إشكالية إستعمال الأفراد لمسمى الإستثمار في عقودهم

إشكالية إستعمال الأفراد لمسمى الإستثمار في عقودهم

من أسباب الخصومات والنزاعات التي تحدث بين الأفراد في اليمن قلة التوعية الشرعية والقانونية بالمعاملات المالية الشرعية المعاصرة الكثيرة الوقوع في الحياة اليومية، مثل المضاربة الشرعية والمشاركة الشرعية، وعدم فهم الفرد لنوع وتكييف المعاملة التي يقوم بها وتسميتها الشرعية وأحكامها وآثارها في الشريعة والقانون المدني اليمني المستفاد من احكام الشريعة الإسلامية، ومن ذلك أن الفرد في اليمن يستعمل مصطلح الاستثمار ويسمي هذا العقد عقد إستثمار عندما يقوم بدفع مبلغاً من المال إلى تاجر او شركة أو محل لتشغيل ذلك المبلغ ،في حين أن مصطلح(الاستثمار) مصطلح هلامي عام يشمل عدة انشطة في مجالات متعددة ، فالفرد الذي يقوم بوضع ماله لدى المحل أو الشخص هذا الفرد لايستعمل المصطلح الشرعي اوالقانوني المناسب كالشراكة والمضاربة والدين والإستثمار.

  ولذلك يختلف الطرفان بشأن نوع العلاقة التي نشأت بينهما ، فعند ثبوت إستلام التاجر للمبلغ من الغير عندئذٍ يجب على القاضي أن يبحث ويدرس ويحقق في أوراق القضية وأدلة الخصوم للوقوف على الغرض من دفع المبلغ سيما عندما يتم دفع المبلغ بشيكات أو نقداً أو عندما يكون سند إستلام التاجر للمبلغ خالياً من بيان الغرض من تسليم المبلغ إلى التاجر أو مالك المؤسسة التجارية اوالمحل ، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 15-2-2011م في الطعن رقم (43088)، المسبوق بالحكم الابتدائي الذي قضى: (بثبوت أن المبالغ المسلمة من المدعي إلى المدعى عليه البالغ قدرها.... هي للشراكة في النشاط التجاري الذي يباشره المدعى عليه وليست ديناً ، وأن المبالغ التي كان المدعي يستلمها من المدعى عليه كانت ربحاً عن تلك المبالغ التي سبق للمدعي أن دفعها للمدعى عليه ،وكذا إلزام المدعى عليه بدفع بقية الأرباح)، وقد كان المبلغ الذي دفعه المدعي إلى المدعى عليه عن طريق شيكات ، ولذلك فقد توصلت المحكمة إلى أن الغرض من دفع تلك المبالغ هو الشراكة ، فقد توصلت المحكمة الى ذلك عن طريق شهادات الشهود، وقد كان المدعى عليه قد رد على الدعوى في البداية ان المبالغ المدفوعة من المدعي كانت دينا له ، وانه قدد سدد ذلك الدين، ولاحقا ذكر المدعى عليه أن المبالغ المدفوعة من المدعي إليه كان الغرض منها الإستثمار في شركته وليس الشراكة فيها، وقد قام المدعى عليه بإستئناف الحكم الابتدائي إلا أن الشعبة الإستئنافية رفضت الإستئناف وقضت بتأييد الحكم الإبتدائي ، فلم يقنع المستأنف بالحكم الاستئنافي فقام بالطعن بالنقض في الحكم الاستئنافي ، غير أن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا أقرت الحكم الاستئنافي، وقد ورد ضمن أسباب حكم المحكمة العليا: (فالبين أن الحكم المطعون فيه المؤيد لحكم المحكمة التجارية الابتدائية فيما يتعلق بدعوى الشراكة المقدمة من المطعون ضده قد بني على أساس أدلة سائغة اقيمت أمام محكمة أول درجة تكفي في مجموعها لثبوت الشراكة، وسلامة ما توصلت إليه الشعبة في حكمها ، حيث مضى المطعون ضده في اليمين على ما يدعيه تكميلاً لشهادة أحد الشهود ، فضلاً عن أن الطاعن لا يجحد المبلغ المدعى به ، وإنما كان يدعي أن المبلغ المدفوع له من قبل المطعون ضده كان ديناً وأنه قام بتسديده إلى المطعون ضده على أقساط غير أن الطاعن لم يتمكن من إثبات ذلك، بل أن الثابت أن الطاعن قد دفع إلى المطعون ضده أكثر من الدين المدفوع إلى الطاعن فلو كان المبلغ ديناً لما دفع الطاعن أكثر منه)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:

