الغلط بالمبيع غير المتصل بعلم البائع
من المقرر في الفقه الاسلامي انه يشترط لقبول دعوى المشتري بغلطه في المبيع ان يكون البائع عالما بان المشتري قد وقع في الغلط في المبيع أو ان البائع كان بوسعه أن يعلم بذلك الغلط.
فعندما يدعي المشتري أنه قد وقع في الغلط حينما اشترى المبيع من البائع، فيجب أن يكون هذا الغلط متصل بعلم البائع حتى تقبل دعوى المشتري المدعي بالغلط، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-1-2011م في الطعن رقم (43339)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (ومن ناحية أخرى فأنه لا يكفي أن يدعي الطاعن المشتري أنه قد وقع في غلط ، بل يجب أن يكون البائع قد اتصل بهذا الغلط أي أن البائع كان يعلم بوجود عيب في المبيع أو كان من السهل عليه أن يتبينه، ويقع عبء إثبات ذلك على من يدعي وقوعه في الغلط في المبيع وهو المشتري، ولم يتبين من وقائع النزاع قيام الطاعن المشتري بإثبات ذلك أمام محكمتي الموضوع)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: مفهوم الغلط في الفقه الاسلامي والقانون اليمني:
بينت المادة (174) من القانون المدني اليمني بينت المفهوم القانوني للغلط، فقد نصت هذه المادة على أنه: (يكون الغلط جوهرياً إذا فوّت الغرض من التعاقد وعلى الأخص فيما يأتي: -1- إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في إعتبار المتعاقدين أو يجب إعتبارها كذلك لما لابس العقد من ظروف أو لما ينبغي في التعامل مع حُسن النية -2- إذا وقع في ذات المتعاقد معه أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات في الصفة هي السبب الرئيسي في التعاقد).
في حين نصت المادة (68) من القانون التجاري اليمني على أن: (ينعقد البيع بتراضي المتعاقدين على البيع والثمن ويجب أن يكون المشتري عالماً بالمبيع علماً كافياً ، ويعتبر العلم كافياً إذا اشتمل العقد على بيان المبيع وأوصافه الأساسية بياناً يمكن من تعرفه، وإذا ذكر في العقد أن المشتري عالماً بالبيع سقط حقه في طلب إبطال البيع بدعوى عدم علمه به إلا إذا اثبت تدليس البائع).
وبناءً على ما تقدم فإن الغلط : هو عيب من عيوب الإرادة ، فهو عبارة عن وهم أو تصور خاطئ يقع في ذهن المتعاقد فيتصور له الواقع على غير حقيقته مما يدفعه إلى إبرام عقد ماكان ليبرمه لو عرف حقيقة المبيع كاملة.
فالغلط إختلال في ذهن المتعاقد ناشئ عن بعض العوامل المرافقة لإنعقاد العقد: مما يؤثر في سلامة إختيار المتعاقد ، فيندفع للتعاقد نتيجة تأثير هذه العوامل في نفس المتعاقد.
فالوهم الذي يقع في ذهن المتعاقد يصور له غير الواقع ، ويدفعه إلى التعاقد ، فقد يتوهم المتعاقد واقعة غير صحيحة فيتوهم المتعاقد صحتها في حين أنها غير صحيحة في حقيقتها: مثال: أن يشتري شخص آنية يتوهم أنها مصنوعة من فضة في حين أنها مصنوعة من البرونز.
وتذهب النظرية القانونية الحديثة الى أنه لا ينبغي الإعتماد على الغلط في مادة الشيء دون قيمته ، لأن الغلط في مادة الشيء أقل أهمية من قيمة الشيء ، فالنظرية الحديثة تذهب إلى أن الغلط هو الذي يقع في أمر جوهري في نظر المتعاقد بحيث يكون هو الدافع للمتعاقد على التعاقد ، فلا يجب أن تكون هناك أحوال محددة يؤثر فيها الغلط وأحوال أخرى لا يؤثر فيها، وإنما يجب حسبان كل الحالات متى وقع الغلط في أمر جوهري مهم عند المتعاقد ، وكان هو الدافع له على التعاقد، فلا فرق في أن يكون الغلط في مادة الشيء أو في الشخص الذي تم التعاقد معه أو في قيمة الشيء أو في الباعث أو في القانون ، ومن ثم فإن النظرية الحديثة للغلط أخذت بالمعيار الشخصي وهو معيار مرن، وقد أخذ القانون المدني اليمني بالنظرية الحديثة للغلط حسبما هو ظاهر في المادة (174) مدني السابق ذكرها.
