حكم تجديد وتمديد عقد المضاربة

حكم تجديد وتمديد عقد المضاربة

عقد المضاربة هو: أن يدفع صاحب المال مالاً معلوماً إلى العامل المضارب لإستثمار المبلغ وتشغيله مقابل نسبة شائعة من الربح المحقق، وعقد المضاربة من العقود الجائزة في الشريعة الإسلامية، وهو من العقود الشائعة بكثرة في الوقت الحاضر سيما في اليمن ، وتحدث بشانه خلافات ونزاعات كثيرة.

 وقد قرر الفقه الإسلامي شروطا وأحكاما وضوابطا للمضاربة الشرعية الموافقة لأحكام الشريعة ، وقد نظم القانون المدني اليمني المضاربة مستفيداً من أحكام الفقه الإسلامي، ومع ذلك فإن الفقه الإسلامي والقانون اليمني لم يتعرضا لمسألة تمديد وتجديد عقد المضاربة ، وإنما أجازا إنشاء عقد مضاربة جديد، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 30-1-2011م في الطعن رقم (41954)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما جدل الطاعن بالنسبة لتحميل المطعون ضده ما أدعى الطاعن أن خسارة اصابت نشاطه التجاري فقد رفضت محكمتا الموضوع هذا الإدعاء الذي لم يسنده أي دليل من أدلة الإثبات المحددة بالمادة (13) إثبات، كما أن عقد المضاربة وتجديداته كانت تتضمن تحديد مبلغ مقطوع كربح سنوي للمطعون ضده وسارت التجديدات على نفس المنوال كما لاحظنا سابقاً)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الاوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم عقد المضاربة في الفقه الإسلامي والقانون اليمني:

تعددت تعاريف الفقهاء لعقد المضاربة الشرعية (القراض) ، وخلاصة هذه التعاريف أن المضاربة : عقد يتم إبرامه بين طرفين يقدم أحدهما (صاحب المال) يقدم مالاً للطرف الآخر (المضارب أو العامل) ليتجر العامل بالمال أو يستثمره على أن يكون الربح بينهما حسب النسبة التي يتفق عليها الطرفان، أما الخسارة فيتحملها صاحب المال وحده إلا في حالة تعدي المضارب أو تقصيره أو مخالفته لشروط صاحب المال.

وقد عرّف القانون المدني اليمني المضاربة بتعريف مقارب للتعريف الفقهي ، حسبما هو مقرر في المادة (841) التي نصت على أن (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم المقدار والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة وبحسب العرف)، (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠١٦م، ص351).

الوجه الثاني: شروط وضوابط المضاربة في الفقه الاسلامي:

وضع الفقه الإسلامي والقانون المدني اليمني عدة شروط وضوابط لصحة عقد المضاربة يمكن تلخيصها وعرضها على النحو الآتي:

1- لا يضمن المضارب رأس المال إلا بالتعدي اوالتقصير أو مخالفة شروط صاحب المال.

2- إذا حققت المضاربة أرباحاً فيتم تقاسمها بحسب النسبة التي سبق الإتفاق عليها بين صاحب المال والمضارب ، وإذا حدثت خسارة فيتحمل خسارة المال صاحب المال وحده.

3- أن يكون رأس المال حاضراً ومسلماً للمضارب يقوم صاحب المال بتسليمه إلى المضارب وقت إبرام العقد، فلا يجوز أن يكون رأس المال ديناً.

4- أن تكون أرباح صاحب المال والمضارب شائعة في الربح المحقق أي نسبة معينة وليس مبلغاً مقطوعاً ولا حصة شائعة من رأس المال، لأن إشتراط الحصة من رأس المال يكون في حكم المبلغ المقطوع.

5- يجب أن يتم توزيع الأرباح من الربح الفعلي المتحقق فعلاً، لأنه إذا تم تقسيم ربح من غير أن يكون هناك ربح محقق فان ذلك يعد إحتيالاً على أموال الناس أو قرضاً بفائدة، بيد انه يجوز توزيع جزء من الربح تحت الحساب حتى يظهر الربح الفعلي.