الوجه الأول: مفهوم الإستثمار في قانون الإستثمار اليمني:

لم يعرف قانون الإستثمار اليمني رقم (3) لسنة 1446هـ، وكذا القانون السابق له، لم يعرفا مصطلح (الإستثمار)، ولكنهما عرّفا المستثمر والمشروع الإستثماري والمال الذي يتم إستثماره.

 فقد عرّف القانون في المادة (2) ضمن تعاريف المصطلحات القانونية الواردة في القانون عرّف المشروع الإستثماري بأنه: (المشروع: كل نشاط أياً كان شكله القانوني يدخل في أوجه الإستثمار المحددة في المادة (1) والمرخص له وفقاً للقانون).

 كما عرّفت المادة (2) أيضاً مصطلح المستثمر بأنه (المستثمر: كل شخص طبيعي أو إعتباري يمني أو عربي أو أجنبي يرغب بالإستثمار أو يمتلك مشروع أو يساهم فيه وفقاً للقانون)، وكذا عرّف القانون المال المستثمر بأنه (المال المستثمر وفقا للقانون).

ومن جهة أخرى اكتفى القانون المشار إليه في المادة (1) بتحديد المجالات التي لا يعد العمل فيها من قبيل الإستثمار كإستخراج النفط والغاز والمعادن وصناعة الأسلحة والصناعات المضرة بالبيئة وأعمال البنوك والمصارف وتجارة الإستيراد وبيع التجزئة، وما سوى ذلك يكون من قبيل النشاط الإستثماري الذي ينطبق عليه مفهوم الإستثمار في القانون، فقد أهتم قانون الإستثمار بالأنشطة الإستثمارية ولم يعرّف الإستثمار من حيث ماهيته.

الوجه الثاني: مفهوم الإستثمار في الإقتصاد:

يعرّف رجال الإقتصاد الإستثمار بأنه: توظيف الأموال أو الأصول في إنتاج أو شراء سلع أو خدمات بغرض الحصول على منفعة أكبر في المستقبل سواءً أكانت هذه المنفعة زيادة في القيمة أو مصدر دخل جديد.

ويتخذ الإستثمار أشكالاً مختلفة تشمل الأصول المادية مثل العقارات والمعدات والأصول غير المادية كحقوق الملكية الفكرية أو الاسهم والسندات لتحقيق منافع مالية في الحاضر والمستقبل .

 ويشمل مفهوم الاستثمار الانتاج والتصنيع والاستيراد والتصدير والتوزيع والتوكيل والبيع والمتاجرة...الخ، كما يتسع مفهوم الاستثمار ليشمل كافة نواحي الاقتصاد كالزراعة والصناعة والتجارة والصحة...الخ.

وبناءً على هذا المفهوم الواسع للاستثمار فإن الإستثمار مصطلح عام، وعلى هذا الأساس تندرج ضمن مفهوم الإستثمار كل عقود المعاوضة المالية أو العقود التي يكون محلها تشغيل المال مثل عقود المضاربة والمرابحة والمشاركة والإجارة التمويلية...إلخ.

الوجه الثالث: أهمية التكييف القانوني الصحيح للعلاقة المالية بين الافراد التي التي يطلقوا عليها مسمى الإستثمار:

عندما يقوم الأفراد بتوظيف أموالهم لدى الاشخاص او الشركات أو المحلات فأن كثيرا منهم يستعمل مصطلح الاستثمار ،فهم لا يستعملوا المصطلح الشرعي أو القانوني المناسب للتصرف كالمضاربة أو المشاركة ،وبدلاً من ذلك يستعملوا المصطلح الهلامي (الإستثمار).

