تقسيم مبلغ السعاية عند تعدد السعاة

من إشكاليات السمسرة أو السعاية في اليمن تعدد السعاة ، وكيفية تقسيم مبلغ السعاية بينهم، ولا تثور هذه الإشكالية إذا كان عقد السمسرة أو السعاية قد حدد السعاة المتعددين وحدد مبلغ السعاية وكيفية تقسميها بين السعاة المتعددين.

 وكذلك لا إشكالية إذا كان المتعاقد قد تعاقد مع السماسرة المتعددين كل واحد منهم بعقد مستقل يتضمن مقدار سعايته، ولكن الإشكالية تقع في غير هاتين الحالتين، وهي الأحوال الغالبة في اليمن ، إذ لايتم في غالب الاحوال تحديد مبلغ السعاية في العقد أو العقود ، وإذا كان مبلغ السعاية محدداً فانه لا يتم تحديد نصيب كل ساعي من السعاة المتعددين من المبلغ الإجمالي للسعاية، وفي هذه الحالة يتم تحديد نصيب كل ساعي من السعاة المتعددين بحسب الجهد الذي يبذله ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-1-2011م في الطعن رقم (41969)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (حيث اثبت الشاهد السعي والجهد المبذول من جانب الطاعن والمطعون ضده معاً ،وقد أقر الطاعن بإستلامه لمبلغ الدلالة، وقد ذكر الشاهد أن الطاعن والمطعون ضده كانا يتصلا به كل منهم على حده، وأنه لم يحدث انهما اتصلا به معاً، ومن ثم فإن إستئثار الطاعن بمبلغ الدلالة كاملاً ليس له ما يبرره، ولذلك فقد كان تحديد حكم الشعبة للمطعون ضده بثلث مبلغ السعاية هو عين الصواب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: التعاقد مع عدة سعاة أو سماسرة في عقد واحد:

 يتم إبرام عقد السمسرة أو السعاية بقيام الشخص بتكليف الساعي او السعاة المتعددين باليحث عن المتعاقد الذي يرغب بالتعاقد معه ، فيتم التعاقد مع عدة سماسرة أو سعاة إذا قام المتعاقد الراغب بالبيع أو الشراء أو غيره قام بتكليف عدة أشخاص بالبحث له عن المتعاقد الآخر والتوفيق فيما بينهما لإتمام الصفقة أو العقد، ويتم هذا التعاقد بعقد واحد بين الشخص والسعاة المتعددون، والمفروض أن يتضمن عقد السعاية او السمسرة في هذه الحالة اسم الشخص واسماء السعاة المتعددين ومقدار السعاية الإجمالي ومقدار نصيب كل واحد من السعاة ، وقد يتضمن عقد السمسرة في هذه الحالة تقسيم العمل بين السعاة السماسرة المتعددين.

 وقد اجاز القانون التجاري اليمني أن يتم التعاقد مع السعاة المتعددين في عقد سمسرة واحد، وفي هذا المعنى نصت المادة (339) من القانون التجاري اليمني على أنه: (إذا فوض عدة سماسرة بعقد واحد كانوا مسئولين بالتضامن عن العمل المكلفين به إلا إذا رخص لهم في العمل منفردين).

فإذا تم تحديد أجرة السمسرة أو السعاية في هذا العقد وتحديد نصيب كل سمسار منهما وطريقة تسليمها ووقت ذلك فأنه ينبغي العمل بموجب ما ورد في عقد السمسرة المبرم فيما بين المتعاقد والسعاة المتعددين، وإذا كان عقد السمسرة قد اقتصر على تحديد مقدار السعاية ولم يحدد طريقة تقسيمها بين السعاة المتعددين، فيتم تقسيمها بينهم بالتساوي.

