توثيق المحررات هو : عبارة عن قيام الموظف المختص بقلم التوثيق بالتحقق من صحة وسلامة التصرف المطلوب توثيقه، والتاكد من توفر أركان التصرف وشروطه الشرعية والقانونية وعدم مخالفته للشرع والقانون ، وكذا التحقق من شخصيات وصفات المتعاقدين الذين صدرت منهم العقود والتصرفات وأهليتهم ورضاهم بالتصرف المطلوب توثيقه، والتأكد من صحة التوقيعات المثبتة في المحررات المنسوبة لأطراف المحرر، وبعد توثيق المحرر يصير محرراً رسمياً وفقاً لقانوني التوثيق والإثبات.
وعلى هذا الأساس فإن التوثيق يقدم خدمة شرعية وقانونية جليلة لأطراف المحرر بما يكفل سلامة المحرر وصحته ونفاذه، إضافة إلى أن التوثيق للمحررات يقدم خدمة وطنية للقضاء والعدل ولعامة أفراد المجتمع، فالتوثيق ينزع فتيل النزاعات والصراعات والخلافات المستقبلية التي تقع بين أطراف المحرر في المستقبل، ولذلك فإن سلامة إجراءات توثيق المحررات تحد بنسبة كبيرة من تدفق القضايا على المحاكم وتراكمها وتعثرها.
ومن خلال هذا التأصيل الموجز لتوثيق العقود والتصرفات تظهر شرعية وقانونية رسوم التوثيق التي تقوم بتحصيلها أقلام التوثيق نظير الخدمة التي تقدمها لأطراف المحرر، ومع أن القانون المدني اليمني قد ذكر أن المشتري هو الذي يقوم بدفع نفقات تحرير مستندات وحجج البيع أي البصائر، إلا أن القانون لم يمنع البائع من دفع مصاريف عقد البيع، ولذلك قد يتفق البائع والمشتري على أن يتحمل البائع دفع مصاريف البيع والشراء بما في ذلك رسوم توثيق وثيقة البيع، وبناءً على ذلك إذا أثار المشتري أمام المحكمة أنه قد اتفق مع البائع على أن يتحمل البائع رسوم التوثيق فأنه يجب على المحكمة أن تدرس وتحقق هذه المسألة، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 8-12-2009م في الطعن رقم (34700)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (أما بخصوص مطالبة الطاعن للمطعون ضده بتوثيق عقدي البيع المذكورين أعلاه فإن المحكمة الابتدائية والشعبة الاستئنافية لم تتعرضا لهذه المسألة مع أنها كانت مثارة أمامها، فقد ذكر المطعون ضده أمام محكمة الموضوع أنه مستعد لتوثيق العقدين المذكورين لدى الجهات المختصة على غرار ما قام به الطاعن مع مشترين آخرين اشتروا منه بعض المحلات والشقق، كما ورد في مرافعات المطعون ضده أن رسوم التوثيق على المشتري وليس على البائع بينما الطاعن يتمسك بأنها على البائع بحسب الإتفاق، وعليه فمن الواجب على محكمة الموضوع تحقيق هذه المسألة والفصل فيها وفقاً لما يثبت لديها من نصوص القانون أو العقد)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الاول: رسوم التوثيق وفقاً للقواعد العامة في القانون المدني اليمني:
نصت المادة (556) مدني على أن: (أجرة كتابة السندات والحجج تلزم المشتري)، فهذا النص صرح بأن أجرة تحرير سندات الملكية والحجج أي البصائر يتحملها المشتري.
ومن المعلوم أن عملية توثيق الحجج أو البصائر تكون بعد تحرير الحجج، حيث تكون الحجج بيد المشتري الذي يقوم باصطحابها مع المستندات التي تم البيع بموجبها وذلك إلى قلم التوثيق لتوثيقها، وعلى هذا الاساس فان المشتري هو الملزم بسداد رسوم التوثيق وفقا لما ورد في القانون المدني اليمني.
الوجه الثاني: رسوم توثيق الحجة أو البصيرة أو وثيقة البيع وفقا لقانون التوثيق اليمني:
نصت المادة (28) من قانون التوثيق اليمني على أن (-1- تحصل مقدماً جميع رسوم التوثيق المبينة في الجدول قبل إتخاذ أي إجراء مطلوب ويتم توريدها وفقاً لقانون تحصيل الأموال -2- يحصل رسم إضافي بواقع 25% من قيمة الرسم المقرر في هذا القانون والمبين في الجدول المشار إليه في الفقرة (1) من هذه المادة وذلك لصالح صندوق الدعم القضائي...).
فهذا النص القانوني اوجب تحصيل رسوم التوثيق مقدما قبل مباشرة اجراءات التوثيق ، بيد ان قانون التوثيق لم يحدد الطرف الذي يجب عليه ان يسدد رسوم التوثيق، وليس هذا عيباً في قانون التوثيق ، فقد ترك ذلك لإرادة المتعاقدين، فلهما أن يتفقا على تحديد الطرف الذي يدفع رسوم التوثيق، وهذا منهج مرن.
الوجه الثالث: إذا لم يتفق البائع والمشتري على تحديد الطرف الذي يسدد رسوم التوثيق فإن المشتري هو الملزم بالسداد:
سبق القول: أن القانون المدني قد صرح بأن أجرة سندات الملكية أو الحجج والبصائر يتحملها المشتري ، وتلحق بذلك رسوم التوثيق، وبناءً على ذلك إذا لم يتفق البائع والمشتري على تحديد الطرف الذي يدفع رسوم التوثيق فإن المشتري هو الملزم بدفعها، أما إذا كان هناك إتفاق بين المشتري والبائع على تحديد الطرف الذي يدفع الرسوم فيتم العمل بموجب هذا الإتفاق.
الوجه الرابع: حالات يتم فيها الإتفاق على أن يكون البائع هو الذي يقوم بدفع رسوم التوثيق:
في بعض الحالات يتم الإتفاق بين البائع والمشتري على أن يقوم البائع بدفع رسوم التوثيق، وذلك عندما يريد المشتري أن يتحقق من سلامة المبيع وتوفر الشروط في البائع عن طريق الجهة المختصة قانونا وهي قلم التوثيق الذي يتولى التحقق من صفة البائع الشخصية والعقدية والتحقق من توفر أركان وشروط البيع وفقاً لأحكام الشرع والقانون.
وكذا قد يتفق البائع والمشتري على ان يتولى البائع تسديد رسوم التوثيق عند بيع الشقق في الأبراج السكنية المتضمنة شقق التمليك، والواقع أنه حينما يتولى البائع سداد رسوم التوثيق نيابة عن المشتري فأنه يقوم بإحتسابتها على المشتري ضمن ثمن المبيع.
واذا وقع النزاع أمام المحكمة بشان الطرف الملزم بسداد رسوم التوثيق فانه يجب على المحكمة ان تتحقق من هذه المسألة، فان اغفلت ذلك فان حكمها يكون عرضة للبطلان ، حسبما قضى الحكم محل تعليقنا ، (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل التوثيق والامناء الشرعيين، أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة ٢٠٢٥م، ص١٦٥) ، والله اعلم.