 ولذلك يجب أن يتم التكييف القانوني الصحيح للعلاقة المالية التي نشأت بين الطرفين بمسمى عقد الإستثمار ،حتى يتم الوصول إلى تحديد المسمى الشرعي والقانوني للتصرف أو العلاقة في ضوء الدراسة والبحث عن إرادة المتعاقدين، حتى يتمكن القاضي من التطبيق الصحيح للقانون ،مثلما قضى الحكم محل تعليقنا.

ووفقا لاحكام المضاربة في الفقه الاسلامي والقانون المدني اليمني فإذا كان اسم العقد إستثمار وتضمن هذا العقد ان صاحب المال يسلم ماله الى صاحب الشركة أو المؤسسة أو المحل بغرض إستثماره في نشاط الشركة أو الموسسة أو المحل فان مسمى عقد الإستثمار في هذه الحالة تنطبق عليه أحكام المضاربة المقررة في الفقه الاسلامي والقانون المدني، واغلب عقود الاستثمار في الشركات والمؤسسات التجارية في اليمن تنطبق عليها أحكام المضاربة، فالمضاربة هي قيام صاحب رأس المال بتقديم ماله إلى غيره كي يستثمره ويشغله مقابل نسبة شائعة من الربح يتم الإتفاق عليها مقدماً ، وإذا وقعت خسارة فإن صاحب المال وحده هو الذي يتحمل خسارة ماله، في حين أن صاحب العمل يتحمل خسارة عمله..

 اما اذا تضمن عقد الإستثمار النص على أن المستثمر يشارك الشخص او الموسسة أو المحل بماله وعمله ، فان عقد الإستثمار في هذه الحالة تنطبق عليه اجكام المشاركة الشرعية المقررة في الشريعة والقانون اليمني ،لان الشراكة عبارة عن مشاركة الطرفين أو الأطراف بالمال والعمل معا لإستثمار أموالهم وعملهم وتقاسم الأرباح والخسائر بحسب حصة كل واحد منهم في المال والعمل. (النظرية العامة للمصرفية الإسلامية، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2016م، صـ279).

الوجه الرابع: أهمية التوعية الشرعية بأحكام المضاربة والمشاركة في الشريعة الإسلامية والقانون اليمني وتوصيتنا:

ليس خافياً أن غالبية الأفراد في اليمن يقوموا بإيداع أموال في شركات ومؤسسات ومحلات ولدى أشخاص يقوموا بمباشرة أنشطة تجارية أو اقتصادية وفي عقود يطلقوا عليها اسم عقود إستثمار .

 ويتم النص في هذه العقود على أن الغرض من دفع هذا المال أن يقوم الشخص أو الشركة التي تم دفع المال إليها بإستثمار ذلك المال وتشغيله مقابل أرباح يحصل عليها صاحب المال المدفوع.

 وفي غالب الحالات لا يستعمل الأفراد المصطلح الشرعي والقانوني الصحيح (مضاربة/ مشاركة) ، وبدلاً من ذلك يستعمل هؤلاء مصطلح (الإستثمار) المصطلح الهلامي، الذي يؤدي إلى وقوع نزاعات بين أصحاب الأموال المودعة وأصحاب النشاط بشأن تكييف هذه العلاقة.

ومن خلال مطالعتنا المستمرة والكثيرة نجد أن خصومات ونزاعات كثيرة تقع بين الأشخاص بسبب عدم معرفة هؤلاء بأحكام المضاربة أو المشاركة والفرق بينهما، ولذلك نوصي بضرورة التوعية القانونية المستدامة بأحكام المضاربة والمشاركة المقررة في الفقه الاسلامي والقانون المدني بإعتبارهما من المعاملات المالية الشرعية الشائعة في الوقت الحاضر في اليمن،وان الاستثمار عبارة عن مفهوم وليس عقدا ، وكذا حث الأفراد على إستعمال المصطلحات الشرعية والقانونية الصحيحة بدلاً من المصطلح العام الهلامي (الإستثمار). (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشركات الجزء الأول، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2025م، صـ318)، والله أعلم.