أما إذا لم يتم تحديد السعاية في عقد سمسرة السعاة المتعددين فيتم تقديرها بحسب الجهد المبذول وبحسب العرف عملاً بالمادة (327) تجاري التي نصت على أنه: (إذا لم يعين أجر السمسار في القانون أو في الإتفاق عين وفقاً لما يقضي به العرف فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعاً لما بذله السمسار من جهد وما صرفه من وقت في القيام بالعمل المكلف به).

 ومعنى هذا النص أنه عندما لا يتم ذكر مقدار السعاية في عقد السمسرة أو طريقة تقسيمها بين السعاة المتعديين فإن القاضي يقوم بتقدير مقدار السعاية إجمالاً بحسب العرف السائد في المهنة أو الحرفة أو المنطقة، وبعد ذلك يتم تقسيم مبلغ السعاية الإجمالية بينهم بحسب السعي المبذول من كل واحد من السعاة، فقد قضى الحكم محل تعليقنا بأن الطاعن يستحق ثلثي مبلغ السعاية في حين يستحق المطعون ضده الثلث الباقي من السعاية بحسب الجهد المبذول من كل ساعي من السعاة، ومع ذلك فقد كان الطاعن ينازع في تقدير المحكمة ويريد الإستئثار بكل مبلغ السعاية حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا.

الوجه الثاني: تعاقد الشخص مع سعاة متعددين بعقود متعددة:

كان الحكم محل تعليقنا قد ألمح بأن كل ساعي من السعاة المتعددين لم يتواصلوا مع المتعاقد معاً أو في وقت واحد، ومعنى ذلك أن هناك أكثر من عقد سمسرة في الصفقة الواحدة، وحيث أن عقدا السمسرة المبرمين فيما بين المتعاقد والسمسارين لم يتضمنا تحديد مقدار السعاية وكيفية تقسيمها بين الساعين الاثنين، لذلك فقد قضى الحكم محل تعليقنا بتقدير السعاية للساعين بحسب الجهد المبذول لكل واحد منهما.

ومؤدى ذلك أنه إذا تعددت عقود السمسرة مع سعاة عدة وتم تحديد السعاية المستحقة لكل واحد منهم في عقده فإن كل ساعي يستحق السعاية المحددة في عقده ،ولا يجوز للمحكمة عندئذ أن تنقص مقدار السعاية المحددة في عقد السمسرة والسعاية عملاً بالمادة (333) تجاري التي نصت على أنه: (لا يجوز للمحكمة أن تخفض أجر السمسار إذا كان غير متناسب مع الخدمات التي اداها إلا إذا تعين مقدار الأجر أو دفع الأجر المتفق عليه بعد إبرام العقد الذي توسط فيه السمسار).

أما إذا لم يتم تحديد السعاية المستحقة لكل ساعي في عقده فيتم تحديدها بحسب الجهد المبذول من كل ساعي من السعاة المتعددين، بحسب ما قضى به الحكم محل تعليقنا. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في المسائل التجارية الجزء الثالث، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2024م، صـ405).

الوجه الثالث: كيفية إنعقاد عقد السمسرة مع الساعي الواحد والسعاة المتعددين:

ينعقد عقد السمسرة سواءً في حالة التعدد او الإنفراد ينعقد بطلب أو تكليف من المتعاقد الراغب في البحث عن المتعاقد الآخر لابرام الصفقة أو العمل ، فيكلف هذا الشخص الساعي بالبحث عن المتعاقد الآخر والتوفيق بينهما لإتمام الصفقة أو العمل.

 وقد يتم إثبات عقد السمسرة كتابة أو شفاهة، فعقد السمسرة في الحالتين صحيح، فدور الكتابة هو إثبات إنعقاد عقد السمسرة لسهولة إثبات عقد السمسرة عن طريق الكتابة، بيد أنه يجوز لمن له صفة ومصلحة أن يثبت عقد السمسرة بأية طريقة من طرق الإثبات إذا لم يتم إثباته كتابة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الخبرة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ361)، والله أعلم.