الإعلان قد يكون خبرياً وقد يكون دعوة للتعاقد وقد يتضمن الإعلان إيجابا ملزما موجها للجمهور، والإيجاب الملزم الموجه للجمهور هو: عرض لسلعة أو خدمة أو منفعة أو جائزة ،ويتضمن هذا الإيجاب كافة البيانات الرئيسية أو الجوهرية عن السلعة أو الخدمة أو المنفعة المعلن عنها.
وقد يكون هذا الايجاب موجها الى عموم الجمهور ، وقد يكون الإيجاب موجها الى بعض الاشخاص الذين تتوفر فيهم الشروط المحددة في الإعلان، فإذا اطلع على الإيجاب الوارد في الإعلان احد افراد الجمهور وقبل به وقام القابل بإيصال قبوله الى علم الشخص الذي قام بتوجيه الإعلان، فعندئذٍ ينعقد العقد ويكون ملزماً لطرفيه.
وإذا كان الإعلان مفتوحا غير مقيدا بمدة فيقع القبول به في أي وقت ويظل الإيجاب ملزما للموجب طوال مدة نشر الإعلان ،وإن كان الإيجاب الوارد في الإعلان مقيداً بمدة معينة فيكون ملزما للموجب خلال المدة المحددة في الإعلان، فلا يحق للموجب العدول أو التراجع عن إعلانه خلال المدة المحددة، فإذا حضر الشخص المقصود بالإعلان وباشر الإجراءات المقررة في الإعلان فأن ذلك يكون بمثابة قبول منه فينعقد به العقد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2-1-2011م في الطعن رقم (42586)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن ما ذكره الطاعن عبارة عن تكرار لما سبق أن أورده أمام الشعبة التجارية حيث يجادل الطاعن بعدم وجود عقد قرض – سند الدين – فيما بينه وبين المطعون ضده، فما ذكره الطاعن ليس من شأنه التأثير في الحكم المطعون فيه المستند إلى إعلان البنك للمزارعين وتسجيل اسماء المساهمين في الكشف وإستلام مساهماتهم بما في ذلك المطعون ضده المسجل برقم (7) في كشف المساهمين وتوجيه رئيس مجلس الإدارة بإستكمال الإجراءات وتسليم الآلة الزراعية، لأن الإلتزام بين الطرفين قد نشأ بموجب ذلك ولم يبق إلا أن يحرر المطعون ضده سند الدين وإستلام الآلة)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: الإعلان الموجه للجمهور بين الإيجاب الملزم والدعوة إلى التعاقد:
الإعلان الموجه إلى الجمهور قد يتضمن إيجاباً ملزماً، والإيجاب الملزم للموجب الذي يتم نشره في الإعلان هو الذي يتضمن تحديداً واضحاً للشيء محل التعاقد من حيث نوعه وجنسه ومواصفاته وموديله ولونه وثمنه والشروط الأساسية للتعاقد، وكذلك الحال للجائزة أو المنفعة أو الخدمة،فهذا هو الايجاب الموجه للجمهور الملزم للجهة او الشخص الذي وجه الإعلان.
ومن جانب آخر قد يكون الإعلان الموجه للجمهور عبارة عن دعوة للتعاقد إذا كانت البيانات الخاصة بالشيء محل التعاقد غير واضحة أو غير محددة أو ناقصة، وإعلانات الدعاية للسلع والخدمات والمنافع هى عبارة عن دعوة للتعاقد أو الإنتفاع بالخدمات أو المنافع التي يتم الإعلان عنها ، وفي كل الأحوال يجب على الجهة أو الشخص الذي يوجه الإعلان الى الجمهور يجب عليه الإلتزام بصحة الحقائق والمعلومات والبيانات الواردة في إعلانه، وعدم تضليل الجمهور مع الإلتزام بالوفاء بأي وعود والتزامات قد يرد ذكرها في الإعلان الموجه للجمهور مثل الوعد بجائزة لقاء عمل معين أو تقديم خدمة مجانية، وتكون الجهة التي وجهت الاعلان مسئولة عن صحة البيانات الواردة في الاعلان وعن الوفاء بالالتزامات المنشورة فيه.(الإعلان انواعه ومبادئه وطرق إعداده ، د. محمد الصيرفي ، دار المناهج للنشر القاهرة ٢٠١٧م ،ص١٧١).
الوجه الثاني: الإيجاب الموجه إلى الجمهور:
الإيجاب الموجه للجمهور هو: عرض بات ومحدد لشروط عقد معين يتضمن العناصر الجوهرية للعقد المطلوب إبرامه ، ويقوم بتوجيه هذا الإعلان الشخص أو الجهة عن طريق وسائل الإعلان والنشر المختلفة العادية والإلكترونية، حيث يعرض الشخص أو الجهة إيجابه على كافة الأفراد أو على بعض الأفراد الذين تتوفر فيهم شروط معينة، وينعقد العقد بتلقي الشخص للإيجاب وقبوله به وإبلاغه صاحب الاعلان بقبوله الإيجاب الموجه بواسطة الإعلان.
ويعد عرض البضائع مع بيان سعرها على واجهات المحلات التجارية مثالاً شائعاً لهذا النوع من الإيجاب، وكذا النشرات والإعلانات التي تعرض سلعة أو خدمة معينة بشروط معينة وكذا الإعلانات والعروض التي تنشر عن طريق الإنترنت والتي تهدف إلى الوصول لجمهور واسع ، فإذا قبل أحد أفراد الجمهور الإيجاب بشروطه انعقد العقد وكان ملزماً لطرفيه، وينعقد العقد من وقت وصول علم القبول الى الموجب. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2021م، صـ92) .
الوجه الثالث: الآثار المترتبة على الإيجاب الموجه للجمهور:
إذا تضمن الإعلان الموجه للجمهور عرضاً مؤقتاً بمدة زمنية فإن الإيجاب يكون ملزماً للموجب خلال المدة المحددة في الإعلان، وقد يكون الإيجاب الموجه للجمهور محدودا بقدر معين أو عدد معين مثل عرض ساري حتى نفاذ الكمية أو حتى حجز المقاعد أو قبول العدد المطلوب ، فإن الإيجاب الموجه للجمهور في هذه الأحوال يظل سارياً حتى نفاذ الكمية أو شغر المقاعد...إلخ.
وإذا قام أحد أفراد الجمهور بقبول الإيجاب الموجه للجمهور وقام بإبلاغ الشخص الذي صدر منه الإيجاب بقبوله انعقد العقد من وقت وصول علم القبول بالإيجاب إلى مسامع الشخص الذي قام بتوجيه الإيجاب إلى الجمهور، وعندئذٍ ينعقد العقد ويصير ملزماً لطرفيه مثله في ذلك مثل أي عقد ، ويجب على المتعاقدين في هذه الحالة الوفاء بالإلتزامات والشروط المقررة في الإيجاب الذي صار عقدا بعد القبول به. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة الجزء الثاني، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م ، ص٢١٨)، والله اعلم.