رفض إستلام راس المال بعد تصفية المضاربة

إذا اتفق صاحب راس المال مع العامل الذي يضارب براس المال اتفقا على تصفية عملية أو عمليات المضاربة وتحديد أرباح المضاربة خلال الفترة السابقة للتصفية وإستخراج رأس مال المضاربة الخاص بصاحب راس المال ،وتم إعداد قطع حساب بين العامل المضارب وصاحب راس المال ، وقام صاحب المال بإستلام حصته من الأرباح عن الفترة السابقة لقطع الحساب ولكنه رفض إستلام رأس مال المضاربة الخاص به ، ففي هذه الحالة لا يجوز لصاحب المال بعد ذلك الإدعاء بإستمرار عملية المضلربة بالمبلغ الذي سبق لصاحب المال ان رفض إستلامه من العامل المضارب، لأن المضاربة عقد يقوم على الرضاء والإختيار، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 24-11-2009م في الطعن رقم (35300)، فقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (وفيما يتعلق بإدعاء الطاعنين إستمرار المضاربة بعد تحرير قاطع الحاسب فقد ذكرت محكمة أول درجة في حيثياتها رداً على ذلك بقولها أنه إدعاء يفتقد إلى الدليل الذي يؤكده لتقدم ما يكذبه، وهو إقرار المدعين أمام محكمة أول درجة أن والدهم قد رفض إستلام مال المضاربة بعد تحرير قاطع الحساب وبعد عرضه عليه من المطعون ضده المضارب ، وبموجب ذلك حكمت المحكمة الابتدائية بإعتبار إتفاق المضاربة منتهياً في تاريخ تحرير قاطع الحاسب المحرر بخط مورث المدعين الذي أقر فيه بإستلام ما يخصه من الأرباح حتى تاريخ تحرير قاطع الحساب ، وثبوت قيام المدعى عليه بعرض رأس مال المضاربة على صاحب رأس المال وهو مورث الطاعنين في ذلك التاريخ ، كما حكمت المحكمة على المطعون ضده بدفع مبلغ المضاربة إلى الورثة الطاعنين مع كشف بالأرباح التي نتجت عن بقاء هذا المبلغ لدى المطعون ضده حتى تنفيذ الحكم معززاً باليمين على صحة الأرباح ، وهذا الحكم المؤيد بالحكم الاستئنافي موافق في نتيجته للشرع والقانون)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الاول: تعريف عقد المضاربة واحكامه في القانون المدني اليمني

مصدر القانون المدني اليمني هو فقه الشريعة الإسلامية، ولذلك فقد عرّف هذا القانون المضاربة مثلما عرفها الفقه الإسلامي، وفي هذا الشأن نصت المادة (841) مدنى على أن: (المضاربة (القراض) هي أن يدفع شخص هو رب المال أو من يمثله إلى شخص آخر مالاً معلوم القدر والصفة مقابل جزء من الربح معلوم النسبة أو بحسب العرف).

 وبموجب ذلك يقوم الشخص الذي يستلم المال من صاحبه يقوم الشخص المضارب بإستثمار المال وتشغيله ومسك الحسابات اللازمة لعمليات المضاربة وقيد كل النفقات والصرفيات والإيرادات وتحديد الربح المحقق وتقاسمه مع صاحب المال بحسب الإتفاق أو عقد المضاربة السابق إبرامه.

الوجه الثاني: إنتهاء عقد المضاربة في القانون المدني اليمني 

حددت المادة (867) مدني حالات إنقضاء المضاربة، فقد نصت المادة (867) مدني على أن: (تنقضي المضاربة بإنقضاء المدة المتفق عليها أو المدة المعتادة كالموسم ونحوه وبعزل العامل أو موته أو بموت رب المال مع مراعاة ما هو منصوص عليه في المواد الآتية).

وقد ورد في المواد التالية للنص القانوني السابق أنه يجوز للعامل المضارب ولصاحب المال حل أو فسخ عقد المضاربة قبل شروع العامل في العمل، أما إذا إذا كان العامل المضارب قد شرع في تنفيذ عقد المضلربة فيصير العقد لازماً بالنسبة للطرفين ووجب إبقاء رأس المال تحت يد العامل إلى حين إنقضاء المدة المتفق عليها ،حسبما هو مقرر في المادة (868) مدني.

كما لا يجوز لصاحب المال عزل العامل المضارب إذا كان المال عرضاً أو نحوه مما يجوز فيه الربح في المدة المتفق عليها أو المدة المعتادة وإنما يجوز له عزله إذا تيقن عدم الربح، فإن اختلف العامل وصاحب المال قضى بينهما بما هو أصلح من العزل أو التأخير حسبما هو مقرر في المادة (869) مدني.

وإذا مات العامل أو صاحب المال لزم تسليم المال إلى صاحبه أو لوصيه أو لورثته فوراً مالم يكن المال عرضاً ويتقين الربح فيستمر وصي العامل أو وارثه في المضاربة بولاية صاحب المال أو يستمر العامل فيها بولاية من وصي صاحب المال أو وارثه أو بولاية القاضي في الحالتين إن رفض صاحب الولاية أصلاً.

