العلاقة بين الصفة والمصلحة في الدعوى

العلاقة بين الصفة والمصلحة في الدعوى

التفرقة بين الصفة والمصلحة في الدعوى محل خلاف في الفقه القانوني؛ فهناك من يذهب إلى أن الصفة والمصلحة متداخلتان وان الصفة ماهي إلا شرط من شروط المصلحة وهو شرط ان تكون المصلحة شخصية ، وهناك من يذهب إلى أن الصفة شرط مستقل من شروط الدعوى وأن شرط الصفة مستقل عن شرط المصلحة، وقد ذهب الحكم محل تعليقنا إلى الراي الأخير حيث فرق بين الصفة والمصلحة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 29-8-2012م في الطعن رقم (45997)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وكما هو واضح فإن التعليل الوارد في الحكم المطعون فيه يتناقض مع بعضه البعض، فكلما هو مقرر قانوناً وقضاءً أن الصفة في الدعوى هي عبارة عن السلطة أو الولاية في مباشرة الدعوى ، ويستمدها المدعي من كونه صاحب الحق الموضوعي في الدعوى التي قام برفعها للمطالبة بالحق سواءً أكان هذا الحق حق إنتفاع أو حق تملك ، كما أن الصفة في المدعى عليه تتمثل في كونه الذي ترفع الدعوى في مواجهته ، ومن ثم فإن الصفة في أطراف الدعوى التي نحن بصددها متوفرة في أطراف الدعوى، أما المصلحة في الدعوى فهي عبارة عن الحاجة إلى الحماية القضائية للحق ضد الإعتداء عليه أو التهديد بالإعتداء عليه ، فهي شرط لقبول الدعوى، فلا يتصور أن تتوفر المصلحة دون أن تتوفر الصفة ، وهذا التلازم أكدت عليه المواد (70 و 75 و 76) مرافعات، ومن ثم فإن ما عللته محكمة ثاني درجة لحكمها متناقض)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم شرط المصلحة في الدعوى:

المصلحة شرط من أهم شروط الدعوى، والمصلحة تعني المنفعة أو الفائدة العملية أو الواقعية التي تعود على المدعي من حكم القضاء له بطلباته المذكورة في الدعوى، فرافع الدعوى يهدف من دعواه إلى المحافظة على حقه أو مركزه القانوني وتأييد حقه، فالمصلحة هي المنفعة التي يجنيها المدعي من وراء لجوئه للقضاء ورفعه الدعوى.
ويجب أن تكون المصلحة إيجابية ومادية ومشروعة وحالة أو محتملة وملموسة، فالمصلحة مناط الدعوى ، فلا دعوى بدون مصلحة، فالمدعي سواءً أكان شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً يجب أن تكون له مصلحة في رفع الدعوى، وللمصلحة في الدعوى خصائص؛ منها: أن تكون مباشرة وشخصية وشرعية.
أن الدعوى ليست شرطاً لقبول الدعوى فحسب وإنما هي شرط لقبول أي طلب أو او امر أو دفع أو طعن.

الوجه الثاني: معنى الصفة في الدعوى:

الصفة في الدعوى علاقة الشخص بالشيء المدعى به كالملك أو الإرث، فلا تقبل الدعوى من غيرذي صفة أو على غير ذي صفة، وبناءً على ذلك فإن معنى الصفة أن صاحب الحق المدعى به هو الذي يباشر الدعوى، وان يكون المدعى عليه هو الذي بحوزته او سيطرته الحق المدعى به.
ولذا يجب أن تتوفر الصفة في المدعي والمدعى عليه معاً، فالصفة هي ولاية مباشرة المدعي للدعوى ، فلايحق له ذلك إلا إذا كان صاحب الحق المدعى به أو نائباً عن صاحب الحق.
ولا يختلف شراح المرافعات على إعتبار الصفة شرطاً للحق الإجرائي لتعلقها بشخص الخصم، أي أن تكون للشخص صفة تخوله إتخاذ الإجراء.
والصفة في الدعوى هي شرط لوجود حق الدعوى، أما الصفة الإجرائية فهي شرط لصحة الإجراء القضائي عندما يكون الذي يباشر الدعوى نائباً عن صاحب الحق الإجرائي.
 والصفة شرط لوجود الحق الإجرائي سواءً كان هذا الحق دعوى أصلية أو دفع أو طعن أو أمر أداء أو أمر على عريضة، فعند الطعن في الحكم يجب أن يكون الطاعن في مركز المحكوم عليه وبالصفة ذاتها التي كان متصفاً بها في الخصومة الصادر فيها الحكم المطعون فيه، ويمكن للمحكمة أن تتحقق من شرط الصفة من عريضة الطعن أو من عريضة الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه، فالعبرة بالخصم الحقيقي في الدعوى. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الدعاوى والطلبات، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص٣٢٢).

