نهج القانون المدني اليمني منهجا توفيقيا بين الشريعة والقانون فيما يتعلق بالتقادم ، ويظهر ذلك من سماح القانون المدني اليمني في المادة (1118) للمدعى صاحب الحق الذي تقادم حقه بسماع دعواه إذا كانت لديه: (قرئن قوية دالة عن صدق دعوى فتسمع دعواه تأكيداً لحفظ الحقوق) حسبما ورد في نهاية المادة (١١١٨) مدني، سواء اكان هذا الحق عقارا أو منقولا ، لأن الحيازة والثبوت في القانون المدني اليمني تسري على المنقولات والعقارات حسبما هو مقرر في المادة (١١٠٣) مدني التي نصت على أن (الثبوت أو الحيازة هو إستيلاء الشخص على الشئ ووضع يده عليه منقولا كان أو عقارا...).
ومن جهته نظم قانون الإثبات اليمني أحكام عدم سماع الدعوى ، ومن ضمن ذلك عدم وجود عبارة سماع دعوى المدعي بحق في عقار المذكور في المادة (١٨) إثبات وقرر هذا النص عدم سماع هذه الدعوى بعد مضي ثلاثين سنة ولم ترد في هذا النص عبارة (ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق) ،كما هو الحال في المادة (١١١٨) مدني ، ومعنى ذلك ان الدعوى بحق في العقار وفقا للمادة (١٨) إثبات لا تسمع بعد مضي ثلاثين سنة حتى لو كانت لدى المدعي قرائن قوية على صحة دعواه،اما الدعاوى بغير العقار فقد اجاز قانون الاثبات سماع الدعوى فيها حتى لو انقضت مدة التقادم فيها طالما ان هناك قرائن لدى المدعي صاحب الحق تدل على صحة دعواه حسبما هو مقرر في المادة (٢٣) إثبات التي لم تشترط ان تكون هذه القرائن قوية بل أن الدعوى في غير العقار تسمع مهما كانت القرائن التي يستدل بها المدعي طالما انها تدل على حقه ، حسبما هو مقرر في المادة (23) من قانون الإثبات التي اوجبت على المحكمة سماع دعوى المدعي صاحب الحق الذي تقادم حقه أن تسمع دعواه تأكيداً لحفظ الحقوق، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-5-2009م في الطعن رقم (33943)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فالدائرة: تجد أن الطعن يتمحور حول تطبيق المادة (23) إثبات التي نصت على أنه: (لا تسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد الأربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الإستحقاق مع عدم المطالبة ويعتبر الحق مستحق الأداء من يوم ثبوته مالم يضرب له أصل للسداد فلا يعتبر مستحقاً إلا بعد الأجل، هذا وعدم سماع الدعوى في المواد الأربع السابقة مالم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق) فهذه المادة صريحة وواضحة لا لبس في عباراتها أو غموض في أن الأصل عدم سماع الدعوى لمضي المدة، إلا أنه رغم مضي المدة فإن الدعوى تسمع إذا وجدت قرائن دالة على صدقها، والحكمة من ذلك تأكيداً لحفظ الحقوق، وحيث أن الحكم المطعون فيه قد قضى بإلغاء حكم المحكمة الابتدائية الذي قضى بعدم سماع الدعوى إستناداً إلى ما ورد في بداية هذه المادة دون أن يلتفت الحكم الابتدائي إلى ما ورد في نهاية المادة وما قدمه المدعي من مستندات ، ولذلك فإن قضاء الحكم الاستئنافي صحيح موافق للقانون، أما ما يحاجج به الطاعن بأن الفقرة الأخيرة من المادة (23) إثبات السابق ذكرها ، وقوله ان سماع الدعوى بعد مضي المدة إذا كانت هناك قرائن ليس وجوبيا وإنما جوازيا، والدائرة تجد: ان ما ذكره الطاعن مردود عليه بلفظ (فتسمع) الوارد في نهاية المادة، فهذا اللفظ يعني وجوب أن تسمع المحكمة المدعى إذا وجدت لديه قرائن دالة على صدقها، وعليه فإن سماع الدعوى عند توفر قرائن على صدق الدعوى ليس جوازياً للمحكمة بل قد أوجب القانون عليها ذلك)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: نظرة مختصرة لموقف الفقه الإسلامي من تقادم الحقوق والدعاوى
