تتداخل خبرة الطبيب الشرعي وتخصصه بتخصصات وخبرات أخرى مثل أعمال الخبرة في الأسلحة والذخائر وأعمال الخبرة في مجال الحروق والكيماويات والسموم واعمال الخبرة في مجال الأدلة المادية الجنائية وغير ذلك نتيجة التشابه فيما بين أعمال الخبرة التي تدخل ضمن اختصاص الطبيب الشرعي لأعمال الخبرة الأخرى المشابهة والمقاربة لخبرة الطبيب الشرعي، وهذه اشكالية عملية وواقعية تحتاج الى تسليط الضوء عليها ، ومن هذا المنطلق كانت فكرة التعليق على الحكم الصادر من الدائرة الجزائية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 2007/3/28م في الطعن الجزائي رقم (27608) لسنة 1427هـ وخلاصة اسباب هذا الحكم) وحيث ان المتهم الطاعن بالنقض المحكوم عليه بالاعدام قد اثار في طعنه مسائل فنية دقيقة تتطلب اجراء تحقيق موضوعي واستدعاء الطبيب الشرعي الذي قدم تقريره الى محكمة اول درجة الذي تضمن ان المقذوف الذي اخترق جسم المجني عليه قد انطلق من مسدس المتهم الطاعن بالنقض، ولان تحديد العيار المقذوف لا يكون الا عن طريق خبير الاسلحة وليس الطبيب الشرعي، ولذلك ينبغي ان يتم عرض الاسلحة والمقذوفين المضبوطة الى المعمل الجنائي لفحصها وتحديد السلاح الذي تم اطلاق المقذوف الناري منه الذي اصب المجني عليه وارداه قتيلاً هل هو من عيار (7.65) ملم او عيار (7.62) ملم فهناك تساؤلات كثيرة في هذا الشأن إضافة الى ماسبق ومنها هل خضع المقذوفين او العيارين للفحص والمقارنة - وما علاقة المقذوف الناري المصدوم من عيار (7.62) ملم بالحادث والقضية وهل المقذوف الناري المصدوم عيار (7.62) قد تم اطلاقه من المسدس الروسي الكامل الخاص رقم (09036274) عيار (7.62) ملم موضوع الفحص هو المقذوف الناري المستخرج من جسم المجني عليه ام انه مقذوف آخر، فتحديد العيار الناري المقذوف لا يكون إلا من قبل خبير الأسلحة وليس الطبيب الشرعي حيث ينبغي ان يتم عرض المقذوف الناري المستخرج من جسم المجني عليه وذلك على خبير الاسلحة لتحديد ما اذا كان هذا العيار او المقذوف قد انطلق من مسدس المتهم وان يتم اعداد تقرير فني بذلك من خبير الاسلحة والذخائر من قسم فحص الأسلحة النارية بالمعمل الجنائي، ولأن القضية تحتاج الى استيفاء المسائلة الفنية السابق ذكرها فان الدائرة تقرر نقض الحكم المطعون فيه واعادة الأوراق الى محكمة الاستئناف لإجراء التحقيق الفني المشار اليه واستيفاء النقص وفقاً لما سبق من اسباب والحكم في ضوء ما يتقرر شرعاً وقانوناً وسيكون تعليقنا على هذا الحكم بحسب الأوجه الآتية:
الوجه الأول: ماهية خبرة الطبيب الشرعي
يختص الطبيب الشرعي وفقاً للقوانين واللوائح بالمسائل الطبية الشرعية وهي كثيرة من أهمها تحديد سبب الوفاة ووقتها وتحديد عمر المتهم والفحص الظاهري والباطني للجثث في حالات الوفاة الجنائية لتحديد الاصابات التي لحقت بها ونوعها، وعلى هذا الاساس فإن اختصاص الطبيب الشرعي يتحدد في بيان سبب الوفاة في القضية التي اشار اليها الحكم المطعون فيه بالقول ان سبب الوفاة هو اختراق مقذوف ناري لجسم المجني عليه وان يذكر الاعضاء الداخلية التي اصابها المقذوف وتسببت في وفاة المجني عليه وان يذكر ايضاً فتحة دخول المقذوف وقطرها وكذا فتحة خروج المقذوف وقطرها واتجاه الرماية عن طريق تحديد اتجاه الطلقة في جسد المجني عليه وكذا بيان ما اذا كانت الطلقة قد اتجهت من اعلى الى اسفل او العكس - اما تحديد نوع المقذوف وقطره والسلاح الذي انطلق منه المقذوف فليس من اختصاص الطبيب الشرعي حسبما ورد في الحكم محل تعليقنا لأن ذلك من اعمال الخبرة التي تندرج ضمن اختصاص خبير الاسلحة والذخائر والاسلحة والذخائر علم مستقل عن الطب الشرعي يحتاج الى خبير متخصص به حتى يتم الاستناد الى تقريره في الحكم القضائي.