6- يجب على المضارب أن يتجر أو يستثمر المال في مباح. (الفقه المقارن مع مسائل فقهية معاصرة، أ. د .عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة صنعاء ٢٠١٥م، ص137).

الوجه الثالث: وقت قسمة الربح في المضاربة:

الأصل أن يتم تضمين عقد المضاربة تحديد وقت قسمة ربح المضاربة، وقد يتم الإتفاق بين صاحب المال والمضارب لاحقاً على تحديد هذا الوقت، وإذا لم يتم تحديد وقت معين لقسمة ربح المضاربة في العقد، فأنه يجوز للمضارب أن يطلب قسمة الربح بعد إنتهاء العمل أو إنتهاء مدة العقد، ولا تجوز قسمة ربح المضاربة مع بقاء عقد المضاربة إلا بإتفاق الطرفين، لأن الربح يعتبر وقاية لرأس المال، فقد تحدث خسارة لاحقاً فتجبر من الربح. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة الجامعة الجديدة، صنعاء 2018م، ص٣٥٥).

الوجه الرابع: إنتهاء عقد المضاربة:

حددت المادة (867) مدني حالات إنقضاء المضاربة، فقد نصت المادة (867) مدني على أن: (تنقضي المضاربة بإنقضاء المدة المتفق عليها أو المدة المعتادة كالموسم ونحوه وبعزل العامل أو موته أو بموت رب المال مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد الآتية).

ويجوز للعامل المضارب ولصاحب المال حل عقد المضاربة قبل شروع العامل في العمل، أما إذا شرع فيه صار عقد المضاربة لازماً للطرفين ووجب إبقاء رأس المال تحت يد العامل إلى حين إنقضاء المدة المتفق عليها حسبما هو مقرر في المادة (868) مدني.

كما لا يجوز لرب العامل عزل العامل إذا كان المال عرضاً أو نحوه مما يجوز فيه الربح في المدة المتفق عليها أو المدة المعتادة وإنما يجوز له عزله إذا تيقن عدم الربح فإن اختلف العامل وصاحب المال قضى بينهما بما هو أصلح من العزل أو التأخير حسبما هو مقرر في المادة (869) مدني.

وإذا مات العامل أو رب المال لزم تسليم المال إلى صاحبه أو لوصيه أو لورثته فوراً مالم يكن المال عرضاً ويتقين الربح فيستمر وصي العامل أو وارثه في المضاربة بولاية صاحب المال أو يستمر العامل فيها بولاية من وصي رب المال أو وارثه أو بولاية القاضي في الحالتين إن رفض صاحب الولاية أصلاً.

وإذا مات العامل معيناً مال المضاربة كان لصاحب المال عين ماله وإذا جهل العامل فلم يعين المال بعينه ولو ذكر جنسه وقدره كان المال كالدين يحاصص به رب المال الغرباء وإذا أغفل العامل المال ولا إقرار ولا بينة بالبقاء لحين موته وأنكر وارثه أو أقر مع إدعاء تلف المال كان القول قول الوارث.

الوجه الخامس: تصفية المضاربة:

تتم تصفية اجراءات تصفية المضاربة وفقاً للإتفاق بين صاحب المال والعامل أو المضارب وتسمى التصفية في هذه الحالة بالتصفية الإتفاقية، ويجوز أن يتم النص عليها في عقد المضاربة أو في إتفاق لاحق.

أما إذا لم يكن هناك إتفاق بين صاحب المال والعامل بشأن التصفية ولم يتوصل الطرفان إلى إتفاق بشأن التصفية، فيحق لأيٍ منهما أن يتقدم بدعوى إلى القضاء أو التحكيم لتعيين مصفي لإجراء التصفية.