الحقوق في الشريعة الاسلامية لا تسقط بتقادم الزمان ديانة فيما بين العبد وربه إلا بمسوغ شرعي كإبراء أو تنازل صاحب الحق، فتظل ذمة الشخص منشغلة بحق غيره من الادميين مهما مضى الزمن، ويسال الله سبحانه وتعالى ويحاسب الحائز أو الثابت على حق غيره مهما طالت مدة حيازته أو ثبوته، هذا حكم الحيازة ديانة، أما في القضاء فإن دعوى الحق المتقادم لا تسمع بعد مرور مدة زمنية طويلة من غير مطالبة صاحب الحق ومن غير عذر يحوّل دون مطالبة صاحب الحق بحقه، ويعبر الفقهاء عن التقادم بأنه لا يسقط الحقوق ديانة إلا أنه يسقطها قضاءً أي أمام القضاء فلا تسمع امام دعوى صاحب الحق المتقادم ،لان مضي المدة من غير مطالبة صاحب الحق بحقه يحمل على انه قد تنازل عن حقه، غير أنه إذا ظهرت بعد مضي مدة التقادم قرائن تدل على أن صاحب الحق مازال متمسكاً بحقه وتوفرت لديه القرائن الدالة على حقه فإن دعواه تسمع لحفظ الحقوق بإعتبار المال من الكليات الخمس، فلايحل مال امرئ الا بطيب من نفسه.
واذا كان من المقرر في فقه الشريعة الاسلامية تقادم دعوى صاحب الحق امام القضاء بمضي المدة فان دعوى صاحب الحق لاتتقادم يمضي المدة ديانة عند الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الاعين وماتخفي الصدور . (فقه المعاملات المالية وتطبيقاته المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة، 2022م، صـ253).
الوجه الثاني: سماع الدعوى المتقادمة في القانون المدني اليمني عند وجود قرائن قوية لدى المدعي
أخذ القانون المدني اليمني بما ذهب اليه الفقه الاسلامي ، فقد نص هذا القانون على تقادم دعوى صاحب المطالبة بالحق بعد مضي ثلاثين سنة على حيازة الحائز للحق من غير غصب أو قرابة أو شراكة أو إرث، إلا ان القانون المدني أجاز سماع دعوى صاحب الحق للمطالبة بحقه من الحائز للحق رغم مضي مدة التقادم، إذا كانت هناك قرائن قوية تدل على صحة دعواه رغم التقادم، واوجب القانون على المحكمة سماع دعواه في هذه الحالة ، وفي هذا المعنى نصت المادة (1١18) مدني على أنه: (لا تسمع دعوى الملك من حاضر على ذي اليد الثابتة الذي يتصرف تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا غير ظروف عادية تسود فيها الفوضى والتغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق ، وذلك بعد مضي ثلاثين سنة من يوم وضع اليد، والعبرة في إعتبار الشخص غائباً من البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ، ويعتبر حاضراً إذا كان متردداً إليها، ويستثنى من ذلك الميراث والوقف والشراكة فلا تحدد بمدة ، ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق).
ومن خلال إستقراء هذا النص سيما العبارة الأخيرة (إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق) ، فيظهر من هذه العبارة أن النص االقانوني السابق قد صرح بسماع دعوى صاحب الحق ولو كانت مدة التقادم المحددة في النص قد انقضت طالما انه قد توفرت لدى المدعي صاحب الحق قرائن قوية تدل على صحة دعواه، وقد عرّف قانون الإثبات اليمني القرائن في المادة (154) بأنها: الأمارات التي تدل على إثبات ما خفي من الوقائع ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها، والقرائن على ثلاثة أنواع: قرينة شرعية تغني عن أي دليل آخر كقرينة الولد للفراش وحجية الحكم ، وقرينة قضائية وهي: ما تستنبطه المحكمة، وقرينة قوية أو قاطعة ، وقرينة بسيطة،والقرينة القانونية القاطعة لا يجوز نقضها ويتعين الأخذ بها حسبما هو مقرر في المادتين (155 و 156) إثبات.