وإذا مات العامل معيناً مال المضاربة كان لصاحب المال عين ماله ، وإذا جهل العامل فلم يعين المال بعينه ولو ذكر حسبه وقدره كان المال كالدين يحاصص به صاحب المال الغرباء وإذا أغفل العامل المال ولا إقرار ولا بينة بالبقاء لحين موته وأنكر وارثه أو أقر مع إدعاء تلف المال كان القول قول الوارث.

الوجه الثالث: إجراءات تصفية المضاربة ودلالتها

تتم تصفية المضاربة وفقاً للإتفاق بين صاحب المال والعامل المضارب ، وتسمى التصفية في هذه الحالة بالتصفية الإتفاقية، ويجوز أن يتم الإتفاق في عقد المضاربة أو في إتفاق لاحق على اجراءات تصفية المضاربة.

أما إذا لم يكن هناك إتفاق بين صاحب المال والعامل بشأن التصفية ولم يتوصل الطرفان إلى إتفاق بشأن التصفية، فيحق لأيٍ منهما أن يتقدم بدعوى إلى القضاء أو التحكيم لتعيين مصفي لإجراء التصفية.

وتتم إجراءات التصفية عن طريق جرد أموال المضاربة وأصولها والوفاء بالديون والنفقات والإلتزامات القائمة وإقتضاء ديونها لدى الغير وتحديد نتائج التصفية وإعادة رأس المال إلى صاحبه وتقسيم الأرباح بين الطرفين بحسب النسبة التي سبق لهما الإتفاق عليها في عقد المضاربة.

وإستكمال إجراءات تصفية عقد المضاربة تدل على إنتهاء عملية أو عمليات المضاربة حتى لو بقي المال لدى العامل المضارب فأنه يكون ديناً بذمته بعد تصفية المضاربة. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2017م، صـ294).

الوجه الرابع: دلالة قاطع الحساب على تصفية وإنهاء عقد المضاربة

كان عماد الحكم محل تعليقنا في قضائه بإنتهاء عقد المضاربة بين الطاعن والمطعون ضده كان عماده قاطع الحساب الذي اعده مورث الطاعنين الذي تضمن حساب الأرباح والخسائر والمصاريف وتحديد حصة كل طرف من المرابحة خلال الفترة السابقة على إعداد قاطع الحساب والتوقيع عليه من قبل الطرفين.

 ويطلق في اليمن على الكشف المتضمن النتيجة النهائية للحساب يطلق على هذا الكشف (قاطع الحساب) أو (قطع الحساب)، لأنه يقطع كل قول، فلا يجوز للموقعين على هذا الكشف الإدعاء بعد التوقيع على هذا الكشف بأن هناك حقوق أو مطالبات بشأن العلاقة السابقة التي قطعها ذلك الحساب.

 وبناءً على ذلك فإن قاطع الحساب يدل على إنتهاء المضاربة حتى لو ظلت بعض المبالغ لدى المضارب طالما أنه لم يتم الإتفاق بعد قطع الحساب على الدخول بذلك المبلغ بعملية مضاربة أخرى. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل البنوك والمصارف، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ259).

الوجه الخامس: دلالة عرض العامل المضارب إعادة رأس مال المضاربة إلى صاحب المال بعد الإنتهاء من اجراءات التصفية:

كان من ضمن الأدلة التي استند إليها الحكم محل تعليقنا على إنتهاء عقد المضاربة فيما بين الطاعن والمطعون ضده هو قيام العامل المضارب بعرض إعادة المال إلى صاحبه بعد التوقيع على قاطع الحساب بين الطرفين، فقيام العامل بعرض إعادة رأس مال المضاربة إلى صاحبه بعد اجراءات التصفية ورفض صاحب المال إستلام راس المال دليل على إنتهاء علاقة المضاربة بين الطرفين حتى لو ظل رأس المال لدى المضارب.

الوجه السادس: ربح رأس المال المتبقي لدى العامل بعد إنتهاء المضاربة المحكوم به بموجب الحكم محل تعليقنا:

مع أن الحكم محل تعليقنا كان قد قضى بإنتهاء عقد المضاربة فيما بين الطاعن والمطعون ضده إلا انه قضى أيضاً بإلزام المطعون ضده بدفع عائدات إستثمار رأس المال الذي تركه مورث الطاعن لدى المضارب أو العامل وألزم الحكم العامل بأن يحلف اليمين على صحة إحتساب عائدات إستثمار ذلك المبلغ خلال مدة تصل إلى 12 سنة، لأن العامل قد قام خلال تلك الفترة الطويلة بإستثمار وتشغيل ذلك المبلغ ضمن نشاطه التجاري الواسع جداً، فلم يقم العامل بإيداع المبلغ في حساب مورث الطاعنين بعد رفضه الإستلام، كما لم يقم العامل بتجنيب ذلك المبلغ عن نشاطه التجاري وإنما كان داخلاً في نشاطه.

 فالربح الذي قضى به الحكم محل تعليقنا لايدل على إستمرار المضاربة بين الطرفين وانما كان هذا الربح عائد إستثمار المبلغ في النشاط التجاري للمحكوم عليه، والله اعلم.