الوجه الثاني: ماهية خبرة خبير الاسلحة والذخائر
الاسلحة والذخائر والمتفجرات علم مستقل له مجالاته وتخصصاته وخبراته، حيث يختص هذا العلم بدراسة وفحص الاسلحة والذخائر والمتفجرات بمختلف انواعها وعياراتها وبيان خصائصها ومزاياها وعيوبها ومركباتها ومكوناتها والآثار التي تحدثها في المجني عليه وفي مسرح الجريمة وكيفية الاستدلال بآثارها في إثبات الأفعال الجنائية وتحديد النوع المستخدم في الافعال الجنائية، وعلى هذا الاساس فان علم الاسلحة والذخائر والمتفجرات علم مستقل عن الطب الشرعي، وان فحص ودراسة الاسلحة والذخائر ليس من اختصاص الطبيب الشرعي فليس من اهل الخبرة في هذا التخصص، وقد اشار الحكم محل تعليقنا على هذا المفهوم وبناءً على هذا المفهوم لعلم الاسلحة والذخائر فإن تحديد نوع السلاح المستخدم في الجريمة التي اشار اليها الحكم محل تعليقنا هل هو مسدس روسي كامل او ميكروف روسي و تحديد العيار الناري المقذوف هل هو عيار (7.62) ام عيار (7.65) وكذا تحديد اتجاه الرماية التي اصابت المجني عليه هل كانت قريبة ام بعيدة ام ملاصقة لجسد المجني عليه، فكل هذه المسائل الفنية من اختصاص خبير الاسلحة والذخائر وليس الطبيب الشرعي فهناك علامات يستدل بها خبراء الأسلحة والذخائر لتحديد نوع المقذوف الذي اخترق جسم المجني عليه وتحديد نسبته الى سلاح بعينه وتحديد المظروف (المعبر) الذي خرج منه المقذوف فهذه المسائل الفنية من اختصاص الخبير في مجال الاسلحة والذخائر وليس من اختصاص الخبير في الطب الشرعي حسبما ورد في اسباب الحكم محل تعليقنا.
الوجه الثالث: سبب الخلط بين الخبرة في الطب الشرعي والخبرة في علم الاسلحة والذخائر
يرجع السبب الرئيسي في ذلك الى ان مقرر الطب الشرعي يتضمن في مفرداته الادلة المادية وطرق التشريح وعلم السموم والكيماويات وأنواع الوفاة وطرقها ووسائلها والاسلحة والذخائر والمتفجرات ويتولى تدريس هذا المقرر الطبيب الشرعي وليس غيره، كما ان الطبيب الشرعي هو الذي يتولى تأليف هذا المقرر بكل مفرداته مع ان اغلب هذه المفردات ليست من مسائل الطب الشرعي فمثلاً علم الادلة المادية الذي يتناول اثار عجلات السيارة والمواد الموجودة في مسرح الجريمة ، ولذلك فان. كثير من الدول تعيد النظر في تسمية هذه المقرر حيث صارت تطلق عليه الادلة المادية والفنية للجريمة) حيث يتولى تدريسها طبيب شرعي واخصائي اسلحة وذخائر واخصائي كيماويات وسموم واخصائي ادلة مادية ، وقد صرح الحكم محل تعليقنا بان هناك خلط واضح بين الطب الشرعي وغيره من التخصصات.
الوجه الرابع: ضرورة اصدار قانون ينظم الطب الشرعي وانشاء هيئة مختصة بالطب الشرعي
مع تحفظنا على هذه التسمية فإننا نرى انه من اللازم اصدار قانون او لائحة تنظيم مسائل الطب الشرعي والمسائل الفنية المتصلة به حيث ان غالبية الدول قد اصدرت قانون بمسمى (قانون الخبرة ينظم اعمال الخبرة وانواعها ويبين من هم الخبراء وتقاريرهم وشروط الخبير ... الخ وغيرها من المسائل ونحبذ ان تسلك اليمن هذا المسلك، كما ان غالبية الدول ان لم تكن كلها قد انشأت هيئات للخبرة أو ما يسمى الطب الشرعي تتولى الاشراف والمتابعة والتنظيم لاعمال الخبراء ومنهم الخبراء في مجال الطب الشرعي والاسلحة والذخائر وغيرها ونتمنى أيضاً على المشرع في اليمن أن يخطوا هذه الخطوة المباركة.
الوجه الخامس: أهمية المام القاضي بالجوانب النظرية للطب الشرعي والاسلحة والذخائر
من خلال المطالعة للحكم محل تعليقنا يظهر لنا كيف تنبهت الدائرة الجزائية للخلط الذي وقع في الحكم الاستئنافي المنقوض فيما بين اختصاص الطبيب الشرعي واختصاص فني الاسلحة والذخائر فذلك يظهر اهمية المام القاضي بالجوانب النظرية المسائل الطب الشرعي والاسلحة والذخائر والمتفجرات وعلم السموم والكيماويات والادلة المادية التي يتم العثور عليها في مسرح الجريمة حتى يمكن للقاضي التأكد عن طريق الجانب النظري من صحة وسلامة اعمال هؤلاء الخبراء وصفاتهم، والله اعلم.