وبناءً على مفهوم القرائن السابق الاشارة اليه فإن القرائن المطلوبة في حالة سماع الدعوى المتقادمة في المادة (1118) مدني السابق ذكرها هي القرائن القاطعة القانونية.
كما يظهر من مطالعة نص المادة (١١١٨) مدني السابق ذكرها يظهر أن مدة التقادم هي ثلاثين سنة، سواء اكان المال الذي محل الحيازة منقولا أم عقارا حسبما هو مقرر في المادة (١١٠٣) مدني التي نصت على أن (الثبوت أو الحيازة هو إستيلاء الشخص على الشئ ووضع يده عليه منقولا كان أو عقارا...).
وتسري هذه المادة على تقادم الدعاوى الحق في الأراضي والعقارات والمنقولات.
الوجه الثالث: عدم سماع الدعوى المتقادمة في العقار وفقا لقانون الإثبات اليمني وتوصيتنا للمقنن اليمني: سبما هو مقرر في المادة (18) من قانون الإثبات التي نصت على أنه (لا تسمع الدعوى من حاضر بحق في عقار مضى عليه ثلاثون سنة من يوم وضع اليد عليه من شخص يتصرف فيه تصرف المالك بلا مطالبة ولا قرابة ولا مصاهرة ولا ظروف غير عادية تسود فيها الفوضى أو التغلب ويتعذر فيها الوصول إلى الحق ويستثنى الميراث والوقف والشركة فلا تحدد بمدة والعبرة في إعتبار الشخص غائباً عن البلد هي بوجوده خارجها طوال المدة المقررة ويعتبر حاضراً إذا كان متردداً إليها). وهذا النص مماثل لنص المادة (1118) مدني السابق ذكرت في الوجه السابق، غير أن النص الوارد في قانون الإثبات لم يتضمن عبارة (ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق)، ومعنى ذلك ان دعوى صاحب الحق في العقار لاتسمع بعد مضي ثلاثين سنة حتى لو كانت لدى صاحب الحق في العقار قرائن قوية على صحة دعواه.
وقد سبق القول: أن القانون المدني صرح بسماع الدعوى في العقار والمنقول بعد إنقضاء مدة التقادم 30 سنة إذا كانت هناك لدى المدعي قرائن قوية تدل على صحة دعواه حسبما هو مقرر في نهاية المادة (1118) مدني السابق ذكرها في الوجه السابق، في حين لم تتضمن المادة (18) إثبات هذه العبارة رغم أن صياغة المادة (18) إثبات مماثلة لصياغة المادة (1118) مدني، ولا تختلف عنها إلا في أنها خصصت مدة التقادم في العقار وفي انها لم تتضمن عبارة: (ويلحق بذلك إذا كان هناك قرائن قوية دالة على صدق الدعوى فتسمع تأكيداً لحفظ الحقوق).
ولمعالجة التعارض بين المادة (١١١٨) مدني والمادة (١٨) إثبات يتم تطبيق قواعد دفع التعرض بين النصوص كما ياتي:
1- قاعدة تقديم القانون الخاص على القانون العام: وتطبيقا لهذه القاعدة يمكن القول أن النص الوارد في قانون الإثبات خاص بالعقار في حين أن النص الوارد في القانون المدني عام في المنقول والعقار، فيكون النص الوارد في الإثبات واجب التطبيق في العقار.
2- قاعدة المتاخر ينسخ المتقدم: ومعنى ذلك أن المادة (18) إثبات قد وردت في قانون الإثبات الصادر في مارس 1992م في حين وردت المادة (1118) مدني في القانون المدني الصادر في إبريل 2002م ، ووفقاً لقاعدة المتأخر ينسخ المتقدم فإن المادة (1118) مدني هو الواجبة التطبيق.
