نصت الفقرة (ب) من المادة (19) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (-ب- إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر إتفاق التحكيم كأن لم يكن) ، وقد صرح القانون ذاته ان شرط التحكيم يكون بمثابة إتفاق التحكيم ،لان شرط التحكيم يكون مستقلا عن العقد الذي يكون شرط التحكيم بندا من بنوده.
ومفاد النص القانوني السابق أن الدفع بشرط التحكيم يجب أن يبديه الدافع قبل مباشرته لإجراءات التقاضي أمام المحكمة ، لان مباشرة الخصم لاجراءات التقاضي أمام المحكمة يكون بمثابة تنازل عن شرط التحكيم ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 18-4-2009م في الطعن رقم (33391)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وعلى فرض وجود شرط التحكيم في الإتفاق الموقع بين الطرفين فإن المطعون ضده لم يثر هذا الدفع إبتداءً ، وإنما اثاره بعد الخوض في الموضوع ، فقد تقدم المطعون ضده بدفع آخر ، وهو الدفع بعدم صفته في النزاع، وهذا الدفع يعتبر خوضاً في الموضوع، والدفع بعدم قبول الدعوى لسبق الإتفاق على التحكيم يسقط الحق فيه إذا لم يبد قبل التكلم في الموضوع ، حسبما هو مقرر في المادة (19) تحكيم وفقاً لما قررته محكمة أول درجة في حكمها)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية شرط التحكيم في قانون التحكيم اليمني
نصت المادة (16) تحكيم على أنه: (يجوز أن يكون إتفاق التحكيم على شكل عقد مستقل (وثيقة تحكيم) أو على شكل بند في عقد (شرط التحكيم)، وإذا حكم ببطلان العقد ذاته أو بفسخه فأنه لا يترتب على ذلك بطلان شرط التحكيم).
ووفقاً لهذا النص فإن شرط التحكيم يكون عبارة عن بند من ضمن بنود العقد مثل النص في عقد المقاولة أو عقد الشراكة أو عقد الوكالة على بند ينص على : أنه إذا وقع خلاف بشأن تفسير أو تنفيذ بنود العقد فإنه يتم حسمه عن طريق التحكيم.
ويظهر أيضاً من مطالعة النص القانوني السابق أن شرط أو بند التحكيم في العقد يظل قائماً حتى لو تم فسخ العقد أو حكم القضاء ببطلان العقد، فشرط التحكيم بموجب النص القانوني السابق كما لو أنه إتفاق تحكيم مستقل بين أطراف العقد.
الوجه الثاني: الدفع بشرط التحكيم وفقاً لقانون التحكيم
نصت الفقرة (ب) من المادة (19) من قانون التحكيم اليمني على أنه: (-ب- إذا تابع الطرفان إجراءات التقاضي أمام المحكمة فيعتبر إتفاق التحكيم كأن لم يكن).
ووفقاً للنص القانوني السابق فإن متابعة الخصوم لإجراءات التقاضي أمام المحكمة يعد تنازلا عن شرط التحكيم أو إتفاق التحكيم ، وقد سبق القول :ان شرط التحكيم حكمه حكم إتفاق التحكيم.
وبناءً على ذلك فإن قيام الخصوم بمتابعة إجراءات التقاضي أمام المحكمة يعد تنازلاً عن شرط التحكيم مما يجعل شرط التحكيم كأنه لم يكن ، حسبما ورد في النص القانوني السابق، ومؤدى ذلك أنه يجب على الخصم أن يتمسك بشرط التحكيم قبل أن يتابع اجراءات التقاضي امام المحكمة .
الوجه الثالث: المقصود بمتابعة الخصوم لإجراءات التقاضي امام المحكمة التي تعد تنازلاً عن شرط التحكيم
بموجب نص الفقرة (ب) من المادة (١٩) تحكيم السابق ذكرها فان متابعة الخصوم لإجراءات التقاضي أمام المحكمة يعد تنازلا من الخصوم عن شرط التحكيم .
ومعني ذلك أن المدعي عندما يقوم برفع الدعوى ضد خصمه متجاهلا وجود شرط التحكيم في العقد المبرم فيما بينه وبين خصمه فان سلوكه هذا يعد عزوفا وتنازلا عن شرط التحكيم .
فإذا قام المدعى عليه بالإجابة أو الرد على الدعوى المشار إليها فان سلوك المدعي عليه في هذه الحالة يعد أيضا عزوفا وتنازلا من جانبه عن شرط التحكيم.
وكذا تقع المتابعة لإجراءات التقاضي أمام المحكمة من قبل الخصوم إذا قام المدعي بتقديم الدعوى أمام المحكمة فقام المدعى عليه بدفعها بأي من الدفوع غير (الدفع بشرط التحكيم) ، لأن قيام المدعى عليه بالرد على الدعوى أو دفعها بغير الدفع بشرط التحكيم يعد تنازلاً عن شرط التحكيم ، وعودة منه إلى المحكمة بإعتبارها صاحبة الولاية الأصلية بنظر الخصومة، ولذلك فقد اعتبر الحكم محل تعليقنا قيام المدعى عليه بدفع الدعوى الموجهة ضده بدفع اطلق عليه (الدفع بعدم توجه الدعوى إليه) اعتبر الحكم محل تعليقنا ذلك بمثابة خوض في الموضوع حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا ، فالمدعي تقدم بدعواه أمام المحكمة متجاهلاً شرط التحكيم وبالمقابل قام المدعى عليه بدفع الدعوى بدفع بعدم توجيهها إليه ،فلم يدفعها بشرط التحكيم، فكان ذلك منه تجاهلاً لشرط التحكيم، وهذا السلوك من الطرفين يعد تنازلا عن شرط التحكيم يجعله كأن لم يكن حسبما ورد في النص السابق. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الدفوع ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٢١٧).
الوجه الرابع: الدفع بشرط التحكيم دفع شكلي
صرح الحكم محل تعليقنا بان الدفع بشرط التحكيم دفع شكلي إجرائي يهدف الدافع منه منع المحكمة من نظر القضية وإحالتها إلى هيئة التحكيم المذكورة في شرط التحكيم، ولذلك فأنه إذا لم يثر الخصم هذا الدفع بداية قبل الخوض في موضوع النزاع سقط الحق فيه ، حسبما هو مقرر في المادة (181) مرافعات التي نصت على انه (وكذا سائر الدفوع المتعلقة بالإجراءات إذا لم تبد جميعها أو ما يراد إبداؤه فيها دفعة واحدة قبل الدخول في موضوع النزاع ، ويجب إبداء جميع الوجوه التي بني عليها الدفع المتعلق بالإجراءات معاً وإلا سقط حقه فيما يبد منها...). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التحكيم الجزء الثالث ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٢٧٥)، والله أعلم.