وتتم إجراءات التصفية عن طريق جرد أموال المضاربة وأصولها والوفاء بالديون والنفقات والإلتزامات القائمة وإقتضاء ديونها لدى الغير وتحديد نتائج التصفية وإعادة رأس المال إلى صاحبه وتقسيم الأرباح بين الطرفين بحسب النسبة التي سبق لهما الإتفاق عليها في عقد المضاربة .

وإستكمال إجراءات تصفية عقد المضاربة تدل على إنتهاء المضاربة حتى لو بقي مال لدى العامل المضارب فأنه يكون ديناً بذمته بعد تصفية المضاربة. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2017م، صـ294).

 الوجه السادس: معنى تمديد عقد المضاربة:

تمديد عقد المضاربة يعني إستمرار صاحب المال والعامل في تطبيق بنود عقد المضاربة السابق كاملة بعد إنهاء مدة عقد المضاربة السابق.

 وقد يكون الإتفاق بين الطرفين صريحا ، وعندئذ يكون هذا التمديد بمثابة عقد مضاربة جديد ولكن بالشروط ذاتها التي كانت واردة في عقد المضاربة السابق ، وقد يكون تمديد عقد المضاربة ضمنياً بان تنتهي مدة المضاربة، فيستمر الطرفان في عملية المضاربة وبحسب الشروط السابقة المذكورة في عقد المضاربة السابق.

الوجه السابع: معنى تجديد عقد المضاربة:

تجديد عقد المضاربة يختلف عن تمديده، فتجديد عقد المضاربة لايقع إلا صريحا أي يقع بتصريح صاحب المال والعامل المضارب على إستمرارهما في عملية المضاربة بشروط جديدة أو إضافة شروط جديدة أو إلغاء شروط كانت مذكورة في عقد المضاربة السابق.

 فالتجديد للعقد يعني أن هناك عقد جديد أو إستحداث شروط جديدة ، وقد يكون تجديد عقد المضاربة لمدة مساوية للمدة السابقة ، وقد يكون لمدة أكثر أو أقل.

 وان اختلف مفهوم تجديد عقد المضاربة عن مفهوم تمديد عقد المضاربة الا ان غايتهما واحدة وهي إستمرار الطرفين في العمل في المضاربة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ107).

 الوجه الثامن: حكم تمديد عقد المضاربة وتجديده:

تجديد عقد المضلربة بحسب المفهوم السابق بمثابة عقد مضاربة جديد بين صاحب المال والعامل المضارب ، ولذلك فأن تجديد عقد المضاربة جائز شرعاً إذا توفرت فيه الشروط والضوابط الشرعية للمضاربة السابق بيانها في الأوجه السابقة.

كذلك الحال بالنسبة لتمديد مدة عقد المضاربة وإستمرار الطرفان بالعمل بموجب عقد المضاربة السابق الذي تم تمديده فأن التمديد جائز طالما والطرفان ملتزمان بالشروط والضوابط الشرعية للمضاربة، لأن التمديد يتم برضاء الطرفين ، والرضاء في الشريعة الإسلامية معتبر طالما أن محل العقد لا يخالف أحكام الشريعة.

كما ينبغي مراعاة قول بعض الفقهاء: بأنه يجوز للمضارب أن يطلب قسمة الربح بعد إنتهاء العمل أو إنتهاء مدة العقد، غير أنه لا تجوز قسمة ربح المضاربة مع بقاء عقد المضاربة إلا بإتفاق الطرفين، لأن الربح يعتبر وقاية لرأس المال، فقد تحدث خسارة لاحقاً فتجبر من الربح، فاذا اتفق الطرفان بعد إنتهاء عقد المضاربة السابق على قسمة ارباح عقد المضاربة السابق وتجديده أو تمديده لمدة أخرى فان ذلك جائز.

الوجه التاسع : عدم جواز تحديد الربح في عقد المضاربة على أساس مبلغ مقطوع في الشهر أو السنة ، وذلك في الشريعة الاسلامية:

وردت في الحكم محل تعليقنا إشارة الى المضاربة على أساس مبلغ مقطوع وان العقد كان يتجدد على هذا الأساس.