3- لاتعارض بين التشريع الأدنى والتشريع الاعلى: فالتعارض بين النصوص لا يكون إلا إذا كانت التشريعات في درجة واحدة، في حين أنه من المعروف أن القانون المدني اليمني قانون أساسي أي من القوانين الاساسية التي علي الدستور في المرتبة ، ومن للقوانين الاساسية القانون المدني اليمني الذي ينظم حقوق أساسية للافراد كالملكية والأهلية...إلخ، في حين أن قانون الإثبات قانون إجرائي فرعي يكون في مرتبة أدنى من القانون المدني وتطبيقاً لذلك يكون نص المادة (1118) مدني هو الواجب التطبيق.
ولمعالجة هذه الإشكالية فإننا نوصي المقنن اليمني: بالتدخل لمعالجة هذه الإشكالية القانونية. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحيازة والتقادم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ133).
الوجه الرابع: سماع الدعوى المتقادمة في القسمة والشفعة:
نصت المادة (١٦) إثبات على ان مدة تقادم دعوى القسمة سنة للوارث الغائب أو القاصر من تاريخ حضوره أو بلوغه ولا تسمع الدعوى بعد إنقضاء المدة عملاً بالمادة (16) إثبات، ولم ينص قانون الاثبات على سماع دعوى القسمة بعد انقضاء هذه المدة المحددة حتى اذا كانت قرائن على صحة الدعوى طالما ان القسمة قد تمت صحيحة شرعا وقانونا وليس فيها غائب أو قاصر.
وبشأن تقادم دعوى الشفعة نصت المادة (١٧) إثبات على أن مدة تقادم دعوى الشفعة ثلاثة أيام من تاريخ العلم بالشراء واذا لم يستجب المشتري لطلب الشفعة ويا جاز للشافع ان يرفع دعوى الشفعة أمام المحكمة خلال ثلاثين يوما من تاريخ علمه بالشراء حسبما هو مقرر في المادة (١٢٧٥) مدني ، بيد ان قانون الاثبات لم ينص على سماع الدعوى بعد مضي مدة التقادم حتى لو كانت لدى المدعي قرائن تدل على صحة دعواه.
الوجه الخامس : سماع الدعاوى المتقادمة في غير العقار وفقا لقانون الإثبات اليمني
اجاز قانون الاثبات اليمني لصاحب الحق في غير العقارات أن يتقدم بدعواه امام المحكمة ولو كانت مدة تلتقادم قد انقضت إذا كانت لدى صاحب الحق قرائن تدل على صحة دعواه ، واوجب القانون المشار اليه اوجب على المحكمة سماع دعوى صاحب الحق إذا كانت لدى صاحب الحق قرائن دالة على صحة دعواه ولو قد انقضت المدة المحددة لرفع دعواه والمحددة في قانون الاثبات ، وتلخيص ذلك كماياتي:
1- تقادم الدعوى في الحق المتجدد كأجرة المباني والأراضي ثلاث سنوات من تاريخ الإستحقاق وكذلك الحال مدة تقادم دعوى القاصر فيما باعته أمه أو من له عليه ولاية للضرورة أو الإنفاق إذا كان بثمن الزمان والمكان، ومدة التقادم في هذا الشأن ثلاث سنوات من تاريخ البلوغ حسبما نصت عليه المادة (20) إثبات، ومع مضي مدة التقادم المشار إليها إلا انه يجب على المحكمة سماع دعوى صاحب الحق في هاتين الحالتي بعد مضي هذه المدة إذا توفرت لدى صاحب الحق قرائن دالة على صدق دعواه عملاً بالمادة (23) إثبات،التي نصت على انه ( لاتسمع الدعوى من حاضر بسائر الحقوق التي لا تتعلق بعقار ولم يرد ذكرها في المواد الاربع السابقة بعد مضي خمس سنوات من تاريخ الاستحقاق مع عدم المطالبة ، ويعتبر الحق مستحق الاداء من يوم ثبوته ما لم يضرب له اجل للسداد فلايعتبر مستحقا إلا بعد إنقضاء الاجل ،هذا وعدم سماع الدعوى في المواد الاربع السابقة مالم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تاكيدا لحفظ الحقوق)،.