وحكم العقد المشتمل على غلط هو انه غير لازم بالنسبة للمتعاقد الذي وقع في الغلط أي أن له الخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه لفوات الوصف الجوهري الذي فات عليه جراء غلطه ، لان الغلط قد اخل برضاه ، هذا إذا كان العقد من عقود المعاوضات المالية ونحوها ، ويلحق بالغلط بمحل العقد أو وصفه يلحق به الغلط في في شخص العاقد ، كالتعاقد مع طبيب مشهور فينكشف بعد العقد للمتعاقد ان الذي تعاقد معه هو ممرض يعمل لدى الطبيب المشهور وليس الطبيب المشهور.
أما العقود التي لاتقبل الفسخ كعقد الزواج فيذهب الحنفية الى انها عقود لازمة فلاتفسخ للغلط ، وذهب احمد بن حنبل الى انه يثبت خيار الفسخ للغلط فيها ، كما لو غلط الزوج المتعاقد في الوصف الجوهري المرغوب في الزوجة ، كمن يتزوج إمرأة على وصف أنها جميلة فينكشف له بعد العقد انها دميمة. (فقه المعاملات المالية المعاصرة وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين ، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢١م ، ص٨٧).
الوجه الثاني: شروط الغلط:
من خلال مطالعة ماذكره الفقه الاسلامي وماورد في المادة (174) مدني التي نصت على انه:(يكون الغلط جوهرياً إذا فوّت الغرض من التعاقد وعلى الأخص فيما يأتي: -1- إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في إعتبار المتعاقدين أو يجب إعتبارها كذلك لما لابس العقد من ظروف أو لما ينبغي في التعامل مع حُسن النية -2- إذا وقع في ذات المتعاقد معه أو في صفة من صفاته وكانت تلك الذات في الصفة هي السبب الرئيسي في التعاقد).
و يظهر من خلال ذلك أن شروط الغلط تتلخص فيما يأتي:
1- أن يكون الغلط جوهرياً: فالغلط لا يعيب الإرادة إلا إذا كان جوهرياً ، فيؤدي إلى إبطال العقد، أما إذا كان الغلط غير جوهري ، فلا يعيب الإرادة، ويكون الغلط جوهرياً إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث ان المتعاقد كان سيمتنع عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.
2- أن يعلم المتعاقد الآخر بالغلط: فلا يكفي أن يكون الغلط جوهرياً ، وإنما ينبغي أن يكون المتعاقد الآخر قد وقع في الغلط ذاته أو كان على علم بالغلط، أو كان من السهل عليه أن يكشفه، فإذا اشترى شخص ساعة على أنها اثرية في حين أن البائع يعلم أنها ليست كذلك، فعندئذٍ يتحقق الغلط، إذ كان يجب على البائع في هذه الحالة أن يخبر المشتري بأنها ليست اثرية، ولذلك لاحظنا أن الحكم محل تعليقنا قد رفض دعوى المشتري بالغلط ، لأن البائع لم يكن يعلم بالغلط الذي وقع فيه المشتري.
3- عدم جواز التمسك بالغلط خلافاً لما يقتضي به حُسن النية: فإذا اشترى شخص سلعة على أساس أنها أصلية ثم تبين له بعد ذلك أنها تقليد، فلا يجوز له أن يتمسك بإبطال البيع إذا عرض عليه البائع أن يسلمه السلعة الأصلية بدلا من المقلدة.
لأن تمسك المشتري بالإبطال في هذه الحالة يخالف ما يقتضيه حسن النية. (الوسيط في شرح القانون المدني، العلامة المرحوم الاستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري المجلد الأول، القاهرة بدون تاريخ، صـ381).
الوجه الثالث: المقصود بالغلط المتصل بعلم البائع:
كان الحكم محل تعليقنا قد قضى بأن الغلط الذي يبطل البيع هو الغلط المتصل بعلم البائع، ومعنى ذلك أن يكون البائع عالماً بالغلط الذي وقع فيه المشتري أو كان بوسع البائع أن يعلم بالغلط، وعلى هذا الأساس فقد قضى الحكم محل تعليقنا برفض دعوى الطاعن بالغلط ، لأن البائع لم يكن يعلم بالغلط الذي وقع فيه المشتري الطاعن ، فضلاً عن أن المشتري الطاعن قد عجز عن إثبات علم البائع بالغلط. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل العقود ، أ.د. عب المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٤م، ص١٩١)، والله أعلم.