فنتيجة قلة الوعي الشرعي والقانوني في اليمن يتورط عشرات الالاف من اليمنيين في قضايا مضاربة على اساس ان يدفع العامل المضارب لصاحب المال مبلغا مقطوعا في كل شهر أو في ربع السنة أو في نهاية السنة ، وهناك قضايا منظورة امام القضاء اليمني يصل الاطراف فيها في قضيتين فقط إلى ما يقارب خمسين ألف شخصا .

 اما المضاربة على اساس مبلغ مقطوع الموجودة في الواقع والتي لم تصل الى القضاء ، فالمشاركين فيها للاسف ملايين اليمنيين ،نتيجة قلة الوعي الشرعي بأحكام المضاربة الشرعية الصحيحة ، ولذلك فمن اللازم شرعا بيان الحكم الشرعي في المضاربة على أساس مبلغ مقطوع والتوعية بذلك على اوسع نطاق.

فعقد المضاربة من العقود التي اجازها الفقه الإسلامي وتناولها الفقهاء المتقدمون في مصنفاتهم، وفي سياق هذا التنظيم منع الفقه الإسلامي الإتفاق المسبق على تحديد مبلغ مقطوع أو نسبة ثابتة ومضمونة من الربح شهريا أو سنوياً أو تحديد مبلغ ثابت كربح.

 لأن هذا من الربا ويشبه القرض الذي جر نفعاً، فصاحب المال في المضاربة الشرعية يجب أن يكون شريكاً في الربح والخسارة فتكون نسبة الربح متغيرة يتم تحديدها بناء على نتائج عمليات المضاربة التي تتفاوت عائداتها.

 إذ يجب أن يتضمن عقد المضاربة تحديد الربح على أساس نسبة من الربح المتحقق فعلياً من عمليات المضاربة، فعقد المضاربة في الفقه الإسلامي يجب أن يكون قائماً على مبدأ الشراكة في الربح والخسارة بين صاحب المال والعامل صاحب العمل.

وبناءً على ما تقدم لا يجوز تضمين عقد المضاربة بندا أو شرطا بنص على : أن يأخذ صاحب رأس المال مبلغاً مقطوعا أو معيناً ثابتاً، وإنما يجوز أن يأخذ المبلغ المعين على أساس أن ذلك تحت الحساب أي على اساس ان يتم إحتساب المبلغ المدفوع سابقا من الربح الذي سيظهر أو يتحديد عند تصفية عملية المضاربة أي عندما تظهر الأرباح الفعليةة لعمليات المضاربة. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2017م، صـ262).

الوجه العاشر: تحديد الربح الثابت مسبقاً على أساس مبلغ مقطوع في عقد المضاربة في القانون المدني اليمني:

لاريب أن القانون المدني قد منع ذلك بإعتباره من أنواع الربا التي صرح بمنعها القانون المدني وحدد أنواع الربا في المادة (561) التي نصت على أن: (أنواع الربا: -4- ربا القرض وهو ما شرط فيه جر نفع للمقرض).

 فعقد المضاربة حينما يتضمن شرطا أو بندا ينص على : تحديد الربح على أساس مبلغ مقطوع معين ثابت في السنة أو الشهر أو تحديد نسبة ربح ثابتة فإن ذلك يكون من قبيل ربا القرض المحرم في الشريعة والقانون، وعندئذٍ تكون المضاربة حيلة لإخفاء قرض ربوي. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2017م، صـ294).

توصيتنا للمختصين:

طالما ان تحديد الربح في المضاربة على أساس مبلغ مقطوع قد صار ظاهرة في اليمن ، والقضايا المنظورة أمام المحاكم خير شاهد على هذا الامر، لذلك فاننا ومن منطلق براءة الذمة نوصي الجهات المعنية بالتوعية الشرعية باحكام المضاربة ، كما انصح الباحثين بإعداد رسائل علمية رصينة في التطبيقات المعاصرة لعقد المضاربة، والله اعلم.