ومن المعروف ان المواد الاربع السابقة على المادة (٢٣)إثبات هي المواد (و١٩و٢٠و٢١و ٢٢) من قانون الإثبات المشار اليها سابقا التي تناولت التقادم في دعاوى بغير العقار ،فلاتندرج ضمن هذه المواد المادة (١٨) التي تناولت التقادم في العقار والتي لم يرد فيها النص على سماع دعوى صاحب الحق في العقار بعد مضي ثلاثين سنة حسبما سبق بيانه.
2- مدة تقادم دعوى الحاضر من أصحاب المهن وغيرهم بحق من حقوق مهنية أو مصروفات تكبدها في ادائه لمهنته سنة من وقت أداء العمل حسبما هو مقرر في المادة (21) إثبات، ولكن الدعوى في هذه الحالة يتم سماعها من قبل المحكمة إذا توفرت لدى المدعي قرائن تدل على صحة دعواه عملاً بالمادة (23) إثبات السابق ذكرها.
3- لا تسمع الدعوى بعد مضي سنة من تاريخ الإستحاق بالنسبة لحقوق التجار والصناع وأصحاب الفنادق والمطاعم والعمال والأجراء ، حسبما ورد في المادة (22) إثبات، إلا أن دعوى صاحب الحق في هذه الحالة يتم سماعها رغم مضي مدة التقادم إذا توفرت لدى المدعي صاحب الحق قرائن دالة على صحة دعواه عملاً بالمادة (23) إثبات السابق ذكرها.
ومن الملاحظ ان مدة التقادم في المواد (٢٠و٢١و ٢٢) من قانون الإثبات المشار اليها سابقا انها عبارة عن تقادم حقوق محلها منقولات، في حين ان المادة (١١٠٣) مدني قد نصت على أن التقادم المقرر في القانون المدني يسري على المنقولات والعقارات ، كما ان مدة التقادم في القانون المدني ثلاثون سنة ، حسبما سبق بيانه، ومن وجهة نظرنا ان النصوص الواجبة التطبيق على المنقولات هي الواردة في قانون الاثبات وليس النص الوارد في القانون المدني.
وقد وردت في المادة (18) إثبات عبارة: (وعدم سماع الدعوى في المواد الاربع السابقة مالم تكن هناك قرائن دالة على صدق الدعوى فتسمع تاكيدا لحفظ الحقوق) .
وقد عرّف قانون الإثبات اليمني القرائن في المادة (154) بأنها: الأمارات التي تدل على إثبات ما خفي من الوقائع ودلائل الحال المصاحبة للواقعة المراد إثباتها وهي على ثلاثة أنواع: قرينة شرعية تغني عن أي دليل آخر كقرينة الولد للفراش وحجية الحكم وقرينة قضائية وهي: ما تستنبطه المحكمة ، وقرينة قوية أو قاطعة وقرينة بسيطة، والقرينة القاطعة هي القرائن القانونية التي لا يجوز نقضها ويتعين الأخذ بها حسبما هو مقرر في المادتين (155 و 156) إثبات.
وبناءً على ما تقدم بشان القرائن فإن القرائن المطلوبة في حالة سماع الدعاوى المتقادمة في غير العقار المشار إليها في المادة (18) من قانون الإثبات المقصود بهذه القرائن أية قرينة مطلقا طالما انها تدل على صحة الدعوى، لأن مصطلح القرائن المذكور في المادة (١٨) إثبات السابق ذكرها قد ورد مطلقا فلم يقيد النص القرائن بان تكون قوية كما هو الحال في المادة (1١18) مدني التي اشترطت أن تكون القرائن قوية حسبما سبق بيانه.
الوجه السادس: إذا توفرت القرائن لدى المدعي بالدعوى المتقادمة وجب على المحكمة سماع دعواه
كان النقاش في الحكم محل تعليقنا بشأن سلطة المحكمة بسماع الدعوى بعد تقادمها أي بعد مضي المدة المقررة في القانون لتقديمها، فقد كان الطاعن يناقش بأن سماع المحكمة لها مسألة جوازية ، في حين قضى الحكم محل تعليقنا بأن سماع الدعوى في هذه الحالة وجوبي وليس جوازي ،لأن مدلول كلمة (فتسمع الدعوى) يدل على الوجوب ولا صارف له إلى غير الوجوب. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الحيازة والتقادم، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ137)، والله اعلم.