الوجه الثالث: طبيعة شرط الصفة:

اختلف شراح قانون المرافعات في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: يذهب إلى أن الصفة شرط لقبول الطلب على أساس أن حق الدعوى قد يوجد إذا توفرت شروطه وهي مسألة لاحقة على قبول الطلب القضائي فإذا لم يوجد فليس للمدعي الحق في إتخاذ الإجراء، بمعنى ليس له مصلحة في الإستمرار بالإجراءات، وبهذا يكون المدعي قد استكمل حق التقاضي وليس حق الدعوى أما الطلب فهو الأداة التي بواسطتها يستعمل المدعي حقه الإجرائي. (ماهية الصفة ودورها في النطاق الإجرائي، د. علي الشحات الحديدي، أكاديمية شرطة دبي مجلة الأمن والقانون، المجلد السادس 1998م، صـ342).
القول الثاني: يرى أن الصفة في الدعوى شرط مستقل من شروط قبول الدعوى فإذا تخلفت لا تقبل الدعوى لفقدان صلة المدعي بالحق الموضوعي ،ولذلك فهو غير جدير بالحماية القضائية. (الوسيط في قانون المرافعات، استاذنا الأستاذ الدكتور نبيل إسماعيل عمر، دار الجامعة الإسكندرية 2006م، صـ343).
القول الثالث: الصفة شرط وجود الحق في الدعوى، فهذا الحق أما أن يوجد فينظر القاضي في موضوع الدعوى، أو لا يوجد فيقرر القاضي رفض الدعوى. (نحو نظرية عامة لفكرة الدعوى أمام القضاء المدني، د. عزمي عبدالفتاح، دار ذات السلاسل الكويت 1986م، صـ303).

الوجه الرابع: التمييز بين الصفة والمصلحة:

هناك قولان بشأن مدى إستقلال الصفة عن المصلحة أو إختلاطهما، وبيان ذلك كما يأتي:
القول الأول: الصفة والمصلحة متداخلتان، إذ يتم التعبير عن الصفة بعبارة المصلحة الشخصية المباشرة ،وهي خاصية من خصائص المصلحة أو شرط من شروط المصلحة، فالمدعي يجب أن يكون صاحب الحق أو المركز القانوني المعتدى عليه أو من ينوب عنه كالولي أو الوصي أو المنصوب، والأطراف هم أصحاب الصفة الموضوعية وهم أطراف الخصومة القضائية، فلا يكون الأمر كذلك إذا لم يكن المدعي يتمتع بالأهلية الإجرائية، ولذلك تكون المصلحة والصفة متداخلتان. (الصفة الإجرائية، د. الشيماء محمد مصطفى، مجلة الحقوق جامعة الإسكندرية 2022م، صـ484).
القول الثاني: الصفة والمصلحة شرطان متميزان للإختلاف بينهما، فالمصلحة هي الفائدة العملية التي يحصل عليها صاحب حق الدعوى، أما الصفة فهي سلطة مباشرة الدعوى، فقد تتوفر المصلحة الشخصية لكن القانون لا يعترف للشخص بالصفة في مباشرة الدعوى، والدليل على ذلك الدعوى الجزائية المرفوعة من النيابة العامة، فتكون للنيابة العامة الصفة في رفعها، بيد أنه لا يشترط أن تكون للنيابة مصلحة، كذلك الحال في الدعاوى التي يجوز فيها للنقابات أن ترفع فيها الدعاوى نيابة عن منتسبيها ، فالنقابة لها صفة غير أنه ليس لها مصلحة. (مبادئ الخصومة المدنية، د. وجدي راغب، دار الفكر العربي القاهرة 1978، صـ146)، والله اعلم.