل المضارب الخسارة أو جزء منها فالعقد فاسد لمناقضة الشرط مقتضى العقد وعند الإتفاق على تلك الصيغة الفاسدة ومباشرة العامل لعمل المضاربة وتحقيق الأرباح، ففي هذه الحالة تكون الأرباح كلها لصاحب المال ويأخذ العامل من صاحب المال أجر المثل.
الوجه الخامس: تضمين عقد المضاربة ضمان العامل لرأس مال صاحب المال:
نصت المادة (849) من القانون المدني اليمني على أنه: (يجوز للعامل أن يتطوع لضمان رأس المال دون شرط ويجوز لرب المال أن يشترط على العامل أن يأتيه ضمين يضمنه فيما يترتب على تعديه).
ومن خلال مطالعة النص يظهر ما يأتي:
1- جواز أن يتطوع العامل المضارب من تلقاء نفسه من غير شرط أو طلب من صاحب المال بأن يتطوع العامل بضمان رأس مال صاحب المال الذي يتولى المضارب المتاجرة والمضاربة به واستثماره.
2- عدم جواز أن يتضمن عقد المضاربة شرطاً ينص على أن العامل يضمن رأس مال صاحب المال الذي يضارب به، لأن طبيعة عقد المضاربة في الفقه الإسلامي هي أن يكون المضارب أميناً على المال وليس ضامناً له، فالخسارة في رأس المال تقع على عاتق صاحب المال بينما يخسر العامل المضارب جهده وعمله، فلا يضمن العامل راس المال إلا في حالة تعديه اوتقصيره او إهماله اومخالفته شروط صاحب المال الموافقة للشريعة الاسلامية.
3- جواز مطالبة صاحب المال للعامل بأن يقدم ضامناً او كفيلا يضمن رأس المضاربة في عقد المضاربة يضمن المضارب في حالة تعديه على مال المضاربة اوتقصيره اوإهماله او مخالفته للشروط التي وضعها صاحب المال. (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة ، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين ،مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٧م ، ص١٨٧).
الوجه السادس: يمين التزكية من من المضارب حسبما قضى الحكم محل تعليقنا:
قضى الحكم محل تعليقنا انه : على المطعون ضده تقديم كشف حساب لنشاط فترة المضاربة ويزكيه بيمينه لأنه الأمين ، فالقول قوله مع يمينه، وقد قضى الحكم بذلك ، لان عقد المضاربة كان قد تضمن شرط الفائدة الربوية المحرمة ، وقد ابطل الحكم محل تعليقنا ابطل هذا الشرط المخالف للشريعة الاسلامية ، وتبعا لذلك صار من اللازم على الحكم ان يبين قضائه في نسبة الربح المستحقة لصاحب المال ،ولذلك قضى الحكم انه : على المطعون ضده تقديم كشف حساب لنشاط فترة المضاربة ويزكي ذلك بيمينه لأنه الأمين فالقول قوله مع يمينه.
والمقصود بيمين النزكية هنا هو يمين الإستظهار أو الإستيثاق التي قررها الفقه الاسلامي عندما لايستطيع القاضي الإهتداء إلى حقيقة الشئ إلا من جهة الشخص الذي يتم توجيه اليمين اليه . (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل اليمين ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٧٢)، والله أعلم.