في حالات كثيرة تكون طلبات الشفعة في اليمن غير جدية يستهدف منها طالب الشفعة الحصول على (السعاية)، ولذلك كي تكون الشفعة مقبولة فأنه يجب على الشفيع طالب الشفعة أن يلحق طلبه الشفعة بدفع ثمن العين المشفوعة الذي سبق للمشتري المشفوع منه أن دفعه للبائع مع ملحقات الثمن حتى يدلل الشفيع على جدية طلبه الشفعة وعدم تراخيه، حسبما قضى الحكم الصادر عن الدائرة المدنية بالمحكمة العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 31-5-2010م في الطعن رقم (36179)، وقد ورد ضمن أسباب الحكم المشار إليه: (فقد وجدت الدائرة: أن نعي الطاعن في غير محله، فلم تشب الحكم المطعون فيه أية شائبة أو عيب في الإجراءات، فقد استند الحكم المطعون فيه استد في قضائه إلى شهادة الشهود بتراخي الطاعنين عن طلب الشفعة في المدة المحددة قانوناً ، فقد ذكرت الشعبة في حيثيات حكمها ان : هذه الشهادة اقرها ويحتج بها طالب الشفعة على أن المشفوع منه قد اطلق الشفعة طوعاً ، بينما يحتج ويستدل بها المشفوع منه على تراخي طالبي الشفعة وعدم تسليمهما للثمن في حينه ، والظاهر صحة ما استدل به المشفوع منه بعدم تقديم طالبي الشفعة ما يدل على أنهما سلما ثمن العين المشفوعة حال طلبهما الشفعة، فإحتجاجهما بتسليم الثمن إلى الأمين الشرعي هي دعوى ينقصها البرهان، فمضي هذه المدة الطويلة يدل على تراخي الشافعين وعدم جديتهما في الطلب)، وسيكون تعليقنا على هذا الحكم حسبما هو مبين في الأوجه الآتية:
الوجه الأول: وقت دفع الشفيع لثمن العين المشفوعة في الفقه الإسلامي
اختلف الفقه الإسلامي في هذه المسألة على قولين: القول الأول: يذهب إلى أنه ينبغي على الشفيع أن يدفع ثمن العين المشفوعة إلى المشتري وقت طلب الشفيع الشفعة، وهو قول غالبية الفقهاء ، لأن مفهوم الشفعة يقتضي ذلك في الأحكام الشرعية للتدليل على قدرة الشفيع على دفع الثمن وملحقاته ، وللتأكيد على جدية الشفيع في طلبه الشفعة ، وحتى لا يلحق المشتري المشفوع منه الضرر جراء تأخير دفع الثمن وملحقاته الذي سبق للمشتري أن دفعه للبائع له.
أما القول الثاني: فقد ذهب إلى أنه يجوز للشفيع أن يؤخر دفع الثمن حتى يقبض العين أو يحكم له القاضي بها، وهو قول جماعة من الفقهاء ، فلا يلزم أن يقوم الشافع بدفع ثمن العين المشفوعة وقت طلبه الشفعة، ولضمان حق المشفوع منه في الثمن الذي سبق له أن دفعه للبائع فأنه يحق للمشفوع منه أن يحبس العين المشفوعة في يده فلا يسلمها للشافع إلا بعد أن يدفع الشافع ثمنها. (فقه المعاملات المالية وتطبيقاتها المعاصرة، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء الجديدة 2021م، صـ244).
الوجه الثاني: وقت دفع الشافع لثمن العين المشفوعة في القانون المدني اليمني
نصت المادة (1282) من القانون المدني على أنه (يشترط للحكم بالشفعة أن يكون الشفيع قادراً على دفع الثمن أو قيمته وقت الطلب ، ويحكم بالشفعة للشفيع القادر إذا غاب المشتري أو تمرد عن الحضور) ، كما نصت المادة (1283) مدني على أنه (إذا طلب المشتري أن يدفع له الشفيع ما يلزمه دفعه فلا يحكم له بالشفعة إلا بعد أن يدفع المشتري مالم ير القاضي بناءً على طلب الشفيع لعذر مقبول تأجيل الشفيع لأجل معلوم لا يزيد على عشرة أيام مع الحكم له بالشفعة ، وللقاضي أن يشترط على الشفيع بطلان الشفعة عند عدم دفعه في الأجل) ، وفي هذا السياق نصت المادة (1284) مدني على أنه (لا تبطل الشفعة بمطل الشفيع بعد الحكم له بها إلا إذا شرط عليه القاضي ذلك عند عدم دفعه في الأجل أو كان المشتري قد شرط عليه ذلك وقبل) وكذا نصت المادة (1285) مدني على أنه (إذا تمرد الشفيع أو ماطل بعد الحكم له بالشفعة ولا شرط عليه فللحاكم أن يمهله إلى أجل معلوم وإلا حكم عليه من ماله ولو من المشفوع).
ومن خلال مطالعة جميع النصوص القانونية السابقة يظهر أن القانون المدني اليمني لم يشترط على الشفيع دفع ثمن العين المشفوع وقت طلبه الشفعة ، فيكفي في القانون اليمني أن يكون الشفيع قادراً على دفع الثمن وقت طلبه الشفعة، بل أن القانون اليمني قد اجاز للقاضي أن يحكم للشفيع بالشفعة قبل دفعه لثمن العين المشفوعة، وهذا الأمر يثير نزاعات وإشكاليات لا حصر لها حتى بعد حكم القاضي بالشفعة بسبب عدم دفع الشفيع لثمن العين المشفوعة، ولذلك فنوصي المقنن اليمني بأن يأخذ بما أخذت به القوانين العربية التي اشترطت أن يقوم الشفيع بإيداع ثمن العين المشفوعة وقت طلبه الشفعة أو قبل تقديمه دعوى الساعة إلى المحكمة ، فإن قضت المحكمة بالشفعة فقد ملكت المحكمة بحكمها العين للشفيع بمجرد النطق بالحكم بالثمن المودع في المحكمة ، وإن لم تحكم بالشفعة إستعاد الشفيع المبلغ الذي دفعه.
الوجه الثالث: وقت دفع الشفيع لثمن العين المشفوعة في القوانين العربية
اشترطت القوانين العربية أن يقوم الشفيع بإيداع ثمن العين المشفوعة بعد إعلانه رغبته بالشفعة بخمسة عشر يوماً ، وغالبيتها اشترطت عدم قبول دعوى الشفعة حتى يقوم الشفيع بإيداع ثمن العين المشفوعة في خزينة المحكمة، فعلى سبيل المثال نصت المادة (942) من القانون المدني المصري على أنه يجب على الشفيع أن يودع الثمن كاملاً في خزانة المحكمة الكائن في دائرتها العقار خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ إعلانه الرغبة في الأخذ بالشفعة. (التعليق على أحكام المحكمة العليا في مسائل الشفعة ، أ. د. عبد المؤمن شجاع الدين، مكتبة الصادق جولة جامعة صنعاء ٢٠٢٣م، ص٣٢٢)، والله اعلم.
![]() |
في القانون اليمني |